..
وما الإنسان في هذه الأرض سوى أعمال..
إذن.. مما سبق فالشق الأنثوي أو "الروح الأنثوية" إنما تمثل عالم القيمة والمعنى السام،
وهذه الروح السامية تنشأ وتنمو وتتألق في داخل البيوت ( وقرن في بيوتكن )، لأنها الروح الحاضنة والراعية لروح لإنسان الخليفة، الروح التي تنظر بشمولية لكل ما ومن حولها..
ولست أتحدث عن التربية هنا، ولكن أتحدث عن هذه الروح بشكلها الأولي، كمشاعر من المودة والرحمة والحنان تبثها المرأة لأسرتها، لزوجها الرجل وأطفالها الذكور والإناث، فتكون هذه المشاعر عبارة عن البنية المعنوية السامية التي سترافق الرجل عندما يخرج لبناء أسس العالم الخارجي.. وكذلك سترافق الأبناء ذكوراً وإناثاً.
أما الشق الذكري أو الروح الذكرية تمثل عالم البناء والمادة،
وهذه الروح المادية تنشأ وتنمو وتتألق في العالم الخارجي، فهي الروح التي تبني هذا العالم، وتشكله، هي روح الإقدام والشجاعة والتنافس، فالعالم الخارجي مليء بالأخطار، مليء بالعقبات، مليء بالتحديات.. هو عالم الشقاء والمكابدة، الذي به يبني بنو آدم الأرض ويسخرونها لخدمة.. خدمة ماذا ؟! خدمة دين الله أم خدمة أنفسهم؟!
بالتالي الرجل السوي، سيواجه العالم الخارجي بشجاعة وإقدام ونشاط إنما بحس مرهف يهتم بتحديد قيم ومعان سامية لأي مشروع قبل الشروع به، فهو إن أراد أن يصنع منتجاً على سبيل المثال، فهو سيحرص على القيمة المعنوية التي يمثلها هذا المنتج، وسيحرص على أن تكون معايير الصنع والإنتاج سامية، بالتالي مهما كان الربح مغرياً، ومهما بدت فكرة بناء هذا المشروع عظيمة في ظاهرها، إلا أنه بفطرته السليمة المُلهَمة الخير والتقوى، سيحرص أشد الحرص على فترة من الرعاية للفكرة، والنظر بشمولية لتقييم النفع والضرر قبل الشروع بها.
وهذه مسألة تتجاوز اتباع المسلم للحلال والحرام ( وتتضمنه طبعاً )، لأننا هنا نتحدث عن مسلم فطرته الحنيفية سليمة، لأنه قد يوجد مسلم يميل لجبلته البشرية التي تحب المال والشهرة والاستهلاك، ولكنه مجبور على اتباع معايير معينة قيمية تتعلق بالحلال والحرام.
بمعنى أننا نتحدث عن مفهوم أدق من الحلال البين والحرام البين. ولكن نتحدث عن ما قد لا يظهر بوضوح أنه حرام، مما قد يكون تحت تصنيف الخبيث، مثل منتجات الطعام الصناعية التي تدخل فيها مواد كيماوية ضارة بالجسم، فهذا طعام حلال كما يبدو في ظاهره ولكنه ليس طيباً قطعاً، بل خبيث.
وفي ذات الوقت هذا الرجل سوي الفطرة، مضبوط الجبلة بإذن الله تعالى، هذا الرجل حتى في قتاله أعدائه، لديه معايير سامية، وأفضل مثال يخطر ببالي –بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم-، هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو في المعركة، وقد ملّكه ربنا سبحانه وتعالى من عدوه، ويكاد أن يغرز فيه سيفه.. وفي تلك اللحظة يبصق الكافر في وجهه، فماذا فعل ؟! بإذن الله تعالى استطاع أن يضبط جبلته في تلك اللحظة التي تدفعه كي ينتصر لنفسه، وهو أصلاً في وضع قتالي كل دمائه مستنفرة.. ولكنه تركه! قائلاً له ( بما معناه ).. أما من قبل فكنت سأقتلك لأجل الله تعالى، أما بعد أن بصقت في وجهي فإن قتلك كان سيكون انتصارا لنفسي!
هذه هي الفطرة الحنيفية السليمة للنفس، ملهمة التقوى والمائلة عن الفجور.
وهنا أريد أن أشير إلى نقطة غاية في الأهمية..
أن المنهج الإسلامي الإيماني والتطبيقي ( الدين القيم )، فيه إمكانية ذاتية مودعة فيه من رب العالمين وبقدرته جل وعلا لتقويم الخلل الذي نشأ عليه مَن خالف الفطرة القويمة الحنيفية الإنسانية والخاصة ( الأنثوية الذكرية )، ونشأ تنشئة غير سوية ( غير إسلامية ).
وهذا واضح في تربية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورأيناه فيمن لم يكونوا مسلمين وأسلموا.
ونراه في أنفسنا عندما تستقيم وتتبع هدى الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة.. يوماً بعد يوم..
يتبع.. إن شاء الله