المحرر موضوع: حينما يصبح العلم رسالة ... المسلمون والطب...  (زيارة 6805 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وسام

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 174
  • الجنس: ذكر
أهمية العلم فى الإسلام:

من بين آلاف الكلمات فى القرآن الكريم ، يختار الله هذه الكلمة ليبدأ بها آخر وحى السماء إلى الأرض ، إنها " اقرأ " التى نزلت على نبى لا يقرأ فى أمة أيضا جلّها لا يقرأ ، لتعلن للإنسانية جميعها أفول ظلام الجهل وبزوغ فجر العلم ،ولتحرر الناس من نير الخرافة وعبودية الكهانة .

جاءت هذه الكلمة تعلنها ، أضوأ من نور الشمس ، وأوضح من فلق الصبح وأبين من غرة النهار ، أن هذا الدين دين العلم ، ويقررها القرآن فى جلاء أن العلماء هم وحدهم الذين يدركون عظمة الخالق من إعجازه فى خلقه فتزداد خشيتهم له " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ، ويؤكد أنهم أسمى قدرا وأعلى مكانة وأرفع منزلة " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ، بل تعجب حين تسمع قول النبى (صلى الله عليه وسلم ) الذى رواه الترمذى وابن ماجه عن عبدالله بن عباس أنه قال "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد "

لم تكن هذه الحقائق لتغيب عن المسلمين أو لتمر عليهم هكذا دون أن يعوها ويدركوها ، فأيقنوا أن قضية العلم هى القضية الأساسية فى هذا الدين ، وأنه دين لايقوم على الخرافات أو الجهل ، إنما يقوم على أسس علمية ثابتة معروفة ، فانطلقوا يدرسون فى كل مجالات العلم ، يمخرون عبابها ويقطعون فيافيها وقفارها ، حتى بلغوا أعراف الذرى فى الفلك وفى الكيمياء وفى الرياضيات وفى الجغرافيا وفى الفيزياء وفى الجيولوجيا ..... ولم يكن الطب بدعا من هذا ، فقد بلغ المسلمون فيه درجة من التقدم فاقت كل من قبلهم وأذهلت من بعدهم.



الطب عند العرب فى الجاهلية :

ولكى ندرك عظمة ما وصل إليه أطباء المسلمين ، نرجع قليلا إلى الوراء لنرى كيف كان الطب فى الجاهلية فبضدها تتميز الأشياء .

*الطب فى لغة العرب :
الطب بكسر الطاء في لغة العرب يقال على معان منها: الإصلاح، يقال: طببته: إذا أصلحته، ويقال: له طب بالأمور أي: لطف وسياسة، قال الشاعر: ( وإذا تغير من تميم أمرها ... كنت الطبيب لها برأي ثاقب ) ومنها: الحذق، قال الجوهري: كل حاذق طبيب عند العرب، قال أبو عبيد: أصل الطب: الحذق بالأشياء والمهارة بها

أقسام الطب فى الجاهلية :
كان التطبيب فى الجاهلية ينقسم إلى شعبتين :
* شعبة تقوم في جوهرها على الكي بالنار، واستئصال الأطراف الفاسدة، والتداوي بشرب العسل، ومنقوع بعض الأعشاب النباتية، واللجوء إلى التمائم والتعاويذ على يد الكُهَّانِ والعرافين


* شعبة تتجه فى علاجها إلى الحمية وعلى إسداء النصيحة وليدة الخبرة مثل : ( المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء ) و ( القديد مهلك لآكله )


غير متصل وسام

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 174
  • الجنس: ذكر
الطب فى الحضارة الإسلامية :



المستشفيات فى الحضارة الإسلامية :
كان المسلمون هم أول من عرف المستشفيات وأنشأوا أول مستشفى فى العالم فى عهد الخلافة الأموية ، وذلك قبل أن تعرف أروبا المستشفيات بتسعمائة سنة ، بل وإنهم عرفوا المستشفيات المتخصصة فهناك مستشفيات للعيون ومستشفيات للولادة ومستشفيات للكسور وغيرها ، وفى عهد الخلافة العباسية كان هناك حى كامل فى بغداد يسمى بالحى الطبى يحتوى على المستشفيات المختلفة ، وعلى سكن للأطباء ، وعلى حدائق تزرع فيها النباتات الطبية وعلى معامل لصناعة الأدوية .


علم التشريح :

حفظ المسلمون كتب جالينوس وأبوقراط فى التشريح والتى فقدت أصولها اليونيانية ، ليس هذا فقط بل عدلوا عليها وأرشدوا إلى مواطن الخطأ فيها .

وسبق ابن النفيس الإنجليزى ( وليام هارفى ) فى اكتشاف الدورة الدموية الصغرى ( الدورة الرؤية ) بمئات السنين ، وسبق سرفيتيوس بثلاثة قرون فى اكتشاف وإثبات أم الدم ينقى فى الرئتين ، وكان ابن النفيس أيضا أول من اكتشف وجود أوعية داخل جرم القلب تغذيه ، وبذلك كان أول من وصف الشريان الإكليكى وفروعه.


علم الجراحة :


تميز المسلمون فى هذا العلم تميزا منقطع النظير ، فجاء الرازى بموسوعته (الحاوى فى الطب ) والذى ضمنه فصول عدة ومواضيع عديدة فى مختلف فروع الجراحة ، ثم جاء ابن سينا بقانونه الدي ورد فيه الشيء الكثير من الأمور الجراحية والعمليات العديدة ، ثم جاء أسطورة الجراحة أبو القاسم الزهراوى بكتابه ( التصريف لمن عجز عن التأليف ) فقفز بعلم الجراحة إلى الصدارة بين العلوم الطبية الأخرى, واعتُبِرَ الزهراوي بحقٍّ أوَّلَ من فرَّق بين الجراحة والمواضيع الطبية, وأول من جعل أساس هذا العلم قائماً على التشريح لأنه اعتمد هذين الركنين أساساً في بحثه الذي خصصه للجراحة في كتابه, واعتبر الجزء من كتابه (المقالة الثلاثون) التي أفردها للجراحة أول ما كُتِبَ في علم الجراحة مقروناً برسوم إيضاحية كثيرة للأدوات والآلات الجراحية وظل هذا الكتاب هو المرجع الوحيد لدراسة الطب فى أوربا لمدة خمسة قرون ... ليس أحد المراجع بل المرجع الوحيد .

وهنا لابد من وقفة مع ما أبدعه المسلمون فى هذا العلم – علم الجراحة - :

أولا الجراحة العامة :

*علم الكائنات الدقيقة وعدوى الجروح :على الرغم مما يقال من أن المفهوم الكامل عن الكائنات الدقيقة والبكتيريا كمُسَبِّبٍ للمرض
قد أقامه(باستير) واستمر به (ليستر)، فقد كان لدى العلماء المسلمين قديما فكرة عن البكتيريا -وإن تكن غامضة- فقد ذكر ابن خاتمة في بداية القرن 14 أن هناك "أجساما صغيرة تسبب أمراضا "

*التحكم في النزف

لا زال النزيف أهم مشاكل الجراحة اليوم. ومن المدهش أن الطرق الحديثة لا تضيف شيئا جوهريا لما كان يتبعه الجراحون المسلمون. فاستخدام الضغط بالإبهام أو الرباط أو الإسفنج وحتى الكي بالنار والتبريد (الماء البارد), أو فصل الأوعية إذا كانتا غير منفصلتين تماما, وربط اماكن النزف بالعقد من الخيوط الجراحية أو غيرها, كل هذا وغيره ذكره الزهراوي بالتفصيل والإجمال, بل زاد في تحذيره من الضماد الضاغط بزيادة.

* صرف الخراريج
يذكر "كتاب التصريف " بالتفصيل الكامل تفاصيل صرف الخُرَّاج، مكان وطريقة الفتح، تعبئة الجرح، تهيئة أطراف الجلد، ودلالة وأهمية الصرف المضاد، واستعمال الضغط البطيء المستمر التدريجي لتفريغ التجاويف الكبيرة خصوصا أثناء الحمل وأطراف العمر.


ثانيا الجهاز البولى :

كان المسلمون هم أول من اخترع المناظير الجراحية واستطاع الزهراوى منذ حوالى ألف سنة استخدام المنظار الجراحى لرؤية ما بداخل المثانة البولية ، بل واستطاع تفتيت حصوات المثانة واستخراجها بواسطة المنظار ، وهى العملية التى ليست باليسيرة حتى زماننا هذا.


ثالثا جراحة الأنف والأذن والحنجرة :

كان المسلمون هم أول من أجرى الفغر الرغامى (tracheostomy ) ، وأول من اكتشف العلاقة بين الدراق (goitre ) وبين الجحوظ ( exophthalmos ) هو الجرجانى ( المتوفى 1136هـ ) ، ويُقِرُّ إمام الجراحة الأمريكية هالستر بأن استئصال الغدة الدرقية لعلاج الدراق تمثل "في الغالب أفضل من أي عملية وهي النصر الأكيد لفن الجراحة".وأول نجاح في قطع الدرقية أَداه الزهراوي في 952 م في مدينة الزهراء.


رابعا طب الأسنان :
هناك العديد من الكتب التي أنتجها جراحو طب الأسنان المسلمون، فيها ورد ذكر استخدام السلك لتثبيت الأسنان السائبة، واستخراج جذور الأسنان المكسورة وأجزاء الفك بواسطة ملقط خاص، بل تركيب الأسنان المصنعة من عظام الثور. وكلها أجراها الزهراوي لأول مرة وبنجاح. ويذكر الزهراوي أيضاً استخدام الكي الأنبوبي في كي اللثة وعلاج الباسور الفمي الجلدي.

خامسا علم الأورام :
حَذَّرَ معظمُ الجراحين المسلمين من استعمال السكين في الأورام الخبيثة، وقد خَصَّها بالذكر كل من الزهراوي وابن سيناء مع التشديد علي أن الأورام الخبيثة، يجب أن تُزَالَ في جراحة قطع متوسعة والوصول بالحوافِّ إلى نسيج حي (صحيح) سليم معافي. كذا ذكروا علاج الأورام الخبيثة بالأدوية والكي.

إبداعاتهم فى الجراحة :

كان المسلمون أول من تمكّن من استخراج حصى المثانة لدى النساء ـ عن طريق المهبل، كما توصلوا إلى وصف دقيق لعملية نزف الدم, وقالوا بالعامل الوراثي في ذلك، حيث وجدوا أن بعض الأجسام لديها استعداد للنزف أكثر من غيرها، وتابعوا ذلك في عائلة واحدة لديها هذا الاستعداد وعالجوه بالكي، كما نجحوا في إيقاف الدم النزيف أيضًا بربط الشرايين الكبيرة ، وبرعوا في قدح الماء الأزرق ( glucoma )من العين، وكانت هذه العملية أمرًا يسيرًا ونتائجها مضمونة. وذكروا أكثر من ست طرق لاستخراج هذا الماء من العين منها طريقة الشفط. وأجروا العمليات الجراحية في القصبة الهوائية، بل إن الزهراوي (ت 427هـ، 1035م) كان أول من نجح في عملية فتح الحنجرة (القصبة الهوائية) وهي العملية التي أجراها على أحد خدمه. ويقول الرازي في هذا الصدد: "العلاج أن تشق الأغشية الواصلة بين حلق قصبة الرئة ليدخل النَّفَس منه، ويمكن بعد أن يتخلص الإنسان وتسكن تلك الأسباب المانعة من النَّفَس أن يخاط ويرجع إلى حاله،
كما مارس الجراحون العرب إجراء العمليات الناجحة في البطن، والمجاري البولية، والولادة القيصرية، وتجبير الكسور، والخلع، وعمليات الأنف والأذن والحنجرة، وكانوا يخيطون الجروح خياطة داخلية لا تترك أثرًا ظاهرًا من الجانب الخارجي. وخاطوا مواضع العمليات بخيط واحد باستخدام إبرتين، واستخدموا الأوتار الجلدية وخيوطًا صنعوها من أمعاء القطط وحيوانات أخرى في جراحات الأمعاء ورتق الجروح؛ إذ إن الجسم يمتصها دون أن تلحق به أذىً. وتوصلوا إلى أساليب في تطهير الجروح وطوروا أدوات الجراحة وآلاتها. وكان للجراحين العرب فضل كبير في استخدام عمليتي التخدير والإنعاش على أسس تختلف عما نقلوه من الأمم الأخرى..


غير متصل وسام

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 174
  • الجنس: ذكر
علم الكحالة :


كان العرب يسمون علم العيون أو الرمد بالكحالة والذين يشتغلون به بالكحالين ، ولقد استطاعوا قدح الماء الأزرق ( glucoma ) ، وكذلك أرجوا عمليات جراحية لقدح الماء الأبيض ( cataract ) وابتكروا فيها ست طرق كانت إحداها بواسطة المص ، ، وكانوا يستخدمون في ذلك أنبوبًا زجاجيًا رقيقًا يدخلونه من مقدمة العين ويفتتون به العدسة المعتمة ثم تمتص هذه العدسة بعد ذلك. وكانت هذه العملية أحدث عملية جراحية لعلاج الساد آنذاك. وهناك شبه كبير من حيث المبدأ بين تلك العملية والعملية المتطورة التي تجرى الآن رغم الفارق في المعدات ،
وفى فيزياء الإبصار كان أفضل من كتب هو الحسن بن الهيثم ، حيث وصق العين بدقة متناهية ، وبحث فى قضايا البصريات وطبيعة النظر فقال : " إن النور يدخل العين لا يخرج منها، وأن شبكية العين هي مركز المرئيات، وأن هذه المرئيات تنتقل إلى الدماغ بوساطة عصب البصر "


علم الأطفال :

اهتم الأطباء المسلمون بجميع مراحل تطور الطفل ، وتعرضوا لذكر أطوار نمو الجنين فى بطن أمه ، واهتموا للطفل الذين يولد لسبعة أشهر ، واهتموا باستقبال المولود فيقول ابن سينا : " أن أول ما ينبغي على الطبيب عمله أن يبدأ بقطع السُّرة نحو أربع
أصابع ويغسل جسمه، ويلبس ويقطَّر في عينيه وينظف منخره. وينبغي أن يوضع في مكان معتدل الهواء ليس ببارد ولا حار… ويجب أن يكون إحمامه بالماء المعتدل صيفًا وبالماء المائل إلى الحرارة غير اللاذعة شتاءً… ثم يقطر في أنفه الزيت العذب " وهو ما لا يختلف كثيرا عما يحدث الآن فى المستشفيات الحديثة ، وأجمعوا على أن لبن الأم أفضل أنواع الحليب للطفل، وهذا ما يقرره الطب الحديث ، ونصحوا بأن تتوقف عن الرضاعة إذا أدت الضرورة أن تتناول دواء قوي المفعول حتى لا يتأثر الطفل بذلك، وهذا ما يؤيده أيضا الطب الحديث ، واشترطوا أن يكون الفطام في موسم اعتدال الطقس، فلا يكون في الصيف القائظ ولا الشتاء القارص ، وهو ما ثبت صحته حديثا .


علم الطب النفسى :

لم يقتصر الطب عند العرب والمسلمين على العلاج العضوي فحسب، بل تعدّاه إلى العلاج النفسي. وكانوا يرون الوهم والأحداث النفسية من العلل التي تؤثر في البدن ، وقد خصص الأطباء جناحًا في كل مستشفى كبير للأمراض العصبية والعقلية.
وأشار الرازي إلى أهمية العامل النفسي في العلاج، وكان أول طبيب يتوصل إلى الأصول النفسية لالتهاب المفاصل الروماتيزمي. وقد فرق بينه وبين مرض النقرس ( gout ). وقرر أنه مرض جسدي في ظاهره إلا أنه ناشيء عن الاضطرابات النفسية، وأن أكثر من تظهر عليهم هذه الأعراض من أولئك الذين يكظمون الغيظ؛ وبتراكمه يتعرضون لهزات نفسية كبيرة. بل إن الرازي رأى أن بعض أنواع سوء الهضم تنشأ عن أسباب نفسية؛ فقد "يكون لسوء الهضم أسباب بخلاف رداءة الكبد والطحال، منها حال الهواء والاستحمام ونقصان الشرب، وكثرة إخراج الدم والجماع والهموم النفسانية. وينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة ويُرجِّيه بها، وإن كان غير واثق بذلك. فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس".
كما أدلى ابن الهيثم بدلوه في هذا الشأن عند حديثه عن الموسيقى، فقد كتب عن تأثير الموسيقى في الإنسان والحيوان. ومما يُسجَّل للطبيب العربي في هذا المجال سبقه في استخدام الموسيقى والإيحاء في علاج الأمراض النفسية، ونجد أن ابن سينا قد عالج في (جرجان) أحد أبناء الأمراء بعد أن استعصى علاجه على جميع الأطباء. وتوصل عن طريق الاستقصاء إلى أن الفتى لم يكن به أي مرض عضوي وأنه مشغوف بإحدى فتيات حي معين. وبملاحظة اضطراب نبض الفتى توصل ابن سينا لمعرفة اسم الحي واسم الفتاة. ونظير ذلك ما تردد من قصة علاجه أحد أمراء بني بويه الذي كان قد أُصِيبَ بمرض عصبي امتنع معه عن تناول الطعام، وتَوَهَّم أنه صار بقرة وينبغي ذبحه. فلما عُرِضَ عليه أخذ شفرة حادة، وتقدم نحو الأمير وأضجعه موهمًا إياه أنه يريد ذبحه وهو مستسلم. وعند لحظة معينة صاح ابن سينا بصوت مرتفع "هذه بقرة نحيفة هزيلة، أعلفها أولاً حتى تسمن". وهنا بدأ الأمير في الأكل بشراهة، وكان ابن سينا يدسّ في طعامه الدواء حتى تم له الشفاء. وقد عزا ابن سينا بعض حالات العقم إلى عدم التوافق النفسي بين الزوج والزوجة .


علم الباطنة :

لقد عرف المسلمون تركيب جسم الإنسان وأجهزته، وطبيعة المعدة وأمراضها، وديدان الأمعاء، والبواسير وغيرها من الأمراض ، وتكلموا بصورة عامة عن أوقات المرض، وهم يريدون بذلك الأدوار التي يمر بها المرض، يقول ابن سينا في القانون الجزء الأول:

اعلم أن لأكثر الأمراض الأربعة أوقات:

الابتداء ـ هو الزمان الذي يظهر فيه المرض.

التزايد ـ هو الوقت الذي يستبان فيه المرض.

الانتهاء ـ هو الوقت الذي يقف فيه المرض.

الانحطاط ـ هو الزمن الذي يظهر فيه انتقاصه.

وهذه الأدوار هي نفس الأدوار المعروفة في العصر الحديث ولم يضف الطب الحديث سوى دور آخر وهو دور النقاهة

وقد أبدع الأطباء المسلمون فى هذا العلم بنواحيه المختلفة




*الجهاز الهضمى :

عرف الجراحون العرب ومارسوا البزل البطني للاستسقاء والخراج داخل المساريقا ( mesentry ) كما قدروا خطورة تخفيف الضغط المفاجيء على البطن، وعندما يتكلم الزهراوي عن الاستسقاء ( ascities ) يربطه دائما بضخامة الكبد والطحال فذلك لا بد مرجعه إلى ارتفاع الضغط البابي ( portal hypertension ) ولا جدال أن مفهوم الزهراوي عن هذه المشكلة يقترب من مفهومنا العصري لأسبابه ومدلولاته ، وقد عالج الزهراوى خراج المناطق الاستوائية الكبدى أو الخراج الأميبى ( amoebic liver abcess ) بواسطة حقنة بزل التجاويف ، وباستخدام الكى الحرارى لفتح هذه التجاويف .

* الكلى والمجارى البولية :

جاءت كتابات الرازى فى هذا المجال فى منتهى الدقة ، وهى فى مجموعها لا زالت كافية لطبيب ممارس حتى اليوم ، يتناول الرازي الأعراض التي يشكو منها مريض الكلى ويعلل أسباب تلك الأعراض بأسلوب إكلينيكي صحيح على سبيل المثال يقول: (بول الدم بغتة خالصاً غزيراً بلا سبب يكون من انصداع عرق في الكلى لامتلائه من الدم، وقد يكون من وثبة أو سقطة).

ملاحظته هذه لا زالت صحيحة إذ أن نزول الدم في البول فجأة وبلا ألم أو سبب غالباً يكون من إصابة المريض بسرطان في الكلية أو المجاري البولية.

غير متصل وسام

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 174
  • الجنس: ذكر
عباقرة الطب فى الحضارة الإسلامية :


نبغ كثير من أطباء المسلمين فى هذا العلم ، وبلغوا فيه الغاية حتى شهد القاصى والدانى بفضلهم على الحضارة الإنسانية ، ولو أردنا حصرهم جميعا وذكر مآثرهم لضاق المقام ، واحتجنا إلى كتب لا مقالة واحدة ، فنكتفى بذكر اثنين منهم فقط .

أولا ابن النفيس :

أعلم الناس في عصره، وأعظم وأشهر عالم بوظائف الأعضاء في القرون الوسطى برمتها ، كان جالينوس قد ادعى أن فى الحاجز الذى بين الجانب الأيمن والجانب الأيسر فى القلب ثقوبا صغيرة لا ترى بالعين يتسرب فيها الدم من جانب إلى آخر ، وما وظيفة الرئتين إلا أن ترفرفا فوق القلب فتبردا حرارته وحرارة الدم، ويتسرب شيء من الهواء فيها بواسطة المنافذ التي بينهما وبين القلب فيغذي ذلك القلب والدم.

* معارضته لمن سبقوه :

فجاء هو وعارض هذه النظرية معارضة شديدة، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أن اليونان لم يفهموا وظيفة الرئتين والأوعية التي بين القلب والرئتين، وأنه فهم وظيفتها وأوعيتها وتركيب الرئة والأوعية الشَّعْرية التي بين الشرايين والأوردة الرئوية، وشرح الفُرَج الرئوية شرحًا واضحًا، كما فهم أيضًا وظائف الأوعية الإكليلية ( coronary arteries )، وأنها تنقل الدم ليتغذى القلب به، ونفى التعليم القائل بأن القلب يتغذى من الدم الموجود في البطين الأيمن ( right ventricle ).
ثم كرَّر تعاليمه في الدورة الدموية الصغرى ( pulmonary circulation ) وطريقة عملها؛ ذلك أنه كرَّر هذه التعاليم في خمسة مواضع متفرقة، ذاكرًا آراء ابن سينا، ومكررًا أقوال جالينوس التي اعتمد عليها ابن سينا، ثم عارضها بمنتهى الحماسة.. وكان حقيقًا بعدُ بأن يصفه جورج سارتون بأنه أول من اكتشف الدورة الدموية؛ ليكون بذلك الرائد لوليام هافرى الذي يُنسب إليه هذا الاكتشاف .
إنه الفقيه الطبيب العلامة علاء الدين علي بن أبي الحزم القَرْشي (نسبة إلى قرية قَرْش) الدمشقي، الملقَّب بابن النفيس، وهو سوري ولد في قرية "قَرْش" بالقرب من دمشق سنة (607هـ/ 1210م )


* الصدفة التى كشفت لنا عنه :

وقد تناول ابنَ النفيس من المستشرقين الأجانب لكلير في كتابه (الطب العربي)، والمستشرق الألماني مايرهوف في كثير من مقالاته، ووضع الدكتور بول غليونجي كتابًا وافيًا، يُعَدُّ أجمعَ كتاب عن ابن النفيس.

ويقرِّر بول في كتابه هذا أنَّ أول من كشف عن ابن النفيس في وقتنا الحاضر، ورَدَّ إليه اعتباره، هو الطبيب المصري الدكتور محى الدين التطاوى؛ حيث عثر على نسخة من مخطوطة (شرح تشريح القانون) لابن النفيس في مكتبة برلين، وقام بإعداد رسالة في الدكتوراه عنها، وعُنِيَ فيها بجانب واحد من جوانب هذا الكتاب العظيم، ألا وهو موضوع: (الدورة الدموية تبعًا للقرْشي)، وذلك سنة 1343هـ / 1924م.

وقد ذُهل أساتذتُه والمشرفون على الرسالة، وأصابتهم الدهشة حين اطَّلعوا على ما فيها، وما كادوا يصدقونه!!

ولجهلهم باللغة العربية بعثوا بنسخة من الرسالة إلى الدكتور "مايرهوف" المستشرق الألماني الذي كان آنذاك يقيم بالقاهرة، وطلبوا رأيه فيما كتبه الباحث، وكانت النتيجة أن أيّد مايرهوف الدكتور التطاوي، وأبلغ حقيقة ما كشفه من جهود ابن النفيس إلى المؤرِّخ "جورج سارتون"، فنشر هذه الحقيقة في آخر جزء من كتابه المعروف "تاريخ العلم"، ثم بادر مايرهوف إلى البحث عن مخطوطات أخرى لابن النفيس وعن تراجم له، ونشر نتيجة بحوثه في عدة مقالات.. ومنذ ذلك الحين بدأ الاهتمام بهذا العالم الكبير وإعادة اكتشافه .

وقد أثار ما كتبه الطبيب التطاوي اهتمام الباحثين، وفي مقدمتهم مايرهوف المستشرق الألماني الذي كتب في أحد بحوثه عن ابن النفيس: "إن ما أذهلني هو مشابهة، لا بل مماثلة بعض الجمل الأساسية في كلمات سيرفيتوس لأقوال ابن النفيس التي تُرجِمت ترجمة حرفية... أي أن سرفيتوس، وهو رجل دين متحرِّر وليس طبيبًا، قد ذكر الدورة الدموية في الرئة بلغة ابن النفيس الذي عاش قبله بما يزيد على القرن والنصف"!!

ولما اطلع "ألدو ميلي" على المتنين قال: "إن لابن النفيس وصفًا للدوران الصغير تطابق كلماته كلمات سيرفيتوس تمامًا، وهكذا فمن الحق الصريح أن يُعْزَى كشف الدوران الرئيسي إلى ابن النفيس لا إلى سيرفيتوس أو هارفي".

ويُعتَبَر اكتشاف الدورة الدموية الصغرى واحدًا فقط من إسهامات واكتشافات ابن النفيس العديدة؛ فهو - بحسب ما كُتِب عنه حديثًا - يُعَد مكتشف الدورتين الصغرى والكبرى للدورة الدموية، وواضع نظرية باهرة في الإبصار والرؤية، وكاشف العديد من الحقائق التشريحية، وجامع شتات المعرفة الطبية والصيدلانية في عصره، وقد قدَّم للعلم قواعد للبحث العلمي، وتصورات للمنهج العلمي التجريبي

غير متصل وسام

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 174
  • الجنس: ذكر
ثانيا : أبو بكر الرازى :

هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي.. وقد وُلِدَ في مدينة الرَّي, وإليها نُسِب.. ومدينة الري تقع على بعد ستة كيلو مترات جنوب شرقي طهران, وكان ميلاده في سنة 250هـ (864م )

*منهجه التجريبى :

كان للرازى منهجا متميزا فى العلم ، هو المنهج التجريبى القائم على الدليل والحجة ، فيقول : " عندما تكون الواقعة التي تواجهنا متعارضة والنظرية السائدة يجب قبول الواقعة، حتى وإن أخذ الجميع بالنظرية تأييدًا لمشاهير العلماء "

ولذلك نجد أن الرازي كثيرًا ما انتقد آراء العلماء السابقين نتيجة تجاربه المتكررة، بل إنه ألَّف كتابًا خصِّيصًا للرد على جالينوس أعظم أطباء اليونان وسمَّى الكتاب "الشكوك على جالينوس", وذكر في هذا الكتاب الأخطاء التي وقع فيها جالينوس، والتصويب الذي قام هو به لهذه الأخطاء، وكيف وصل إلى هذه النتائج

وكان الرازي حريصًا على سؤال المريض عن كل ما يتعلق بالمرض تقريبًا من قريب أو بعيد وكان يقول: "إن الطبيب ينبغي ألا يدع مُساءَلة المريض عن كل ما يمكن أن يقوله عن علَّته"، وهذه أول خطوة في التعامل مع المريض في الطب الحديث، وهي معرفة تاريخ المرض والأمور المحتملة التي قد تكون سبَّبت المرض، ثم يقوم الرازي بالكشف على المريض وقياس الحرارة والنبض، وإذا استلزم الأمر أن يدخل المريض المستشفي فإنه يضعه تحت الملاحظة الدقيقة المستمرة لتسجيل كل معلومة قد تكون مفيدة في كشف سبب المرض, أو في وصف العلاج.. وقد كان الرازي من الدقة إلى درجة أذهلت من قرأ تعليقاته على الحالات المرضية التي وصفها.

بل إن الرازي وصل إلى ما هو أروع من ذلك، حيث أرسى دعائم الطب التجريبي على الحيوانات، فقد كان يجرب بعض الأدوية على القرود فإن أثبتت كفاءة وأمانًا جربها مع الإنسان، وهذا من أروع ما يكون، ومعظم الأدوية الآن لا يمكن إجازتها إلا بتجارب على الحيوانات كما كان يفعل الرازي.
ولقد كان من نتيجة هذا الأسلوب العلمي المتميز للرازي، أن وصل إلى الكثير من النتائج المذهلة، وحقق سبقًا علميًّا في كثير من الأمور.

* إنجازاته :

فالرازي هو أول مبتكر لخيوط الجراحة، وقد ابتكرها من أمعاء القطة! وقد ظلت تستعمل بعد وفاته لعدة قرون، ولم يتوقف الجراحون عن استعمالها إلا منذ سنوات معدودة في أواخر القرن العشرين، عند اختراع أنواع أفضل من الخيوط، وهذه الخيوط هي المعروفة بخيوط أمعاء القط ( catgut )..

والرازي هو أول من صنع مراهم الزئبق.

وهو أول من فرَّق بين النزيف الوريدي والنزيف الشرياني، واستخدام الضغط بالأصابع لإيقاف النزف الوريدي، واستخدم الربط لإيقاف النزيف الشرياني، وهذا عين ما يستخدم الآن!!
وهو أول من وصف عملية استخراج الماء من العيون
وهو أول من استخدم الأفيون في علاج حالات السعال الجاف..
وهو أول من أدخل المليِّنات في علم الصيدلة..
وهو أول من اعتبر الحمَّى عرضًا لا مرضًا.
وكان يهتم بالتعليق على وصف البول ودم المريض للخروج منهما بمعلومات تفيده في العلاج
كما نصح بتجنب الأدوية الكيميائية إذا كانت هناك فرصة للعلاج بالغذاء والأعشاب، وهو عين ما ينصح به الأطباء الآن

ولم يكن الرازي مبدعًا في فرع واحد من فروع الطب، بل قدم شرحًا مفصلاً للأمراض الباطنية والأطفال والنساء والولادة والأمراض التناسلية والعيون والجراحة وغير ذلك
وقد كان من أعظم مؤلفات الرازي كتاب "الحاوي في علم التداوي"، وهو موسوعة طبية شاملة لكافة المعلومات الطبية المعروفة حتى عصر الرازي، وقد جمع فيه كل الخبرات الإكلينيكية التي عرفها، وكل الحالات المستعصية التي عالجها، وتتجلى في هذا الكتاب مهارة الرازي ، ودقة ملاحظاته، وغزارة علمه، وقوة استنتاجه..

* الثناء عليه :

هذا، وقد اعترف القاصي والداني لأبي بكر الرازي بالفضل والمجد والعظمة والعلم والسبق، ولا نقصد بذلك المسلمين فقط، بل اهتم غير المسلمين أيضًا بإنجازات الرازي وابتكاراته..

فنجد - فضلاً عن ترجمة كتبه إلى اللغات الأوربية وطبعها أكثر من مرة - إشارات لطيفة وأحداثًا عظيمة تشير إلى أهمية ذلك العالم الجليل، ومن ذلك أن الملك الفرنسي الشهير لويس الحادي عشر، الذي حكم من عام 1461م إلى 1483م، قد دفع الذهب الغزير لينسخ له أطباؤه نسخة خاصة من كتاب "الحاوي"؛ كي يكون مرجعًا لهم إذا أصابه مرض ما!!

ونجد أن الشاعر الإنجليزي القديم "جوفري تشوسر" قد ذكر الرازي بالمدح في إحدى قصائده المشهورة في كتابه "أقاصيص كونتربري"!!

ولعله من أوجه الفخار أيضًا أنه رغم تطور العلم وتعدد الفنون إلا أن جامعة بريستون الأمريكية ما زالت تطلق اسم الرازي على جناح من أكبر أجنحتها، كما تضع كلية الطب بجامعة باريس نصبًا تذكاريًّا للرازي، إضافةً إلى صورته في شارع سان جيرمان بباريس.

غير متصل وسام

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 174
  • الجنس: ذكر
آمال المستقبل :

إنها ليست أحاديث ماض مشرق ولى ولن يعود ، أو أقاصيص عن بطولات قام بها هؤلاء الأفذاذ ، كما أنها ليست بكاء على أطلال أمجاد غابرة ليس لنا منها نصيب ، إنما هو تأكيد على عراقة تراثنا الذى لا يعرفه الكثيرون ، وتخليد لذكرى هؤلاء الأجداد الذين عاشوا لخدمة الإسلام والعلم والبشرية و الذين نرجو أن يخرج من أحفادهم من يسير على خطاهم ويقفو أثرهم فيعيد أمتنا إلى مكانها الذى ينتظرها ، سادة للدنيا كما كنا دائما.




ملـكـنـا هــــذه الـدنـيــا قــرونــا       وأخـضـعـهـا جــــدود خـالــدونــا
 
وسطـرنـا صحـائـف مــن ضـيــاء       فمـا نسـى الـزمـان ولا نسيـنـا
 
ومـا فتـئ الـزمـان يــدور حـتـى       مـضـى بالـمـجـد قـــوم آخـرونــا
 
وأصبح لا يرى فى الركب قومى       وقـــد عـاشــوا أئـمـتـه سنـيـنـا
 
وآلـمـنــى وآلــــم كـــــل حـــــر       سـؤال الدهـر أيــن المسلمـونـا


لمشاهدة المقال كاملا مضافا إليه الصور والفيديو على الرابط التالى:
حينما يصبح العلم رسالة ... المسلمون والطب