إلتقاء قصة كافر مع قصة مؤمن ! !
كان الشيخ سيد رحمه الله يعتب على بعض المفسرين إهتمامهم بشرح معاني الكلمات في القرآن د
ون التنبه إلى الصور الرائعة التي تخلب لب القارئ , و كان هذا الذي دفعه إلى كتابة هذا الكتاب فيقول :
إن التصوير هو قاعدة التعبير في ذا الكتاب الجميل , القاعدة الأساسية المتبعة في جميع الأغراض – فيما عدا غرض التشريع بطبيعة الحال – فليس البحث إذن عن صور تجمع و ترتب , و لكن عن قاعدة تكشف و تبرز , و على هذا الأساس قام البحث , و بعد الإنتهاء منه وجدتني أشهد في نفسي مولد القرآن من جديد , لقد وجدته كما لم أعهده من قبل أبدا , لقد كان القرآن جميلا في نفسي , نعم , و لكن جماله كان أجزاء و تفاريق , أما اليوم فهو عندي جملة موحدة , تقوم على قاعدة خاصة , قاعدة فيها من التناسق العجيب ما لم أكن أحلم به ...و الآن لنبحر معا في خيال سيد قطب لنكتشف منبع السحر في القرآن , و لنتركه
يروي لنا إلتقاء قصة الكفر بقصة الإيمان :
سحر القرآن العرب منذ اللحظة الأولى سواء منهم في ذلك من شرح الله صدره للإسلام , و من جعل على بصره منهم غشاوة
قصة إيمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه , و قصة تولي المغيرة
كلتا القصتين تكشفان عن هذا السحر القرآني الذي أخذ العرب منذ اللحظة الأولى , و تبنيان – في إتجاهين مختلفين – عن مدى هذا السحر القاهر , الذي يستوي في الإقرار به المؤمنون و الكافرون .
قصة إيمان سيدنا عمر رضي الله عنه , يروى أن عمر رضي الله عنه قال : ( كنت للإسلام مباعدا , و كنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها و اشربها , و كان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش , فخرجت أريد جلسائي أولئك , فلم أجد منهم أحدا , فوجدت فلانا الخمار ! و خرجت فجئته فلم ـجده , قلت : لو أنني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين , فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة , فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي , و كان إذا صلى استقبل الشام , و جعل الكعبة بينه و بين الشام , و اتخذ مكانه بين الركنين , فقلت حين رأيته : و الله لو اني استمعت لمحمد الليلة حتى اسمع ما يقول , و قام بنفسي أني لو دنوت منه أسمع لأروعنه , فجئت من قبل الحجر , فدخات تحت ثيابها , ما بيني و بينه إلا ثياب الكعبة , فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت , و دخلني الإسلام )
و منها رواية تقول ما ملخصه : إن عمر خرج متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم و في الطريق لقيه نعيم بن عبد الله فسأله عن وجهته , فحذره بني عبد مناف و دعاه أن يرجع إلى بعض أهله : ختنة سعيد بن زيد بن عمرو , و أخته فاطمة بنت الخطاب زوج سعيد , قد صبآ غن دينهما
فذه إليهما عمر , و هناك سمعا خبابا يتلو عليهما القرآن , فاقتحم الباب , و بطش بختنة سعيد , و شج أخته فاطمة ... ثم أخذ الصحيفة بعد حوار و فيها صورة طه , فلما قرأ صدرا منه قال : ما احسن هذا الكلام و اكرمه
ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه و سلم معلنا إسلامه
قصة تولي الوليد بن المغيرة , يروى أن الوليد سمع شيئا من القرآن الكريم فكأنما رق له فقالت قريش : صبأ و الله الوليد , فأوفدوا إليه أبا جهل يثير كبرائه و إعتزازه بنسبه و ماله و يطلب إليه ان يقول في القرآن قولا يعلم به قومه انه له كاره , قال : فماذا أقول فيه ؟ فوالله ما منكم رجل أعلم مني بالشعر و لا برجزه و لا بقصيدة و لا بأشعار الجن , و الله ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذ , و الله إن لقوله لحلاوة , و إن عليه لطلاوه , و إنه ليحطم ما تحته , و إنه ليعلو و ما يعلى
قال أبو جهل : و الله لا يرضي قومك حتى تقول فيه
قال : فدعني أفكر فيه ... فلما فكر قال : إن هذا إلا سحر يؤثر , أما رأيتموه يفرق بين الرجل و أهله و مواليه ؟!
و في ذلك يقول الله تعالى في القرآن : ( إنه فكر و قدر , فقتل كيف قدر , ثم قتل كيف قدر , ثم نظر , ثم عبس و بسر , ثم أدبر و استكبر , فقال إن هذا غلا سحر يؤثر )
سحر يؤثر ! ... تلك قولة رجل يتقاعس عن الإسلام , و يتكبر أن يسلم لمحمد صلى الله عليه و سلم , و يعتز بنسبه و ماله , و ليست قولة رجل آمن , و إنها لأدل على سحر القرآن لقلوب العرب , و من هنا تلتقي قصة الكفر بقصة الإيمان
يتبع إن شاء الله ...