المحرر موضوع: من الماضي والحاضر.  (زيارة 439847 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #81 في: 2024-03-09, 17:45:16 »
المنعطف

إن لم تكن الأشهر الست الماضية منعطفا كبيرا في حياتنا، فلا أدري كيف نطيق العيش مع أنفسنا. ولا أحسب لقلوبنا من عودة متى ما اعتدنا العيش مع شعور العجز تجاه دماء أخوتنا التي تسفك في كل يوم.

لا خير في حياة يتمحور كل شيء فيها حول متع الدنيا. وإننا لجميع مسؤولون أمام الله، فبماذا نجيبه؟

إلى من يبدأ حياته، ومن انتصف عمره أو قارب على الرحيل، اجعل اختياراتك للجنة. واجعل الأمة قضية حياتك التي تجمع عليها أهلك وأبناءك، وليكن هذا محل الاختيار، لعلنا نعذر إلى الله.
« آخر تحرير: 2024-03-11, 10:07:45 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #82 في: 2024-06-18, 12:14:02 »
على الطريق

عجيب ما يفعله الزمن في قلوب الناس. أو ربما هو تسارع الأحداث والتحولات الكبيرة التي يمر بها العالم بشكل غير مسبوق.

وسط كل هذا الزحام يصعب على النفس أن تتوقف لترى موقعها من العالم، فضلا عن تقييم الطريق الذي تسير فيه.

هنا يصعب جدا التمسك بالمبادئ التي اعتنقها الإنسان، فكل خطوة وفعل في حياته هو اختبار جديد لمدى صدق الإنسان في التمسك بالطريق الذي اختار.
وقد كنت أردد كثيرا جملة سيد قطب الشهيرة، ظنا أني أدرك معناها على الحقيقة. لكني اليوم أرى أن المعاني لا تدرك إلا باختبارها في معترك الحياة، لا من خلال الأوراق.
ولله دره كم تفيض كلماته هذه صدقا وحياة..

“إن كلماتنا ستبقى ميتةً لا حراك فيها هامدةً أعراساً من الشموع، فإذا متنا من أجلها انتفضت وعاشت بين الأحياء. كل كلمة قد عاشت كانت قد اقتاتت قلب إنسان حي فعاشت بين الأحياء، والأحياء لا يتبنون الأموات”
« آخر تحرير: 2024-06-18, 15:19:01 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #83 في: 2024-06-21, 11:58:55 »
غزة

ونحن مازلنا نهتم لكلام الناس وأوضاعنا في مجتمعاتنا، ورفاهية معيشتنا، ولا نريد المخاطرة بأي شيء.

فكيف سيكون جوابنا عندما يسألنا الله عنهم؟

ولسفك دم مسلم واحد بغير حق أشد عند الله من هدم الكعبة. فكيف بإبادة يتم بث أحداثها على الهواء!

إنا لله وإنا إليه راجعون.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #84 في: 2024-06-22, 09:40:54 »
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)


(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)


(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)


(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)


(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
« آخر تحرير: 2024-06-22, 09:47:13 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #85 في: 2024-06-22, 22:16:02 »
لماذا غزة؟

من رحمة الله سبحانة وتعالى بأمة الإسلام أن يرسل لها حوادث عظام من وقت لآخر، فترفع حجب الوهم عن المسلمين وتوضح لهم بالبرهان القاطع حقيقة المعركة.
وليصطفي الله من عبادة من يقيم بهم الحجة على الأمة، فمنهم من قضى نحبه ومنهم ومن ينتظر.
رأينا هذا في أحداث التتار والصليبيين من قبلهم.

والشاهد في الأمرين أنه كلما زاد انغماس الأمة في الدنيا والحرص عليها، كلما جاءت الفاجعة أكبر!
فسقوط الخلافة وخلعها من أذهان الكثير من المسلمين أشد مصيبة مما فعله التتار.

كذا ما يحدث في غزة، لم يكن ليصل إلى هذا المستوى من الإجرام إلا بتواطئ دول الجوار، وخنوع المسلمين فيها وركونهم إلى الدنيا وخوفهم من ضياع ما بأيديهم منها.

هذه المرحلة الفارقة في تاريخ الأمة التي جاءت كمنعطف مفاجئ في وقت تستعد فيه الشعوب المسلمة لنبذ ما تبقى من دينها والإقبال على الدنيا ورفاهيتها وزخرفها كما لم يحدث في السابق.

جاءت أحداث غزة لتهدم أصنام الحضارة الغربية وقواعد القانون الدولي والأنظمة التي تباهي بها الغرب وصارت مطمح المسلمين يبذلون الغالي والنفيس لتعلم أصولها منهم وتبنيها في بلادهم!

وهذا والله من رحمة الله بأمة المصطفى صلى الله عليه وسلم. فالفتنة أشد من القتل، ولا أشد من فتنة الناس في دينهم.
ولقد رأينا كيف سقطت الكثير من الأقنعة، حتى عمن كنا نحسبهم من المشايخ والعلماء، وهكذا لم يعد لأحد حجة يبرر بها القعود.

نسأل الله أن يهدينا لما يحب ويرضى.
« آخر تحرير: 2024-06-22, 22:19:21 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #86 في: 2024-07-01, 04:11:10 »
الغرق في النفس

على مدار 15 عاما من العمل في الشركات الناشئة وأنا أشاهد نمطا في سلوك فريق العمل لا يتغير مهما تغير نوع العمل أو تغيرت خلفية العامل.

والملاحظة هنا متعلقة خصوصا بالعاملين المسلمين الذين جاءوا من دول مسلمة في اسيا وأفريقيا،
فعلى الرغم من وجود المهارة والخبرات، إلا أن الغالبية غارقة في أنفسها! فلا اعتبار اخر يذكر فوق تحقيق الأمان المجتمعي المتمثل في مال وبيت وعمل ثابت مضمون، وعيشة رغدة في مكان متحضر.

ولعل كل هذا لا بأس فيه، فمن منا لا يحب ولا يسعى لهذه الأشياء، خاصة إن كانت حلالا؟

لكن المشكلة تكمن في الإعراض عن أي عمل للأمة قد يمس هذه الميزات من قريب أو بعيد! وهو ما جعل الأمة تتخلف في كل شيء تقريبا!
وحتى الدين، فقد صار الخوف من البطش شعار الكثيرين، مما أقعدهم عن العمل، وجعل الدعوة في قشور لا تقيم دينا ولا دنيا.

وانطبق هذا على أعمال الدنيا أيضا، فالغالبية لا تريد التضحية بأي شيء لأجل مشروع فيه مخاطرة، ولو انخرطت في مثل هذه المشاريع، جعلت همها وشغلها الشاغل تأمين نفسها، لا بذل أقصى الجهد.

ولا يمكن أن تقوم الأمة بمثل هذا الفكر المتمحور حول النفس والذات، فالقضايا الكبيرة تحتاج إلى همم عالية، وتضحية وصبر.

نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #87 في: 2024-08-11, 06:56:30 »
أبو بكر الصديق

أحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قلبي. والنموذج الذي نحتاج أن نقتدي به في زماننا بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وقد كنت لفترة أظن أن زماننا يحتاج الفاروق عمر، في قوته وحسمه ونظرته الثاقبة. لكني الآن أدرك أن عمر ما كان ليكمل المسيرة لولا ثبات الصديق رضي الله عنه في مصيبة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يميل البشر إلى الحكم على الأشياء بما يظهر منها، لا فيما وراءها. فيعجبون بما ظهر من البناء من علو وتصميم، ولا يأبهون كثيرا للأساس الذي يحمله.

أكثر من عشرة أشهر مضت والكيان الصهيوني المارق يذبح اخوتنا بدم بارد، بل ويسخر من ديننا ومن أعراضنا ويتبجح في كل محفل دولي، ونحن في ذلة لم أعرف مثلها إلا عند اجتياح التتار لبلاد المسلمين فيما سبق من الزمان.
وأحسب والله أعلم أنه سيتبع ذلك أمر جلل يعم العالم كله.

إن سنة الاستبدال جارية، ولكن الله يقيم الحجة على الناس قبل أن يأخذهم بعذاب جزاء ما اقترفت ايديهم من صمت وتخاذل وتواطؤ.

أما الصديق، فحين جاءت المصيبة الكبيرة في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين خارت قوى رجال عظماء كالفاروق من هولها، ثبته الله بما وقر في قلبه، وثبت به الأمة جميعا.

لقد كان شعار الصديق واضحا جليا في كل موقف، لا يهمه جموع الناس من حوله، ولا يثنيه رأي الحكماء عما يراه من الحق الواضح.

والله لأقاتلنهم وحدي..
أينقص الدين وأنا حي؟

هذا هو الصديق. ويالها من تبعات عظام تلك التي أعانه الله عليها. وياله من قلب موصول بالله فوق كل شيء.
إنها ليس كلمات أو قرارات عنترية. إنه قلب مثقل بهم الدين والرسالة. قلب يتسع للأمة كلها ولا يعرف التلون والزيف.

لله در الصديق، فوالله ما جاء بعد الأنبياء خير منه. وما سبق عن الصحابة بفضل صيام أو صدقة، إنما بقلب أشرب الإيمان، فكأنه قطعة لا تتجزأ منه.

ولا أحسب أن الأمة قد تعود إلى رشدها ألا برجال يتخذون الصديق قدوة ومثلا.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #88 في: 2024-08-22, 09:31:30 »
لطائف

حين تتقطع السبل بالإنسان فيغلق الأبواب ويظن بأن قدر الله قد قضي، تأتيه نسمات رحمة الله، كالنسمة الباردة في ليالي الصيف حين تداعب القلوب المتعبة..

سبحانك ربي ما عبدناك حق عبادتك. لا حول ولا قوة لنا إلا بك.

لعل من المعجزات الخفية في هذا الكون، هو ذلك الوسع الهائل في رحمة الله ولطفه بعباده، رغم ذنوبهم وتقصيرهم وسوء أخلاقهم..
هذه المنحة الإلهية  لكفيلة وحدها أن تأسر القلوب في محبة الله.

والمسلم يسير في هذه الدنيا كالسائر في صحراء مقفرة، حتى اذا ما أصابته رحمة من الله، أظلته واحة من لطف الله، شكر الله على نعمائه وفضله، وأحسن الظن في قضائه، فانطلق إلى قدره مقبلا عليه، فرحا بما كتبه الله له، على أي شكل كان.

والمؤمن الحصيف يشكر نعمة الله عليه بالإقبال على الله، والتفكر في اللطائف التي أكرمه الله بها، فيجتهد في شكر الله على نعمته ويرعاها حق رعايتها، ويسأل الله أن يلطف به وينير بصيرته، فلا تقعده النعمة عن العمل، بل تدفعه في طريق مراد مولاه وصاحب أمره.

فالحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
« آخر تحرير: 2024-09-16, 07:42:27 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #89 في: 2024-10-27, 06:58:38 »
لماذا ؟

بعد مرور أكثر من عام على الحرب الهمجية الصهيونية على قطاع غزة، وفي وقت لم تأت استجابة المسلمين على مستوى الحدث، على الرغم من بث الفظائع والمذابح لإخوتنا على الهواء،
أعتقد أنه من المهم جدا أن نسأل لماذا وصلنا إلى هذا الحال من السلبية والمذلة؟

وهل تكفي فعاليات المقاطعة الاقتصادية والحديث عن القضية على الإنترنت دليلا إيجابيا على حراك الأمة؟

هل مشكلتنا الحالية كمسلمين محبين للدين وراغبين في نصرته هي في تصوراتنا عن العمل والنصرة أم أن هناك مشكلة أخرى أعمق من ذلك؟

هل نستعجل النصرة؟

وما مقدار الاعداد المطلوب للأفراد قبل أن يتحركوا على الأرض؟

ثم كيف تكون هذه الحركة؟ وما أولوياتها؟

وما هي محطات التقييم التي ترشدنا على الاستمرار أو التوقف وإعادة التفكير في المسار الذي ننتهجه؟

كثير من الأفكار والخواطر اعتملت في نفسي طوال السنوات العشرين الماضية، وأحسب أنه من المهم تسجيلها حتى لا تظل حبيسة نفسي.

الله المستعان.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #90 في: 2024-10-27, 07:23:16 »
-1-
قبل الشروع في الإجابة عن تلك الأسئلة الكبيرة - ولا أظن أن لدي الجواب الكامل عنها - أود أولا أن أتعرض للمنهج الذي استقي منه أفكاري وتصوراتي.

لدي قناعة عميقة أنه لا جديد على هذه الأرض. وأن كل ما نحتاجه هو حسن قراءة السيرة والتدبر في القرآن بمنظور واقعنا المعاصر.

وأنه مهما جئنا بشيء فلن يكون جديدا في جوهره عن هذا النبع الصافي للتشريع. فلن ينصلح حال هذه الأمة حقا إلا بما صلح به أولها.
والأولون أحسنوا قراءة واقعهم وتعاملوا مع متغيراته، فأعملوا فيه هذا الفهم العميق للقرآن والسنة، فأرسوا لنا كيفية استخراج منهجيات صالحة لكل زمان ومكان.

"عن العرباض بن سارية ، قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : " أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة "

هذا التشديد على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده لا يجب أن يمر علينا دون تأمل في تفاصيل هذا الهدي.

لهذا فالمدخل الأساسي لحل لغز واقعنا ومطلوب العمل فيه ينبثق من دراسة السيرة بهذه النية والاقبال عليها بغية البصيرة في الفهم والإرشاد إلى الطريق الصحيح.

والخصوصية في سيرة الخلفاء الراشدين أنها تأتي في مرحلة قد انقطع فيها الوحي وتغيرت الكثير من المعطيات في الدولة الإسلامية وفي العالم من حولها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

هذه المرجعية هي بمثابة المصباح الهادي في نهاية الطريق، وهي المعين الذي يجعلنا نفهم القرآن كدستور ينتهج أمور الحياة جميعا.

قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
« آخر تحرير: 2024-11-09, 19:10:29 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #91 في: 2024-10-27, 14:39:29 »
-2-

قبل الشروع في الحديث عن الأمة وحالها نحتاج أولا أن نتوقف مع أنفسنا لمراجعة حقيقة وجودنا نحن في هذه الحياة، فلا بأس من التذكرة بالقواعد الأساسية قبل الانطلاق نحو تعقيدات الواقع وملابساته.

وقد بدأ القران بالحديث عن قصة الخلق في أوائل سورة البقرة فوضح لنا الغاية الكبرى من خلقنا وطبيعة المعركة التي تنتظرنا في هذه الدنيا:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾

يقول سيد قطب رحمه الله:
"وإذن فهي المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود، زمام هذه الأرض، وتطلق فيها يده، وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين، والتحليل والتركيب، والتحوير والتبديل؛ وكشف ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، وتسخير هذا كله- بإذن الله- في المهمة الضخمة التي وكلها الله إليه.
وإذن فقد وهب هذا الكائن الجديد من الطاقات الكامنة، والاستعدادات المذخورة كفاء ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات؛ ووهب من القوى الخفية ما يحقق المشيئة الإلهية.
"

وقد يلتبس على البعض مفهوم الخلافة هنا، فيركن إلى الاستمتاع بالموارد بدلا من تسخيرها لتحقيق عبودية الله في الأرض. وهي خدعة قديمة جديدة، فإذا تحولت كنوز الدنيا إلى غاية في نفسها تنافسها الناس واقتتلوا عليها وانتشر الفساد وسفك الدماء ، ولعل هذا ما خشيته الملائكة حين ذكرت الفساد وسفك الدماء.

فمناط الاختبار اذن هي الإرادة الحرة التي تقاوم شهوة النفس فلا تصرفها الوسيلة عن الغاية العظيمة. فتعمل يدها في هذا الكون لتحقيق عبودية الله سبحانه وتعالى على أكمل وجه وكما يحب الله ويرضى.

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)

يقول سيد قطب رحمه الله:
وإن هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة ، من أضخم الحقائق الكونية التي لا تستقيم حياة البشرفي الأرض بدون إدراكها واستيقانها . سواء كانت حياة فرد أم جماعة . أم حياة الإنسانية كلها في جميع أدوارها وأعصارها .

وإنه ليفتح جوانب وزوايا متعددة من المعاني والمرامي ، تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الضخمة ، التي تعد حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة

وأول جانب من جوانب هذه الحقيقة أن هنالك غاية معينة لوجود الجن والإنس . تتمثل في وظيفة من قام بها وأداها فقد حقق غاية وجوده ؛ ومن قصر فيها أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده ؛ وأصبح بلا وظيفة ، وباتت حياته فارغة من القصد ، خاوية من معناها الأصيل ، الذي تستمد منه قيمتها الأولى . وقد انفلت من الناموس الذي خرج به إلى الوجود ، وانتهى إلى الضياع المطلق ، الذي يصيب كل كائن ينفلت من ناموس الوجود ، الذي يربطه ويحفظه ويكفل له البقاء .

هذه الوظيفة المعينة التي تربط الجن والإنس بناموس الوجود . هي العبادة لله . أو هي العبودية لله . . أن يكون هناك عبد ورب . عبد يعبد ، ورب يعبد . وأن تستقيم حياة العبد كلها على أساس هذا الاعتبار .

ومن ثم يبرز الجانب الآخر لتلك الحقيقة الضخمة ، ويتبين أن مدلول العبادة لا بد أن يكون أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر . فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر ؛ والله لا يكلفهم هذا . وهو يكلفهم ألوانا أخرى من النشاط تستغرق معظم حياتهم . وقد لا نعرف نحن ألوان النشاط التي يكلفها الجن ؛ ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان . نعرفها من القرآن من قول الله تعالى :  ( وإذ قال ربك للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة ) . . فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني . وهي تقتضي ألوانا من النشاط الحيوي في عمارة الأرض ، والتعرف إلى قواها وطاقاتها ، وذخائرها ومكنوناتها ، وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها . كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام .

ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى ، أوسع وأشمل من مجرد الشعائر ؛ وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا .وأن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين :

الأول : هو استقرار معنى العبودية لله في النفس . أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا وربا . عبدا يعبد ، وربا يعبد . وأن ليس وراء ذلك شيء ؛ وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار . ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ؛ وإلا رب واحد والكل له عبيد .

والثاني : هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير ، وكل حركة في الجوارح ، وكل حركة في الحياة . التوجه بها إلى الله خالصة ، والتجرد من كل شعور آخر ؛ ومن كل معنى غير معنى التعبد لله .

بهذا وذلك يتحقق معنى العبادة ؛ ويصبح العمل كالشعائر ، والشعائر كعمارة الأرض ، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله ، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله . . كلها عبادة ؛ وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها ؛ وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه .

عندئذ يعيش الإنسان في هذه الأرض شاعرا أنه هنا للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى ، جاء لينهض بها فترة ، طاعة لله وعبادة له لا أرب له هو فيها ، ولا غاية له من ورائها ، إلا الطاعة ، وجزاؤها الذي يجده في نفسهمن طمأنينة ورضى عن وضعه وعمله ، ومن أنس برضى الله عنه ، ورعايته له . ثم يجده في الآخرة تكريما ونعيما وفضلا عظيما .

وعندئذ يكون قد فر إلى الله حقا . يكون قد فر من أوهاق هذه الأرض وجواذبها المعوقة ومغرياتها الملفتة . ويكون قد تحرر بهذا الفرار . تحرر حقيقة من الأوهاق والأثقال . وخلص لله ، واستقر في الوضع الكوني الأصيل : عبدا لله . خلقه الله لعبادته . وقام بما خلق له . وحقق غاية وجوده . فمن مقتضيات استقرار معنى العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض ، وينهض بتكاليفها ، ويحقق أقصى ثمراتها ؛ وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها ؛ خالص القلب من جواذبها ومغرياتها . ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها لذاته هو ولا لذاتها . ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها ، ثم الفرار إلى الله منها !

ومن مقتضياته كذلك أن تصبح قيمة الأعمال في النفس مستمدة من بواعثها لا من نتائجها . فلتكن النتائج ما تكون . فالإنسان غير معلق بهذه النتائج . إنما هو معلق بأداء العبادة في القيام بهذه الأعمال ؛ ولأن جزاءه ليس في نتائجها ، إنما جزاؤه في العبادة التي أداها . .

ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيرا كاملا تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال . فينظر فيها كلها إلى معنى العبادة الكامن فيها . ومتى حقق هذا المعنى انتهت مهمته وتحققت غايته . ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك . فهذه النتائج ليست داخلة في واجبه ولا في حسابه ، وليست من شأنه . إنما هو قدر الله ومشيئته . وهو وجهده ونيته وعمله جانب من قدر الله ومشيئته .

ومتى نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل والجهد ؛ وشعر أنه أخذ نصيبه ، وضمن جزاءه ، بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد ، فلن تبقى في قلبه حينئذ بقية من الأطماع التي تدعو إلى التكالب والخصام على أعراض هذه الحياة . فهو من جانب يبذل أقصى ما يملك من الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف . ومن جانب ينفض يده وقلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض ، وثمرات هذا النشاط . فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته .


هذا هو إذن معنى العبودية لله في صورته الشاملة وفهمه المنسجم مع مراد الله من خلق البشر. وليس تلك الصور المنقوصة التي اختزلت العبودية في شعائر تعبدية لا تتعدى نطاق المسجد.

وهكذا تحولت حياة الصحابة رضوان الله عليهم لتبرهن على هذا الفهم العميق لغاية خلقهم ومعنى عبوديتهم لله سبحانه وتعالى.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #92 في: 2024-11-06, 07:09:27 »
-3-

{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} (46)

وقد جاء ذكر القلب في القرآن في أكثر من موضع على أنه محل القرار وما يعقله الناس من أمور في حياتهم. فمعضلة البشر ليست في عقولهم بالأساس، وإنما في قلوبهم.
ولعل هذا يفسر لنا كيف يعلم الناس الكثير من أمور الدين ولا يطبقونها، بل وقد يعاندونها أو يلتمسون كل الأعذار للهرب منها. فالمعرفة شيء والإيمان شيء آخر.

ومن هذا المنطلق ندرك أن تصحيح التصورات والمفاهيم لا يؤتي أثره إلا إذا صادف قلبا مؤمنا صادقا محبا لله ولرسوله. وأن قلة من أصحاب الإيمان بالتصور الصحيح هم حملة هذا الدين على الحقيقة.
ومن هذا أيضا نستنبط الأعداء الأكثر شراسة للمؤمنين، حاضرة فيما يصرف هذه القلوب عن إيمانها والعمل في الأرض بمقتضى هذا الإيمان.

إن فهم حقيقة المعركة وإدراك الأعداء فيها بوضوح لا يتجزأ عن فهم دور الخلافة الذي أوكله الله تعالى للإنسان في هذه الأرض.
ولعل هذا ما يفهم أيضا من سياق الآيات في بدايات سورة البقرة.
فتأتي البداية بتعريف الإيمان وصفة المؤمنين وطريق الهداية لهم. ثم الانتقال المباشر لصفة الكافرين وأن الله قد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم.
فقد يرى العقل كل الحقائق ويتعرض لكل المعارف والتصورات الصحيحة، لكن لا جدوى بدون استجابة القلب.
بل إن مرض القلوب إذا لم يوقع في الكفر فقد يوقع صاحبه في النفاق، بل يزينه له فيبذل لغايته الفاسدة الجهد والتعب.

ثم تنتقل السورة إلى المبدأ الأصل. وحدانية الله سبحانه وتعالى، وتكليفه للناس بالعبادة له وحده والتدبر في شؤون هذا الكون العظيم حتى يستقر التوحيد في القلوب.
ولتكرار ذكر القلوب بهذا الشكل دلالة على أنها المكان الأساسي للمعركة.

فإذا ما استقر ذلك في الوجدان، تأخذنا الآيات في السياق الأكبر للمهمة التي خلق الإنسان من أجلها. ثم التجربة الأولى للفشل والقيام من بعده.

{فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ} (36)

{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)



غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #93 في: 2024-11-10, 19:28:01 »
-4-

يذكر لنا التاريخ أن الصليبيين قتلوا أكثر من ٧٠ ألف مسلم عند احتلالهم لبيت المقدس، ثم قاموا بتحويل المسجد إلى حظيرة خنازير.
وعندما اجتاح التتار بلاد المسلمين حرقوا مدنا بأكملها وقتلوا من المسلمين ما قدر في بعض الكتب بأكثر من مليوني مسلم.
لكن الله سبحانه وتعالى قدر للأمة في كل مرة من كسر شوكة الصليبيين والتتار وغيرهم على مدار تاريخ أمة الإسلام.

فما الذي اختلف هذه المرة في زماننا؟ ولماذا لا تستطيع الأمة أن تتابع النهوض بنفس الطريقة التي نهضت بها من قبل على يد صلاح الدين وقطز وغيرهما من المجاهدين؟
أحسب أن هناك ثلاث مستجدات محورية أخرجت الأمة عن مسار النهوض بعد الوقوع.

١- رضى المسلمين بالتحاكم لغير شرع الله في أمورهم وحياتهم، واختلال مفهوم العبودية لله سبحانه وتعالى في أذهان العموم. وبالتالي ضياع مفهوم شمولية الإسلام لشتى نواحي الحياة.
٢- الضعف اللغوي الذي عم الأمة بسبب الاقبال على تعلم اللغات الغربية، إما تحت سطوة المحتل وإما تحت شعار تحصيل العلوم ومد الجسور مع أجيال المسلمين في البلاد الغير ناطقة بالعربية.
٣- رضوخ الكثير من علماء الأمة للواقع (الدولة الحديثة) والتماشي معه من باب تيسير أمور الحياة للناس، ثم تأصيل هذا الواقع الجديد وهجران قضايا الأمة الكبرى كالحاكمية والمولاة وحصر الدين في شعائر تعبدية فردية.

وهكذا خرجت لنا حالة مشوهة من الفهم الضيق للدين لا تريد الصدام مع الواقع، وتحصر أدوات الدعوة حول نطاق الشعائر التعبدية التي لا تتصادم مع السلطة ولا الواقع العلماني لحياة الناس.
وبالتبعية انهار مفهوم الأمة في أذهان الناس، وخرجت لنا القبلية (القومية) المنتنة، ولم يعد يجد المسلمون غضاضة في التمتع بحياتهم وإخوانهم يذبحون أمام أعينهم على بعد دقائق أو ساعات منهم.
والأدهى محاولات شرعنة الواقع الجديد وظهور فئة جديدة ممن يدعون العلم الشرعي، لتجد للناس حلولا تريح ضمائرهم في قبول هذا الواقع العلماني السمج دون التصادم المباشر مع الشرع.

وكأننا أمام دين جديد تتحول فيه الصلاة مع الوقت إلى تمرينات رياضية، وشعائر الحج والعمرة إلى رحلات سياحية.
أما نصرة الدماء والأعراض والمقدسات، فهي منغصات تفسد حفلات الترفية ومؤتمرات الأعمال.

يقول سيد قطب رحمه الله:
"نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم.
حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا.. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية!!
لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا، ولا يتضح في عقولنا، ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة.

فلا بد إذن – في منهج الحركة الإسلامية – أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها.
لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال، النبع المضمون أنه لم يختلط ولم تشبه شائبة.
نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق، وجود الله سبحانه..
ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة، وقيمنا وأخلاقنا، ومناهجنا للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة.

ولا بد أن نرجع إليه – حين نرجع – بشعور التلقي للتنفيذ والعمل لا بشعور الدراسة والمتاع. نرجع إليه لنعرف ماذا يطلب منا أن نكون، لنكون.
وفي الطريق سنلتقي بالجمال الفني في القرآن وبالقصص وبمشاهد القيامة في القرآن.. وبالمنطق الوجداني في القرآن.. وبسائر ما يطلبه أصحاب الدراسة والمتاع.
ولكننا سنلتقي بهذا كله دون أن يكون هو هدفنا الأول. إن هدفنا الأول أن نعرف: ماذا يريد منا القرآن أن نعمل؟ ما هو التصور الكلي الذي يريد منا أن نتصور؟
كيف يريد القرآن أن يكون شعورنا بالله؟ كيف يريد أن تكون أخلاقنا وأوضاعنا ونظامنا الواقعي في الحياة؟"
« آخر تحرير: 2024-11-12, 07:17:12 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي والحاضر.
« رد #94 في: 2024-11-10, 20:01:27 »
-5-

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ۚ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)


أتوقف كثيرا عند هذه الآيات وهذا الوصف العجيب لحال الناس في هذه الدنيا وانشغالهم بها، في حين أراد الله لهم أن ينشغلوا بما بعدها.

هذا التصوير القرآني البديع لحالة النفس البشرية في معترك الحياة. تفرح إذا ما حصلت شيء من الدنيا وتظن في نفسها القدرة على تحصيله بعلمها وأخذها بالأسباب.
فإذا ما انقلب الحال بهم وجاءت لحظة الضعف والخوف أمام قدرة الله، سارعوا إلى دعاء الله واللجوء إليه، أن يعودوا ويرجعوا إلى شكره وعبادته.
فلما أنجاهم الله، نكثوا العهد وبغوا في الأرض بغير الحق. يريدون تحصيل هذه الدنيا، يجعلونها كل همهم ومنتهى أملهم.

هذا الإقبال على الدنيا لذاتها مهلك، لطالما جاء التحذير منه في القرآن والسيرة. إنه المرض العضال والداء الذي لا ينفك يهلكنا ويبعدنا عن طريق الله.

لهذا جاءت الآيات التالية توضح لنا حقيقة هذه الدنيا. الدنيا التي نتصارعها ونتكالب عليها، يضرب الله لنا مثلها كمطر من السماء أخرج بعض الزرع ليقتات عليه الناس والأنعام، هكذا فقط في بساطة شديدة.
وكأن حال الدنيا هذه كلها كوجبة طعام لا أكثر.
فإذا ما انشغل الناس بها وركنوا إليها، واستزادوا منها، حتى ظنوا في أنفسهم القوة والقدرة على الاستقرار فيها وتحصيل متعها، أتاها أمر الله فأهلكها وكأنها لم تكن.

هي هكذا ليس لها وزن عند الله، وقيمتها أقل من أن يكون لهلاكها اهتماما كبيرا، فتنتهي في خطفة، سواءا كانت ليلا أو نهارا، فحجم هذه الدنيا أصغر من أن يكون لها شأن حتى في الهلاك.

ثم دعوة الله لنا لنتفكر ونتدبر. أهذا ما يشغلنا؟ أهذا ما نضيع فيه أعمارنا؟

ويأتينا الجواب الواضح الجلي. إن الله يدعونا للجنة، دار السلام. السلام من المنغصات والآلام، السلام من الهم والقلق والتعب. السلام من هذه الدنيا وكدرها.
هو طريق الله المستقيم. لا اعوجاج فيه ولا مواربة. وعلى هذا يجب أن تستقيم قلوبنا.