المحرر موضوع: على درب الحياة والقرآن مشكاتي (سورة نـــــوح)  (زيارة 1395 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

عشنا في رحاب أربع سُوَرٍ من سُوَر هذا الجزء الحافل العامر :"الملك"، و"القلم"، و"الحاقة"، و"المعارج"... وكلُّها بفضل الله تنعّمنا بأجوائها، وتفيّأنا ظِلالها، وتملّينا حُسنَها وجَمالها...
كلّها من الماء المعين الذي أتانا به المولى العظيم سبحانه خالقُ خلقِه ومُربّيهم ...كلّها الرُّوح للروح، فهي التي لا تستقيم حياةٌ بِلاها ... !

وعرفنا الترابط والاتّساق البديع بين كلّ سورة وسورة، وتناغُمَ آيات السورة الواحدة، فإذا هي الخطوط المتكاملة المتعاضدة ترسم الصورة رسما، فلا تكتمل ولا تستبينُ إلا بالأخذ بها مُجتمِعة  ... !
فلنأخذ من زاد الأربع السابقات لهذه اللاحقة، فإنهنّ الحبّات المنتظمات، المتسلسلات ... خُذْ معي،  ترَ العجب ... !
إنّا اليوم مع سورة جديدة ... سورة "نوح" الحاملة لاسم الرسول نوح عليه الصلاة والسلام ...

هي واحدة من سُوَر القرآن المسمّاة بأسماء رُسل حَوَتْ قَصَصَهم مع أقوامهم، نزلت فيما نزل على خاتمهم صلى الله عليه وسلم، وقد جاء فيها وفي مختلف سور القرآن ذكرُهم، وقَصَصُ جهادهم وعملهم على دعوة الناس لدين الله الواحد...
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعلم من خبر السماء عن صبرهم، وثباتهم، وجِهادِهم، وعمّا تحمّلوا وتكبّدوا في سبيل تبليغ رسالات ربّهم ! عن نَصَبِهم، ولأْوائهم، وما قوبِلوا به من صدّ وصدود وتكذيب، وهم المُصْطفَون من خلق الله ... !
هُم جميعا، حلقات في سلسلة دُريّة سَنِيّة واصلة بين السماء والأرض، بين الخالق وخَلْقِه ... كلّهم بالدعوة الواحدة جاؤوا، وبالدين الواحد جاؤوا ...

فكان صلى الله عليه وسلم يستأنس بذكرهم، ويتزوّد مِن عَزْمِهم لدربِه، ومن صبرهم وتجلّدهم في سبيل إحقاق كلمة الله لما يَلْقَى من صدّ وصدود...
وتتسلّى الأحزان عن قلبه الشّفيف، وهو يسمع عن تأييد الله ونصره لهم...
يهون عليه تعذيب أو تكذيب، أو رميٌ بالسحر أو بالجنون، وهو يعلم عن إبراهيم إذ ألقاه قومُه في النار، وعن مكابدة موسى لتقلّبات يهود ولإملاءاتهم، وعن هَمِّ قوم عيسى بقتله، وعن سجن يوسف لجريمة تعفّفه... ! وعن لوط إذ أجمع قوم الفاحشة التي لم يُسبَقوا إليها أن : "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"... !
يهون عليه، ويصغر بعينه ما يحيط به من تعنّت وعتوّ، وهو يعلم عن فعل الله لما يريد حسِب مَن حسب أنه المريد... !

كما كان ذكر أنبياء الله ورُسُله في القرآن سَمْتاً لعالَمِيّة الرسالة، ونحن نقرأ قَصَصَهم مع أقوامهم، من مختلف بقاع الأرض.  رُسُلٌ ذَوو ألسنة متباينة، وأعراق وأجناس مختلفة، كان كلٌّ منهم بلسان قومه يُبعَث...

تقرأ قرآنا عربيّاً مبينا، وأنت تستحضر في ذهنك اختلاف ألسنة الأقوام ورُسُلهم، فتستشعر وِحدة الرّسالة، ووِحدة الدين... تستشعر أن الأرض بِرُمَّتها موصولة بالسماء عَبْرَ رُسُل الله  إلى خَلْقِه لتنطق توحيدا وإيمانا... !

إنّ الإنسان لم يُخلَق ولم تُخلق له الأرض، ليُترَك هَمَلا وهباءة ضائعة بلا هدف ولا جذور تجذبه نحو أصله فتنقذه من التَّيْه في صحارى الأهواء وفيافي الباطل، وتمنعه غوائل الشيطان ونفثه وصُروف النفس وتقلّباتها ... ! بل خُلِقَ وأنبِت من الأرض نباتا ليتعهّده الخالق بالسُّقيا حتى لا تظمأ فيه الروح، ولا يموت فيه القلب ... !
إنها الرّسالة العالميّة، وإنه الكتاب الذي جاءت فيه قصّة الإنسان على الأرض، منذ أن أوجِدت وهُيّئت لأجله، وأوجِد عليها إلى أن تنتهي الدنيا، كما جاء فيه دواؤه من أدوائه...

"سورة نوح" مكيّة، جاءت تحمل اسمَ النبي نوح عليه السلام، وهي بكل آياتها تحكي قصّته مع قومِه .... ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مكة أحوَجَ ما يكون إلى معرفة سنّة الرُّسُل من قبله، وهو يُلاقي الصّدود ألوانا، والتكذيب والتعذيب، والتحريش ...

ولقد صوّرتْ لنا أواخر سورة "المعارج" حالَ الكفّار قُبالته مهطعين،  محيطين به في تضييق وتخنيق، واستهزاء وسخريّة، ومحاولات منهم يائسة أن يُثنوه عن  دعوته ويردّوا الناس عنه... لنجدها متبوعة بهذه السورة  تروي له ما لاقاه نوح من قومه في دعوة دامت تسع مئة وخمسين سنة:  " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ"-العنكبوت:14-   ليعلمَ صلى الله عليه وسلم أنه ما كان بِدعا من الرّسل، وما كان ما حولَه بِدعا من شأن البَشَر ...
وهذا من الترابط الذي ألِفْنَاهُ بين السورة والسورة، وسنقع على أوجه ترابط أخرى في لاحِق الآيات ...
فماذا تُراها تحمل سورة نوح ؟ ما تُراها تعالج ؟

هذا ما سنعرفه ونحن نستكشف أمرَها:
"إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)"
إنّه الرسول من ربّه، وإنّه تقريرٌ لعُلويّة أمره ومصدره، فهو ليس المتقوّل من نفسه، ولا رسول ملِك من ملوك الدنيا إلى ملك مثله، بل هو رسول الخالق إلى خلْقِه، هو رسول الملِك(المُلْك) الحاكِم(القلم) الحقّ (الحاقّة)الديّان ذي المعارج(المعارج) إلى عبادٍ من عباده...هو الواسطة بين الموجِد سبحانه وبين مَن أوجد، وإنها رسالته، يضعها في المصطَفَين من عباده ليكونوا المبلّغين عنه ...

يرسل للبشر بشرا، ولا يرسل لهم ملائكة وهُم جُندُه المطيعون، -ولو شاء ذلك لكان-  حتّى يستأنس الجنسُ بجنسه، وحتى يأخذ عنه وهو الذي من طينته، وحتى يكون له قدوةً في إنسانيّة الإنسان المخلوق بضعف، والمخلوق مختارا بين كفر وإيمان، والمخلوق هلوعا(كما عرفنا في سورة المعارج) ...
هو الذي سيكون للبشر بشرا في صورته المترقّية... في صورة روحِه المنفوخة فيه من ربّها، المرتوية بمائه، المتنفّسة هواءَه المُحيِي...ليكون الأثر المُقْتَفَى على درب استخلاف "الإنسان" في الأرض، في صلة بالخالق لا تنقطع ...

ولقد تأوّل الناس على مدى الأزمنة وعلى مدار مبعث الرُّسُل، بعثتَهم رجالا منهم، واتخذوها محجّة لهم في رفض ما يبلغونَهُموه، ليس إلا مِن استمساكهم بالقشّات في محاولة يائسة بائسة لإنقاذ باطلهم، وللإعراض عن الحقّ في صفاقة وسفاهة تتلبّس بلَبوس الحجّة... !
نوح عليه السلام كان الرسول الأول للبشرية، بينما كان آدم -وهو الإنسان الأول- نبيّا، ربّى ذريّة البشرية الأولى على الصّلة بربّها، ليرسل الله نوحا من بعد ما تطاول الزمن على بذرة البشر الأولى في الأرض، فاجتالها الشيطان عن ربّها وعن الحقّ الذي تركها آدمُ عليه.

عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان بين نوحٍ وآدمَ عشرة قرونٍ كلُّهم على شريعةٍ من الحقِّ، فاختلَفوا، فبعث اللهُ النبيين مُبشِّرينَ ومُنذرِين" -الألباني: السلسلة الصحيحة-
وأما عن أوّليّته في الرسالة، ففي الصحيح حديثُ استشفاع الناس الأنبياءَ يوم القيامة أن يقيم الله الحساب، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم في نوح عليه السلام: " فَيَأْتُونَ نُوحًا، فيَقولونَ: يا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأرْضِ، وسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا "-صحيح البخاري-
وإنّ ما بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون استشهادا بما جاء في صحيح ابن حبّان عن رجل قال :" يا رسولَ اللهِ أنبيٌّ كان آدَمُ ؟ قال : ( نَعم مُكَلَّمٌ ) قال : فكم كان بيْنَه وبيْنَ نوحٍ ؟ قال : ( عشَرةُ قُرونٍ) ".

و"القرن" ها هنا لا يعني بالضرورة مئة عام، إذ هو في معناه الصحيح الزمن الذي يجتمع فيه الناس  بمختلف الأعمار قِصَرا وطولا، فهم الجيل من الناس... فنوح -مثلا- عاش ما يربو عن تسعمئة سنة يدعو قومَه، فلك أن تتخيل جيلَه ومُدّته ... لذلك قد تفوق عشرة قرون ألف سنة.

إنّ مُفتتَح السورة إخبارٌ عن أمور ثلاثة:
**عن عُلويّة المصدر المرسِل.**وعن المرسَل إليهم.**وعن فحوى الرسالة
 " إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"

"إلى قومه" المرسَل إليهم.  فهو منهم، ليس بالغريب عنهم...
وهكذا الرسول يُبعَث في قومه، فهم له ولأصله ولمكانته بينهم عارفون، وهو بالمقابل الحريصُ على قومه بحكم طبع حِرص الإنسان على ذويه وأقربائه وأهل أرضه ...
أرسله ربّه، وأمره أن يُنذر قومه... أن يخوّفَهم عذابَه الأليم، الذي يُنزِله بالكافرين المُعرضين... فالرُّسُل رحمة من الله، تذكرة وإنذار وإعذار منه سبحانه، لئلا يكون للناس على الله من حجة" : ......وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا "-الإسراء: من الآية15-
لنُفاجأ بالآيات التاليات، وهي تحمل سرعة استجابة نوح عليه السلام لأمر ربّه بالإنذار :
"قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى  إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ  لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (4) "

إنه العبد المطيع، إنه المُحَدَّثُ من ربّه سبحانه أن يبلّغ قومَه رسالته... !
وإنه لأمرٌ عظيم... ! والسماء تتعهّد سلسلتها الوضيئة الممتدّة إلى الأرض برسول مُصطفى من أهلها... فيأتي أوانُ التذكير والإنذار من ربٍّ خالق، لعبادٍ له زاغوا وتاهوا عن الجادة .... !
إنه يحدّث قومَه بأمر ربّه وربّهم...
فهو ذا بادئا يعرّف بوظيفته الجديدة بينهم، وبما كان من أمر الله فيه : "يَا قَوْمِ إِنِّي لكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ"  ...  مبين تعرفونه، وليس عنكم بغريب، وتعرفون سويّة عقله وطُهر سيرته بين ظهرانيكم... مبين بدعوة واضحة جليّة، لا لُبسَ فيها ولا إبهام... دعوة حقّ ساطعة ناصعة، ولكنّ الحق في أعين سواد المُبطِلين باطل ... !

وإنه على تواجده بين سواد ضال من قومه الكفَرة، فهو الذي يعلن أمرَه بينهم، ويصف إنذاره لهم بالمبين ليقينِه من الحقّ الذي معه، ولقوّة في شخصيّته تجعله يعلنه وهو لا يهاب سوادَهم، بل يتوكّل على ربّه، وهو الوحيد الأوحد فيهم الذي يقول بغير ما يقولون... !
ينذرهم، فلا يكون للإنذار وَقعٌ إلا وهو يذكّرهم، ويدعوهم ... فيذهب بهم أولا مذهب الدعوة إلى ما يُنجيهم ممّا جاء يُنذرهم إياه، إلى أن يكونوا في كَنَف الله العظيم:  "أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ"

ثلاثة هي ...إليها قد دعاهم ... أن يعبدوا الله، فيكونوا لأمره مطيعين، وأن يتقوه فيجتنبوا سَخَطَه بانتهائهم عن نواهيه، وأن يطيعوه هو فيما يأتيهم به، لأنه الواسطة بينهم وبين الله، ولأنه المبلّغ عنه، فليس يأمرهم إلا بما يوافق أمر ربّه ...
وحريٌّ بي هنا أن أنوّه بهذه الآية جنبا إلى جنب مع الآيات التي فيها الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من مثل قوله تعالى:"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ" -محمد:33-  .   "وأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" -النور:56-

وفي قول الطاعنين بالسنّة -في أيامنا وفيما خلا من أيام- تأويلٌ لهذا الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أنّها الطاعة لما جاء به قرآنا لا فيما جاء من أوامره عدا القرآن ...ففي دعوة نوح لهم بطاعته، مزيد بيان لهذه الطاعة التي تكون للرُّسُل خاصّة، وهم الذين لا يأمرون إلا بأمر الله.
ثم ها هو ذا عليه السلام في ضمنيّة إنذارهم:
"يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى  إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ  لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"

 يزيد عليه السلام في إعذارهم، بتعريفهم ما ينتظرهم في كَنَفِ الله تعالى. فهو الإعذار بدءا، التذكير من جهة، والفرصة الممنوحة لهم رحمةً بهم من جهة أخرى، نجاةً من عذاب الله، مكلّلةً بالمغفرة لما فرط منهم من كفر ونُكران...
"وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى"... تأخير إلى أجل مسمّى عنده سبحانه، أجلٌ هو أجل الموت المحتوم، يؤخّرهم إليه، بألا يستأصلهم بعذاب ساحق ماحق يُهلكهم جملة واحدة ...
"إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ  لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" فأما الأجل الأول(الذي جاء مقرونا بـ"مسمّى") فتأخير فيه تنجية من عذاب الدنيا، تأخير إلى أجل محتوم، وأما هذا، فهو للأجل الذي هو ساعة موت الإنسان، كما يصحّ لأجَلِ العذاب الذي يُمضي الله أمره بإنفاذه في عباده الذين يستحقونه ... !

وعلى هذا ...
فإن  امتثال نوح عليه السلام لأمر ربّه بإنذار قومه، كان أولا بدعوتهم إلى عبادته سبحانه، وإلى طاعة أمره هو فيهم ثانيا، ثم بترغيبهم فيما يجلبه إليهم الإيمان من مغفرة للذنوب وتأخير للعذاب.
« آخر تحرير: 2020-11-29, 14:43:18 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

والآن ... إننا نسمع صوت نوح عليه السلام يناجي ربّه ... يبثّه شكواه، وهَمَّه ... نوح الذي لبث في قومه داعيا تسعمئة وخمسين سنة... !
إنه الآن نوح العبد المطيع المنيب المُخبِت لربّه ... وفي كلٍّ هو كذلك ...
قبل قليل... على بعد آية، حينما سمعناه داعيا لهم، مستجيبا لأمر ربّه بإنذارهم، مُعذِرا ومذكّرا رحمةً بهم، يناديهم نداء القريب لقريبه، مشفقا عليهم إشفاق المحبّ على حبيبه : يا قومي ... يا قومي ... يا مَن أنا منكم وأنتم مني... !

والآن كذلك... وهو العبد المنطرح بباب ربّه، المنكبّ على عتباته ... المتذلّل له وحده، الخاشع المتضرّع، الذي يعلم أن ربّه أعلم بما يُكنّ وبما يعلن :
"قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا(6) "

وإنّ "ربِّ"  لو نتملّى... وحدها تُشعِرك بالملجأ والمَنجى والمَفرّ ... !
يا مُربِّيَّ ويا سيدي... وخالقي وآمري ...يا طبيبي... !
إنه يُمِدّ ربّه العليم بتقرير حول عمله الدؤوب وسعيه الحثيث لدعوة قومه، وهدايتهم: "إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا" ...
لم يألُ جهدا، لم يَدَعْ وقتا إلا واغتنمه لدعوتهم  وهو من أولي العزم من الرُّسُل ...
أذكر وأنا على عتبات الله في أوائل شبابي، مقدار ما أثّرتْ بي قصّة نوح عليه السلام، وأنا أستحضر حالَه وهو يدعو لا يفتُر ولا يَني تسعمئة وخمسين سنة... !
لكم أكبرتُ عزمَه ! ولكم دُهِشْتُ من صبرِه إزاءَ ما لاقاه من صنوف الصدود وألوان السخريّة... ! ولو كان بمَلْكي لأسمعتُ سيّدي نوح، وأنا التي من بعد قرون متطاولة متطاولة، وددتُ لو أنني قمتُ في وسط قومِه البُغاة الكَفَرة أنصره، أن أجيبوا داعي الله.... ! أجيبوا مَن لا يريد منكم أجرا ولا جزاء ولا شكورا... أجيبوا مَن صبر على تكذيبكم قرونا وقرونا ... !
قرون تلتْها قُرون وهو مقيم على دعوته، ثابت صابر، لا ييأس، مستمسك بعُروة الله الوُثقى، لم يهتزّ ولم يتزعزع، وهو القائم على أمر ربّه ... !

حتى هي ذي شكواه التي بثّها ربَّه... شكوى مَن هو قائم داعٍ، ثابت صابر والقرون والأجيال قد أكل بعضُها بعضا، وتكاثر قومُه وتكاثروا، وهُم يتوارثون تكذيبه، فالسّلف منهم يوصي الخَلَف بالبقاء على تكذيبه والسخريّة من دعوته .... وهو هو، نوح الصابر الثابت لا يتراجع ... !

ها هو ذا في مناجاته ربّه، وشكوى همّه يصف حالَهم، وربّه أعلم بها، ولكنّه يُفرِغ كأسَ نصَبِه المُتْرَعة المُفعَمة بالآلام لمَن هو طبيبُه:   "فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا"....... !
مِن فرط كُفْرِهم وعصيانهم وتعنّتهم هم الفُرّار من دعوة الخير ! وكأنّه الذي يدعوهم لشرّ...! كلما دعاهم زادوا فِرارا ... وأيّ دقة في وصف هؤلاء، وكأنّنا نُبَصَّرُهم وهم يفرّون منه فِرار الهَلِع الفَرِقِ من مجذوم ...!

ولنتأمّل حتى نرتّب هذه الدرجات المتواليات في هذه الآيات، ونوح وهو يُلقي بحِمْلِه على ربّه الوكيل، يتدرّج، ويضع منهجيّة، وليس ذلك ببِدع من حكمة الرُّسل وكمال بيانهم ... فلقد  :

أولا : أجمَل في الآيتين السابقتين، وهو يخبر عن مسلك دعوته وكيفيّتها(آية05)، وفي كلمات معدودة عن حال قومه بالمقابل(آية06)

ثانيا : لننظر كيف سيفصّل تفصيلا أوليّا  :

"وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)"
يزيد في بيان إصرارهم على كفرهم وإعراضهم،  مقابل إصراره هو على دعوتهم ... يُعطينا صورة أكثر تفصيلا عن فِرارهم...
فهو كلما دعاهم مرغّبا إياهم في مغفرة الله لهم: " وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ..." وهي نوالٌ من نوال الآخرة ... مقدّما لها على نوال الدنيا، إقرارا لأفضليّتها ولكونِها الغاية الأسمى والعطاء الأدوم ...هم أولاء يفعلون فعل الأطفال إذ يسدّون آذانهم امتناعا عن سماعه، حتى أنهم من فرط فِرارهم، وكُرهِهم لدعوته، وكأنّهم قد أدخلوا أصابعهم كلّها في آذانهم :"جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ"... فهم يسدّون ويسدّون ويشدّدون ويصرّون... !!

ولا يكتفون بذلك، بل يستغشون ثيابهم، لئلا يبقى من منفذ لسماعه ... !
فرار... هلع... هروب ... ! وكأنهم يخشَون صوت الفِطرة في أعماقهم، فهم يُغَلّقون دونَها المنافذ  قبل أن يُغلّقوا دون صوت نُوح ...! واستكبروا استكبارا، تأكيدا لفرط استكبارهم.... !

وهو رغم كل ما يرى منهم، يدعو ويدعو ...
فتارة يجهر بالدعوة على الملأ، وتارة هو المُزاوِج بين إعلان وإسرار ...
أساليب الدعوة يلقّنها نوح عليه السلام لكل داعية على دربه، وعلى درب رسول الله صلى الله عليه وسلم... إصرار الداعية يبثّه في أرواع الدّعاة... صبره العظيم الجميل حُلّة مُوشّاة، بديعة رفيعة، تسحر الألباب...! 

ويا صاح ... ! ألم أشر عليكَ من بداية رحلتنا في رحاب سورتنا، أن تأخذ معك من زاد السابقات ؟ !  ألم أشِرْ عليك أن تذكر خطواتِك السالفة، وما أضاءت لك مِشكاةُ آياتها من معالم الدرب الذي أنت فيه ماضٍ ؟ !
هيّا...هلمَّ إلى قبس من مشكاة المعارج ... !
لنستصحب أمْرَ الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر الجميل : " فاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا" ... ثم انظر ... ألست تراه في سورة نوح، متمثّلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكلّ داعية تَمَثُّلَ الحقيقة المصوّرة؟ !
صبر على عتوّ واستكبار بالغٍ المنتهى... صبرُ من اشتكى إلى ربّه لا إلى أحد غيرِه بعد لأْيٍ ولأيٍ ...!! وأي صبر هو ؟ وعلى أيّ لَأْي ...؟ !

فماذا كان يقول لهم ليفِرّوا كل هذا الفِرار ؟! .... إنه :
ثالثا : مزيد بيان لما كان في دعوته ... بيان تفصيليّ تلا الأوليّ الذي سبق، إنها المرحلة الثالثة في منهجيّة بثّه :
"فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهارًا (12)"
من بعد ما رغّبهم في خَيْر الآخرة، المقدّم على كل خير فانٍ، هو ذا -وهو الذي نوّع وصرّف أساليب دعوته إياهم- يرغّبهم في خيرات الدنيا، يُمددهم بها الله تعالى إن هم أطاعوا واستغفَروا ...
ويالِذكر الاستغفار في هذه السورة... !   " يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ... "  "وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ..."  وهذه : " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ..."
فهي على الترتيب في هذه الثلاثة : جزاء أخرَويّ ، وغاية الدعوة، ومفتاح خيرات الدنيا ...
الاستغفار غاية المُراد من المدعوّين ... الاستغفار مفتاح خَيْرَيْ الدنيا والآخرة  ...

إنه الغفّار سبحانه، الذي يقبل عباده، والذي يعفو ويُسامح.
فلننظر ولنتأمّل، مقدار ما يريد سبحانه بعباده ولعباده من خير... بابُه مفتوح مُشرَع لا يوصَد... يكفي أن يُطرَق، بل إنه يدعو من لا يطرقون له بابا ليُجزِل لهم من فضله فيغفرَ لهم ...! "إنه كان غفّارا"...  و"كان" هنا للاستمرار  ولثبوت الحال.

فإذا استُغفِر غَفَر وأعطى في الدنيا قبل الآخرة ... هو الرزّاق سبحانه، وإن من شيء إلا يسبّح بحمده... هو الذي سخّر لعباده الكونَ وما فيه... هو سبحانه يأمر مخلوقاته كلّها فتطيع... فــــ :
"يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)"

تُدرّ خيرا على عباده المستغفرين... وكأنّ الكون والإنسان يتناغمان وهما يتناسمان التوحيد والعبودية لله الواحد الديّان... !
و"السَّمَاء" في اللغة تُطلق على المطر، فهي على المستغفرين مُرسَلة مِدرارا، خيرا وبركة ونماء وحياة... والأموال والبنون كلّها عطايا الرحمان سبحانه، كلّها بأمرِه ... والجنّات والأنهار من فيض عطائه ... !

ولقد تساءل أناس... منهم من سأل استفهاما، ومنهم من سأل إغراضا وتشكيكا، ومنهم من جعل ملاحظته قرارا مُنتَهًى منه ...
أنّ الكفار اليوم يُنَعَّمون بخيرات وعطاءات في الأموال والبنين والجنات والأنهار ...حتى أنّ أغلب شباب المسلمين غاية أمانيهم أن يهاجروا إلى بلادهم لأنها بلاد الرّفاه، والعيش الرغيد، بينما تشتكي ديار الإسلام الفقر والحاجة وضيق العيش، وكثير من أراضيها مصحّرة، وكثير منها مُجدبة ... فأيّ الفريقَين هو المستغفِر إن كان الاستغفار مجلبة للخيرات والعطاءات الربانية ؟!

استصحِب معي قبسا جديدا من مِشكاة "المُلك" و"المعارج" ... وتذكّر...
إنّ حقيقة ما هُم فيه ابتلاء...مما عرفنا من الابتلاء بالخير... هو إملاءٌ لمَن إلهُهُ في الأرض المادة والمال، لا اعتبار لعبوديةٍ بين يدي ربٍّ خالق عظيم جبّار، لا اعتبار لما وراء الدنيا، كلّ اعتبارهم للدنيا ولحدودها، وللجاه والسلطان والمادة إلها حاكما ... !
ولقد عرفنا الترقيّ لمجابهة الابتلاء -شرّا كان أو خيرا- حتى يُكبَح في النفس الهلعُ... أمّا هُم، فهلوعون لا يعترفون بمنهج المَكَابح... جَزِعون عند الشرّ كلّ الجزع، محبّون للخير كل الحبّ، لا يعرفون للترقي من درجات، وهم البعيدون عن الربّ الخالق المُرقّي، فهُم في شهواتهم ونزوات أنفسهم التائهة مُغرَقون، فإذا أصيبوا بسوء رأيتَهم كالدابة الهائجة لا يقرّ لها قرار ... !

منعَّمون ظاهرا وأنفسهم مريضة، وأرواحُهُم عطشى، وهم الذين باقون على ما خُلقوا عليه من هلع... يطاولون الحياة لا بحثا عن الحقّ وعن مصدر ارتواء أرواحهم، بل عمّا يحقّق لهم سعادة وهميّة ينخلعون بها عن الأخلاق انخلاعا، وهم يتنادون "حُريّة ...حُريّة"، كالأبلَه يجرِفُه السَّيل، وهو يتغزّل ببرودة الماء... !!
لا يعرفون اللُّجوء إلى الربّ الخالق الطبيب... منعَّمون بأموال ...نَعَمْ ...مُترَفون... نَعَمْ ... ولكنهم مرضى، عطشى، جَوعى، والروح فيهم لا تجد ما تقتاتُ... !

وإنّ المسلمين اليوم في قَصْوٍ عن دينهم، وعن ترياقِهِ، وعن تَرَقّياتِه التي عرفنا شيئا منها في سورة المعارج ... هم في انبهار بفُتاتِ الغرب، وبسعادتهم الظاهريّة ... ! هُم في مرحلة من الاتّباع الأعمى الذي أوقعهم فرائس تُعفَس وتُرفَس ! لذلك بعُد عنهم التّمكين، وابتعد عن الأمّة ما اختصّ به الله أمّة الإسلام من العطايا الدنيوية، جزاء وفاقاً لتأخّرهم عن سنا دينهم وعن غاياته السامقة، وعن معنى الاستخلاف في الأرض بإعلاء أمره وكلمته سبحانه... !...

ورغم كل ذلك، فإننا لا نملك أن نُنكِر اختصاص المؤمن بعطايا ربانية دنيوية، يُنكِرها مَن ينكرها في غمرة عقلنة الأمور التي تبلغ حَدَّ استبعاد خصوصية في عَيْش المؤمن، مستدِلا على السَويّة بينه وبين غيره بأنه الذي يُصاب، ويفتقر، ويجوع ويعرى، ويألَم، ويحزن... !
إنّ ذلك عندنا ليس أبدا مَحَجّة، بل هو طبيعة الحياة، وما عليه خُلِقت الدنيا من تقلّب بين حال وحال، هو الابتلاء الذي هو غاية الوجود أصلا ... ولكن، رغم كل ما يلحَق بالمؤمن من مصائب وبلايا، إلا أنه المختصّ دون غيره بعطايا دنيوية ...

لنتأمّل مثلا آية أخرى مشابهة لآية عطايا الاستغفار الدنيوية في سورتنا. قوله سبحانه:   "وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ "- هود:3-

نعَمْ...  الكافر أيضا له من هذا العطاء، له من المتاع، ولكنّ متاع المؤمن حسن : " مَّتَاعًا حَسَنًا "  ...حُسْنٌ مقرون بالإيمان...  هو العطاء المبارَك فيه من ربّ العزة للمؤمنين، متاع ليس فيه ما يغضب الله، فهو إن كان مالا لا تَهُمّ كثرته، بل تهمّ نوعيته... لن يكون رِباً، ولا مردود بيع خمر، لن يكون من مقامرة، ولا مِن بيع هوى...
نعم... للكافر أموال، بل وأموال طائلة، ولكنّ ميزة مال المؤمن المستغفر الذي وعده به ربُّه، مال طيب، يقبله الله... تُرضيه طريقة اكتسابه وأوجُهُ صَرْفِه... له في اكتسابه وفي صرفِه منهاجٌ بأحكام يتّبعُه، لا يحيد عنه ...

ولننظر  ...
عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سَرَّهُ أن يُبسطَ له في رزقِه ، أو يُنسأَ له في أَثَرِهِ ، فليَصِلْ رحِمَه" –صحيح البخاري-

وهذا من عطاء الدنيا للمؤمن.
نعم... هناك بسطٌ للرزق للكافر، لكنّ هذه خصوصية المؤمن، إذ أن الله تعالى وقد بسط الرزق لواصل الرّحم هذا، إنما بسطه طيّبا حسنا لا يأتي إلا من طيب... لا من خبيث كما قد يكون عند كافر ..
هذا شيء مما يُختصّ به المؤمن، فضلا عن مصائب مكفّرات وأمراض طهور، وهذه لا تُعطى لكافر ... هي عطاءات دنيوية خُصَّ بها المؤمن... بل إنّ مما خُصّ به من عطايا ما هو في شكل مصائب ... ثوابها في الآخرة جزيل، ولكن هي ذاتها عطاءات دنيوية، فالمؤمن وهو يتعرض لها، ويعلم ما تُدِرّ عليه من الله، يحدث في نفسه رضى وصبر وتسليم ...صبر هو غير صبر الكافر، لأنه تفاعل دنيوي من أجل غاية أخرويّة، وعلى هذا فهو العطيّة الدنيويّة ...  قال صلى الله عليه وسلم : "عجبًا لأمرِ المؤمنِ إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شكَر وإنْ أصابَتْه ضرَّاءُ صبَر وكان خيرًا له وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمنِ" -صحيح ابن حبان-

شاء من شاء وأبى من أبى ... يُختَصّ المؤمن بالعطايا الدنيوية، ذلك أنّه وهو يحيا مؤمنا، قد أوثق رباط تلك العُقدة ما بينه وبين خالقِه، عُقدة هي بمثابة الحبل السُريّ الذي يزوّد الجنين بحاجته من غذائه لتستمرّ حياتُه، ولينمو...
كيف لا يكون "للمؤمن" الذي عرف الابتلاء بخيره وبشرّه، فصبر عند الشر، وشكر عند الخير، حياة ليست كحياة غيره ؟!
كيف لا يكون عنده فهمٌ للحياة على حقيقتها، وهو يُحسن قراءة الرسائل فيها...؟ ! كيف لا يكون هناك تأثير من هذا الفهم وهذا التصوّر في نفسه وفي حياته ؟!

كيف لا يكون للإيمان من أثر على الحياة، يجعلها عند صاحبها من جنس ما وعد به الله عباده المؤمنين : "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" -النحل:97-
هكذا...  "طيّبة"  وهي ابتلاء بالخير وبالشر... بكليهما... لِما ينغرس في نفس المؤمن من فهم لمعنى الابتلاء ومآل وقوعه فيه خيرا كان أو شرا ...
و"الطيّبة" لغويا هي الحسنة ....فكل شيء حسن، ملائم، مريح مُرضٍ، يدخل في معنى  الحياة الطيّبة . -وكما أسلفنا- لا ينفي أن تتخلّلها الابتلاءات، ولكنّها بصبر عند الشرّ، وبعطاء وشكر عند الخير، وفي التفاعل الإيماني مع الابتلاء حياة طيّبة تلقي بظلالها الوارفة على المؤمن ...

نعَمْ ...يضيق المؤمن...  يتعب، ينسى، يخطئ، يزلّ، يصيبه همّ... يصيبه غمّ... يحلّ به كرب... نعم كل هذا يلحَق بنفسيّته، يتعبها... لن يكون مبرّءا من التعب النفسي لكونه مؤمنا، بل لأنه مُبتلى وهو البشر الضعيف، سيكون في نفسه كل هذا، ستتقلب نفسه ... ولكن في أعماقه سرٌّ ليس لغيره... في أعماقه يستقرّ الرضى والفهم... في قلبه الطمأنينة بالإيمان... باليقين ...وفي دينه الدّعم والذكرى وفُسحة العودة، فسحة الاستغفار، استزادة من الإيمان، استزادة من الهدى والتّقى...  وهذا ما يجعل حياته طيّبة رغم كل ما فيها: "الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ"...

وبهذا نستضيئ لفهم الفرق بين خيرات يعيش بها الكافر على الأرض، وخيرات يعيش بها المؤمن على الأرض جزاء استغفاره وإنابتِه ...
فالأولى رزقٌ من الرزق لا يضِنّ به الله على من يكفر به لعطاء ربوبيّته، ولجلال سلطانه وعظمته، وهوان الدنيا عليه، وابتلاءً له بالخير، استدراجا وإملاء وإغراقا، فيما يصرّ الكافر على أنه غاية أمانيه، وعلى أنه سعادتُه المنشودة... مُنكِرا لحياة دائمة باقية بعد الحياة الفانية...
والثانية عطاءٌ مبارَكٌ، هو سرٌّ من أسرار العهد الموثّق بين عبد مؤمن وبين ربّه، فهو نِعمةٌ وطمأنينة ورضى وسَكَنٌ في الدنيا لا ضرر منه ولا ضِرار، خيرٌ يُعطاه فيشكر ولا يمنع، لأنه المترقّي بالحبل الإيمانيّ الموصول بين السماء والأرض ...!
« آخر تحرير: 2020-11-29, 14:50:42 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

ثم ينتقل نوح عليه السلام في تدرّج،  إلى مرحلة جديدة من منهجيّة بثّه :

رابعا: يستنكر على قومه عدم توقيرهم لله تعالى . فيدعوهم إلى النظر في أنفسهم وفي الكون مِن حولهم ليتفكّروا في عظيم خَلق الله تعالى، وعظيم ما سخّر لهم .

"مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (15)"

أطوار يَعِيها الإنسان، وهو يعرف بالسّليقة الإيجاد من خلال التزاوج، والحمل، ومرور الأم بمراحل حتى تضع حملها. ثم خروجه من رحِمِ الأم إلى رحِم الأرض، ليمرّ في الدنيا بأطوار جديدة، فمن الطفولة إلى الصِّبا، إلى الشباب ثم الكهولة، ثم الشيخوخة.
كُلُّها مُشاهَدة، وكلّها أطوار في حياة الإنسان، الذي يعلم بالطبيعة كيف أنّ خَلْقَه من ماء مهين... وهو من دواعي تفكّره في الخَلق، وفي المشيئة والقوّة الكامنة خلف إيجاده وتقلّبه في أطوار الحياة ... !

ثمّ يدعوهم إلى النظر مجدّدا فيما هو مسخّرٌ لهم، يُخلَق الإنسان وقد أودَع الله في فِطرَته استخدام هذا المسخّر وتطويعه لحركة الحياة، نواميس يألفُها  فتُذهب ألفَتُهَا الإحساس من نفسه، بينما التفكّر والنظر فيها عملٌ للعقل، يُرجِعها إلى أصلها بالسؤال الذي يكشف للنفس اليقينيات الكُبرى :
"أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) "
 
فهذه السماوات، والقمر والشمس فيها، فأما القمر فنورٌ على حقيقته، وهو الوصف الأدقّ لضوئه الذي ليس من أصله، بل من انعكاس ضوء الشمس عليه، بينما الشمس كتلة متوهّجة تضيئ من ذاتها، فكان وصف السّراج كذلك الألْيَقَ بها ...

"وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)"

وأما الأرض فهي أصله...وإنبات الإنسان منها عرفناه في أجواء سورة الطارق التي ساقتنا شيئا فشيئا حتى بَصُرْنا بالماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب، دافق دافع كما يسقي الماء الأرض بعد حرثها، صورة مُسقَطةٌ بكاملها على الإنسان، والله يصف المرأة بالنسبة لفعل الرجل فيها بالحرث في قوله سبحانه: " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ...  " -البقرة: من الآية223-...فهي الأرض، وهو حارثُها، والماء الدافق منه سُقيا لأرض تُنبِتُ، ونبتُها الإنسان، تلك المرأة الحَرث وأصلها تراب، وذلك الرجل الحارِث وأصله تراب، والنبتة من أمشاجهما كائنة بإذن ربّها الخالق المُنبِت سبحانه ... ! (يُرجَع إلى تفاصيل في تدبّراتي لسورة الطارق)

إنه التكامل بين أوصاف القرآن لخَلق الإنسان، يُعطينا إسقاطا لمعنى إنبات الإنسان من الأرض نباتا، لا ما تأوَّلَهُ متأوِّلُون من المُخلِطين الذين يتصيّدون لإرضاء أهواءٍ لهم، تقضي بالتمكين لنظرية التطوّر التي يكتسح بها الملاحدة والطبيعيّون المجامع العلمية، يُسْلِطونها عصاً فاتكة باسم العِلم زيفا وبُهتانا، فهم يُقحِمونها إقحاماً لتكون المنطَلَقَ العلميّ، لا لشيء إلا لإنكار الإله الموجِد سُبحانه !  ولكنّهم بلغوا مبالغ العجَب العُجاب من تسفيه العَقل، وهم يقولون بالعشوائية والصّدفة إلهاً يُجيِّشون له المادة والملاحدة والقوم التُّبَّع، لإنكار العبوديّة ولإنكار المراقي الأخلاقية الإنسانية، ولإطلاق العنان للبهيمية وهم ينادون أنْ حُريّة......! حُرية  ... !

وإلى الأرض يُعاد الإنسان، ومنها يُخرَج إخراجا...سبحانه الخالق المُحيي المميت الباعث ...هكذا في كلمات جامعات يدعوهم للنظر في أنفسهم، وهو يعطيهم النبأ اليقين ضِمناً، يُحدّثهم عما سيُفعَل بهم مما لا يرون، من بعد ما حدّثهم عمّا فُعِل بهم، وعما هو بهم مفعول مما يرون...
"وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)"

وهكذا هي الأرض...  منها خُلِق الإنسان، وفيها يُعاد، وهي التي عليها يحيا ويتحرك ويعيش ويقتات... فهي له بساط ممهَّد رغم أنها الكرة المكوّرة في رحمةٍ من الله بعباده، مبسوطة للإنسان قرارا هو عليه مستقرّ، مركوزة بالجبال الرواسي لا تميد بمَن عليها، فهي من فرط كِبَر حجمها لا تبدو للعين ولمَن يعيش عليها إلا مبسوطة ... هي البساط الذي تُسلَك فيه السبل الواسعة التي يقطعها الإنسان وهي ممهّدة من رحمة خالقه وخالقها به... !

وهكذا كانت دعوة نوح عليه السلام لعقولهم، أن تعمل وأن تجتهد في النظر والتفكّر، والتساؤل عن أنفسهم وعما هو حولهم ... وهو أسلوب من أساليبه التي انتهجها في الدعوة، فعرفنا كيف عرّفهم بواجبهم نحو خالقهم عبادةً، ونحْوَه طاعةً، ثم كيف شرع يرغّبهم في المغفرة لإنجائهم من عذاب الآخرة، ومن عذاب دنيويّ مُهْلِك... وهو تارة بينهم مجهِرٌ، وتارة مسرّ، وأخرى مزاوج بين إسرار وإعلان ... وهو داعيهم للنظر والاستدلال ...في توجيه دعويّ متكامل الأطراف، يليق بكل داعية لدعوة الحق في كل زمان...

ومازال نوح عليه السلام يبثّ ربَّه شكواه وما به ... ولقد ألقى إلى ربّه العليم بعمله الذي عمل، وبجهده مع قومه، وبقوله الذي قال، في درجات مرتّبات ترتيبا منهجيّا ...  حتى ها هو الآن مُحدِّثٌ عما هو كائن منهم بعد كل ما انتهجه معهم، وبعد طول عناء، وجميل صبر :
"قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)"

تلكُمْ هي النتيجة معهم ... لقد عصوه، ولم يطيعوه كما أمرهم، بل لقد قدّموا آيات الطاعة لكبرائهم الذين عتوا وتجبّروا، وكفروا وصدّوا عن سبيل الحق بما كان لهم من مال وولَد ... !

ولم نبعد كثيرا عن "القلم"... فالظلال تُلقى علينا، وزادُنا الذي حملْنا من السابقات، لا ينفكّ يسعِفنا، لنستكمل الصورة، ولنزداد تعرّفا على مدى الاتّساق والانتظام ... عرفنا فيها أمر الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم ألا يطيع المكذّبين، الذين كانوا يتمنّون أن يُدهِنَ ويتنازل ليُدهِنوا ادّعاء منهم للتنازل بالمقابل ... وأمَرَهُ ألا يطيع الحلّاف المهين الذي كان ذا مال وبنين، وهو الذي تعوّد أن يطيعه الناس لسطوته بماله وببنيه، لا يبحثون في أمرِه عن حقّ أو باطل بل يبحثون عن فُتات المادة... وحدَها المادة... فكان مهينا أثيما مكذّبا بآيات الله : "أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ(14)إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(15)" -القلم-

وكذلك ذَوُو المال والبنين في قوم نوح، سبقوا مَن كان على شاكلتهم في قريش بقرونٍ وقرون... ! بذرة البشرية الأولى، كانوا من أوائل من حملت الأرض، وكانت تلك مساعيهم الخاسرة المُخسِرة، وأعيدت نُسَخُهم على الأرض في كل زمان ...
فكان أن لم يزدهم مالهم وولدهم إلا خسارا ... المال والبنون زينة الحياة الدنيا، "المال والبنون" التي عرفناها في الآيات السابقة نِعَماً وعطايا من الرحمان من ثمار الاستغفار، حرِيٌّ بمَن يكون صاحبَها أن يكون شاكرا للمنعِم بها... !
ولكن هكذا هو الإنسان... الإيمان فيه للمنعِم  شُكْران، وانعدام الإيمان فيه كفر به ونُكْران ...! عند الأول ابتلاء بالخير ففوز وفلاح، وعند الثاني ابتلاء بالخير فخسار وطلاح...!

وإنّ عالمَنا اليوم لَيَعُجّ بهؤلاء الذين لم تزدهم أموالهم إلا خسارا، وهم البعيدون عن الرحمان المُبعِدون عنه ... وهُم المُطاعون لمالهم، فالعالَم مُؤلِّهٌ  للهوى، لكل خبث وكل فسق وكل فجور... والمتّبِعون والمطيعون من بني الجلدة وبني الإسلام اليوم جحافل...! ولكنّها العددُ، لا شيء غير العدد ... ! ولو قيس أمر الحقّ بالعدد  لكان نوح -الوحيد لتسع مئة وخمسين سنة بين قومِه- الضالّ الذي لا يأتي أمرُه بشيء ... !

بل لقد كان الحقّ الوحيد بين جحافل المُبطلين، الحقّ الذي نُصِر، وكانت الأعداد من البشر حوله كلا شيء ... !

ولقد مكر أولئك الكُبراء، خطّطوا بليل، أعدّوا -مُجتمعين- الخُطط المُحكَمة لإهلاك نوح الواحد الوحيد بينهم بما يدعو وبما يقول... !  العِلية بمالهم وبأولادهم ... ولقد كان مَكْرُهم "كُبَّــــــــــــــارًا" ...

ولقد قالوا هم كذلك، قالوا عن آلهتهم : "لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا "
ودّ وسواع، ويغوث ويعوق ونسر، آلهة عبدوها من دون الله، كانوا في الأصل عبادا صالحين، وَسْوَسَ لهم الشيطان أن يجعلوا لهم نُصُبا...عن عطاء بن أبي رباح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا قال: " صَارَتِ الأوْثَانُ الَّتي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ في العَرَبِ بَعْدُ. أمَّا ودٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بالجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلَاعِ، أسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِن قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهِمْ، أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ الَّتي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا وسَمُّوهَا بأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ" - صحيح البخاري-

نوح عليه السلام هو الوحيد الذي ينادي بالواحد سبحانه، بينما هم الكثرة الذين يدعون بالآلهة الكثيرة ...  فأيّ كفّة هي الراجحة ؟!
بمنطق العدد كفّة العدد الأكبر ترجح ...! ولكن بمنطق القوة والسلطان والأمر والحكم الحقّ، كفّة الوحيد الداعي بالواحد العظيم هي الراجحة ... ! ولقد كانت كذلك... !

فهل عملوا بمكرهم، وهل عملت دعوتهم -وهم الكثرة بالآلهة الكثيرة- عملا بنفس نوح الوحيد ؟!

بل لقد ذكر القرآن في موضع آخر مقالته لهم: ... "إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ" -يونس: من الآية71-

أجمعوا أمركَم وشركاءكم  فالله وكيلي ... !

"وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)"

لقد أَضلوا كثيرا ... كانوا هم القادة، والمدبِّرين، والآمرين المُطاعين ... ولا يملك نوح إزاءَ ضلالهم وإضلالهم إلا الدعاء عليهم وهو يصفهم بالظالمين : "وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا" ...لعنادهم ومكرهم وإضلالهم مَن حولهم وهم المُطاعون لمالهم ... ولقد دعا موسى عليه السلام على مَن كان على شاكلة كبراء قوم نوح، وقد تجبّروا هم أيضا بمالهم:  " وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ  رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ " - يونس:88-
« آخر تحرير: 2020-11-29, 14:54:54 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

وها هي العقوبة الإلهيّة... ها هو المكر الإلهيّ العظيم يتحقّق، فيحلّ العذاب فورا ... تتقدّمه علّة نزوله بهم :

"مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)"

أغْرِقوا بالطوفان العظيم الذي اكتسح الأرض... !
والغالب والراجح أنه الطوفان الذي أهلك كل أهل الأرض، لاجتماع قرائن الآيات من جهة، وقد عرفنا منها أخيرا قوله سبحانه في سورة الحاقة:  " إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ" وفيها خطاب للناس عامة على أنهم المحمولون في السفينة، أي أنهم ذريّتهم... وَلِمَا عرفنا من صحيح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى، ذلك أنّ بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون، فيكون الطوفان قد أهلك كل من على الأرض، ويُرجّح أنهم لم يكونوا منتشرين في كلّ أرجائها لقصر المدّة الفاصلة بين آدم ونوح عليهما السلام .

أغرِقوا فأدخِلوا نارا ... مقابَلة بين الماء والنار... أُهلِكُوا بالنقيضَيْن، الأول كان مادة إهلاكهم في الدنيا، والثاني مادة عذابهم في الآخرة ...

هُم قد أعْدَموا حياة الروح على الأرض، وأعدموا المعنى والغاية من الوجود عليها، فكانت مادّة الحياة الأولى هي مادة إهلاكهم .... ولكأنّي بهم وقد أهلكوا بطغيانهم وعنادهم وكفرهم معنى الحياة، قد سُخِّرت عليهم مادّة الحياة فأهلكتهم، ولكأنّي بها تصرخ أنها الكائنة بإذن ربها رغم تحالف المُعدِمين .... !
وبالمقابل، كانت تلك المادة منجاة مؤمني السفينة، وقد غدت الأرض بحرا يحملها وهي تجري فيه نجاةً بالمؤمنين، وحياةً للأرض تنبعث بهم وبإيمانهم من جديد ...!

فأين النصير من دون الله ؟!! أين ودّ... وأين سواع... وأين يغوث ويعوق ونسر ؟؟ لماذا لم يُنقذوكم كما تحالفتم لتنقذوهم ...؟!

وها هنا أيضا موضع ربط واضح بين هذه السورة والتي سبقتها ... وقد عرفنا في أواخر المعارج قوله تعالى : "فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ(40) عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ(41)"
جاء فيها القسم منه سبحانه، على أنه الذي لا يُعجِزُه إهلاك الكافرين، فجاءت سورة نوح تخبرنا أنّ هذا الإهلاك قد تحقّق في عهد نوح عليه السلام، فكان استئصالا لكلّ  كافر على وجه الأرض... !

كان استجابة لدعوة نوح عليه السلام: "وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)"

لا تذَرْ على الأرض من الكافرين ديّارا ( أي ساكن دار) ... !
وإني لأرى أن في هذه الدعوة منه، إشارة أخرى إلى أنهم كلّ أهل الأرض وجُملةُ مَن سكنها آنذاك، وأنه لم يكن عليها غيرُهم.

ولنَرقُب خوف نوح على عباد الله، على مستقبل البشرية... !
إنه وهو يدعو عليهم بالاستئصال من على الأرض، يفكّر بالحياة على الأرض ! وهذه لمن لا يُثقِب النظر ولا يَحُدّه مفارقة عجيبة ... ! كيف يخاف على عباد الله على الأرض وهو يدعو باستئصالهم جُملة مِنْ على الأرض ؟!

إنه يرى بعين المؤمن الحكيم، الذي يغشى اليقينُ كل نقطة فيه، فهو يعلم أنّ القلّة القليلة التي آمنت معه هي الكثرة، لأنها التي ستزرع الإيمان، ولأنها التي ستحقّق غاية الوجود، وهي التي ستعطيه معناه....
أما الكثرة مِن حوله فلا يراهم شيئا، وهم الكفرة الفَجَرة الضالون المضلون، الذين عرف منهم الأمرَ، وعرف فيمَن حولهم من السّواد الطاعةَ والاتّباع ...فهُم الهباءة التي لن تزيد في الحياة إلا إهدارا لمعنى الحياة... !

وهو رغم دعائه عليهم، وهم الأغلبية الساحقة التي هي كلّ مَن على الأرض، لولا القلة التي لا تكاد تُعدّ ممن حملتهم السفينة، إلا أنّ القنوط واليأس لا يعرفان لقلبه سبيلا، وعزمُه وعزيمته لم يكن ليفلّهما فالٌّ من ضعف أو وَهَن... !
إنه الذي يبني مع بنائه لسفينته -التي لطالما مرّوا به وهم يسخرون منه ومن صناعته لها- إيمانا على الأرض، يعيد إقامة بُنيانٍ قديم... يرفع قواعده بهذه القلّة القليلة المحمولة على السفينة... !

إنك إن راقبتَ الأمر من زاوية دعاءٍ بالسَّحْق والمحق، فسترى أكثر ما ترى رجلا طال صبرُه حتى نفد، فهرع إلى ربّه داعيا منتقما ... !
ولكن...... !  تريّثْ ... ! ولترقُب معي من زاوية أخرى...لترَى معي هذا الرجل المفعَم بالأمل، من بعد ما عرفناه مُفْعَما بالصبر، وهو يعكف على صناعة السفينة ولا يفتر ولا ييأس... ! وكلّ مَن حوله ساخرون مستهزؤون، ماكرون...
وأي مكر هو... أيّ مكر ؟ إنه المكر الكُبّار ..... !

ولا ينقطع أمله وهو يبني الحياةَ... !  حياةَ الأرض برُمّتِها على مَن لا يكادون يُعَدُّون...بل وهو يدعو بالاستئصال... يدعو من خوفه على القلّة المؤمنة من الضلال، وعلى ما سينبُت مِنهم من نَبات  ... !
عندها ستستشعر بقوة قول الله تعالى لعبده الصبور الشكور : "وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا..." -هود:من الآية 37-

فكيف يُغيّب عن الأمل من كان تنفيذه لأمر ربّه بأعين ربّه ... ؟!

فتذوّق معي الآن حلاوة هذه الآية التي عرفنا في سورة الحاقة... !
تذوّقها بحلاوة جديدة : "إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ(11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ(12) "...

فأيّ نعمة هي نعمة الإنجاء بالإيمان وللإيمان، نعمة الإحياء بالإيمان، والحياة بالإيمان ... !

ونأتي على نهاية السورة ... نهايتها ونوح عليه السلام مازال يدعو ...
ولكنّ هذا المقطع من دعائه هو للذين بنى بهم الحياة على الأرض من جديد... حياة هي الحياة...  لمن بدّل بهم الله، فهُمْ خيرٌ... وما أعجزه سبحانه أن بدّلهم، وما يُعجِزه أن يبدّلهم في كل زمان ... !

"رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)"

إنه الدعاء بالمغفرة .... ويالِوُرود المغفرة في هذه السورة ...!!
تلك التي عرفنا أنها مفتاحٌ لخيرَيْ الدنيا والآخرة، وأنها غاية المُراد من المدعوّين ...
يدعو نوح أن يغفر له ربُّه ... ! يدعو هذا الرجل العظيم الصابر الصبر الجميل، الثابت، المُقبل على درب ربّه لا يعرف الإدبار، ولا يعرف اليأس ... الحامل للأمل أبدا... ! الباني للأمل... ! المجدّد لبنيان البشرية... الباعث لحياتها حقّ الحياة ... يدعو بالمغفرة ! ...  " رَّبِّ اغْفِرْ لِي "

ولا بدّ أنه وهو يستغفر يطمع في عطاءات الله تعالى، عطاءات الدنيا والآخرة معا .... ولقد أعطِيَها كلّها ... ولقد نجّاه ربّه ومَن معه، وأبدِلت حياة الأرض على يديه...! ولقد سماه شَكُورا ... !!

"وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا"....
يا ما أجمل دعواتك يا سيدنا نوح !!
وكأني بأولئك الذين حملتْهم الجارية ...  إنني لأستشعر شدّة حبّك للمؤمنين، شدّة حبّك لمَن أعلن الإيمان بالله الواحد ... لمَن عرف ربّه ... وليس ذلك إلا من حبّك لربّك ... ! يا مَن أُحِطتَ بالكافرين من كلّ جانب، يا مَن كانوا حولك، وكلّهم كفر وإعراض، وسخريّة واستهزاء بأمر الله، وبك ... !

يا مَن صبرتَ عليهم وصبرتَ وصبرتَ حتى كاد الصبر يملّ من صبرك ... !
يا مَن قضيتَ القرون، تتبعها القرون، وأنت المُكذَّب، المُتواصية أجيالُهم المتعاقبة على تكذيبك ... !
يا أيها الداعي إلى ربّك الواحد الأحد... يا واحدا بين الجمع المتمالئ عليك،  الماكر مكرا كُبّــــــارا ..... !

يا أيها الداعي وأنت الآن تدعو :
"وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ... "  أما هذه فلكأنّها دعوة بالمغفرة لكل مؤمن ديّار على الأرض إلى يوم الساعة ... !

وإنني يا سيّدي يا صلى الله عليك وسلم لأستبشر بدعوتك لي... ! ولأجدُها في قلبي نديّة قويّة، وهي صدى الإيمان من عهد بذرة البشرية الأولى، من أبي البشر الثاني ... تعمل عملها بإذن ربها إلى يوم الدين ... !دعاء بخَيْرَي الدنيا والآخرة لكل مؤمن إلى يوم الدين ...
ومنّي كلماتٌ صادقات... أن قد بلّغتَ يا سيدي، وقد وفّيتَ، وأنْ جزاك الله عنا وعن كل مؤمن على الأرض إلى يوم الدين خير الجزاء وأوفى الجزاء ... !

ودعاء على الظالمين يُزاد إلى  الدعاء...
"وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا".... دعاء بالتّبار والخسار، هو بإذن الله بالغٌ كل ظالم على الأرض إلى يوم الدين ... !

واقتُلِع شَوْكُ الكُفر، وأُنبتَ الإيمان من جديد... وسُقِي... !
وهذه الأرض اليوم ...وإن كان ما كان فيها من كفر ومن عتوّ، ومن عناد ومن فجور، إلا أنّ الإيمان فيها أيضا يصدع ... ! الإيمان فيها باقٍ ... منذْ أن حمل نوح ذريّة البشرية الباقية في الجارية والإيمان فيها كائن ...

نعَمْ... ! تجبّر عليها جبابرة، وطغى عليها طغاة، وأفسد فيها مفسدون، وأهلك الحرثَ والنسلَ عليها مُهلكون، ولكنّ الإيمان باقٍ يصارع بأصحابه كل ريح سَموم... !

وإنه سبحانه كما أهلك الكافرين، فلم يذَرْ منهم على الأرض ديّارا، لَقادرٌ على أن يهلكهم مرة أخرى ... ! وإنّ الكثرة الفاسدة المفسدة المستأسدة بالمال والعُزوة، والسامعين الطائعين، وإن بلغت منها القلوب الحناجر، وإن مكرت المكبر الكُبّار، وإن دعتْ بكل آلهة لها من آلهة الأهواء !! فإنّما هي الهباءة  في وزن أمر الله وحُكمِه وسلطانه، ووعده أن الأرض يرثها عبادُ الله الصالحون: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" -الأنبياء :105-

ثم أتدرون ما أجد من كثرة ورود الاستغفار في هذه السورة ...؟!

لقد عرفنا في سورة المعارج الدرجات والرُّتَب العاليات، عرفنا المرتقى إلى الله لكبح الهلع فينا... وإن الإنسان ليغترّ أحيانا حتى بترقِّيه في درجات الإيمان ... ! فتُعقَب "المعارج" بسورة "نوح" حافلة بالاستغفار، مختَتَمة باستغفار نوح العظيم لنفسه رغم كل ما قدّم ... !  على صبره الجميل، وعلى أمله الباقي فيه رغم صدود الماكرين المستكبرين ... !   تُذكّر ذلك المترقّي بالمعارج أنّ الاستغفار لازمةٌ لا تغادر المؤمن، كابحة مع الكوابح لئلا تجمح النفس فتغترّ ... !

وأخيــــــــــــــــــرا .......

سلاما سيّدي نوح... !
سلاما أُهْدِيكَهُ عبْرَ النّسائم... نسائم الإيمان الحيّ، الممتدّ من سفينتك إلى آخر الدهر... ! وعَبْر الحمائم، تنوح على أيْكِها نَوْحَ تسبيحٍ بحمد ربّها... !
أُهديكَه يا سيّدي من وَقْع إيمان أصحاب السفينة على الأرض، ومن خطوات المقتفين ... !  منْ أتباع خيرة ذريّتك، وخيْر مَن حمَلَت الأرض فأشرقتْ بأنواره، "محمد" عليك وعليه الصلاة والسلام بالكمال والتمام...كما بلغَتْنا دعواتك من مبتدأ الأمر على الأرض... من أصل الوجود... !

وكما في كل مرة، يا سيدي يا أوّل رُسُل الله ... ! وَحْدَه الله يعلم مقدار ما يوقِع ويُوَقِّعُ في نفسي ذِكْرُك... يا مَن سمّاكَ ربك "عبدا شكوار" ...........!!
« آخر تحرير: 2020-11-29, 14:57:54 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب