تكوين العقلية العلمية في القرآن:
وأحب أن أشير هنا إلى قضية أراها في غاية الأهمية، وهي لم تأخذ حقها من اهتمام الباحثين في الدراسات القرآنية، وفي رأيي أنها أهم من إشارات الإعجاز العلمي، وهي: ما جاء به القرآن من (تكوين العقلية العلمية) التي ترفض الظن والخَرْص، واتباع الأهواء والعواطف والتقليد الأعمى للأجداد والآباء، والطاعة العمياء للسادة والكبراء، وتنظر في ملكوت السماء والأرض وما خلق الله من شيء، وتتعبد لله تعالى بالتفكر في الآفاق والأنفس، مثنى وفرادى، وتعتمد البرهان في العقليات، والتوثيق في النقليات، والمشاهدة في الحسيات . . . إلى آخر ما ذكرناه في فصل كامل في كتابنا (العقل والعلم في القرآن).
وهذه العقلية التي ينشئها القرآن بوصاياه، وتوجيهاته وأحكامه، هي التي تحقق الازدهار العلمي، وتهيء المناخ لظهور علماء يبحثون ويبتكرون في كل مجال، وهو ما حدث في الحضارة الإسلامية، التي جمعت بين العلم والإيمان، بل التي اعتبرت العلم دينا والدين علما، وكان علماؤها أساتذة العالم، وكتبها مراجعهم، وجامعاتها موئلهم، لعدة قرون، وذلك كله بفضل الإسلام الذي جعل منهم خير أمة أخرجت للناس.
يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟