دار نقاش سابق هنا عن علاقة اباحة تعدد الزوجات، بذكر اليتامى، في مطلع سورة النساء.. فوجدت هذا التفسير للإمام ابن عاشور يوضح الامر..
قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" في تفسير قوله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}
"اشتمال هذه الآية على كلمة {اليتامى} يؤذن بمناسبتها للآية السابقة، بيد أن الأمر بنكاح النساء وعددهن في جواب شرط الخوف من عدم العدل في اليتامى مما خفي وجهه على كثير من علماء سلف الأمة، إذ لا تظهر مناسبة أي ملازمة بين الشرط وجوابه. واعلم أن في الآية إيجاز بديعا إذ أطلق فيها لفظ اليتامى في الشرط، وقوبل بلفظ النساء في الجزاء فعلم السامع أن اليتامى هنا يتيمة، وهي صنف من اليتامى في قوله السابق {وآتوا اليتامى أموالهم} [النساء:2]. وعلم أن بين عدم القسط في يتامى النساء، وبين الأمر بنكاح النساء، ارتباطا لا محالة وإلا لكان الشرط عبثا.
وبيانه ما في صحيح البخاري: أن عروة بن الزبير سأل عائشة عن هذه الآية فقالت: "ياابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، تشركه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فلا يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء غيرهن. ثم إن الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية فأنزل الله {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن} [النساء:127].
فقول الله تعالى {وترغبون أن تنكحوهن} رغبة أحدكم عن يتيمة حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال".
وعائشة ما قالت ذلك إلا عن معاينة حال النزول، وأفهام المسلمين التي أقرها الرسول عليه السلام، وتكون الآية قد جمعت إلى حكم حفظ حقوق اليتامى في أموالهم الموروثة، حفظ حقوقهم في الأموال التي يستحقها البنات اليتامى من مهور أمثالهن، وموعظة الرجال بأنهم لما لم يجعلوا أواصر القرابة شافعة النساء اللاتي لا مرغب فيهن لهم، فيرغبون عن نكاحهن، فكذلك لا يجعلون القرابة سببا للإجحاف بهن في مهورهن.
وكلامها هذا أحسن تفسير لهذه الآية.
والمعنى: أن الله وسع عليكم فلكم في نكاح غير أولئك اليتامى مندوحة عن نكاحهن مع الإضرار بهن في الصداق، وفي هذا إدماج شرعي لحكم شرعي آخر في خلال حكم القسط لليتامى"