بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الشهيد عبد القادر عودة مألوف لدى شباب الإخوان على اعتباره من نجوم الرعيل الأول، لكن بالنسبة لي تعرفت على اسمه عن طريق آخر تماما... فقد كان اسمه مرجعا قانونيا موثقا في كثير من الأبحاث الفقهية والقانونية التي كنت أطلع عليها، حتى شدني هذا لمعرفة شيء من ترجمته، فإذا بي أكتشف حكاية بطل من أعظم الأبطال
وهذه ترجمته كما وردت في كتاب الأعلام للزركلي: عودة (000 - 1374 هـ = 000 - 1954 م) عبد القادر عودة: محام من علماء القانون والشريعة بمصر.
كان من زعماء جماعة " الاخوان المسلمين " ولما أمر جمال عبد الناصر بتنظيم " محكمة الشعب " كتب صاحب الترجمة نقدا لتلك المحكمة.
وفي جملة ما ذكر أن رئيسها جمال سالم طلب من بعض المتهمين أو يقرأوا له آيات من القرآن بالمقلوب ! واتُهم بالمشاركة في حادث إطلاق الرصاص على جمال (1954) وأعدم شنقا على الاثر مع بضعة متهمين آخرين.
له تصانيف كثيرة، منها " الاسلام وأوضاعنا القانونية - ط " و " الاسلام وأوضاعنا السياسية - ط " و " التشريع الجنائي الاسلامي مقارنا بالقانون الوضعي - ط " جزآن، و " المال والحكم في الاسلام - ط " و " الاسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه - ط " (1).
وكان الكتاب الذي قادني للبحث عن هذا العَلَم هو كتاب "التشريع الجنائي في الإسلام" وقد لفت نظري ان كبار العلماء والفقهاء من اعضاء مجمع الفقه الإسلامي كانوا يستشهدون بكتاباته وتعريفاته كمرجع قانوني أساسي
وكان مما وجدته في حكايته وحكاية استشهاده ما يلي: القاضي الشهيد .... عبد القادر عودة
لقد كان الشهيد عبد القادر عودة شاهدا فذّا على مرحلته . و إن شهادته على عمره تنبع أساسا من انه كان الرد الصحيح والموضوعي والمباشر على فرية روّج لها الاستعمار وتلاميذه طويلا . تلك الفرية تقول ? " إن التشريع الأجنبي قد دخل بلادنا بسبب جمود الشريعة الإسلامية وعدم قدرتها على الاستجابة لمعطيات العصر وعدم وجود علماء مسلمين قادرين على تقنينها "
ولقد أدرك الشهيد أن هذه الفرية تشكل أبعاد مؤامرة بحق شعوبنا فالاستعمار حينما أراد أن يشل قدرتنا على مواجهته أدرك انه لا بد من إفقادنا تميزنا في الهوية والانتماء ولا بد من إفساد وجباتنا وأذواقنا وهكذا خطط الاستعمار ونفّذ تلاميذه المخطط الواسع لتغريب ثقافتنا وتغريب أساليبنا في الحكمة والسياسة والاقتصاد والقانون.
وبوعي الشهداء قدم الشهيد عبد القادر عودة اطروحاته الفذّة في إطار تقنين نظم الحكم الإسلامية اقتصاديا وسياسيا وقانونيا ? الإسلام وأوضاعنا السياسية- و- المال والحكم في الإسلام- ثم التشريع الجنائي الإسلامي- ... وهذا الأخير يعد من اعظم الأبحاث التي صدرت في القرن الأخير ولا يزال يدرس في جامعات العالم.
... التحق الشهيد بكلية الحقوق بالقاهرة وتخرج منها عام 1930 وكان أول الناجحين.. التحق بوظائف النيابة ثم القضاء وكانت له مواقف غاية في المثالية.
في عهد عبد الهادي الإرهابي قدمت إليه وهو قاضي اكثر من قضية من القضايا المترتبة على الأمر العسكري بحلّ جماعة الإخوان المسلمين فكان يقضي فيها بالبراءة استنادا إلى أن أمر الحلّ غير شرعي. وفي عام 1951 أصر عليه الإخوان بضرورة التفرغ لمشاطرة المرشد العام أعباء الدعوة فاستقال من منصبه الكبير في القضاء وانقطع للعمل في الدعوة مستعيضا عن راتبه الحكومي بفتح مكتب للمحاماة لم يلبث أن بلغ ارفع مكانة بين أقرانه المحامين. وفي عهد اللواء محمد نجيب عيّن عضوا في لجنة وضع الدستور المصري وكان له فيها مواقف لامعة في الدفاع عن الحريات ومحاولة إقامة الدستور على أسس واضحة من أصول الإسلام وتعاليم القرآن. وفي عام 1953 انتدبته الحكومة الليبية لوضع الدستور الليبي ثقة منها بما له من واسع المعرفة وصدق الفهم لرسالة الإسلام.
قدم عودة إلى المحاكمة في تهمة لا صلة له بها وهي محاولة اغتيال عبد الناصر. أما الأسباب الحقيقية لإعدامه فهي ما تتميز به شخصيته من مكانة رفيعة وقدرة حركية وصبر على مواقف الشدة والجهاد وجرأة في الحق نادرة ومن ابرز هذه الأسباب هي ?
1) كان الشهيد عبد القادر قد تزعّم الدعوة إلى التقريب بين الإخوان وعبد الناصر في مطلع الخلاف فظن عبد الناصر أن بإمكانه تقريب وكيل الجماعة الشهيد عودة إليه وشطر الجماعة بذلك شطرين وكان موقف عودة الصامد من هذه المبادرة الصدمة التي ملأت قلب عبد الناصر حقدا عليه ورغبة في البطش به.
2) وعندما نصح عودة عبد الناصر عام 1954 بضرورة إلغاء قرار حلّ الجماعة مخافة أن يتهور الشباب منهم في حالة غيظ واندفاع فيقوم بعمل من أعمال الاعتداء بعيدا عن مشاورة قادة الحركة أجاب عبد الناصر ? كم عدد الإخوان .. مليونان .. ثلاثة ملايين.. إنني مستغن عن ثلث الأمة ومستعد للتضحية بسبعة ملايين إذا كان الإخوان سبعة ملايين... وهنا غلب الذهول عودة وقال في ثورة .. سبعة ملايين لحياة فرد.. ما أغناك عن هذا يا جمال.. وهذا الموقف كان من الأسباب التي دفعت إلى المصادقة على حكم الإعدام.
3) ومن الأسباب كذلك أن الشهيد كان قد وقف موقفا وطنيا خالدا حين عمد الضابط إلى اتخاذ قرار بعزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية فاقدم على استلام الراية ونظم عشرات الآلاف من الجماهير في مظاهرة لم يشهد لها تاريخ مصر كله مثيلا مما أرغم الضباط والوزراء على الرضوخ لإرادة الشعب وإعادة اللواء نجيب رئيسا للحكومة المصرية. ومن هذا اليوم تقرر انتهاز الفرص للحكم على عودة ويوم الخميس 9 كانون الأول 1954 كان موعد تنفيذ حكم الإعدام .. بعد افتعال مسرحية حادثة المنشية.
وتقدم الشهيد من منصة الإعدام وهو يقول ماذا يهمنّي أني أموت إن كان ذلك في فراشي أو في ساحة القتال.. أسيرا أو حرا إني ذاهب إلى لقاء الله. وتوجه إلى الحاضرين وقال لهم اشكر الله الذي منحني الشهادة إن دمي سينفجر على الثورة وسيكون لعنة عليها.
(من كتاب: تراجم شهداء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث1، جمع وإعداد عبد القادر عبار)
وددت لو أنني وفقت لجمع معلومات أكثر عن الشهيد العالم القاضي، او لو أعدت صياغة المعلومات في قالب قصصي شيق، لكنني خشيت ان تعوقني المشاغل عن إبراز هذه القدوة للشباب، فآثرت الاستعجال والنقل ...
أتمنى أن تكونوا قد استفدتم من هذه الحكاية، وإلى اللقاء مع حكاية بطل آخر إن شاء الله