أطالع في مجلد يضم لافتات أحمد مطر قصيدة تستوقفني
ـ والمستوقفات شتّى ـ وهي من أشهر ما قال ، وإنما الجملة السحرية
التي أثارت انتباهي ، وقدحت قريحتي التي كانت قد تصلبت دهرا ،
ربما بفعل عوامل المناخ التثبيطي آنذاك ـ في عصر ما قبل الثورة ـ
كانت هي قول مطر حكاية عن العرب :
" ومنفيّون نمشي في أراضينا "
هذه كانت وقدة الشرارة في وجداني ، وسرى السيّال في أعصابي
طفقتُ على إثر قراءتي لها ـ ولم تكن تلك المرة الأولى أقرؤها ،
ولكن كما يقول المصريون أحاكي : ( التكرار بينطّق الجدار ) ـ
طفقت في بناء قصيدة متأثرا بلمسة هذه الروح المطريّة
في تلك النغمة الحزينة المشروخة نابضة بكل الشجن العربي
من محيطه حتى خليجه ..
وفي ذلك قلت ـ والله الميسّر سبحانه ، والمعين بمدده :
من المنفى ، أنا أنفي
وأرفض كلّ زورٍ قيلَ في التعذيب ، والخسف ِ
وفي الحيفِ
ومنفايَ السعيدُ ـ لمن يريدُ ـ
من المحيط ، إلى الخليجِ
بأهله ِ منفي
به عشت الحياة كريمةً ،
لا قيد ، لا إذلال ، لا ،
بلا خوفِ
همو فقأوا عيوني ؟؟
لا
ولكنّي فقأتهمو بأنفي
فقاموا بالقصاصِ
جُزوا بخير عن إزالتهم ذُرى أنفي
بسيفِ
ولكن صرت في ( خُنْف ِ )
فـ(ـلامي ) أصبحت ( نونا )
و(خائي) أصلها ( هاءٌ)
وقولي كلّه سوءٌ ،
ولا يخلو من الزيفِ
ويوما رحت للمشفى
بحمّى ذلك الصيفِ
فقادوني إلى حيث الطبيب يشرّح المرضى
وقالوا أن سيكشف طبُّه ( المخفي )
شكوتُ له ( التهاب الزّور ) في ( خُنفي )
فقلتُ له : ( انتخاب الزور ، قد ..)
ولم أكملْ
فقال خذوه للجلاّد ،
هذا المجرم المفسادْ
صنيع الفُجر والإلحادْ
ليجزيه عن التعريض بالألفِ
فأمسكني العساكرُ ثم ساقوني إلى المخفرْ
فشدّوا الشعر من رأسي ،
وسلخوا الجلد ،
عزلوا الدهن ،
نزعوا القلب ، والأبهرْ
أنا للحق مسرورٌ
بعظم الحوض ، والكتْفِ
وأصغر منهما يكفي
ولكن هل ترى
لا زال يشغلهم
ملفّي
محمد الباز ،