نزهة (صورة)

[أبو دواة]

مصر في 12 مارس

خرجتُ في الصباح قاصدًا الوزارة....... فوجدتُها معطّلة لأن اليوم السبت...... وفي الطريق رأيتُ مبنى مهيبًا كأنّه هيكل فرعوني...... إنّه ضريح سعد باشا زغلول..... وهو مرفوع على عشرات الدرجات..... وأعمدته لها تيجان على شكل زهور اللوتس....... وجدرانه غفل من الكتابة العربية...... ليس فيها ما يدلّ على اسم صاحب القبر..... ولا ديانته........ وقدّ توزّعتْ الفناء تماثيل على شكل رؤوس آدمية فرعونية......

تركتُ بيت الآخرة إلى بيت الأولى..... (بيت الأمّة).... حيث عاش سعد وصفيّة...... وهو بيت ذو طبقتين..... في يمين الأولى غرفة للطعام فيها سفرة كان مجلس سعد عند رأسها وزوجه عن يمينه...... وفيها خزانة على أكوابها رسم لسعد..... وفي الشمال غرفتا الضيوف....... الصغرى للنساء.... والكبرى لسعد ورفاقه (الوفد)...... بليتْ أجسادهم.... وبقى أثاثهم مطبوعًا بمقعدهم منه... وهنا وهناك صور شمسية وزيتية لسعد وصفية وأبيها الباشا وأمّها الهانم..... وللوفد.......

صعدتُ السلّم مع الدليل إلى الأعلى حيث غرفتا تبديل الثياب..... غرفتان إفرنجيتان..... فيهما بزّات سعد وفساتين صفية..... آيات خالدات على عظمة الله الباقي دون هذا الكون الفاني...... ثم غرفة النوم وفيها سرير الزوجين ومتكأ سعد وحامل كتبه وقوارير عطوره ومذياعه الكبير........ ثم الحمّام المقسّم بين المَسْلَح والمغتسل والمتدلـَّك....... فيه منطل (دش) يدفع الماء البارد والساخن والصابون والعطر!.... وسرير ومدفأة...... وبين الغرفات لوحات فيها شهادة سعد الباريزية وتوكيل الشعب إيّاه وأشعار تطريه وتطري زوجه....... وعلى السلم قام قفصان فيهما ببغاوان محنّطان طالما هتفا للوفد بالعربية والفرنسية........ ولم يكد سعد يموت حتى ماتا أسفًا عليه.... فأوصتْ صفية بهما فحنّطا...... وحنّط عصفور صغير آخر لها في غرفتها.......

سرعان ما انقضتْ الزيارة...... وأخذتُ قطار الأنفاق إلى (الإسعاف)..... ثم الحافلة إلى الزمالك...... حيّ المترفين.....

والزمالك الأخصاص جعلها محمد علي الكبير لجنوده على شاطئ النيل...... وما عتّمتْ أن صارت للسراة من الوزراء والسفراء والمتيسرين.......

سلكتُ شارع إسماعيل محمد.... وعرّجتُ على كلية الفنون....... وفي الطريق رأيتُ معارض التحف والرسوم......... وسمعتُ صوتًا جميلًا....... فإذا هو شاب يعزف على الكمان في شرفة كلية الموسيقى.......

حقا حي جميل....... هادئ ونظيف.....

ألا سقى الله روح الفنّان!....... ألا بارك الله في عمله!.... ألا ما أسعدَ هؤلاء الناس في سبحات الخيال ومعارج الروح!..... وأشقى ناس آخرين صناعتهم القيح والدم والوجع!

[ماما هادية]

صورة تستحق التأمل والتفكر والاعتبار

لكن الفنانين يسبحون في سبحات الخيال، ولا علاقة لهم بمعارج الروح على الإطلاق
والفن يسعد النفس.. لا الروح ... فتأمل

[أبو دواة]

نعم..... قلّما يعرف الفنّ القيمة.........