رابعاً- متى بدأت الدراسات الروحية في الغرب:
ويقال لها الماورائيات، أو ما وراء النفس: Parapsychology وهي التي تهتم بالبحث عن الظواهر الكونية مثل الاستبصار والتخاطر والقدرات الخارقة.
• بداية علم الروحانيات في الغرب: تأسست في لندن عام 1882 جمعية الأبحاث الروحية ((Society for Psychical Research، وبالرغم من إلحاد المجتمع الغربي إلا أنه حاول اتباع طريقة بحثية منهجية للاستفادة من هذه الأفكار والفلسفات التي يقدمها المجتمع الشرقي والتي تركز على أهمية تأثير الأفكار على السلوك المادي. لذا فإن البحث في هذا الموضوع ليس حديث عهد كما يتوقعه البعض بل إنه أقدم حتى من أينشتاين ونظريته النسبية.
• لقد شاب مجال البحث في علم ما وراء النفس الكثير من الشكوك طالت مصداقية التجارب التي تم نشرها والأمانة العلمية للقائمين بها.
ففي شهر مارس من عام 1974 نشر راين (J. B. Rhine) بحثا بعنوان (الأمن ضد الخداع في خوارق اللاشعور: Security versus deception in parapsychology) في مجلة (Journal of Parapsychology). ورغم أن راين يُعد من أهم المهتمين والمنافحين عن علم ما وراء النفس، إلا أنه يذكر في صدر بحثه أنه تم توثيق 12 حالة خداع في تجارب بحثية تم نشرها بين عام 1940 وعام 1950، حيث تعمد الباحثون التدليس في نتائج البحث بما يخدم الفكرة العامة التي يريدون إيصالها.
• في عام 1979 قامت جامعة برينستون بتأسيس مركز أبحاث باسم (The Princeton Engineering Anomalies Research (PEAR) program)، المعني ببحث المواضيع ذاتها من تخاطر وغيره، وتوالت الانتقادات على المركز، ففي عام 1996 تم نشر بحث في مجلة خوارق اللاشعور أو ماوراء النفس (Journal of Parapsychology) بعنوان (CRITIQUE OF THE PEAR REMOTE-VIEWING EXPERIMENTS) يؤكد تناول المركز للأبحاث بشكل غير مهني لمدة عشر سنوات سابقة وأن المناهج العلمية التي تمت من خلالها أبحاثهم مهلهلة وغيرها من الانتقادات الحادة. لقد شكل هذا الأمر إحراجا لجامعة عريقة والذي حدا بها إلى إغلاق المركز عام 2007.
• فضيحة مشروع ألفا (Project Alpha):
في عام 1979، قدم جيمس مكدونل الشهير في صناعات الطيران وأحد المؤمنين بخوارق اللاشعور، مبلغ نصف مليون دولار كمنحة لجامعة واشنطن في سانت لويس لإقامة مختبر يعتني بالأبحاث الروحية. في هذه الأثناء دبر جيمس راندي : الذي عرف بأنه محترف ألعاب خدع سحرية ومن المكذبين للقدرات الخارقة) مع شابين ستيف وميشيل (محترفي ألعاب سحرية لكنهما مغمورين) مكيدة لهذا المختبر، حيث قدم الشابان نفسيهما لمركز الأبحاث على أنهما يمتلكان قدرات خارقة كـ( ثني الملعقة، والاستبصار وغيره). قام المركز بأبحاث عليهما وبحضور مختلف الباحثين حتى خرجوا بنتائج مذهلة!، لكن الفرحة لم تستمر. ففي عام 1983 أعلن جيمس راندي ورفاقه ستيف وميشيل أنهم خدعوا مركز الأبحاث وأنهم فقط يمارسون خفة اليد والخداع ولا يمتلكون قدرات خارقة. نشر الخبر في مجلة نيويورك تايمز تحت عنوان مجهود ساحر فضح العلماء ليثير قضايا أخلاقية.
• تجربة الحكومة الأمريكية:
منذ عام 1970 والحكومة الأمريكية لديها اهتمام كبير بدراسة ظواهر "الإدراك فوق الحس" لغرض استخدامها في خدمة ترسانتها الاستخباراتية والعسكرية. حيث ادعى الكثيرون قدرة الإنسان على النفع والإيذاء بأفكاره وبالتركيز والتخاطر وغيرها من الظواهر الكونية. من هذا الاهتمام، أنشأت مشروع ستارغيت (Stargate Project)، وبعد العديد من الدراسات التي أثيرت حولها الشبهات، انقسم الباحثون بين مؤيد ومعارض مما أدى لتردد الحكومة الأمريكية حول هذا المشروع، فتارة يتم إيقاف هذه البرامج البحثية وتارة يتم إعادة فتحها مع تغيير بروتوكولات البحث، إلى أن أوكلت المهمة في عام 1995 لوكالة الاستخبارات الـ(CIA) والتي بدورها أوكلت المهمة للمعهد الأمريكي للأبحاث (American Institutes for Research)، ولقد خلص المعهد، بعد تحقق شامل لكافة التجارب والدراسات، الى أن هذه الدراسات قد شابها الكثير من الخلل في المنهجية وقفزت لنتائج دون مسوغ علمي لها، إضافة الى عدم ثبوت وجود هذه القدرات وعدم نفعيتها في العمل الاستخباراتي. وفي أواخر عام 1995 خرج الخبر في التايم TIME تحت عنوان (Ten Years And $20 Million Later, The Pentagon Discovers That Psychics Are Unreliable Spies)، عشر سنوات وعشرين مليون دولار، ليكتشف البنتاغون أن أصحاب القدرات الخارقة جواسيس لا يعتمد عليهم!
لكن الجدير بالذكر أن قصة مشروع ستارغيت الذي فشل على المستوى البحثي العلمي، كانت الملهم لخيال صاحب كتاب وفيلم (The Men Who Stare At Goats) الرجال الذين يحدقون في الماعز.
• تجربة الحكومة البريطانية:
في عام 2001 قامت وزارة الدفاع البريطانية بدراسة ظاهرة الاستبصار وقدرة الإنسان على رؤية الأمور عن بعد. وفي عام 2007 كشفت وزارة الدفاع البريطانية عن الدراسات وخلصت النتائج الى أنه لا يوجد ما يدعم وجود هذه الظاهرة أو إمكانية الاستفادة منها. لقد حاولت الحكومة البريطانية القيام بتطبيق أعلى درجات المهنية وتطبيق المنهج العلمي في البحث حتى لا تكرر فضيحة الحكومة الأمريكية، ولكنها خلصت الى ذات النتائج.
• بالرغم من إلحاد المجتمع الغربي إلا أنه أراد فهم ظواهر التخاطر والإبصار وغيرها (التي يدعي امتلاكها أهل ما يسمى بعلوم الطاقة) وفق منهجية علمية ودون تقبل تفسيرات دينية مسبقة؛ فنتج عن ذلك إنشاء العديد من مراكز الأبحاث في جامعات مختلفة، ولكن أغلب هذه الجامعات أوقفت البرامج التي تدرس هذه الظواهر لعدم جدواها بحثياً، أما بعض المراكز فاستمرت بدعم مالي خاص من بعض المؤمنين بها.