بسم الله الرحمن الرحيم
خلق الله تعالى الإنسَ، واختار تكليفهم بفعال يؤدونها وأخرى يجتنبوها، واختار لهم يوما يجمعهم فيه فيجازي المحسن والمسيء بثواب وعقاب أبديين!
هذه خلاصة رؤية المؤمنين في مقابل الإلحاد الذي ينكر فاعلية الخلق وما يتبعه من تكليف فحساب!
وقد خلق الله تعالى وحدَه الخلق جميعا، وعرفهم التكاليف التي عليهم بواسطة الأنبياء الذين يتلقون الوحي
هنا يفترق المؤمنون بالنبوة والوحي عن المشركين بالله تعالى آلهة أخرى
والله تعالى ليس كمثله شيء، والأنبياء بشر مصطفون، وآخرهم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم
وبهذا يفترق المؤمنون بدين الإسلام ((المسلمون)) عن اليهود والنصارى والبهائيين والقادنيين ومن شاكلهم من محرفي الرسالات أو مدعيها (في اعتقاد المسلمين)
والله تعالى خلق الخلق بعد أن لم يكن موجودٌ غيره،
وبهذا تتميز طائفة كبيرة من علماء المسلمين عمن نفى من المسلمين أيضا أن الله تعالى خلق الخلق بعد أن لم يكن موجودٌ غيره.
وكان هذا الخلق من الله تعالى بمحض قدرته وإرداته بلا احتياج منه لذلك.
وتضيق الدائرة أكثر فيخرج منها من رأى من المسلمين أن الخلق كان للترقي في صفات الكمال، أو لإفاضة الجود على الموجود.. وسائر ما عللوه من علل!
وربما تضيق الدائرة أكثر إذا أخرجنا منها من فصل الكلام عن "حكمة كبرى" لأجلها خلق الله الخلق،.. سواء اجتهد في التعرف إليها أو قطع النظر عن طلب العلم بها، ... مع أنه يفرغها من معنى الغرض والباعث...!
ثم ينتقل أهل الدائرة الباقية إلى محيط أقل: إلى ما كلف الله تعالى الإنس به، فيتسق قوم مع موقفهم في الدائرة الأكبر فينفون عنه الغرض والباعث..
ولكن: يغير الأكثرون موقفهم ويثبتون في هذه التكليفات الغرض والباعث ... وإن أفرغوها من هذا المضمون وجعلوها أشبه بـ"الحكمة الكبرى" التي رآها قوم في خلق الخلق جميعه!
العلل في الأحكام الشرعية إذن خريطة معرفة بما خفي عنا مما لم تفصل ذكره النصوص!
أو الأحكام الشرعية جميعا ليست معللة، وإنما ما حكته النصوص ففيه الحكم، وما لم تحكم فيه فباق على أصله!
بالأول قال فقهاء المذاهب، وبالآخر قالت الظاهرية
ثم تنوعت دوائر المذاهب، فاقتصر الحنفية على ما ثبت من العلل نقلا، وأثبتت الشافعية والمالكية عللا لملاءمتها العقل ولو لم يثبتها نقل، وتوسعوا مرة أخرى فأثبتوا عللا لا أصول لها .. سموها بالمصالح المرسلة!
واتسع التعليل عليهم، فنشطوا لجمعه في كليات تنظم العلل جميعا، فقالوا: العلة الكبرى مصلحة العباد! وتتفرع لكليات خمس: جعلوا الدين أولهاثم النفس!!!
فصار حالهم كقوم وقفوا بباب بيت واسع، وصف لهم صاحبه أركانه الأساسية وغرفه الرئيسة، وطلب منهم المقام به معصبي الأعين، فتحسسوا جدرانه وأثاثه، محاولين اكتشاف ما لم يوصف لهم، مجتهدين في تقصي تفاصيله، فأحسنوا السير مرة، وأخطأوه أخرى، حتى تحطم كثير من أثاث المنزل وتغيرت أكثر معالمه، ثم لما اجتمع لهم جملة معارف إثر تحسسهم هذا، شرعوا في رسم خريطة تفصيلية للمنزل
كل ذلك وهم عميان لا آلة لهم في إدراكه إلا أيديهم التي يتحسسون بها.
فأولئك فقهاء المذاهب بينما قنعت الظاهرية بما وصف لها وتنعمت به على قدره، وخرجت لا بها ولا عليها!
وتراءى الفرقاء، فرأى هؤلاء من أولئك قنوعا بالدون عن المعالي، ورأى أولئك من هؤلاء تكلفا نهينا عنه.
وقال هؤلاء لو لم نكن مكلفين بهذا التحسس لما أدخلنا البيت أولا، وقال أولئك لو أريد لنا أن نعرف لعلمنا ذلك بدايةً
فقال هؤلاء في النظر عبادة، وقال أولئك في تركه أدب!
ويستمر التناظر.. ويبقى للظاهرية "فقه" .. ليتهم حافظوا عليه!