أُحب أن أحيا التاريخ أحيانا كما سيُكتب!
ولمن لا يعلم،..
فإن ثمة فرقا كبيرا بين الواقع كما هو كائن تحت حواسنا، نشاهده ونحياه.. وبينه حين تحكيه ألسنتنا أو ترويه أقلامنا ليخلد بين الأجيال من بعدُ، أو في أسفار الكتب هناك!
وأزيد الأمر تفصيلا..
إننا نعيش الحياة كما هي.. لى نحو ما خلقها الله من تكامل وتنوع، فلا تخلو من حلاوة مهما اشتد ضنكها، ولا تغادر الضنك مهما بلغت حلاوتها!
فهذا هو الواقع كما كائن تحت حواسنا .. نشاهده ونحياه
ولكننا في غمرة الأيام تتراكم معارفنا ويطغى حادث على آخر.. فلا يمر عام إلا ونسي المرء منا أكثر مما تذكره منه، فتفاصيل الحياة كثيرة جدا.. ويكفي أن الإنسان يسهو وهو في أشد أوقات انتباهه وتركيزه.. في الصلاة مثلا أو حين يعطي محاضرة!
ومع تفاوت عمق الحدث ودلالة المعنى .. يكون الأثر في النفس أكبر وأوقع!
فليس حادث الموت كحادث النوم! ولا الشعور بالغربة كالشعور بالجوع!
وهكذا.. تختلف الحياة بيننا بحسب ما تتركه علينا من ظلال وتنحته فينا من رسوم وتصاوير!
فكل امرئ له أحداثه الخاصة التي تؤثر فيه ومعانيه التي ترتسم بداخله.. أي أن لكل امريء حياته التي يحياها بداخله والتي تختلف حتما عن حياة أي إنسان آخر!
وملخص ذلك،..
أن الحياة بيننا تختلف من إنسان لآخر.. وتختلف لدينا جميعا عما هي عليه في الواقع!
وحين يُكتب التاريخ فإنه يولد من أرحام أقلام كانت لأصحابها حياتهم الخاصة.. التي سبق أن قلنا أنها تختلف عن حياة غيرهم، وتختلف أيضا عما هو واقع بين كل الناس!
وهكذا يظهر التاريخ مؤلما أو مفرحا.. خيِّرا أو شريرا.. متوحشا أو أليفا.. يظهر تماما كما عاشه من دوَّنه، وبقدر ما أسعفته لغته من البيان وقلمه من المداد!
ولمقدمات يصعب حصرها،..
أُحب أن أحيا التاريخ أحيانا كما سيُكتب!
ففي ذلك متعة رسم الحياة كما نريد .. لا ان نتركها ترسمنا أو ترسم نفسها فينا كما تحب
وفي ذلك متعة الوصول إلى الآخر.. ومحاولة تأمل الحياة كما يراها
ولا يخفى أن الحياة التي نحياها جميعا .. التي هي الواقع الكائن تحت حواسنا .. يختلف هو أيضا عما كائن في نفس الأمر وحقيقته!
بل غاية الأمر أننا نتفق جميعا على رؤية شيء ما وسماع شيء آخر.. فتتكون الحياة بيننا على هذا النحو.. لكن من يدري ما يكون خلف ذلك كله؟!
..
وليس في تدوين التاريخ كما نرى كذب أو تلفيق
ولا كذلك في الحياة كما نريد أن نرى تجميل أو غرق في الأوهام
.. وإنما الأمر كما قلنا إن الحياة في واقعها الذي نعيشها جميعا لا تخلو من سرور مهما اشتد ضنكها ولا تغادر الضنك مهما كان فرحها..
فليس في استجلاء واقع دون غيره كذب ولا تجمل!
فليكن إذن ما نحب
كنا معا، ومازلنا.. بفضل الرحمن
يصرف الله تعالى قدره فينا كيف يشاء..
وعزمنا - بعد التوكل - أن نحيا الحياة في سبيله..
نبتغي برضانا به وعنه.. مرضاته جل اسمه عنا وعفوه
فكان أن يرانا الناس على حال.. والحال من داخل شيء آخر
"يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"
فربما من يرى فلسفتنا.. جدالنا.. كلماتنا.. عواطفنا ودموعنا.. يتوهم أنا على ترف من الحياة كبير، وفي رغد من العيش واسع.. ترف فكري ورغد في الوقت..
غير أنا من أراد أن نكون كذلك.. رغم ما يعلمه المولى من حالنا !
.. وهكذا أعيد القول:
لتكن أيامنا حلوة.. وإن لم تكن!