أعود إخوتي لموضوعنا هذا بعد أمّة (والأمّة تعني فيما تعني المدة والزمن
) وأعود فيه إلى حيث وصلنا...
هي الآيات الثلاث المتعاقبات من سورة البقرة 258و259و260:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(258)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(259)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(260)أم عبد الله وبنت نابلس بارك الله فيكما، فقد ذكرتما عن هذه الآيات أمورا مهمة ...
ترى ما الذي يجمع بينها؟ ترى ما الذي تلاحظه في كل منها؟ ترى ما الفرق بينها ؟ترى ما الهدف من ورودها في سورة البقرة، السورة التي تعنى بالخلافة في الأرض، وبمنهج الخلافة ... سورة البقرة هي سورة تعنى بالخلافة في الأرض، وبمنهج هذه الخلافة ...
الله سبحانه الخالق، الحيّ، القيوم، المحيي، المميت، الباعث ... سبحانه له الأسماء الحسنى، وإذا بحثنا في سورة البقرة عن معاني أسمائه هذه لوجدناها فيها واضحة في هذه الآيات الكريمات، كما في آيات أخرى من السورة .
ففي الآية 255 منها، وهي أعظم آي القرآن كله، آية الكرسي العظيمة "
اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(255"
آية الكرسي التي تسبق هذه الآيات بقليل، آية فيها عظمة الحيّ القيوم، الحي الذي لا يموت، الحي من ذاته سبحانه، الذي لم يحيِه أحد... بل هو سبحانه الحيّ المحيين سبحانه وتعالى.
سبحانه وتعالى المحيي المميت في آيات أخرى من سورة البقرة أيضا ...
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(28)-------> محيي، مميت، باعث
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(73)-------------> المحيي سبحانه.
والآية 73 جاءت في معنى عنوان السورة "البقرة"، جاءت في سياق قصة بقرة بني إسرائيل، والتي سميت لأجلها السورة ب:"البقرة"
سبحانه وتعالى المحيي المميت، سبحانه الباعث بعد الموت، سبحانه الذي أحيا، ثم يميت ثم يحيي من جديد هو الذي خلق آدم، وهو الذي جعله نبيا، وهو الذي إذ جعل من حكمته أول من خلق نبيا، فإنما ليبين للناس أنّ أول ما يحتاج الإنسان على الأرض منهج رباني يسير حياته على الأرض يأتيه به بشر مثله، يصطفيه الله ليبلغ عنه... فيعلمه دوره فيها، وأنه عائد إلى الله بعدها ليجازيه بما عمل .
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(39)سبحانه وتعالى المحيي، الخالق، المميت، الباعث هو الذي يرسل رسله لتعلم عباده المنهج الذي عليهم السير وفقه، ووفقه قد استخلفهم الله في الأرض، بما فيه، وبما حوى ... وليس بغيره
وفي هذه الآيات المتعاقبة التي بين أيدينا تتجلى قدرة العلي القدير سبحانه، فهي ثلاثتها يجمع بينها الإحياء والإماتة، ثم الإحياء من جديد أي البعث .
نعم إنه الله سبحانه رب السماوات والأرض، قيوم السماوات والأرض وما فيهن،الخالق،
المحيي، المميت هو الذي ينزل المنهج لمن خلق، هو الذي يعلم ما يليق بمن خلق ...فلننظر لأهل الكتاب من النصارى وهم يقولون إفكا عظيما، فيقولون أن الله هو المسيح ابن مريم، فكيف كان تعليم الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسمل أن يكون الرد عليهم وعلى افترائهم ...
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(17) -المائدة-
الله هو المحيي المميت، وما المسيح ابن مريم إلا عبد من عباده اصطفاه برسالته، وبكتابه، وجعل له معجزة إحياء الموتى بإذنه، ومتى سبحانه أنفذ إذنه ومشيئته كانت من عيسى عليه السلام الإحياء والإماتة، ومتى رفعها لم تكن.
في الآية الأولى 258
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(258) هنا الذي
يحاجّ كافر، و
المحاجَجُ نبي مصطفى مؤمن أكمل الإيمان، و
المحاجَج فيه رب العزة المحيي المميت . في هذه الآية يدعي الكافر قدرته على الإحياء والإماتة بما يكون منه من إنفاذ حكم الإعدام في واحد، والعفو عن الآخر .فماذا فعل إبراهيم عليه السلام،وهو الذي آتاه الله الحجة، لقد كانت حجته قوية فالتفت إلى موضوع لا يجد معه هذا المدعي تأويلا ولا قدرة على تأويل بفهم قاصر من مفاهيم عقله المسفسِط...إنه أن يأتي بالشمس من المغرب، جاءه بالحجة التي أعجزته، فبُهت .. بُهت ولم يجد من جواب. وهذا الكافر الظالم الذي أشرك بالله فنسب إلى نفسه صفة الإحياء والإماتة، الذي لا يقدر على الشمس التي هي مسخرة للإنسان،كيف له أن يقدر على إحياء الإنسان وإماتته ؟ الذي لا يقدر على أمر مشاهد محسوس، كيف به سيقدر على الروح التي هي من أمر الله وحده؟ وهكذا شأن كل كافر ظالم متكبر يدعي أنه بعقله وقد صور له مفهوما من المفاهيم البشرية القاصرة الضالة يفعل في الأرض ما يريد...بسفسطة لا حقيقة عقل فيها، فإذا عجْزُه هو أول آية بيّنة ماثلة أمام ناظريه في كل ما هو محيط به في هذا الكون ...ولا يهدي الله القوم الظالمين. إنه رغم أنه قد بُهت، إلا أن الله تعالى لا يهديه فلا يهتدي إليه سبحانه، ولا يقرّ بقدرة الله تعالى، وهكذا بظلمهم لا يهديهم الله ويعثون في الأرض فسادا، وهم الغافلون عن طلاقة قدرة الله تعالى وعظيم مشيئته وإرادته ....وهؤلاء هم من يصدون عن الله وعن منهج الله،
إذ يريدون أن يكون لهم السلطان وأن يعبَدوا من دون الله تعالى، وهؤلاء إذن هم أعداء الله وأعداء منهجه وأعداء أمره فيمن استخلفه في أرضه .ولنتأمل قول الشعراوي رحمه الله البديع في الفرق بين الموت والقتل
"
الله قد جعل القتل مقابلاً للموت، صحيح أنهما ينتهيان بأن لا روح، لكن هناك فرق بين أن تؤخذ الروح بدون هذه الوسائل. وأن تترك الروح البدن لأن بنيته قد تهدمت. وإياك أن تظن أن الروح لا تخضع لقوانين معينة، إن الروح لا تحل إلا في مادة خاصة، فإذا انتهت المقومات الخاصة في المادية فالروح لا تسكنها، فلا تقل: إنه عندما ضربه على رأسه أماته! لا، هو لم يخرج الروح لأن الروح بمجرد ما انتهت البنية تختفي.
والمثال الذي يوضح ذلك: لنفترض أن أمامنا نوراً، إذا كسرت الزجاجة يذهب النور. هل الزجاجة هي النور؟ لا، لكن الكهرباء لا تظهر إلا في هذه الزجاجة، كذلك الروح لا توجد إلا في بنية لها مواصفات خاصة، إذن فالقاتل لا يخرج الروح ولكنه يهدم البنية بأمر محس؛ فالأمر الغيبي وهو الروح لا يسكن في بنية مهدومة." .انتهى.
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(259) فيما روي أنه عزير عليه السلام، أو عزيز الذي هو من حفظة التوراة، أو غيره، الله سبحانه وتعالى وهو لا يخصص له في عدم التخصيص حكمة عظيمة، بل إن اكتفاءنا بما جاء في آيات القرآن لهو السبيل إلى الفهم الصحيح، إلى الاعتبار، وإلى الاتعاظ، أما التساؤل عن مَن وأين والقرآن لم يوردها فهي لن تأخذنا إلا إلى أقوال بشر، مصدرهم ليس القرآن، ولم ترد في حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين ساعتها الثقة ؟ والمعرفة الدقيقة؟
في القصة الأولى إبراهيم عليه السلام لما عرف من الملك سفسطة أعرض عن نقطة الإحياء والإماتة إلى غيرها، لأنه يعلم أن هذا المفتري، وقد أعرض عن قول إبراهيم عليه السلام أن الله هو الذي يحيي ويميت، سيدخل في دائرة من السفسطة والجدال الذي لا ينتهي، وبالتالي فقد اختار له ما يلجم لسانه، عرف من أين تؤكل كتفُه، عرف كيف يقلبه من متكبر إلى متحير مهزوم... أما في هذه القصة الثانية فلندقق، فإذا القائل الذي هو عندنا كما بينه القرآن، رجل مر على قرية، هذا يتبين من تعبيره كيف أنه ليس كافرا بالله، بل هو يعرف أن الإحياء والإماتة له سبحانه، وذلك في قوله "أنى
يحيي الله هذه بعد موتها"، فهو يعلم أن الله هو المحيي ...
ولكنه هنا استغرب من حال القرية التي لم يعد فيها أدنى معلم من معالم الحياة، فلما رأى حالها تلك، استعجب وكأنه الذي رآها لن تحيا بعد موتها هذا ... فلما كان هذا منه، أماته الله تعالى مائة عام كاملة، ثم بعثه، أماته وبعثه، ليريه بأم عينه كيف أن الزمان بمشيئة الله تعالى لم يأت على شيء من أشيائه، فبقي على حاله وهو طعامه، بينما أتى على شيء آخر وهو حماره، فمات، وأصبح عظاما، وأرمت عظامه، وجعله بقدرته سبحانه يرى كيف تتراكب العظام فيه واحدة تلو أخرى، وكيف يُكسى بعدها لحما، ولكن هذا المؤمن، ولأن قلبه كان مؤمنا بالله تعالى، فقد هدي، ولم يكن حاله كالملك الذي بهت، بل قد قال "أعلم أن الله على كل شيء قدير"... إن الله يعلمنا نحن كما علم هذا الرجل كيف أنه يبعث الميت إلى الحياة بعد موته،فهو سبحانه المحيي الحياة الأولى بالخلق، وهو المحيي الحياة الثانية بعد الموت، وهو هو سبحانه وتعالى جلّ في علاه، الذي لا يحيي ولا يميت إلاه، الذي ليس لأحد هذه القدرة سواه،هو الذي استخلف هذا الإنسان في الأرض ليعمل بالمنهج الذي أنزله له ولم يترك لعقله الذي مهما قدّره الله فلن يقدر على الإحياء والإماتة،لن يقدر على التقدير، لن يقدر على ان يصوغ للبشر منهاجا صالحا بهم كما ينبغي،وهو البشر مثلهم، وهو العاجز مثلهم، وهو الذي يتحيّر،وليس في قدرته قلب الموت حياة ....
بل الباعث للحياة بعد الموت،القدير هو القادر على أن يصوغ للبشر منهاجا يجعلهم على الأرض سالمين نافعين.وفي القصة الثانية، يحدث الله أمره في هذا الرجل من غير طلب منه،ليعلّمه قدرته. فهو قد كان في علمه السابق خصاصة بمدى قدرة الله تعالى، أما في القصة الثالثة :
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(260)فإن سيدنا إبراهيم هنا النبي الذي إيمانه أكمل الإيمان، وليس فيه نقص، ولا خصاصة، هو الذي طلب من ربه جل في علاه أن يريه كيف يحيي الموتى، سأل ربه سؤال تشوق ومحبة لرؤية آية من آيات الله تعالى في خلقه ومخلوقاته، إحياء بعد الإماتة، تشوق لان تراها عينه تشوّق المحب، تشوق العارف بعظمة من يسأله، تشوق الاستئناس بقرب الله تعالى.... فيأمره الله سبحانه أن يأخذ الطير الأربعة، وقد ذبحت كلها، وقطعت إربا أن يجعل كل جزء منها على جبل، متباعدة أجزاء الطير الواحد بعضها عن بعض، هكذا، كأقصى ما يكون تفرق الجسد الواحد، كما نتخيل جسدا وقد فجرته القنابل فتطاير أشلاء بل ذرات مع ذرات الهواء، ولم يبق منه شيء، فأين يصبح وكيف يبعث يوم القيامة؟ وعلى هذا جعل الله تعالى التجربة العينية أمام إبراهيم عليه السلام في أقصى حالة، أجزاء مبعثرة مترامية، متطايرة، يأذن الله لها أن تجتمع كل جزء إلى جزئه، مبعوثا كل طير كما كان أول مرة .... ولأنه إبرايهم النبي عليه الصلاة والسلام، ولأنه المؤمن أيما إيمان ها هي الآية تنتهي ب"واعلم أن الله عزيز حكيم" ولا تنتهي بحال من إبراهيم عليه السلام، فهو عليه السلام كان مؤمنا ولم ينتظر هذا ليصبح بعدها مؤمنا، وعلى هذا فالله وحده العليم الحكيم المحيي المميت،
ولا يدبر الأمر إلا هو، ولا يدبره حتى الأنبياء وحدهم من غير هدى الله، ولا يضعون المنهج وحدهم من غير هدى الله، بل هم المبعوثون بمنهج الله لعباد الله في أرض الله .... هو المحيي المميت، الباعث بعد الموت وهو الذي يرسل رسله بمنهجه للأرض، ولا يستقيم حال الأرض وسكانها إلا بمنهج خالق الأرض وسكانهان وباعث الأرض وسكانها ...