أملى أن يرضى الله عنّى
هكذا نطقها شيخ المجاهدين أحمد ياسين رحمه الله
وبها عاش حياته
ولأجلها أكرمه الله عز وجل بالشهادة
إننا حين نقتفى أثار الرجل نستطيع أن نخرج بنتيجة واضحة ..فخمسون عاما والرجل يجاهد فى سبيل الله ويثخن فى أعداء الله ويربّى الرجال جيلا بعد جيل ليكونوا حملة راية الجهاد والحق مستمسكين وظاهرين بها لا يضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك , ثم يأتى مسك الختام : الشهادة فى سبيل الله ..
فمن المنطق أن أقول أننا نحسب أن الله سبحانه وتعالى قد رضى عن الشيخ الشهيد .. لأن المقدمات تدل على النتائج ..
وهنا مربط الفرس لدينا الآن ..
أليس كل واحد منا يدعو الله عز وجل أن يرضى عنه ؟ ومن منا لا يفعل ذلك ؟
ولكن السؤال الأهم .. كيف يرضى الله عنّا ؟
إننا نبحث إذن عن رضى الله عز وجل , ولربما تأتى آية الرضى فى سورة الفتح بصورة ملحة على ذهنى الآن : ( لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة , فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا )
ألسنا نبحث عن الرضى ؟ فيجب علينا إذن حين نسمع الآية نقف عندها طويلا , فقد رضى الله عنهم ونحن نريد أن يرضى الله عنا .. فماذا فعل هؤلاء لكى يبلغوا هذه المنزلة العظيم ؟
لنراجع إذن مشهد البيعة العظيم :
فبعدما عرض الرسول بنود البيعة الخطيرة ليطالب الصحابة - وهم قليل - يومئذٍ بالبيعة له ..
فيمد الصحابة أيديهم ليبايعوا رسول الله ..
فيقوم أسعد بن زرارة وقد اعتقد أن القوم يبايعون ولم يتفكروا فى البيعة بعد جيدا .. ولا يدركون مسئوليتها ليقول للصحابة :
يا قومي أتدرون على ماذا تبايعون ؟؟ أنتم تبايعون على عداوة القاصي والداني , تبايعون على ترميل النساء وتيتم الأطفال وضياع الأموال إن وافقتم على البيعة وبنودها فعز الدنيا وعز الآخرة , وإلا خزي الدنيا وخزي الآخرة .
قالوا : انتهيت يا أسعد ؟
قال نعم.
قالوا: يا رسول الله مد يدك نبايعك على أن يكون الثمن الجنة .
وعندها فقط رضى الله عنهم ..
الأمر عظيم وليس بيسير .. لقد أدرك سيدنا جعفر بن أبى طالب أن رضى الله لا ينال إلا بالعظيم , فيقف أمام ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين قبل غزوة مؤته ليصرخ فيهم :
أما أنا فقد بعت نفسي يوم أن خرجت من المدينة :
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا
ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا
ثم قال : اللهم اشهد، اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى
إذن هو رضى الله عز وجل ..
,, فأقبل على العدو كالأسد الهصور، فقطعت يمينه في أول النهار، فأخذ الراية في يسراه وأعلن لا إله إلا الله محمد ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فقطعت اليسرى، فأخذ الراية بساعديه على صدره، فأقبل الروم بالرماح فدكوا الرماح في صدره حتى وقع شهيداً على الأرض، والرسول عليه الصلاة والسلام يتابع جعفر من المدينة وجعفر في مؤتة قريباً من أرض معان في الأردن وراءها مئات الأميال، فلما قتل جعفر نحب عليه الصلاة والسلام بكاءً عليه، فهذا شوق الحبيب لحبيبه، وجعفر لم يبك يوم قطعت يمينه؛ لأن العظماء لا يبكون في وقت العظمة، وإنما أخذ يتبسم ويقول:
يا حبـذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليَّ إن لاقيتها ضرابها
,,
وليس أدل من موقف أبى بكر حين يمشى بثوبه المرقع - وهو أبو بكر التاجر - فيسأل جبريل رسول الله عن أبى بكر .. فيخبره الرسول أن أبا بكر تصدق بكل ما يملك .. فينزل جبريل لسيدنا رسول الله فيخبره أن الله راضٍ عن أبى بكر .. فهل أبو بكر راض عن الله ؟
فيخبر رسول الله أبا بكر فيبكى الصديق رضى الله عنه وحق له البكاء ..
وهل فعلت هذا إلا لكى يرضى الله عنّى !!
.. اللهم ارض عنّا يا رب العالمين ..