المحرر موضوع: مقتطفات من كتاب  (زيارة 12311 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
مقتطفات من كتاب
« في: 2013-01-11, 08:51:01 »
بسم الله الرحمن الرحيم

أبدأ هذا الموضوع، وأصدقكم قولا أنني أبدأه، ولست ضامنة حسن متابعته وإثرائه،من سطوة الوقت علينا، ولكنني أسأل الله سبحانه أن ييسر لي ذلك.
سأحاول أن أضع مقتطفات تعجبني وتشدني من كتاب أقرأه ... وأتمنى أن تفعلوا بالمثل إخوتي، أن تقتطفوا من كتاب تقرؤونه ما يروق لكم وترونه ذا فائدة ....

وسينصبّ الاهتمام على أحد أمرين،،إما على عمق كلمات الكاتب، ومدلولاتها وفائدتها، أو على عمق المعنى الذي يحكي عنه، أو الشخصية التي يدور حولها الكتاب إن كان الكتاب مثلا يهتم بدراسة شخصية بعينها، أو حتى على الأمرين معا.

كما أشير أن باب النقد مفتوح لما نراه غير سائغ من بعض ما نضعه من كتابات، وذلك  ليس بخلفية النقد للنقد، كمَن يتأبّط سلاحا ويشحذ همّة حربية للانقضاض، وإنما بخلفية الانتقاء وتخيّر ما تقبله مفاهيمنا  من مجموع ما نقرأه، وحتى لا يطغى على الحق إعجاب بباطل مزيّن بدباجة الكلمات .

وسنبدأ بسم الله وعلى بركة الله . emo (30):
« آخر تحرير: 2013-01-11, 09:31:35 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: مقتطفات من كتاب
« رد #1 في: 2013-01-11, 09:02:40 »
فإن النفس التي تتحرك للأمر السماوي هي النفس التي فيها الخير ولها رغبة فيه،وقلّما تشفق من عقاب السماء، إلا أن تشعر بألم الظلم، ومبلغ استحقاقه للعقاب.

على أن عُمَر كان يرحم في أمور كان يحول فيها النُّفور الديني دون الرحمة عند كثيرين...

فمن ذلك أنه رأى شخصا ضريرا،يسأل على باب، فلما علم أنه يهودي، قال له: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجِزية والحاجة والسن! فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله،فأعطاه ما يكفيه ساعتها، وأرسل إلى خازن بيت المال يقول: انظر هذا وضُرَبَاءَه 1، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبَته، ثم نخذله عند الهِرم، إنما الصدقات للفقراء والمساكين،والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب،ووضع عنه الجِزية ، وعن ضُرَبَائه .

فهنا علمته الرحمة كيف يطيع الدين، ولن يطيع الدين هكذا إلا رحيم .

وقد فرض عمر لكل مولود لقيط مائة درهم من بيت المال كما فرض لكل مولود من زوجين،وهي رحمة قد يحجبها النُفور من الزنى وثمراته في نفوس أناس ينفُرون فلا يرحمون،بل كان يرحم كل مخلوق حي حتى البهيم الذي لا يُبين بشكاية، فروى المسيّب بن دارم أنه رآه يضرب رجلا ويلاحقه بالزجر لأنه يحمّل جَمَلَه ما لا يطيق، وكان يُدخِل يده في عُقرة 2 البعير الأدبر 3 ليداويه وهو يقول: إني لخائف أن أُسْأَلَ عما بك. ومن كلامه في هذا المعنى : لو مات جَدي بطف الفُرات لخشيت أن يُحاسِب به الله عمر .

وإنه لشعور بالتبعة عظيم، لكنه كما أسلفنا، لن ينبت في قلب كل أمير عليه تَبِعة، إلا أن يكون به منبت للرحمة عظيم.
فنحن إذا بإزائ صفة كبيرة إلى جانب صفة كبيرة: الرحمة إلى جانب العدل،وكلتاهما من البروز والوثاقة وعمق القرار بمثابة العنوان الذي يدل على صاحبه،أو بمثابة العنصر الأصيل الذي يلازمه ويلابسه ولا يفارقه في جملة أعماله .


عبقرية عمر-عباس محمود العقاد-

-----------

الفقرة أعلاه فيها غيض من فيض رحمة عمر القوي الرحيم العادل الذي اجتمعت فيه صفات نراها بميزان اليوم وقوة اليوم متناقضات لا تكون في أحدهم إلا وتغلب وتطغى إحداها على الأخرى، فتنقلب من ميزة إلى عيب، من فرط قصوره على سياسة نفسه عليها والموازنة بين الواحدة والأخرى بما لا يُطغي الميزان، أو لنقل قصور نفسه على سياستها معا .

1: أشباهه وأمثاله
2:الجرح، وهو أثر كالحزّ في قوائم الفرس والإبل
3: المجروح
« آخر تحرير: 2013-01-11, 09:28:12 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: مقتطفات من كتاب
« رد #2 في: 2013-01-11, 16:55:47 »
يفنّد محمود عباس العقاد بكل روعة مقولة المستشرقين في عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه من أهل الرؤية المحدودة التي لا تنظر للمقتضيات والحيثيات، بل هو يمضي في أمره، وفي رأيه، وفي حكمه في كل حال، لا يفرّق في ذلك بين سيد ومسود، ورئيس ومرؤوس ووالٍ وواحد من الناس ... رأوا أن عدله الذي لا يلتفت فيه ذات اليمين وذات الشمال، والقضاء الذي يكيل الجزاء دقة بدقة، ولا يبالي بالنقائض والمفارقات ... قالوا عن رؤيته الواحدة وموقفه الواحد في عدله أنه من جهله بما في الدنيا من نقائض وخفايا ومن عوج وتعريج،
قالوا أن فطنته كانت فطنة فراسة فطرية كالغريزة التي تهتدي على استقامة واحدة، ولا تخالف ما جبلت عليه، وأنها فطنة العقل المحدود .


يرد العقاد رحمه الله على هذه الفِرية، وهذه النظرة المحدودة منهم القاصرة كل القصور، بأدلة عقلية وواقعية من حياة عمر رضي الله عنه، فإذا نظرته شمولية،ذكية نبيهة، لا تفوتها المتناقضات في النفوس، واختلافات النفوس، ولا تفوته العوائق العظيمة التي تكون أمامه وهو يمضي في حكمه ورأيه بالحق والعدل غير آبه لها ليس من ضيق نظرته، ومحدوديتها وإنما من إقباله بلا هيبة ولا خوف على كل تلك لاعوائق يُمضي أمر الله، فتنثني له الخُطوب ولا ينثني لها هو، وفي هذا سأضع مقتطفات من ردّه على نظرتهم القاصرة :

--------------------
يقول :
والفكر المحدود هنا، هو فكر أولئك المستشرقين،لا فكر عمر بن الخطاب. فالرجل الذي يستقيم على وجه واحد لا يحيد عنه، هو واحد من رجلين: فإما رجل يستقيم على هذا الوجه، لأنه لا يرى غيره، ولا يحيط بما حوله، وإما رجل يستقيم على هذا الوجه لأنه قادر على اختراق العقبات، عالم أنها تنثني إليه حيث كان دون أن ينثني إليها حيث كانت .

واستقامة عمر بن الخطاب على وجهه من هذا القبيل وليست من ذلك القبيل: هي استقامة قدرة وليست باستقامة عجز، وهي استقامة تصرف سريع وليست باستقامة محجور، مقيّد يأبى أن يدور، لأنه قد أعياه أن يدور !
هي استقامة حياة غلابة، وليست باستقامة أداة كالموازين، تسوّي بين التبر والتراب،لأنها لا تميز بين التبر والتراب .

فالرجل الذي يجتنب التصرف في العدل، غيرة على الضعيف، وقدرة على القوي،وعلما بالتبعة واضطلاعا بجرائرها،فذلك حي غني بالحياة يعدل لفرط السليقة الإنسانية والقدرة الحيوية،ولا يعدل لأنه آلة تشبه الميزان الذي لا حِسّ فيه.

وشتان بين هذا وذاك، إنهما لنقيضان وإن كانا في ظاهر الأمر شبيهَين متقاربين.

-------------------------------------
ثم يسوق العقاد أمثلة ثلاثة من عدل عمر، شهيرة، هي قصة ابن عمرو بن العاص الذي ضرب المصري بسبب خلافِهما على فرس السباق، وقصة عزل خالد بن الوليد، وقصة جبلّة بن الأيهم الذي كان أميرا نضرانيا وأسلم وأسلم معه كثير من أتباعه، وكيف اقتص عمر بن الخطاب منه لمن ضربه وهو أحد العامة إذ وطئ إزاره، فلطمه جبلة، فقضى عمر للأعرابي أن يلطم الأمير على ذلك الملأ لأن الإسلام لا يفرق بين سوقة وأمير، وكيف تخلى الأمير ومن معه عن الإسلام من ذلك الحكم .



-----------------------------------
فيقول العقاد :

هل كان على عمر أن يتصرف في هذه الأقصية بلباقة الساسة الدُّهاة في جميع الأزمان، إذ يحتالون على حرف1 الشريعة، ويدورون حول حدود القانون ؟
نعم كان عليه ذلك لو عجز عن سنّة المساواة، واحتاج إلى حيلة...فإنما يُعاب على الوالي عدل الموازين ويُحمد منه التصرف والدوران لأن المساواة تُعييه، أو لأن المساواة تعرّضه لعاقبة شرّ وأظلم من الإجحاف، فإذا نظر إلى عاقبة المساواة في المعاملة، فرآها شرا وأظلم من عاقبة التفرقة والتمييز فقد وجب عليه إذن أن يدور حول الحقيقة وألا يواجهها نصا بغير انحراف ..

ولكن أين هذا من عمر، وأين عمر من هذا ، إنه كان قويا قادرا على العواقب، وكان شديد الألم من ظلم الظالم، شديد الخجل من خذلان المظلوم، وكان وثيق الإيمان بنصر الله في الحق وفي النجدة.فلماذا ينحرف؟ ولماذا يتصرف؟ ولماذا يدور؟
كان قويا بطبعه، قويا بإيمانه، فلماذا يهاب قويا جار على ضعيف؟ ولماذا يروغ من صرامة القاضي إلى دهاء السياسي الذي يدور حول الحقوق والحدود ؟
----------------------------------
ويقول العقاد في ذلك أيضا :

لقد نظرنا إلى عمر مستقيما ولم ننظر إلى الخطوب، ولو نظرنا إليها لرأينا أنها انْثَنَتْ لتنقاد له ولتتقي مصادمته، وتستقيم على منهاجه.فعلمنا لمَ استقام دون أن يقدح ذلك في صدق نظره إلى الدنيا وصدق فراسته في خلائق الناس .
----------------------------------
وفي قضية الأمير المرتد  جبلة بن الأيهم يقول :

لعلّ داهية من دهاة السياسة، الذين يصفون أنفسهم بالنظر  البعيد كان يُؤثر إرضاء الأمير واستبقاء أتباعه في الإسلام، والاحتيال على الشاكي بما يواسيه ويغنيه عن أن يسوي بين الخصمين، ويمكّن لضعيف من ضرب أمير اعتدى عليه .
فهل معنى ذلك أن عمر كان يعوزه دهاء أولئك الساسة؟ وما عندهم من بعد نظر مزعوم ؟
كلا بل معناه أن أولئك الساسة سعوزهم السخط على الظلم، والغيرة على الحق، واليقين بالقدرة والإيمان بمناعة الإسلام أن يصيبه غضب أمير صابئ بما يضيره، ولو كثر أتباعه والصابئون في رِكابه ... معناه أنهم احتاجوا إلى التصرف وعمر لم يحتج إليه .

وها هي ذي السنون قد مضت وتلتْها الأحقاب  والقرون فبدا لنا اليوم أن النظر البعيد والعدل الشديد في هذه القضية يلتقيان، وأن عمر كان أحسن المتصرفين فيها لأنه اجتنب التصرف الذي يهواه الدهاة، فقد أفاد الإسلام ما لم يفده بقاء جبلة وأتباعه على دينه،ووقاه ضررا أضخم وأوخم من نكوص أولئك الصابئين عنه: أفاده ثقة أهله بإقامة أحكامه واطمئنان الضعفاء إلى كنفه،ورهبة الأقوياء من بأسه، وسمعته في الدنيا برعاية الحق وإنجاز الوعد وتصديق معنى الدين، ولا معنى له إن كان أضعف بأسا من أمير وجب العقاب عليه .
---------------------------

ويقول في ذلك:

إن الميزان لأقل من مخلوق له حياة،أما الفاروق في هذه القضية فقد كان أكبر من الحياة الفانية، كان بطلا يؤمن ويعمل بإيمانه، وهكذا يعلو الإنسان ببطولة الإيمان

----------------------------

ويقول أيضا في ذلك:
لم يكن يمضي قُدُما لأنه يغفل عما حوله من النواتئ والمنعرجات والسدود، بل كان يمضي قدما بينها لأنه لا يباليها، ويؤمن أصدق الإيمان أنها تنثني له إذا مضى فيها، فلا حاجة به إلى أن ينثني إليها. إنه ليعلم العوج ولكنه يعلم أنه أقدر منه،لأنه يؤمن بحقه إيمان القوي الوثيق، فله من قوته وإيمانه قدرتان ..

إنه ليرفع العبء إلى كاهله وهو قائم لا يطأطئ للنهوض به، فليس الفارق بينه وبين غيره أنه يجهل العبء الذي يعرفونه، أو يتحلل من المصاعب التي يتحرجون منها، كلا! إنما الفرق بينه وبينهم أنهم ينثنون للخطوب، وأن الخطوب هي التي تنثني إليه ...


---------------------------------------------

1: نص
« آخر تحرير: 2013-01-11, 16:58:13 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب