حواديت من غزة

[ماما هادية]

حواديت من غزة

كنت في زيارة لمجموعة من المعارف في أحد الاحياء التي يكثر فيها الفلسطينيون واليمنيون.
قابلتنا سيدة من غزة.. فسألتها عن أهلها وهل اطمأنت عليهم أم لا..
قالت: الحمد لله . اتصلنا بهم ووجدناهم بخير ولله الحمد، وهم يطمئنونا ويرفعون لنا معنوياتنا بدل ان نرفعها نحن ونشجعهم.
-   ما شاء الله.. والحمد لله كلهم سالمون، لم يصب لكم أحد؟
-   بلى.. زوجي أصيب له اثنان من أبناء خؤولته، وأنا اثنان من أبناء عمي أصيبوا
-   هل جروحهم طفيفة
-   هي طفيفة بحمد الله، لكن المشكلة انه لا يوجد علاج ولا ضمادات في المستشفيات نتيجة الحصار. فكثيرون تلتهب جروحهم، او لا يقف نزفهم، فيموتون متأثرين بجراحات طفيفة غير قاتلة
(يا ترى ذنبهم في رقبة مين)
وتابعت قائلة: أنت لا يمكن ان تتصوري حال المستشفيات هناك.. مثلا الجروح لم يعد هناك خيوط طبية لخياطتها، فيخيطونها بالإبرة والخيط التي تخاط بها الملابس... ماذا يفعلون؟
-   لا حول ولا قوة إلا بالله... والذين ذهبوا للمعالجة خارج غزة؟
-   يا أختي إنهم لا يتجاوزون 73 جريحا من أصل 2200.. ثم هل تعلمين كيف يتم نقل الجرحى.. يحملون على نقالات وينقلون من سيارات الاسعاف في الجانب الفلسطيني، ويلقون على قارعة الطريق قرب بوابة المعبر، وتبتعد سيارة الاسعاف الفلسطيني وتتراجع، وتفتح البوابة -بعد وقت-  ليحمل الافراد الجريح على نقالة اخرى وينقلونه مسافات طويلة.. تخيلي هذه الاوضاع المزرية.. كيف سيصل؟؟
(اذكر انني درست ان كثيرا من حالات الاصابات يجب عدم تحريك المصاب، ويجب ان يتم نقله وهو مثبت تماما )

- طيب.. وكيف حال الشعب الان؟ هل هم ناقمون على حماس على اساس انها أساس مصائبهم؟
- بالعكس والله.. أنا عمي كان مقيما هنا في السعودية، وكان لا يركع ركعة، ولا يعرف مسجدا.. الان هناك انقلب حاله، وصار يقول انه يتمنى الشهادة في سبيل الله..
بل إنه لما بدأ الاجتياح البري، العدو الصهيوني اخترق ذبذبات الاذاعة المحلية وارسل بيانات للجماهير انه تم القضاء على حركة حماس واستئصالها.. فبات الشعب بأسوأ حال، وباتوا يبكون وقد عزموا على الصمود وأن يموتوا على كرامة وعزة، ولا يستسلموا ويخضعوا ويذلوا..
وفي الصباح تبين كذب هذه البيانات، وصدحت المساجد بالتكبير فرحا، وصارت غزة كأنها في عيد عندما تبين كذب هذه الاقاويل
-   وكيف عرفوا بكذبها؟
-   لان القيادات ملتحمة مع الشعب وتعيش بينه.. الم تري كيف قصف نزار ريان في بيته، ورفض ان يخرج منه؟ بقي بين اهله وسكان حارته
-   ولماذا؟ قرأت ان القيادة طلبت منه ان يخرج وحذرته انه مستهدف ولكنه رفض.. فلماذا رفض؟ اما كان جنّب اسرته هذا المصير؟
-   لانه هو عالم وشيخ وداعية.. كان ينمي عند الناس ثقافة المقاومة، ومنها البقاء والصمود في الارض وفي المساكن.. ما يحاوله العدو الصهيوني دوما ان يثير رعب الناس واستفزازهم للخروج من منازلهم، ليقصفهم خارجا ويحولهم اشلاء، ثم يزعم انه لا يتعرض للبيوت السكنية.. نزار ريان كان يحث الناس على البقاء كل في منزله، ويقول لهم فلنقصف في بيوتنا خير من ان نقصف في وسط الشوارع.. ولهذا ضرب مثالا بنفسه وقدوة لمن حوله، ليوافق فعله قوله، ومكث في بيته واسرته.. ولو خرج لقال الناس هذا هو شيخكم قد خرج فاخرجوا، ولخلت البيوت وتدفقت الناس في الشوارع، ولسهل اصطيادهم... بالمناسبة: هل علمت انه توفي مع زوجاته الاربع؟
-   نعم.. سمعت انه كان متزوجا من أربع نسوة، لكنني اعتقد ان واحدة فقط التي استشهدت معه
-   لا. كلهن استشهدن.. تخيلي.. تخيلي اربع نسوة يعشن معه سعيدات مكافحات لا غيرة بينهن.. يعني ابسط شيء ان تذهب احداهن مغاضبة الى اهلها وتقول له تريد ان تموت مت لوحدك او مع الاخريات.. لكنهن صمدن معه للنهاية.. فكيف كان هذا الحب وهذه التضحية.. الا ترين انهم اناس مختلفون عنا، ونظرتهم للحياة والامور مختلفة تماما
-   بلى فعلا..

وعلت أصوات النسوة يتحدثن عما شاهدنه في التلفاز من تصريحان النسوة الغزاويات والاطفال التي تؤكد على معاني الصمود والجهاد والمقاومة والتوكل على الله..
فقالت الاخت الفلسطينية:
هم أصلا ليسوا مثلنا ابدا.. لا تتخيلن.. الان عندما عم القصف الصهيوني كل غزة.. صاروا ينظرون الى من قصف بيته نظره اكبار واعزاز.. وأما من لم يقصف بيته ابدا وسلم، فإنهم يرتابون فيه وأنه جاسوس.. والا لماذا لم يقصف ولم يتعرض لأذى.. ولهذا يخجل الناس الذين لم تقصف بيوتهم..
اعرف واحدة لديها 11 شابا من عيالها.. لم يقصف بيتها، في حين قصف بيت اهلها، فقالت لابنائها: مابال بيتنا لم يقصف؟ غدا يعيرني الناس .. اترى احدا منكم باع نفسه؟ وتركتهم وذهبت لبيت اهلها الذي قصف
أجبتها بذهول:  حقا ما تقولين؟؟
-   والله العظيم

سبحان الله

[سيفتاب]

سبحان الله

ولكن لم الاندهاش؟

إنهم قوم أقاموا الإسلام في أنفسهم فجزاهم الله هذا إلايمان الصادق والصمود والعزة

مسافةشاسعة بيننا وبينهم.