المحرر موضوع: فقاقيع !  (زيارة 7586 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

أسيرة الصفحات

  • زائر
فقاقيع !
« في: 2008-12-05, 21:12:38 »


فقاقيع ...

مسرحية من مشهد واحد ...

----
الشخصيات
أحمد : مريض
عزت : طبيب نفسي

------------
وصف المشهد
غرفة , مستطيلة , تبدو من بياض لون أرضيتها , حوائطها و المعطف الطبي المعلق على ركن من أحد حوائطها أنها تقبع في مستشفى ما
و في أحد أركانها أريكة من ذلك النوع الذي يستخدمه الأطباء النفسيون لكي يستجوبوا مرضاهم ...
على مائدة الطبيب النفسي , إستلقى شاب , يبدو ملامحه النشيطة و بنيته التي تتأرجح بين الطفولة و الشباب أنه يناهز الخامسة عشرة ,
يتأمل النافذة التي إستقرت في منتصف الحائط المقابل

دخل شخص مهيب يرتدي البياض و نظارة سميكة تغطي عينيه , مغلقا باب الغرفة , ثم جلس متناولا قلما أزرقا و دفترا أبيضا

و كان أول سؤال سأله لذاك الراقد : ها يا أحمد , هل لازلت ترى فقاقيع ؟

يتنهد أحمد تنهيده حاره قائلا : آه يا دكتور لو تعلم , إنها في كل مكان ... في الشارع , في البيت, في الهواء , تطير بقسوة من فوقي , تعبرني , و حين المسها , تلك الفقاقيع الصابونية الرقيقة , حين ألمسها فقط تتلاشى من امامي ...

يكمل الطبيب عزت بصوته الروتيني بلا اكتراث : و هل الفقاقيع موجودة في هذه الغرفة يا أحمد ؟

أحمد و هو ينظر في اللا شيئ : نعم , ألا تراها يا صديقي ؟ .. كيف لا تراها و أنت تجلس بداخل فقاعة ضخمة ؟
تحتويك , تحجزك عني , حتى صوتك يا صديقي يصل إلي على هيئة صدى و كأنه يأتي من قمة جبل شاهق !

يدون الطبيب ملاحظة سريعة في دفتره , سائلا : منذ متى بدأت ترى هذه الفقاقيع ؟

أحمد شاردا : في طفولتي , اشترى لي والدي ذات يوم علبة إسطوانية , لم افهم في البداية ما وظيفتها , فتحتها فإذا هي مملوءة بصابون أخضر اللون , لازلت إلى اليوم اذكر رائحته المنعشة , وقتها , علمني والدي كيف أنفخ , و نفخت اول فقاعة في حياتي
كانت تلك آخر مرة يشاطرني فيها والدي بشئ ...

يدون عزت بضع حروف في دفتره

يرمقه أحمد بنظرة لا معنى لها مستطردا : عدت إلى بيتي , و ظللت أنفخ الفقاقيع, حتى طردوني من المنزل

نزلت شارعنا , أتجول و أجري , تسبقني فقاقيعي , أباهي بها المشاة , الذين اتخذت منهم جمهورا لي , أنفخ الفقاقيع في وجوههم كساحر غير موهوب ! يحول الماء و الصابون إلى كرات طائرة عابثة ...

أحببتها , فقاقيعي , لكنها لم تكن تحبني , كانت تطير و تبتعد كلما اقتربت منها , و إذا لمستها تفرقعت و نشرت رذاذا على شعري و عيني , فتحرقني لأبكي


ثم دخل في نوبة بكاء , تركه الطبيب يبكي و لكأن بكاؤه دواء !


الطبيب : و لما كبرت ؟

أحمد و قد علقت في أحبال صوته نبرة حزينه : لما كبرت , بدأت أراها في أحلامي , فقاقيع صغيرة و لكنها كانت تكبر معي يوما بعد يوم , و فجأه , خرجت من أحلامي , حتى رأيتها مجسده على أرض واقعنا , رأيتها تعزلني عن أخي , أبي , أمي , إخوتي , أساتذتي , تعزلني عن عروبتي , إسلامي , فلسطيني , أقصاي و عراقي
فقاقيع ... هشة , تطير بعيدا ,

أبي الحبيب إنه مجرد فقاعه كبيرة من المشاغل , لا يأتي بيتنا إلا بعد الثانيه صباحا

والدتي أيضا فقاعة أخرى , من الطبخ و الغسيل و الأوامر

حتى أخي الأصغر فقاعة , جالسة دوما على الحاسوب

جميعنا فقاقيع هشه بعيده عن بعضها البعض , نعيش جميعانا في فندق البيت السعيد , لكننا جميعا ما نحن إلا مجردفقاقيع

الطبيب يعود لتدوين بعض السطور قائلا بنبرة تجذب الانتباه : ما الذي تتمناه يا أحمد أكثر من اي شيئ آخر ؟

أحمد و قد ارتسم على وجهه ابتسامه مشرقة : أريد علبة فقاقيع

يخرج الطبيب من جيبه علبة اسطوانية زهرية اللون , ينتشلها أحمد بسرعة , يفتح الغطاء بلهفة مما يجعل نصف الصابون ينسكب على يديه و ربما أصاب بنطاله منه شيئا

لكنه لا يبالي

فنظره موجه إلى العصاة الدائرية و التي غمسها في علبة الصابون , و نفخ ببطئ , لتولد فقاعة تكبر بنفخاته , فإذا به يحمل فقاعته بحذر جم , و يضعها جانبا للحظه , ثم ينفخ فقاعه أخرى أصغر حجما ,

ليصبح لديه فقاعتين , ملامح وجهه جاده مثل جراح محترف , يقرب أحمد الفقاعتين من بعضهما بحذر جم , فإذا بهما يلتئمان , ليصيران فقاعة واحدة

 تم تقليل : 32% من الحجم الأصلي للصورة[ 1600 x 1200 ] - إضغط هنا لعرض الصورة بحجمها الأصلي


حينها ...

حينها فقط...

يضحك أحمد ضحكه هيستيرية ,

تعلو صوت ضحكاته لتملأ أرجاء الغرفة

يضغط الطبيب على زر خفي وراء المكتب

يأتي ممرضان يرتديان زيا ابيضا

يمسك احدهما بيده اليمنى و بينما يحاصره الآخر باليسرى

و يجران أحمدا خارج الغرفه

و هو يضحك

يذهب تماما

ليبقى فقط صوت ضحكاته المبتعده

يتناول الطبيب

قلمه الأزرق

و دفتره المعتاد

مدونا عدة ملاحظات

----------------------------
ستار
« آخر تحرير: 2008-12-08, 20:53:07 بواسطة أسيرة الصفحات »

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: فقاقيع !
« رد #1 في: 2008-12-05, 21:25:39 »
ما أجمل تصويرك لهذا المشهد

تصوير مؤلم لواقع مرير

ترانا نحن أيضا نحيا في فقاعات؟
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

حازرلي أسماء

  • زائر
رد: فقاقيع !
« رد #2 في: 2008-12-06, 11:56:11 »
نعم واقع مؤلم ولكن الأشد إيلاما منه أن يصيّرنا إلى اليأس ....والنصر عليه هو القوة والثبات رغم كل آلامه....عندما نرى آلامه مادة عمل، عملنا على تغييره، أو لنقل إرجاعه لأصله....ذلك عملنا الذي نرتجي منه الأجر والثواب....هذا هو سر الصمود والبقاء والثبات....
ويبقى دائما العقل الحرّ المتصل بربه في كل حين، في العسرة واليسرة،.... فهو عامل وإن كان الصعيد من أصعب الأصعدة، يعمل وأجره مخبأ، وصلته بربه دائمة.....صلة تجعله دائما الأقوى ......انظروا لكلمة "صلة" ولنربط بقوله تعالى :

واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين

أسيرة الصفحات

  • زائر
رد: فقاقيع !
« رد #3 في: 2008-12-08, 20:49:30 »
غاليتي سيفتاب , أسعد لمرورك الكريم دائما

جزاك الله خيرا

غاليتي أسماء , بارك الله فيك عزيزتي تعقيبك المفيد , و طبعا الإنسان يجب أن يتسلح بالإيمان لمواجهة كل هذه الظروف و المساوء , فالإنسان ما هو إلا قنبلة رافضة تغير ما حولها بإذن ربها

براك الله فيك و زادك أملا و تفاؤلا , أحبك في الله