موقف القرآن من الإرادة وحريتها
يقرر القرآن في هذه القضية مجموعة من الأمور :
غيبية أفعالنا المستقبلة : " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا" -لقمان: من الآية 3-
قدرة الإنسان على تحسين أو إفساد كيانه: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(9)وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(10)" -الشمس-
عجز كل مثير عن ممارسة إكراه واقعي على قراراتنا، مهما بلغ المثير من حكمة أو من شطط : " وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ" -إبراهيم:22-
الإدانة القرآنية القاسية لما ينشأ عن الهوى : "وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ"-الأعراف:179- "إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ(69)هُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ(70)"-الصافات-
ولكن رغم هذا التشدد في حكم المسؤولية، يحدث التجاوز والعفو في حال وجود إكراه مادي داخليا كان أو خارجيا من مثل :
* كفر مؤمن مضطر : "من كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ"-النحل:106-
* أكل الحرام لضرورة : "فمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"-المائدة: من الآية3-
* الإكراه على الفاحشة: "وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" -النور: من الآية33-
أما القتل والسرقة وهتك العرض فهي جرائم لا تقبل العفو .
والسؤال: كيف يجبّ الإكراه الماديّ الفواحش كالزنا والكفر، بينما لا يجبّ الإكراه النفسانيّ الأفعال الأخرى ؟يجيب دراز بما معناه أنّ الإكراه المادي خارج منه أي دور وأدنى مشاركة من الذات، بينما العاطفة والعادة تشدان إليهما الإرادة دون مناقشة، والخلاصة أنّ الحياة تحت الإكراه المادي تُعرّض للخطر، ومن ثمّ كان حفظ الحياة مطلبا غرائزيا، ومطلبا شرعيا في آن،
وإذن فإن الذي يخلّ بواجب خضوعا لضرورة حيوية، يؤدي واجبا آخر أهميته تكمن في أنه شرط لجميع الواجبات.وبالمقابل، فإنّ الذي يأكل الحرام اضطرارا، فيُعفى عنه ليس امتدادا مثلا إلى أن يقتل إنسانا ليقتات منه، أو مثلا الإنسان الذي يُجبَر عى أن يقتل وإلا قٌتل كذلك ... هذه لا تدخل تحت أي طائلة للعفو.
نلاحظ مما سبق أن الإرادة في الإسلام، في القرآن حرّة مستقلة ... وهذا ما يجرنا إلى سؤال بالغ الأهمية، إلى جدل قديم حديث ...
ماذا عن دور القضاء الإلهي ؟ *-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
هنا سنبدأ مع دراز ببعض التعريفات المهمة التي خاضت فيها فِرق إسلامية مختلفة ...
1- القدريّة : في خلاصة القدرية يقولون بإلغاء كل إرادة للإنسان، وهي في حقيقتها العلم المسبق من الله تعالى الذي خلق القِوى ويعلم كيف ستعمل، بما فيها الإرادة، فهل يتدخل الله في القِوى عندما توضع في إطلار حركتها ؟
أ-) كانت البدايات مع قصة "معبد" الذي جاء في عهد عبد الملك بن مروان بالنظرية المتطرفة حول الحرية الإنسانية، فأُعدِم .
ب-) ظهور المعتزلة في القرن الثاني للهجرة، وهم كانوا ضد القدرية، هم يقرون أن الله تعالى يعلم كيف سيستخدم الإنسان ملكاته وقدراته التي أودعها فيه، ولكنه يتركه يفعل تحت مسؤوليته، وقد اعترض عليهم القدرية بقيادة جهم بن صفوان، إذ هم يرون أن الإرادي لا يختلف عن اللاإرادي إلا ظاهريا وإلا فالإنسان بقولهم عاجز عن أن ينشئ أقل حركة، فهو ريشة تصرّفها الريح.
وكل من المعتزلة والقدريّة متشددون في الإسلام .**والقول في هذا أنّ الله تعالى هو العدل الذي لا يظلم : "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ " -النساء: من الآية40-
فهو سبحانه الذي أقرّ شريعة ملزِمة بمسؤولية وجزاء بعدها، لم يكن من عدله أن يترك الإنسان دون أدوات تمكّنه من أداء أعماله . ولكن هناك من قال بالاستثناء في فعل الإنسان، مما يقابله إما إلغاء الإرادة الإنسانية بالكلية أو التحديد مجال الإرادة الإلهية. وهنا المشكلة .
** مدارس السنّة قالوا أنّ الالإرادتَين الإلهية والإنسانية تعملان في الوقت نفسه وتشتركان في إنتاج أفعالنا، ففعل الله فعل خالق، بينما الإنسان يتفتح للفعل الإلهي .
والسؤال هنا : من يتدخل في حركاتنا الإرادية نحن دون تدخل من الله تعالى، أم الله تعالى دون تدخل منا ؟ هناك من قال أنه الله تعالى مع تدخل إرادتنا ... وهنا ينشأ سؤال آخر :
من يدبّر إرادتنا أصلا ؟ وقد انقسموا في ذلك إلى قسمَين طائفة بقيادة أبي الحسن الأشعري وأخرى بقيادة أبي منصور الماتريدي ...
وأتوقف هنا.... لأكمل لاحقا بإذن الله ...وإني مع موضوع مما أحب فعلا ...
موضوع الإرادة وحريتها، والإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية وكيفية عملهما ...