« في: 2009-02-09, 13:26:52 »
لا تعلم لماذا , لا تعلم كيف , لا تعلم متى , كل هذه المجهولات تؤلمها , الوقت يمر بسرعة و هي لا تشعر به , في تلك الليلة , وقفت امام المرآة , بالفعل كبرت , و ربما يكون اجلها قريب , ربما ...
تأملت وجهها جيدا , و كان الصمت سيد الموقف , لم تنبس بكلمة واحدة , واقفة متعجبة , بالفعل كبرت , لم تكن كذلك , كانت تلك الفتاة الصغيرة , التي كان اللعب همها , و الشقاوة جزء منها , و الكلام العفوي طبيعة فيها ...
الان
الان تغير كل شيء , اصبحت تلك الفتاة الجادة , التي لم يتبقى في وجهها ملامح الطفولة التي تعودت عليها , تتأمل و هي في قلق شديد من حاضرها , من مستقبلها , من عمرها ...
سنة وراء سنة تجري وراء بعضها البعض بسرعة تلك الرياح الشديدة , تهب عليها تاركة اثرها فقط , تاركة الماضي , تاركة الذكريات و الايام و الصور لكي نحيي ماضيها عندما تحن له و تشتاق لمحياه ...
شعرت بأن قطار زمنها يجري على سكة حياتها بسرعة الريح , و لكن هي , اين هي ؟؟؟
هي خارج قطارها , واقفة امامه بدور المتفرجة , متفرجة لشريط حياتها الذي يمر امام عينيها و ليس بإستطاعتها ايديها الإمساك به ...
تملكها ذلك الشعور بعدم السيطرة و خروجها من بين يديها , تلك السيطرة التي كانت في نفسها عندما كنت صغيرة , عندما كانت داخل قطارها ...
ها هي تقترب و تقترب , و لكن , هناك حاجز كبير جدا يحول عن دخولها لقطارها الذي يمكن في أي لحظة ان ينقطع و لا تراه مجددا الا بعد احياء ربها لها في يوم الوعد ..
ما آلمها فعلا هو امر ذلك المارد الذي صادفته في طريقها , جعل ذاك الحاجز زجاجي غير كل الحواجز , فأمكنها ان ترى كل شيء من خلاله , بإمكانها ان ترى قطارها الذي تحب ان تكون فيه , بإمكانها ان ترى من خلاله من تحب و من تكره , بإمكانها ان ترى من خلاله ماضيها و حاضرها ...
و لكن ان تدخل في ذلك العالم وارء هذا الحاجز هو بالشيء المستحيل , هذا الحاجز زجاجي ليس ككل الزجاج , زجاجي لا يكسر و لا يهدم , مهما كانت الطرق , مهما كانت الاحوال , بالصوت العالي , بالمطرقة , بالضرب , بقطرات الدموع , دون جدوى , الحاجز لم و لن يكسر ...
و ها هي ذا , تقف مكتوفة الأيدي من خلفه , لا حول لها و لا قوة الا ان تتابع مسلسل حياتها من خلال قطارها , و رؤية عائلتها و اصدقائها و ذكرياتها من شبابيكه الكبيرة الجميلة الواسعة ...
يلوحون لها من تلك الشبابيك و يشيرون لها بالقدوم , و لكن للأسف , تتكلم و تصرخ و تبكي , و يأبى الحاجز بتمرير ذلك الصوت المحتاج , يمضي القطار بأول كبينة له مع شبابكها الأربع و بما تحتويه من ذكريات الفرح و الالام , و هاهي كبينة اخرى تشير بقدومها , فرصة اخرى لها لكي تكون في قطارها , نعم , فرصة اخرى ...
للأسف , مرت كاللتي قبلها , و لكنها لم تمر بها كاللتي قبلها , كانت المرارة امر , الدموع احر , و المحاولات اكثر , و المناداة اقوى , لا تغير , لا أثر , ما حدث في الماضي حدث في الحاضر , و من يعرف ربما في المستقبل , فما تراه الان من وراء حاجزها بعيدا عن قطارها جازاها بقوة التحمل في التعامل مع الامور بلغة الصمت القاسية ,,,
مرت الكبائن و سار القطار اميالا و اميال , و هي لاتزال في مكانها متفرجة عليه راضية بما كان نصيبها منه دون اعتراض بعد المر و الأسى في ما سبق من الزمان , تعودت العيون على البكاء حتى نشفت , و الأيدي على التلويح حتى تعبت , و الفم تخلى عن ابتسامة الأمل حتى حلت مكانها رهبة الوحدة ...
و ما ان علمت بما سيحدث عند مرور كل كبينة جديدة , اختارت لها مكانا على هضبة عالمها الكبير ملكة عليه هو فقط , لا يوجد احد غيرها , فجلست تراقب قطارها و هو يمشي كعادته مسرعا دون توقف , تلوح بين الحين و الاخر , تبتسم بين الحين و الاخر ...
و لكن
لبس لقطارها
ليس لمن فيه
ليس لمن يطل عليها من شبابيكه
بل لمعرفتها بما آل إليه حالها , و بمعرفتها لمستقبلها المرير الوحيد البارد الذي لا يملك اشجارا تدفئه و لا بشر تؤنسه و لا بسمة تشرق عليه كالشمس التي لا تطل عليه ابدآ ...
نعم
اختارتها يائسة , اختارت هضبة الصمت ...
« آخر تحرير: 2009-02-09, 19:01:52 بواسطة ريحان مسك »
سجل
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي