الوجه الآخر للدنيا
كنت كلما قرأت عن فتنة الدنيا يتبادر إلى ذهني شخص غارق في متع الدنيا الحرام رغم ما أنعم الله عليه من وافر المال والثروة.
وسبحان الله، كم كنت جاهلا في نظرتي تلك!
الآن أرى فتنة الدنيا حولي في حلالها، وكيف أنها تقعد النفس عن التفاعل مع قضايا الأمة تحت مبررات العجز وقلة الحيلة.
وصدق الله "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ"
والأمر لا يتعلق بالمال وحده، فالبذل المطلوب لا يقتصر على المال. بل إنني الان بت على قناعة أن المال في حد ذاته ليس التحدي الأكبر!
فهناك الخبير المسلم في مجال معين حين يختار أن يظل في شركته العالمية على أن يساهم في مشروع تحتاجه الأمة.
والآخر الذي يرفض الانضمام لمشروع يحمل هم الأمة لأنه مشغول بدراساته العليا!
ثم العالم الشرعي الذي يلتحق بمشروع كبير فيكون أكبر همه هو وضعه الشخصي في ذلك المشروع والمصلحة التي يحصلها منه.
أو الداعية المشهور الذي يصمت عن تبيان الحق أو أخذ موقف جاد يتصادم مع ما عمله وسياسات من يعمل لديه.
والاقتصادي الإسلامي الذي يبحث عن كل المخارج والأبواب التي تضخم من ثروته دون أن يضطر لمصادمة الواقع أو العمل على ما تحتاجه الأمة على الحقيقة، ومن يبرر له ذلك من أساتذة المالية الإسلامية.
وهناك كذلك متوسط الامكانيات الذي وجد فرصة عمل جيدة في مشروع للأمة فقصر في عمله ولم يبذل فيه جهده ويسعى لإخراجه في أفضل صورة.
لقد جاءت أحداث غزة لتثبت لنا جميعا أننا متقاعسون وأننا رضينا بالزرع وأن أقل مما في أيدينا يمكن أن يغير العالم، ولكنها نفوسنا التي أقعدتنا إما بالخوف تارة وإما بوهم العجز تارة أخرى.
وسيأتي يوم يسألنا الله عن كل الذي أنعم به علينا من علم ومال وقت وقوة ثم تقاعسنا وأوجدنا مبررات القعود عن العمل، أو على أحسن تقدير انشغلنا بأمور ثانوية وتركنا أولويات الأمة وأمورها العظام، لأننا لا نريد أن نعرض أنفسنا لضيق أو خطر.
النجاح الدنيوي ماديا واجتماعيا وعلميا هو فتنة عصرنا. وباب الفتنة يأتي مستترا تحت مظلة "إعمار الأرض" و "مشاريع النهضة" لأنها بالطبع من متطلبات خلافة الأرض، لكن فقط إن لم تكن هي المطلب في ذاتها.
فإن كان المقابل هو القعود عن كل واجبات الأمة ونصرة أخوتنا، فهي الفتنة التي سقطنا فيها.
"لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) ۞ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)"