إنه عبد الكريم رجب : جاسوس المخابرات والمتعامل معهم من داخل صفوف الإخوان
وازددت إحساسا مع كل الظروف بالثقة . . فلم أجب تهديدات المحقق رئيس الفرع وهو يكرر علي من جديد : إذا لم تعترفي يا . . . فلدينا ما يجعلك تعترفين !
رفيقتك الأولى يقصد عبد الكريم رجب اعترفت عليك اعترافا أوليا ٬ وهذه ماجدة اعترفت الان بنفس الكلام ٬ وقالت بأنك منظمة ومسلحة وقمت بأعمال كثيرة للتنظيم وتوزعين مجلة
النذير
فلما انتهى كان أملي الوحيد في كل الدنيا وقتها أن أجد ولو بلاطة ألقي عليها جسمي المنهك وأنام . .
ربما... ربما بعد نجاح الثورة وتحقق الحرية... ربما استطيع عندها
ومكتب فاخر يحتل تمثال لرأس الرئيسس الأسد ركنا منه بينما ينتصب في زاوية الغرفة القصوى تمثال برونزي آخر لرأس الرئيس بالحجم الطبيعي
لكنه كان يصيح طوال التعذيب ويستغيث مناديا : والله العظيم موأنا . . ثم اعترف اخر الأمر لا أدري ليتخلص من مزيد من العذاب أم لسبب اخر فأقر أنه قتل أحد الضباط
وعندما اشتد التعذيب عليه وكاد صراخه يصيبني بالإنهيار التفت إلى العنصر معي وسألته : لماذا أتيتم بي هنا ؟ قال بسخرية : لا أعرف . . إسأليهم .
ومن غير أن يلفظ أي كلمة أو يسألنى أي سؤال لم أحس إلا وصفعة مفاجئة تأتيني على حين غرة اصطدم رأسي من عزمها بالجدار وارتد ٬ وصارت الدنيا تدور كلها في ٬ وصرت أرى الرائد أمامي أربعة أشخاص معا ٬ وأرى رأسي أسفل مني ورجلاي فوق الرأس وفوقي !
لم أكن أدري وقتها بأن أمي كانت معتقلة في نفس السجن معي ٬ وأنه سألها قبل دقائق عن أخي فأجابت الجواب نفسه ٬ والتقى كلامي مع كلامها في هذه النقطة
. هذا عبد الكريم رجب . . ألا تعرفينه ؟ قلت بحزم وقد تأكدت لي الوشاية الرخيصة التي حيكت لي
منظمة مع الإخوان وتتعامل معهم . . اشترت لهم بيتا ٬ وتعطي دروسا لسيد قطب في مساجد دمشق .
وزاد عدد المشاركين بتعذيبي حتى لم أعد أستطيع أن أعرف عدد من حولي أو عدد المحصي والخيزرانات التي تهوي على رجلي . . وبدأت أرى الغرفة كلها عصيا وخيزرانات . . والناس فيها من كثرة أسئلتهم كالضفادع تنق وتنق بصوت واحد
ولكن رفيقتك ماجدة هي التي قالت ذلك عنك . قلت : لا تصدقها . . أحضرها لتقول ذلك أمامي . . ربما قالت ذلك من خوفها حتى تنجو من الضرب . قال : لا . . رفيقتك لا تكذب . . هى أصدق منك . . تكلمت عن كل شيء وما تعذبت ٬ وأنت أذا لم تتكلمي فستبقي تأكلي ضربا حتى تحكي
والتفت نحوي مهددا يقول : إذا لم تتحدثي بكل شيء هذه المرة فاعلمي أن لدينا عناصر الواحد منم كالوحش يسد الباب
قلت له : ولكن أنا ليس لدي أي شيء . قال : أنت حرة
وقال : إذالم تتكلمي فسننزلك إلى القبو ٬والقبوإذا نزلت إليه لا تخرجى منه حتى تموتى قلت له : أحسن. . الموت راحة المؤمن !
صحت وقدهزني التهديد:لكن اناماعندي شيء احكيه . قال بلهجة الأمر:إخلعي جلبابك . وقفت هناونظرت إليه والخوف الحقيقي يغمرقلبي لأول مرة . ل قال ألاتريدين أن تخلعيه؟ أناسأخلعه لك
. .فصاح بي : وتقولي عن نفسك أنك لست من الإخوان وثيابك كلها ملتصقة ببدنك التصاقا والجلباب أزراره سرية ومخفية ومجهزاخرتجهيز! ."
وقال له : أمسكها من عندك فلماتقدم العنصر وأمسكني صاح ناصيف فيه : خذها . . خذها تنقلع من وجهى . . خذها إلى المنفردة . . لا أريد أن أراها أكثر من ذلك..
فجأة سمعت من آخر الزنازين (رقم 24 ) صوت أمي التي يبدو أنها سمعت صوتي أيضا فبدأت تدعو عليهم بصوت عال وتصيح : هؤلاء حريمات تتقوون عليهن يا ظلام . . ما عندكم رحمة ! والله أنا طول عمري أسمع أنه لا رحمة في قلوبكم ولكنني أرى ذلك الآن بعيني ! بهرتني المفاجأة . . وركضت ثانية باتجاه مصدر الصوت وأنا أصيح بدوري : أمي هنا ؟ الله يخرب بيتكم . . ماذا تفعلون بها ؟ إخوتي صغار وأبي مريض . . ولا حول جميعا لهم ولا قوة .
وهنا حضر عنصر اخر متقدم في السن كان يحسن معاملتي فيما بعد قدر المستطاع . . تقدم مني وقال بصوت منخفض : يالله يا أختي ادخلي وتوكلي على الله ولا تتركي له مزيدا من الفرص ليسخر منك .
حتى أنني لم أمد البطانيات خوف أن يأتي أحد العناصر فيفتح نافذة الباب أو يدخل علي وأنا نائمة
وعلمت لاحقا أنهم ستة أو سبعة شباب بين الثانية عشرة والخامسة عشرة من العمر جمعوهم من مسجد واحد وحشروهم معا في هذه المنفردة التي لا تزيد بمساحتها عن متر بمتر ونصف !
وتعالى صراخ أمي من منفردتها ثانية تدعو عليهم وتقول له : يخرب بيتك . . مالك قلب بشر؟ سألك أن تخرجه فلم تفعل ففعلها تحته . .ماذا يفعل المسكين بنفسه ؟
ولم ألبث وقد دنا وقت الفجر أن أحسست بما يشبه الطرق الخافت على الجدار من الزنزانة الأخرى المجاورة حيث وضعوا ماجدة ٬ فعلمت أنها تنبهني إلى موعد الصلاة
سألته وأنا أشهق بالبكاء : ولماذا أخرجوهم ولم يخرجونا نحن ؟ أنا لم يثبت أي شيء علي . . أنا بريئة .
لما اشتد علي الجوع في اليوم الثاني بدأت آكل القشرة الخارجية للصمون الذي يحضرونه لأن الداخل عجين كله . . وقطعة الجبن التي لا يحضرونها إلا نادرا بطبيعة الحال ٬ وعلى هذه الحال بقيت طوال فترة بياتي في المنفردة ثمانية أيام بالتمام والكمال !
لكن تسرب بعض الضوء واعتياد عيناي على الظلمة جعلني أبصر خطوطا مميزة بعض الشيء وشعار "الله أكبر ولله الحمد" محفورة أكثر من مرة وحولها أسماء أشخاص عديدين مروا على هذا المكان التعس قبلي . . وكان ثمة نقش لمسجد كتب حوله "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وأسفل منه اسم الشخص الذي نقشه على الأغلب . . كذلك لمحت خريطة لفلسطين وتحتها عبارة "الله أكبر ولله الحمدا ا!
وسرعان ما انطلق صوت أمي من زنزانتها تنادي عليه : يا ولدي . . هل تظن أنك لا تزال في الضيعة التي جئت منها وهؤلاء قطيع من البقر الذي كنت ترعاه !
اقتاد كلاهما والدتي وهي لا تكف عن إطلاق دعواتها عليهم ٬ ولم تتح لي رؤيتها ثانية إلا بعد أيام ٬ ولم تتح لي معرفة سبب وكيفية اعتقالها إلا حينما اجتمعنا في المهجع بعد انتهاء التحقيق . . فقصت علي رحمها الله ما جرى بالتفصيل .
أسرة عمر مرقة الذين اعتقلوا معها ٬ فوالدتهم لم تكن قد أفاقت بعد من صدمة مقتل ابنها أيمن 18 سنة وأخته مجد 14 سنة حينما رشهما الخابرات في الشارع انتقاما من أهالي الملاحقين وحسب !
ولقد استمر الكمين من بعد اعتقال أمي ومرافقيها ٬ فاعتقلوا من زميلات السكن ومن الزائرات من غير أي تهمة أو علاقة أكثر من عشر أشخا ص
يشتد بها الغيظ وتنادي داعية عليه : شكيتك لواحد أحد . . لأحكم الحاكمين . . وإن شاء الله تقعد قعدتي وما بتصبر صبري . وسبحان الله لم يمر شهر أو شهران حتى قتل هذا الرجل كما بلغنا حادث سيارة . . ودخل المقود في بطنه . . وسمعت أمي بموته قبل أن تموت .
حسبك!
سمعت كثيراً من شهادات أحبة لي بعد خروجهم من المعتقلات لا تقل وحشية ولا إجراماً عن ما نقلته أسماء. لكن لم أحتمل أن تكون الضحية امرأة مؤمنة، شعرت بالدم يغلي في عروقي والتمست في لحظة العذر لكل من حمل السلاح في وجه هذا النظام المجرم الجبان الحقير.. تخيلتها أمي.. وأختي.. وزوجتي.. وابنتي.. تخيلت هذا يحدث في معتقلات سوريا اليوم وأنا أنظر برعب لمشاهد الفيديو التي تضم مظاهرات نسائية..
أستغفر الله من كل مرة تعجبت فيها شدة آيات النار كيف يقول بها الله الرؤوف الرحيم.. اللهم اكوهم بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة واشف صدور قوم مؤمنين.
من أكثر المواقف التي أثرت في يا أسماء وأنا أقرأ ما ترويه هبة من أحداث ما بين تعذيب وتهديد
كان عندما حاول خلع حجابها عنها والخوف والرعب الذين شعرت بهما وقتها
فسبحان الله ظلت متماسكة قوية حتى هددوها بخلع جلبابها عنها .
هكذا هي المسلمة المؤمنة ... حجابها غالي .
٬ فصار المحقق يعوض عن ذلك بالضرب بالخيزرانة وأنا واقفة ٬ فطال بذلك كل جسدي
فإذا ضبطوا أحدهم من الطاقة يصلي أخرجوه فأوسعوه ضربا وتعذيبا بلا رحمة
وكنت في بعض الأحيان أعطي ماجدة بعض الإشارات بالضرب على الجدار بيني وبينها ٬ واذا تأكدنا من خلو المكان من العناصر كنت أكلمها وتكلمني عبر الجدار ٬
ولم تلبث في اليوم الثاني من اعتقالها وبعد خروج بقية البنات من دوننا أن أضربت عن الطعام وعن الخروج إلى الحمام وحتى عن النوم حتى تراني
فالتفت إليها بغيظ وسالها : هل رأيت ابنتك ؟ ولم تكن رفعت نظرها إلي طوال ذلك الوقت لتقهرهم . . فقالت : لا . فقال : إذا ماذا تريدين ؟ والله حيرتينا ! قالت : أنت تعرف ماذا أريد . . وحتى يأذن الله . . هو أحسن منكم جميعا وهو أحكم الحاكمين . . وهو قادر على أن يقصف رقابكم !
لكنني كنت أسمعهما وأنظر بين حين واخر إليهما بدوري من شق باب الحمام ٬ فاستأنست بذلك بعض الشيء واطمأننت إلى أن هناك نساء غيرنا في هذا المكان الموحش.
في تلك اللحظة تقدمت واحدة من النساءوهي تمد إليها يدها وتقول : ابوي . . لا تبكي ولا على بالك . . حطي إيديك ورجليك بمي باردة واقعدي .. ولاراحة لمؤمن إلابلقاءربه
وهناك ازدادت نقمة رئيس الفرع عمرحميدة عليها حينما استطاعت رغم التعذيب الشديد أن تراوغهم فترة كافية تمكن الشباب في بيتهامن الهرب بعدمضي فترة أمان كانوا متفقين عليها فيما بينهم . . ونتيجة جرأتها وصلابة ردودها ازداد حميدة غيظا منها فختم لها حفلة التعذيب بأن قص لها طرف لسانها بالمقص . . وفقدت قطعة منه بالفعل ! ولقد قصت علينا أن حميدة عراها في البداية من ملابسها وعلقها إلى السقف من يديها المكبلتين خلف ظهرها ٬ ومضى يعذبها على هذه الحالة ويسمعها أقذع الشتائم وأبشع العبارات . .ثم أمر بإحضار أخيها الأصغر وعرضها عليه بهذه الحالة وساله :هل عرفتها؟ قال الولد بصدق : لا . . من هذه ! أجاب حميدة بتشفي : أختك مديحة . فأغمي على الولد فورا ولم يعد يحس بشيء ٬ وأعادوه إلى البيت وهو لا يزال في غيبوبته
وسيدة أخرى وكانت عروسا في شهرها السادس وفي السادسة عشرة من عمرها ٬ أمسكوازوجها نتيجة وشاية من سامح كيالي أيضا وجعلوا يعذبونه ليعترف بمكان القاعدة التي اتهم أنه يديرها ٬ فلما لم يفعل أحضروا الزوجة بأمر من حميدة أيضا واعتدوا عليها أمامه قبل أن يرسلوه إلى تدمر فيقتل لاحقا هناك في المجزرة الكبيرة التي جرت . . وأفرجوا عن المرأة وقد سقطت عنها كل الإتهامات !
وقامت السلطة بعد مقتله بسحل جثته أمامها بالدبابة في شوارع المدينة ثم اقتادوها للسجن وعذبوها أشد العذاب .
وكان يوم عيد لنا يوم أن سمحوا لنا بعد ثمانية أشهر من الإعتقال بالتنفس خارج جدران المهجع مرة أو مرتين في الأسبوع .
وامتلاء المهجع بالنزيلات حتى غص بهن ٬ وكدن من فرط المعاناة وشدة الإزدحام أن يقضين نحبهن ! الهمس ممنوع . . والزمن معدوم . .
أجابها بصلف : لكن تلك المصاحف للحرق لا للقراءة !
وأضاف :لماذا تريدينهالتقرأى وتدعى علينا ؟
عادت أمي فطلبت ورقة وقلما لتقدم طلبا اخر للمقدم
كان الشباب السجناء ياكلون من الخبز وجههالناضج وحسب ويجمعون العجين من قلبه فيعجنونه مره ثانيه اذا تكدست كميه كافيه منه ويخمرونه بلعابهم ثم يعيدون عجنه حتى يصبح متماسك القوام فيصنعون به اشكالا وتماثيل مختلفه ومسابيح جميله جدا
حتى ان رئيس الفرع احتفظ بطائره من صنع الشباب فى مكتبه ظننتها اول ما رايتها هناك مصنوعه من الفضه
وتعلمنا من الالعاب مالم نكن نعلم فعلمتنا مثلا لعبه الكاس وكان لدينا واحده من البلاستك فكنا نتحلق حولها ونديرها الى ان تتوقف عند احدى البنات فكان عليها ان تجيب على اى سؤال يوجه اليها بسرعه وصراحه وكنا نجتمع على هذه الالعاب ونستمتع بها
وبرغم المعاناة والتوتر استطعنا أن ننظم أوقاتا لتلاوة القرآن الكريم وحفظه وتلاوة الأوراد والمأثورات والتهجد . . حتى صارت البنات يتبارزن من تستطيع أن تصلي أكبر قدر من القران في تهجدها . . فإذا قدرنا دخول وقت الفجر صلينا وجلسنا إلى المأثورأت والضوء مطفؤ بالطبع لنبدأ بعدها بقراءة ياسين أربعين مرة وحزبا من القرأن على نية الفرج وتيسير الأمور ٬ ونكرر الشيء نفسه في المساء . وكنت أبقى مع ماجدة بعد انتهاء ورد الصباح نراجع حفظنا من القران حتى ننعس فننام أو نكمل اليوم بلا نوم . وكانت والدتي تظل صاحية بعد الفجر حتى يدخل وقت الضحى فتصليها وتنام بعدها برهة من زمن .
فلقد اكتشفت البنات قبلنا وجود فراغ بسيط حول انبوب التدفئة بين مهجعنا والمهجع المجاور فطلبن من العناصر رطوما بحجة استعماله في الحمام فأحضروه لهم ٬ فمددوه عبر الفراغ وصرن يحادثن الشباب عبره أو يمررن لهم الماء من خلاله لأن المهاجع الأخرى باستثنائنا لم تكن فيها حمامات أو صنابير مياه كما قلت ٬ ولم يكونوا يسمحون لأحد بطلب ماء أو الذهاب للحمام إلا في المواعيد . . ولقد حدث بعدها أن واحدة من السجينات الجدد متهمة بالتعامل مع العراق اسمها أم كامل فسدت علينا ٬ فقام العناصر بسد الفتحة بالإسمنت ٬ فلجأنا إلى التخاطب عبر الأ نبوب المعدني نفسه بالطرق عليه كإشارة أولى
وربما استفرغ بعضم أو فعلها تحته من هول الخبر ٬ فلا نستطيع ونحن نسمع هذه المأساة كل فجر يوم إلا البكاء والدعاء . . وكانوا كلما نقلوا دفعة إلى تدمرأتوا بثلاث أو أربع دفعات جديدة من المعتقلين مكانه
فكانت الزنزانات والمهاجع محشورة أيامها بالشباب حشرا ٬ حتى لجأوا إلى استخدام الحمامات كزنازين في بعض الأحيان !
والتفتت أمي كأنها تريد أن تدق الباب على السجان فرأت على الجدار رسم مسجد محفور وقد كتب تحته بنفس الطريقة : لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد . . الشهيد محمد وارف دباغ .
كم رابطة وكم جمعية يجب أن تنشأ لتجميع هؤلاء المحرّرين والمحرّرات حتى يستطيعوا مواجهة الحياة بعد رجوعهم من الموت فلا يعانون من غربة لا تقلّ وطأتها عما وجدوه في المعتقلات من جهة، وللمحافظة على إرث هذه التجربة فلا تضيع التضحيات بما يكفل تعليم الناس والنشء خاصة أبلغ درس في قدسية حقّ الحياة والكرامة والعدالة.
وبالطبع قوبل الطلب بالرفض والسخرية والتقريع ٬ فاقترحت أم شيماء أن نضرب عن الطعام حتى يستجيبوا ٬ وسرعان ما شجعتها أمي وأيدت أكثريتنا الفكرة
لكننا كنا سعداء بهذا الأثر الذي تركناه والحركة التي أحدثناها رغم كل الضغوط والترهيب .
يا خالتي نحن من حماة أيضا وسنخرج غدا إفراج ٬ فلو كانت لدى أي من الحمويات رسالة لأهاليهن اكتب وها وضعوها في شق الطاقة ونحن سنسحبها بإذن الله أثناء خروجنا إلى الخط بطريقة لا تشعر العناصر ونوصلها لهم .
قال : ستبقى رهينة عن أخيها صفوان ولن تخرج حتى يسلم نفسه . . أو فاعتبري أنك لم تلدي هذه البنت وانسيها ! وكانت اخر مرة أراها فيها رحمها الله
بالتأكيد كان ناصيف يكذب لأن أمي ظلت جالسة عند الباب ترفض التحرك قبل أن تعرف مصيرنا وتأمل أن تسمع قبل ذهابها ولو إشارة بقرب الإفراج عنا وإلى أين ستتجه الأمور
وبادرتها الحاجة بالدموع تقول : حاجة رياض . . الحمد لله على سلامتك . أخيرا . . أخيرا وجدت ونيسا لي في هذا المكان
. فلقد أركبوهن السيارة من سجن المسلمية بحلب وقد كبلوا كل اثنتين منهما معا والخبر يقول إنه إفراج ٬ وكان قد سبق بالفعل إطلاق سراح حوالي 16 سيدة أخرى كن معهن وجعل العناصر يسخرون منهن طوال الطريق ويزيدون قلقهن قلقا ورعبهن رعبا
وفي مرة كانت الحاجة رياض ذاهبة إلى هناك لتزور أخاها في عمان قدمت لها إحدى السيدات بعض المال لتوزعه على أبناء الشباب الذين أعدموا ولا يكادون يجدون في هذا الظرف الصعب معينا أو مصدرا للكسب
وكانت تنشد أحيانا بين الحسرة والطرافة تقول : إلهي قد غدوت هنا سجينا . . لأني وزعت مصرات الإخوان المسلمينا
٬ فلقد تمت تعريتها مثل أكثر المعتقلات بحلب ٬ وجعل عمر حميدة يسحبها من شعرها على الأرض فيرتطم رأسها بالأرض والجدار ٬ مما تسبب في كسر عظمة أنفها . . وأصابها بعسر دائم في التنفس ٬ فكانت المسكينة بعد ذلك دائمة التشخير . . وزاد حميدة على ذلك العذاب الوحشي فسلط على وجهها خرطوم ماء شديد لتصحو من الإغماء فخرق لها طبلة أذنها
ولما اقتحموا على منتهى البيت خرجت وابنتها الرضيعة على يدها ٬ فانتزعوا الطفلة من بين أيديها ودفعو بها إلى الأهل واقتادوا منتهى إلى فرع المخابرات
ولما أرادوا إعادة التحقيق معهما في كفر سوسة عادت لمى إلينا منفعلة تبكي بحرقة ٬ فسألتها الحاجة ملهوفة عم حدث ٬ فقالت بقلب محروق وانفعال بلغ مداه : نسفني كف وسب والدي . . واعتبرت ذلك غاية الإهانة وأشد العذاب !
كانت وسخة جدا فلا تنظف لا جسدها ولا مكانها ولا حتى الحمام إذا استعملته . . والمكان كله شبر بشبر ! وزاد عليها وعلينا القمل الذي تسرب منها إلى المهجع لكنه ويا للعجب لم يطب له المقام إلا في رأس منيرة التي كانت تجاورها في مكان النوم .
فتجيب : من حزب الهرموشية . . تقصد القرية التي أتت منها . . فيعيدها إلى التعذيب ظنا أنها تراوغه ٬ والمسكينة من جهلها لا تعرف ما الذي يغضب المحقق ولا الذي يستغربه من إجاباتها !
وبعد ذلك أتت بنفسها فزارتنا في سجن قطنا" ٬ وكانت وكأنما تريد إغاظتنا تتحدث كيف أطلقوا سراحها ونالت حريتها فذهبت لتكمل دراستها في فرنسا وعادت الان في إجازة .
ففي البداية قالت لنا فاديا صراحة أنهم طلبوا منها أن تجلس معها وتستدرجها على أساس أنها سجينة مثلها وتحلل لهم نفسيتها وتنقل لهم أخبارها ٬ وذهبت من المهجع إلى المنفردة وجلست معها اليوم الأول ثم عادت تقص علينا قصصها ٬فجعلت تسالنا بكل تلقائيه إن كنا نريد إرسال أية رسائل أو معلومات لأحد لنا في الخارج وقامت أكثر البنات بإعطائها رسائل إلى أهاليهن وصلت كلها يد المقدم فاستطاع من خلال هذه الخبرة التي أجادت دورها بالتعاون مع فاديا أن يعرف الكثير عما يدور في هذا المهجع وبين نزيلاته المعتقلات
بدأت حينما قتل زوجها برصاصة طائشة أثناء عبوره منطقة كانت مسرحا لاشتباك بين المخابرات وعناصر مضادة في اللاذقية
وأحضروا الأخت التي لم تكن تعلم أي شيء عن أي شيء وأودعوها السجن معنا كل الفترة ٬ وأتوا بأبيهما وبأخيها فسجنوهما أيضا ٬لقد تبدت طيبتها من أول لحظة دخلت بها علينا وهي تبكي بحرقة وتنتحب كالأطفال . . وكالعادة التففنا حولها وحول أختها كأية قادمة جديدة
قالت منى : قال لي العنصر ادخلي فلما لم أدخل بسرعة سب أبي . قالت لها الحاجة : وماذا في ذلك ؟ قالت : أبي لا يسب
يا إلهي
لا يوجد كلمات تصف مشاعر من يقرأ فكيف بمن سمع وكيف بمن عايش
حتى الدعاء عليهم مهما حاولت اختيار أقواها أجدها لا تناسب هذه السادية
يا رب أنت أعلم بما في الصدور، استجب لدعائي عليهم بما يستحقونه فقد عجز لساني ورجائي أنك أقرب إلينا من حبل الوريد وأعلم بنا منا
يارب
شام - إبنة و أخت الشهداء و المعتقلة السابقة هبة الدباغ (http://www.youtube.com/watch?v=wovSe_uZl_U#)
هي رحلة إلى المجهول من أولها إلى آخرها يا هبة ولكن هذه الرحلة وغيرها من رحلات المجهول والتعذيب والقمع بينت معالم الطريق ونتج عنها ثورة وكسر لحاجز الخوف
يبدو أن سجن القلعة بعيد جدا عن مستشفى المواساة ... أو أن ذاك الشرطي الطيّب أراد أن يبقى شقيق هبة معها أطول فترة ممكنة... لا بأس إذن أن انتظرنا معهم منذ 19/ 5 أي منذ نصف شهر :-)
لا ولا يهمّك يا أسماء ( يعني : لا عليك ) ... هاي هيك " حركشة يعني " ... طبعاً، فالحداث الآنية مهمة جداً، وما يكتب هناك وما تنتقينه رائع بحقّ ويحتاج وقتا ليس في الاختيار والنقل فقط، بل في القراءة والتدبّر من قبلنا أيضاً.
لا تدرين كم أفادتني هذه المواضيع والشهادات والمقالات أنا شخصياً ... فبارك الله فيك يا أسماء :-)
أؤكّد لك أن لا تستعجلي فالمهم أن يتابع اكبر قدر ممكن من الناس ما ينشر ويعوه ويتحاوروا بشأنه فتتجدّر حالة الوعي.. وهي الأساس في التغيير.
وها قد عدتُ يا أسماء. في الواقع أنا لم أغادر !
ها نحن في " شعبان " فكيف سيكون " رمضان " ... اللهم فرجك في رمضان لعلّ العيد يكون عيدين ...
يارب...
تابعت الفصل الأول وسأكون معكم بتتمة الأجزاء مع صمتي بما قرأت !!!
جزاك الله خيراً أختي الكريمة
وإن شاء الله تقعد قعدتي وما بتصبر صبري . وسبحان الله لم يمر شهر أو شهران حتى قتل هذا الرجل كما بلغنا حادث سيارة . . ودخل المقود في بطنه . . وسمعت أمي بموته قبل أن تموت .