أيامنا الحلوة

الساحة الثقافية => :: حكاياتنا الحلوة :: => الموضوع حرر بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 14:15:26

العنوان: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 14:15:26
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أردتها ملحقا لموضوع "صناع الفتن (خاص بسوريا)"


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=4494.0;attach=9179;image)

خمس دقائق وحسب...تسع سنوات في سجون سورية

هي قصة واقعية حقيقية.... في عصرنا هذا، في زماننا هذا .... في بلادنا الإسلامية .....في سوريا وقعت ..... ترويها صاحبتها التي قضت في سجون سوريا تسع سنوات كاملات، وخرجت من السجن أقوى ....خرجت وكتبت ما عايشت ليبقى للأجيال حقيقة تُعرف ولا تُغمر، حقيقة نظام متوحش وحقيقة أبطال لا يهزهم تعذيب ولا يحوّلهم عن مبادئهم محوّل ....

حقائق نتعلم منها حقيقة البطولة............... "هبة الدباغ" صاحبة كتاب "خمس دقائق وحسب ....تسع سنوات في سجون سورية"
من السهل أن أرفق الكتاب أدنى مداخلتي هذه لتحمّلوه وتقرؤوه ولكنني أبيت إلا أن نتشارك القراءة حبة حبة ..... أحببت أن نقرأه سوية لنقرأه جميعا، لنتشارك فصوله ودقائقه ....ففتحت له موضوعا خاصا ........

ومن تقدم لهبة كتابها ؟؟ إنها زينب الغزالي رفيقة الدرب التي رميت بسجن عبد الناصر ولاقت به ما لاقت وكتبت عن أيامها تلك "أيام من حياتي"، ويحق لهبة أن تقدم لها زينب ...... وأي "هبة"  وأي "زينب"  !!

ولنبدأ مع القصة إخوتي  emo (30):
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 14:33:47
تقديم:
 زينب الغزالي الجبيلي

بسم الله الرحمن الرحيم

"وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ(42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء(43) وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ(44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ(45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ(48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ(49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ(50) لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(51) هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ(52) "  -إبراهيم-

وبعد ...

 فهذه سطور من كتاب الحياة المعاصرة ٬ عاشتها صاحبته ورفيقات سجنها ألما وعذابا ٬ ومرارة وأهوالا يشيب لها الولدان . . إنها سطور كتبت بالدموع والدماء ٬ والسياط والقهر والعذاب ٬ تحكي قصة الظلم الطغيان فوق أرضنا وفي أوطاننا المسلوبة الإرادة ٬ والتي عشعش فيها الظلم زمنا طويلا حتى باض وأفرخ وصار ظلمات فوق ظلمات ! ماذا يريد الظالمون ؟ هل يريدون ملكا يتيهون فيه ويسرحون ويمرحون دون رقيب أو حسيب ؟ فإذا كان لهم ذلك هل يبقى ويخلد أم يزول ويهلك وينتقل إلى غيرهم ٬ فلو دام لأحد لما وصل إليهم . .

أم يريدون مالا ينفقون منه على شهواتهم وملذاتهم ٬ فهل أسعدهم المال حقا ٬ وهل شفاهم من أمراض نفوسهم وجعل الطمأنينة في قلوبهم ؟ أم يريدون أن يتخلى أصحاب المبادئ عن مبادئهم ٬ وأصحاب العقائد عن عقائدهم ٬ فهل تحقق لهم ذلك ؟ أم أن أهل الإيمان ازدادوا تمسكا وصلابة ٬ وعزيمة  مضاءا ٬ وهم يعلمون أنه في سبيل الله ترخص الأرواح والأنفس والدماء (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) .

 إن الله حرم الظلم على نفسه ٬ وجعله بين عباده محرما ٬ فما أقساه وما أشد مرارته ٬ خصوصا عندما يتسمى الظالم بأسمائنا ٬ ويأكل من أرضنا ٬ ويشرب من مياهنا ! ثم يكون أشد قسوة من أعدى الأعداء ! لقد قاسيت وعانيت  وعشت مرارة  السجن والتعذيب في سجون الطاغية عبد الناصر ٬ وهذا الكتاب هو صورة متكررة وقعت  في سجون طاغية اخر ٬ وما أكثر الطغاة في هذا العصر . . لكن الله يمهل ولا يهمل . . ولا أريد المزيد ٬ فوقائع هذا الكتاب أبلغ من أي استزادة ٬ والله غالب على أمره . .

زينب الغزالى
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 14:39:40
مقدمه

" وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"

حياتنا حلقة ألوان متفاوتة . . تطبع أيام الإنسان بالبياض المشرق تارة . . وتصبغها بقتامة الظلام تارة أخرى . . وأنا أشرقت حياتي أبهى من الورد النضر ٬ وتنسمت أيام طفولتي حنان الأبوين المحبين ودفء الأسرة الرضية فأورقت بالبر والرضا ٬ وأزهرت بالسعادة والحبور . .وعشت في هذا الروض أثيرة أبي وسر أمي ٬ وأميرة إخوتي السبعة وأخواتي الأربع  ونجيتهم . . فما كانت أحلامي الوردية تغفو إلا على وسادة الأمل . . ولم تكن تصحو إلا  على راحات الرضا والأنس . لم أنتم إلى أي حزب من الأحزاب في يوم من الأيام . .

وعلى الرغم من نشأتي الدينية وتعلقي بدروس الفقه والتجويد وحرصي على حفظ كتاب الله . . ورغم انتسابي إلى كلية الشريعة فيما بعد ٬ إلا أن ذلك لم يكن مبررا لتصنيفي ضمن أي تنظيم أو حزب . . ولم يكن عدم انتظامي أو تحزبي سببا في الوقت نفسه لأعمى عن ممارسات النظام السوري الظالم وأعماله التعسفية ضد أبناء الشعب من كل الاتجاهات والطبقات والانتماءات . .

وما أكد لي ذلك شيء قدر مشاهدتي ومعايشتي لأصحاب الإتجاهات السياسية المختلفة وأصحاب اللا إتجاه من المواطنين والمواطنات الذين كانوا مثلي ضيوفا بالإكراه على زنازين النظام وسجونه . . لم يستثن من ذلك حتى أبناء طائفة النظام نفسه ...عشت على هذه الصورة كألوف من بنات وطني حتى أقبلت مسيرة حياتي على المرحلة الجامعية فكانت لوعة مفارقتي أهلي ومفارقتهم لي أول غصة . . ولم تنفصل صورتي وينأى جسدي عنهم إلا بقوة قوي . . لكن هذا البون المؤقت والفراق المقرر أتبعه غياب قسري وفراق قاهر قذف بي في أعماق الظلام وسجن الظلام . . ومضى بأكثرهم فانتزعهم من دنيا الشقاء إلى مستقر رحمة الرؤوف الرحيم . . وشط بالبقية في أصقاع الأرض وصقيع الإغتراب . . فتكدرت الصورة . . وأظلمت الدنيا . . وذوت زهور الأمل من قبل أن تعقد الثمار . .
وأنا في غيابة السجون رهينة عن أخي "الناشط سياسيا " . تنسلخ سنوات العمر مني وتتفطر جوارحي وتشيخ روحي لأجل وشاية كاذبة فندتها تحقيقات الظلام أنفسهم ٬ لكنهم اثروا أن يتجاوزوا الحقيقة ولا يدعوا جهود مخبريهم  الأجراء وجلبة سياراتهم التي شقت هدوء الليل لتقبض علي تذهب سدى ! فلبثت أتنقل  بين زنزانة ومهجع وسجن واخر تسع سنوات عجاف . . أقفلت فيهن كل أبواب الرحمة لدى البشر . . وماتت على أعتابهن اخر امال أملتها ورجاءات بأحد من بني الإنسان علقتها . . وظل الرجاء بالله وحده حيا بقلبي لا تنطفئ شعلته وإن خبت . . ولا تحده حدود وان حجبته الآلام برهة من زمن . .

وكانت مناجاتي لربي منجاي وملاذي إذا غفا الخلق وسكنت السياط . . أدعوه سبحانه بقلبي ولبي :
"اللهم يا من إذا أظلم ليل اليأس في القلوب أنار بنور جلاله ظلام الحزن وأزاله من غير ضر . . يا من إذا ما اشتد الكرب فرجه عن المكروبين . . يا من إذا ما سدت طرق النجاة أرسل سفنه لإنقاذ الغرقى من حيث لا يحتسبون . . يا رب يا من به الأمان . . وفي رحابه الطمأنينة والإستقرار . . وفي ظله السلام . اللهم إذا ابتلينا فأعنا على الصبر . . واذا أردت فاجعل إرادتنا رهن مشيئتك . . واذا قضيت فهيىء قلوبنا لتقبل قضائك . اللهم أعنا على الحمد والشكرفي السراء والضراء . . ففي الصبر تريية نفوسنا ٬ وفي الشكر اعتراف بنعمتك علينا وانسلاخ من الأنانية والكبر . . وفي كل خير .فجد علينا بطيب الأخلاق وسلامة الصدور إنك على كل شيء قدير "

ومنّ المنان علي بنعم لا تعد ولا تحصى . . فثبتني وحفظني . . وأرسل لى من بين العصاة من خفف بلواي ونفس كربي . . وأكرمني بشريكة السجن وشقيقة الروح "ماجدة" . . فكانت أشد مني صبرا واطمئنانا وأبلغ في التضحية والعطاء . . ورحمنا كلانا بأخوات بارات محسنات . . لا ننسى فضلهن ولهفتهن وعونهن . . وقد كن معنا شريكات الهم والقيد والمعاناة . .

أشكرهن هنا وأسأل الله لي ولهن  المغفرة والمثوبة . . وأسالمهن المسامحة والعفو إن كنت ذكرت بين طيات الكتاب ما قد ينكأ جراح نفوسهن أو يكدر عليهن . . لكنني أرى واجب الحديث عن مظالم النظام وانتهاكات الحقوق ألخ وأجل . . وضرورة توثيق هذه المرحلة أمانة ملزمة . . يهون أن نبذل في سبيلها بعض العنت والتكدر حتى لا يضيع الكثير الذي بذلناه والكرب الجلل والعذاب الشنيع الذي نلناه . . لقد عثت في جحيم سجون النظام السوري تسع سنوات رهينة بلا ذنب . .

لا أقدر أن أصف كيف تكون السنوات التسع من العمر حبيسة قمقم ملعون . . ويكل القلم عن أن يسجل حقيقة كل ما جرى . . لكنني وقد عشت التجربة على أي حال وأنجاني الله في الختام أستطيع القول بأن الأيام سوداء أو بيضاء . . هنية أو عصية . . مقبلة أومدبرة . . هي كلها مقادير مقدرة وأجل مسطور . .فبينما كان الظلمة يظنون أنهم ملكوا بجبروتهم البلاد والعباد كان قدر الله أغلب وأبقى . .وبينما هم اليوم يسومون الناس سوء العذاب فإنهم في الغد وإيانا على العرض بين يدي الحكم العدل مقبلون . . وإذا كان قد ساءني سجني والمني أن أفقد تسع سنوات في غيابة الزنازين بلا ذنب . .

 فإنني وأنا أعيش نعم الله اليوم أحس أن الكريم قد مسح برحمته جرح القلب ٬ وأبدل هلع النفس طمأنينة ٬ وحرمان الأيام السوداء نورا وعطاء وفضلا . . أحس ذلك وألمسه في زوجي الحبيب الذي كان على العهد يزرع الأمل في نفوس المحرومين نورا وأملا أشرق في نفسي فعوضني عن كثير مما فقدت وحرمت . . وأراه في ابنتنا الأنسة "وفاء" التي أفاءت على حياتنا بالسعادة والحبور . . وفي ولدي الآخرين "جا بر" وسارة" الذين تركتهما أمهما "حنان " أمانة لنا وقد حملت من قبل أمانة الجهاد وشرف الدعوة فكانت خير أسوة في الدين والدنيا معا . . وأحس من قبل ومن بعد أن النهاية لم تحن بعد . . وفصل الحساب لم يزل مقبلا . . والظلمة المتجبرون اليوم هم بين يدي الله في الغد موقوفون . . ومن كرب العالمين نصير ومجير . . ومن مثله جل وعلا وكيل بالظالمين ؟
"إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ(10)" -البروج-

. . ذلك هو العزاء . . وبالله وحده الرجاء . . عليه توكلت واليه أنبت . . والحمد لله رب العالمين .

هبة الدباغ

أبريل 1995
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 14:51:39
الفصل الأول

كانت ليلة الاربعاء الحادي والثلاثين من ديسمبر عام 1985 ليلة بالغة البرودة في دمشق . . وفيما هجع أكثر أهل البيت وغبن في عالم الأحلام ٬ كنت وقد دنا منتصف الليل لا أزال أطارد السطور المتراقصة على كتاب الفقه وأجهد في استيعاب المعلومات استعدادا لامتحان اخر السنة صباح الغد . . والنعاس والبرد واغراءات الفراش الوثير تطاردني بدورها وتشتت قدرتي على التركيز بين الحين والحين . . لكن هواجس أشد كانت تصرفني عن ذلك كله ٬ ومخاوف تنبعث من أعماقي بلا وضوح تجذبني هنا وهناك . . وتدفعني لاسترجاع صور الأيام الماضية وسجل ذكرياتي بشيء من القلق والرهبة والتوتر . .

كانت أموري في كلية الشريعة طوال العام على ما يرام . . أو لعلها كانت كذلك حتى أنهيت الفصل الأول وعدت إلى حماة مدينتي أزور أسرتي وأقضي فترة العطلة بين الأهل والأحباب . . فخلال ذلك فاجأتني والدتي بطلب من أخي صفوان يلح علي وعليها أن أترك الدراسة وحتى البلد وأذهب إلى عمان عاصمة الأردن حيث يقيم منذ شهور هربا من ملاحقة الحكومة له بتهمة الإنتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين ونقلت أمي رحمها الله عن صفوان عندما التقته بنفسها هناك في عمان مخاوف تنتابه من أن يقوم رجال الأمن باعتقالي نيابة أو رهينة عنه . . لكنني لم أجد في نفسي مبررا لإجابته ٬ ولا عهدت في حياتي احتمالات كتلك ٬ فاعتذرت لأمي . . وأكملت إجازتي كالمعتاد . .

وعدت إلى دمشق ثانية مع ابتداء الفصل الثاني . . لأستأجر مع عدد من البنات نفس الشقة التي اخترناها في الفصل الأول في حي البرامكة . . وأستأنف دوام الجامعة من جديد ٬ وكدت أنسى
الأمر كله لولا أن التوتر الأمني بدأ يتصاعد من حولنا ٬ ومظاهر المسلحين وحواجز التفتيش التي اعتدنا مشاهدتها خلال الشهور الماضية في حماة بدأت تظهر في العاصمة دمشق ٬ لتمتد إلى محيط الحرم الجامعي نفسه . . ويفاجؤنا عناصر الأمن على باب الكلية يطلبون البطاقات ويدققون في الأسماء . . وتنتشر الهمسات وتسري الإشاعات عن اعتقال فلان وقتل اخر واشتباك وعراك . . وما لبث الأمر أن زاد إلى العلانية . . وصار سماع رشقات الرصاص وانفجارات القنابل أمرا شبه يومي في دمشق . . وبلاغات الإذاعة وواجهات الصحف الرسمية ما عادت تكف عن أحاديث القبض على " المجرمين " ومداهمة "أوكارهم " وملاحقة عناصرهم هنا وهناك . .

وفي زحمة ذلك كله . . وقد امتد التوتر إلى كل نخس وسرى الرعب في كل قلب . . بدأت أحس حركة غير طبيعية بالقرب مني أنا !

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 15:00:09
الله بيعين !

كنت على سبيل المثال قبل يومين قد اصطحبت صديقتي المقربة وزميلتي في الكلية ماجدة ل . إلى سوق الحميدية لنشتري هدية ملائمة لعمتي المريضة ٬ فشعرت وكأن ثمة من يتبعنا من محل إلى محل ومن شارع إلى آخر . . فلما ركبنا الباص إلى "الخيم " حيث تسكن عمتي تأكدت أن الشخص نفسه قد ركب وراءنا فتملكني الخوف جدا . . وهمست وأنا لا أكاد أقدر على تحريك شفتي بمخاوفي لماجدة . . فتبسمت وقالت : أنت موهومة وحسب ! وصباح هذا اليوم . . وعندما كنت أدخل الكلية كالعادة استوقفني عناصر الأمن فأخذوا بطاقة هويتي ودققوا فيها كما يفعلون كل يوم ثم أعادوها . .

لكنني ولما انتهت المحاضرات وقفلت راجعة إلى البيت مع ماجدة شعرت ثانية وكأن أحدا ما يلحق بنا . . فلما أخبرتها بما أحس عادت فأكدت لي أنني موهومة . . وأن الأمور كلها طبيعية من حولنا ولا داعي للقلق . لكن القلق ها هو لا يزال يتملكني . . وسكون الليل البارد كأنما يزيده فيه ويؤججه . . ولم يطل الأمر بي أكثر من ذلك بعد ذاك . . فخبطة أبواب السيارات المفاجىء
في الشارع أسفل منا . . والجلبة التي تميز وصول رجال المخابرات مكانا ما ٬ كانت كافية لتطرد كل وهم عن ذهني ٬ وتدفعني وقد حسبت أن مداهمة جديدة أو اعتقالا لأحد المطلوبين سوف يشهده الحي الذي نحن فيه . . تدفعني لأهرع إلى النافذة أشع الخبر وأستجلي الحقيقة ٬ لكنني لم أكد أبلغها حتى بلغ مسمعي طرق على باب بيتنا أشد ما يكون . .

وبينا كنت ألقي نظرة خاطفة من النافذة فألمح عددا أصعب من أن أحصيه ساعتها من سيارات المخابرات تملأ الشارع . . أتاني الصوت على باب البيت يصيح : إذا لم تفتحوا فسنكسر القفل بالرصاص ! وبحركةآلية تناولت غطاء صلاتي فوضعته على رأسي وركضت باتجاه الباب بادئ الأمر . . لكنني لم أعرف ما أفعل ! أأفتح لهم والبنات كلهن نائمات ؟  أصابني الإضطراب بالحيرة . . ثم وجدتني أهرع إلى فاطمة أكبرنا سنا وهي معلمة تشاطرنا السكن ٬ فأيقظتها أولا وأنا أقول لها بلا وعي : هيا . . كأن المخابرات أتوا عليك !

ثم لمح في خيالي أن شريكة أخرى في البيت معنا اسمها سوسن س . (خريجة كلية طب الأسنان وتكمل سنتها التدريبة في دمشق ) قد نفذوا حكم الإعدام بأخيها صباح اليوم في سجن تدمر كما بلغها وأبلغتنا ٬ فظننت أنهم إنما أتوا من أجلها . . خلال ذلك كان رجال المخابرات قد بدأوا بخلع الباب والضرب عليه بالبواريد ٬ فأسرعت فاطمة إلى حجابها فوضعته على رأسها وفتحت لهم . . ودخلوا يا لطيف ! شيء غيرمعقول ! قفز  واحد منهم إلى السقيفة فورا يفتشها . . واندفع اخرإلى الشباك . . وثالث في المطبخ . . ورابع . .وعاشر . . ولم نجد إلا أحدهم يقتحم الغرفة علينا ٬ وما أن رأى مصحفا معلقا على الجدار حتى انتزعه ورماه على الأرض وصار يدوسه بقدميه كالمهووس . . فيما راح اخرون ينبشون أمتعتنا وينقبون كل زاوية في خزائننا ونحن لا نكاد نستوعب لماذا أو ما الذي كانوا عنه يبحثون !

وفي غمرة المفاجأة سمعت واحدا منهم يصيح من الصالة : وهيبة دباغ .  فتقدمت وكأنني ألج كابوسا مرعبا بالرغم عني وقلت له : ما عندنا هذا الإسم . لكن قلبي انقطع من الرعب ٬ وتأكدت ساعتها أنهم أتوا علي . . فقال لهم رئيس المجموعة : أرجعوا  كل واحدة إلى غرفتها وفتشوا الهويات . فامتثلنا للطلب . . ودخلنا غرفنا ونحن نرتعد . . وتقدم عنصر مني وكأنه عسكري في الخدمة ليفحص  هويتي ٬ فلما  نظر إلى اسمي فيها ثم إلى وجهي اغرورقت عيناه بالدموع ٬

وقال بتأثر وهو يبكي : أنت  بنت بلدي . . والله يعين . سألته : لماذا ؟هل هناك شيء ! أجاب : الله بيصبر . . ماذا يمكن  أن تفعلي ؟ الله بيعينك . سألته وكأنني أهوي في بئر مظلم : لماذا ؟ هل أتوا من أجلي ؟  قال وهويشيح بناظريه عني : نعم . . وذهب وأعطى الهوية لرئيس الدورية الذي كان ينادي  "وهيبة دباغ " . . فنظر هذا إلي بحنق وقال : بتقولي  بكل عين وقحة أنه لا يوجد لديكم هذا الإسم ! والتفت إلى عنصر اخر وقال له : خذها  إلى غرفة لوحدها وفتشها جيدا
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 15:07:27
قهوه . . أم شاي !

أخذني العنصر إلى غرفة ثانية وأخذ واحدة أخرى من البنات وقال لها : فتشيها.. قلت له : ماذا يمكن أن تجد معي ؟ لقد فتشوا البيت كله وفتشونا منذ أن دخلوا . . لكن صوت رئيس الدورية كان يغطي على صوتي المرتجف وهو يتحدث باللاسلكي مع شخص اخرسمعته يقول له : أحضروها . فقال لي : هيا ارتدي ملابسك . . ستذهبي معنا خمس دقائق وحسب

لبست جلبابي فوق غطاء صلاتي ٬ وكانت معي بعض النقود فأردت أن أعطيها لصديقاتي ٬ فقال لي : لا . . دعيهم معلك فربما تحتاجينهم . قلت وقد بدأت أستعيد بعض توازني : لن يلزموا لي ٬ أنت تقول خمس دقائق فكيف سأحتاجهم ؟ لكنه عاد وأكد أنني سأحتاجهم  ٬ فلم أكترث بما قال ٬ ودفعت النقود لإحدى البنات بقربي ٬ فيما وجدتهم يدفعونني إلى  الخارج ورئيس الدورية يقول لأ حد العناصر : أمسكها من يدها . كان الدرج معتما والكهرباء  مقطوعة فما رضيت أن يمسك لي يدي . قال : هذا أمر . قلت له : كلبشني ولا تمسك يدي . فتركني أنزل حتى باب البناية ليعود فيدفعني نحو باب سيارة كأنما هي غول فتح فاه ينتظر افتراسي ! وسمعت أحدا يسأل باللاسلكي من جديد : من  معها في الغرفة ؟  أجاب : فلانة وفلانة . قال : أحضروهم معها . فصعد ثانية وأحضر شريكتي في الغرفة ماجدة وملك غ . ولم تلبث السيارة أن تحركت وسط جمع من رجال المخابرات انتشروا على طول الشارع ٬ وأطلت سياراتهم المرعبة من كل زاوية ومفرق طريق . .

وفي غمضة عين وجدنا أنفسنا قرب ملعب تشرين بالعباسية في فرع المنطقة المسمى "السادات ". . وهناك أدخلونا إلى غرفة مملوءة بأجهزة كهربائية فيها أضواء كثيرة حمر وخضر تشتعل
وتنطفئ باستمرار كأنها أجهزة اتصالات أو لاسلكي . . وما أن جلسنا حتى سالنا أحد العناصر الموجودين فيها: ماذا تشربون . . قهوة أم شاي ؟  ولما لم ننبس من خوفنا ببنت شفة تطوع بالإجابة عنا وقال : ساتي لكم بقهوة مرة لتصحوا رأسكم . . وذهب فأحضر فنجانا لكل منا وجلس يراقبنا ٬ فلما لاحظ أننا لا ندنيها من أفواهنا سأل : لماذا  لا تشربين ؟ هيا صحي رأسك . . الساعة الآن الثانية وأنت نعسانة بالتأكيد . قلت وشفتاي ترتجفان : أنا أشرب . قال : لا . . أناشايفك .

قلت له : وهل  تراقبني ؟ لا أشتهيها الآن . قال بسخرية : لازم تشربي ليصحى رأسك وتعرفي تحكي جيدا . كففت عن الكلام . . وأدنيت الفنجان من فمي وتظاهرت بالشرب . .
 وكنت أعود فأدنيه ثم أعيده وجسمي كله يرتجف . . وأنا لا أدري ما الذي يمكن أن يحدث في اللحظات التالية !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 15:11:20
إلى التحقيق !

لم يطل المقام بي في الغرفة الأولى كثيرا فماهي إلا دقائق حتى سمعت مناديا يهتف باسمي ٬ وسرعان ما اقتادني عنصر اخر إلى مكتب رئيس الفرع نفسه ٬ وهو كما علمت بعدها ابن أخت رئيس الدولة واسمه معين ناصيف . دخلت هناك فوجدت رجلا عيناه جاحظتان وحمراوان كالدم ٬ يرتدي "جلابية" شفافة ورقيقة ويلف رجلا على رجل فتنكشف ساقاه من تحتها بشكل مقزز .

اجلسي هنا . قالها لي بلهجة بادية الخشونة وأضاف قبل أن أبلغ الكرسي الذي يتوسط الغرفة فيكشفني من كل جانب : أنت منظمة أليس كذلك ؟ قلت : لا. قال : إذا فما علاقتك بالإخوان ؟ قلت : لا توجد لي أي علاقة بهم . قال وقد.بدأ يتململ في كرسيه : وإذا فكيف تقومين بتوزيع كل مجلات النذير ؟ ثم هذه الرسالة من أين أخرجناها ولمحت بين أصبعيه ورقة صغيرة عرفت أنها الرسالة التي كان أخي صفوان قد كتبها قبل مغادرته سورية كتوصية بأبي عندما ذهب الأخير مع شقيقي الأكبر إلى عمان للعلاج هناك بعدما أصابه مرض انحلال الدم إثر ملاحقة صفوان حزنا وخوفا عليه ٬ ولكن مسؤولي الحدود أعادوهم وقتها لأن أخي لم يكن قد أدى خدمته الإلزامية ٬ وأحببت أن أحتفظ بالرسالة كذكرى من أخي . . فلما فتشوا البيت عثروا عليها وكان مكتوب فيها "حامل هذه الرسالة هو والد أحد المجاهدين فاعتبروها شيئا كبيرا ٬ وجعل رئيسى الفرع يقرأ لي منها بسخرية ويقول : والد  أحد المجاهدين أليس كذلك أبوك هذا عامل نفسه إشتراكي وهو من زعماء  الإخوان . . لكن أنا بعرف أفرجيه . . والله لأعمل جسده مصفاية ! وظلت هذه العبارة  محفورة في ذاكرتي حتى سمعت عن أحداث حماة بعد سنوات . . وعلمت أنهم عذبوا أبي أشد العذاب قبل أن يرشوه أكثر من مرة ٬ حتى صار جسده كالمصفاة بالفعل !

*************

وانتظروا باقي القصة بإذن الله
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أحمـد في 2011-04-22, 17:24:21
بسم الله الرحمن الرحيم

وقع في يدي هذا الكتاب قبل أربع سنوات من اليوم، وكانت لي تجربة أليمة جدا مع كتاب أختها، فلما عرفت موضوع الكتاب وقرأت مقدمة الأخت لم أستطع أن أقرأ في الكتاب صفحة واحدة!

وأتساءل: إذا كان حديث الذكريات أليما هكذا، فكيف بتلكم الذكريات وقائع متجددة لا يدري صاحبها ما يكون في كل حادثة!

...

 emo (30):
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-04-22, 18:50:58
جميل أن تنهي مداخلتك يا أحمد بابتسامة  emo (30):

أما إنت يا أسماء " ف الله يقطع شيطانك " فقد جعلتني _ وقبل أن تضعي أول الفصول هنا _ أحمّل الكتاب فأقرؤه دفعة واحدة !!

كنت قد تعرّفت قبل مدة إلى " القوقعة " وإذن فقد كنت مهيأة نفسياً لرواية هبة الدباغ.

وفعلاً شعرت بما قاله أحمد : إذا كان مجرد قراءة ذكريات الآخرين بكلّ هذا الألم خلال عدة ساعات فقط تصفّحاً للكتاب فكيف بمن عايش الأيام والسنوات الطوال هو بنفسه لا مجرد متابعته لأخبار الآخرين.

أتدرون! من زمااااااااان ولديّ فضول .... فضول في أن أتحدّث إلى بعضهم في جلسة هادئة .... فقط لأفهم منهم .... كيف استطاعوا ان يكونوا كذلك .... السجّانون لا المساجين. ! ومن يقف خلفهم من ذوي الرتب الأعلى وصولا لأعلى هرم السلطة...
كيف يتأتى لهم أن يكونوا على هذا الحال من .....؟؟ لن نجد تعبيرا في اللغة يصف...

إييييييييييه من أكثر ما أحزنني _ وهو ما يخطر في بالي دوماً _ ما قالته وهي تصف رؤيتها للشوارع أثناء نقلها في سيارة الأمن من سجنها للمستشفة في حالة طارئة....والناس ما بين بائع وشارِ، وغائد ورائح.... في الأسواق وطرقات الحياة .... فيما إخوة لهم واخوات من أبناء الوطن يعانون ما يعانون في عزلة عن ضجيج الحياة..... ضحكت في اكثر من موقف لحسّ الفكاهة والدعابة بين بعض المعتقلات وشجاعة بعض النسوة ومنهنّ كبيرات السنّ.... الله !
ملمح آخر أعطى شيئاً من الأمل ومن ذاك ما كان يظهره بعض السجانين أو صغار المسؤولين من تعاطف ومعونة...وتضامن الشبابب المعتقلين مع النسوة المعتقلات، والحاجة التي هي أمّ الاختراعات... وفنون من الإبداع ما كان من الممكن اكتشافها في النفس لولا محنة التضييق الينتعش الإحساس بأن في عتمة السواد ولو بعضا من النور...

.

بالتأكيد ف " أدب السجون " مجال خصب للدراسة والتحليل لنفهم أكثر ونعي أكثر فنقوى وننهض.... ليسوا أولئك ممن عانوا التجربة بأنفسهم فقط، بل نحن من نتابع ونهتم ..و كلّ الغافلين المعزولين عما يجري من حولهم سواء بجهل وحسن نية ... أو بأنانية ولامبالاة طالما هم في عيشهم الرغيد.


على أي حال، فأرى أن تضعي مقتطفات يا أسماء من كل مرحلة وليس كامل الصفحات.
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-22, 22:41:47
لم تقرأه إذن وقد كان بين يديك يا أحمد ...! ولكننا بحاجة اليوم لأن نقرأ وإن علمنا أنها القراءة المؤلمة، فلا مجال اليوم للهروب ........

لم تصبري إذن يا بسمة  emo (30):..... توقعت ذلك منكم، فقد دخلت تجربة دعوتكم للقراءة بالتقسيط وكفة النجاح عندي لا ترجح .....على كل حال هي دعوة لأن نقرأ ونتعرف عن كثب على ما لا يستطيع وصفه إلا من عايشه، ومن لا يستطيع وصفه بعدها من قرأ فعرف ....إذ لا يجد بين الكلمات ما يسعف حالته بعد أن عرف .....

إذن ربما أرفق الكتاب لتحميله......سأرى .....
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2011-04-23, 03:55:05

أسماء حتى وإن أرفقت الكتاب، أرى أن تضعي فصوله هنا كاملة بالتدريج، ألسنا نريد فضح وتعرية كل جرائم النظام ونشرها بأكبر قدر ممكن؟ هناك الكثير ممن يمكنهم التكاسل عن تحميل كتاب أيا كان وقرائته، ولذا أرى والله أعلم أن نشره على حلقات سيكون له نتيجة أفضل.

فظائع هذا النظام لا يتخيلها عقل ولا أجد رد أو عزاء أفضل من الآيات التي كتبتها زينب الغزالي في تقديمها للكتاب:

"وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ(42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء(43) وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ(44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ(45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ(48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ(49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ(50) لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(51) هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ(52) " إبراهيم
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-23, 05:55:49
أهلا بك يا سيفتاب....

سأفعل بإذن الله.... وحتى إذا أحب أحدنا أن يضع تعليقا يضعه تحت كل جزء أنشره

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-23, 05:58:51
وضاع الدليل !

أنا لست منظمة ولا من الإخوان . قلتها وقد سرت القشعريرة في جسدي خوفا على أبي وعلى نفسي . قال : وماذا عن الرسالة ؟ قلت : لا أعرف . . ربما نسيها أحد هناك أو وضعها لي أحد . وكأنما أراد أن يلج إلى غايته من مدخل اخر ٬ فجعل يقلب الملف الذي بين يديه وسأل : من تعرفين من أصدقاء أخيك ؟ لا أحد . . لم أر أخي من زمن ولا علاقة لي بأصدقائه ؟ قال وقد اشعت عيناه : وماذا عن عبد الكريم رجب ؟ قلت : من هذا . . لا أعرفه . فعاد إلى الصراخ من جديد وصاح بي : إذا  فلن تعترفي أنك منظمة . قلت : لا . .أنالست منظمة فكيف أعترف بذلك ؟ فتناول  "شحاطته " من قدمه ورماني بها ٬ لكنني تنحيت برأسي قليلا فتجاوزتني وأصابت الكاتب ورائي . .

فقال وهو يشتمني : وتقولين أنك لست من الإخوان . . هذه التصرفات كلها  تصرفات إخوان ! ثم عاد يتحدث عن الرسالة ويلوح بها أمام وجهي . . ولم يلبث أن غادر الغرفة لبرهة فظننت أنه ذهب ليأتي بجلاد أو أحد ما ليعذبني ٬ فلما عاد أراد كأنما أن يريني الرسالة أو يستخدمها من جديد ٬ فجعل يقلب بين مجموعة أوراق كانوا قد أخرجوها من سلة المهملات ببيتنا ٬ وقاموا بكيها وتلصيقها جميعا أملا في أن يجدوا بينها دليل إدانة ضدي ٬ فلما لم يجد الرسالة سأل الكاتب ورائي : هل دخل الغرفة أحد ؟ أجاب الكاتب بانتباه : لا سيدي . قال له : هل تحركت هذه ال . . من مكانها ؟ هل غادرت أنت الغرفة؟ أجابه ثانية : لا . فجعل يقلب وينقب أمامه وحوله وبين يديه فلم يجد شيئا . .

وضاعت الرسالة أين . . لا أدري ! فازداد التآمه وعلا صراخه ٬ وجعل يهددني بعبارات بذيئة ويقول : رفيقتك هنا في الملف أمامي اعترفت بأنك منظمة ٬ وإذا لم تعترفي بنفسك فلدينامايجعلك تفعلين ! قلت له وقد جرحتني الكلمات البذيئة واستفزني التهديد : مهما كان لديكم من وسائل فأنا لست منظمة . . وسأبقى أقول أنا لست منظمه

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-23, 06:00:26
سجل الاتهام

أخرجوني من غرفة التحقيق إلى غرفة كالأولى التي استقبلتنا مملوءة بأجهزة مشابهة كلها أضواء ملونة دائمة الوميض . . وأخذوا صديقتي ماجدة إلى غرفة رئيس الفرع . . ولم أكد ألتقط  أنفاسي حتى عادوا فنادوني وأخذوني إليه من جديد ٬ لأجد قائمة بالإتهامات تنتظرني تكفي أن توزع على ثلاثة رجال أنت متهمة بأنك منظمة : توزعين مجلة النذير ٬ وتعطين دروسا لسيد قطب في مساجد دمشق ٬وقمت بشراء بيت للتنظيم ٬ ونقلت سيارة ذخيرة فيها جهاز إعلامي بنفق في منطقة المهاجرين . . وهناك اعتراف ثابت من واحدة من صديقاتك بكل ذلك . . ورفيقتك هذه متأكدة تماما من كل المعلومات وهي تعرفك جيدا ودرستك وعاشرتك ولا تكذب أبدا .
هي كاذبة ٬ وأنا ليست لي علاقة بما قالت ولم أفعل أي شيء أو أشارك بأي مما ذكرت .

قلت ذلك وقد بدأت الأمور تتضح في ذهني بعض الشيء ٬ واستطعت من ثنايا كلامه أن أدرك أن شخصا بعينه قد نقل هذه الوشايات لهم وملأ ملفي بكل هذه الأكاذيب . . الشخص الذي طالما كنت أسمع تحذيرات عنه رغم أن عيناي لم ترياه طوال حياتي . . إنه عبد الكريم رجب : جاسوس المخابرات والمتعامل معهم من داخل صفوف الإخوان . . أو دسيستهم داخل الصفوف ! تشجعت لهذا الذي وصلت إليه ٬ وأدركت أنها تهم رخيصة أراد أن يملأ بها الصفحات وحسب ٬ وازددت إحساسا مع كل الظروف بالثقة . . فلم أجب تهديدات المحقق رئيس الفرع وهو يكرر علي من جديد : إذا لم تعترفي يا . . . فلدينا ما يجعلك تعترفين !

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-23, 06:02:01
في انتظار الاعدام !

إلى الغرفة الغامضة أعادني عنصر من المخابرات بأمر من المحقق ٬ ولم يلبث وأن أحضر رفيقتي ملك لتنضم إلي ٬ وكانت المسكينة في أيامها الأولى بدمشق وفي أول سنة لها بالكلية معي ٬ فلم تكن تعرف لا عن البلد ولا من الأشخاص أحدا غيري . . وبعد أن أودعانا تحت رقابة العنصر في الغرفة أخذوا ماجدة وبدأوا معها التحقيق . . فلما انتهى دورها عاد فطلبني وقد مض من الليل أكثره وأعاد نفس الكلام علي : رفيقتك الأولى يقصد عبد الكريم رجب اعترفت عليك اعترافا أوليا ٬ وهذه ماجدة اعترفت الان بنفس الكلام ٬ وقالت بأنك منظمة ومسلحة وقمت بأعمال كثيرة للتنظيم وتوزعين مجلة النذير . . ومن غير أن ينتظر جوابا مني أمر عنصرا فأخرجني من الغرفة واقتادني إلى الممر ثم وجهني باتجاه الجدار وأمرني أن أرفع يدي وإحدى رجلي إلى أعلى . . فقلت في نفسي : خلاص . . ها هم أكملوا صياغة التهمة لي . . والان سيرشوني أو يعدموني !

وما هي إلا برهة حتى وجدت رفيقتي ملك بجانبي يأمرها العنصر أن تفعل مثلي ٬ فازداد إحساسي أنهم سوف يرشوننا لا ريب ٬ ولم أعد أحس ساعتها بنفسي . . كان كل شعوري مركزا حول النهاية التي دنت . . وكيف ستكون : رشا من الخلف أم إعداما بالمشنقة أم ماذا ؟ وكأنني وقد تملكني الشعور بتحقق المنية استجمعت بقايا جلدي والتفت "بحلاوة الروح " إلى العنصر المكلف بمراقبتنا فسألته : لماذا أوقفتمونا بهذا الوضع . . ما الذي فعلناه ؟ قال بلا مبالاة : أنتم تعرفون ماذا فعلتم . قلت : تقصد أنهم سيعدموننا ! أجاب هازئا : لا . . هل تظنين الإعدام يأتي بهذه السرعة والسهولة !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-23, 06:04:28
إلى الفلق !

مرت نصف ساعة أو ربما أكثر ٬ فالوقت في مثل هذا الموقف لا معنى له . . أدخلونني بعدها على غرفة الأجهزة وأمروني أن أجلس فجلست . . ولم يلبثوا أن أحضروا ملك فأجلسوها على كنبة أمامي في مواجهة الباب الذي كان مفتوحا بعض الشيء ٬ فما كادت المسكينة تلامس الكنبة حتى نامت . . ولم تعد تحس بشيء . . وأنا أكاد من توتري أتقطع ٬ وصوت ماجدة في غرفة التحقيق يبلغ أذني مرة ويغيب مرة . . فلا أدري ماذا تقول ولا أعلم أي نوع من العذاب الآن تنال . . وألتفت إلى ملك وأهمس وبودي أن أصيح لتسمع : ملك . . ملك . . حاولي فقط أن تنظري من طرف الباب وتعلمي ما الذي يجري . . . ولكنها في غفوتها لا تجيب ! وظلت على هذه الحال حتى الصباح أراقبها وأحاول أن أحادثها ولا فائدة ٬ وأنا على أعصابي لا أستطيع حتى أن أستقر على الكرسي تحتي ٬ وقد اجتمع علي النعاس والتعب والخوف معا . . وبين كل فينة وأخرى عنصر قادم وأخر عائد . . هذا يلقي سؤالا بلا معنى واخر يكتفي بالنظر والتبسم . . حتى أطل أحدهم مع إطلالة الصباح يسأل : هل تريدون أن تفطروا ؟ ألم تجوعوا؟ قلت له :لا. قال : ماذا تشربين ؟ أجبت : لا شيء . . شكرا . قال : سأتي لك بكأس شاي تصحين به رأسك . وذهب فأحضر الكأس ووضعه أمامي ٬ ولكنني لم أستطع من توتري وتعبي أن أدنيه من شفتي . .

وعندما بلغت  الساعة الثامنة دخلوا من جديد فأيقظوا ملك ٬ وأخرجونا إلى تحقيق جديد في القبو هذه المرة ٬ وبينما هم ينزلوننا درجات السلم قلت هامسة لملك : اخ . . الان سيأخذوننا إلى الفلق لا محالة ! فانتفضت المسكينة تقول : لا تقولينها ! قلت : ومن الذي قال لك أن تنامي طوال الليل ؟ لماذا لم تسمعي ماذا قالوا لماجدة ؟ كنا استفدنا بعض الشيء أو فهمنا ما الذي سيحدث
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-23, 06:07:59
أنا . . ضد الوطن !

عبر ممر كئيب في القبو أخذوني إلى غرفة أخرى للتحقيق وجدت في صدارتها وجها جديدا هو الرائد تركي . . أجلسني على طرف سرير عسكري في طرف الغرفة وجعل على مدى نصف ساعة تقريبا يعيد تلاوة نفس الإتهامات علي بشكل سؤال وجواب ٬ ويدونها في سجل معه . كنت من تعبي وارهاقي لا أستطيع متابعة كلامه أو حتى فتح عيني . . فكنت أكبو قليلا ثم أنتبه فأشد نفسي . . وعندما كان يبلغني صوته الأجش بعربيته الثقيلة أحس وكأن أمعائي توشك أن تخرج كلها من فمي . . فلما انتهى كان أملي الوحيد في كل الدنيا وقتها أن أجد ولو بلاطة ألقي عليها جسمي المنهك وأنام . . لكن العنصر عاد واقتادني عبر الممر نفسه إلى غرفة أخرى في القبو وجدت فيها ضابطا اخر برتبة رائد استقبلني من فوره بعبارات بذيئة وكلام قذر . . واللهجة العلوية واضحة عليه . . واستمر حوالي الساعة يسمعني العبارات ذاتها : أنت من الإخوان . . وأنت منظمة اعترف الجميع عليك . . وأنت قمت بأعمال كثيرة تضر بالوطن ولا تستحقين أقل من عقوبة اللإعدام . . كان كلامه أقرب إلى شريط تسجيل منه إلى الحديث . . يعيده بحرفيته ويكرره فلا أميز انتهاء المقطع من بداية مقطع جديد إلا من اختلاف الشتيمة أو تغير عبارات السخرية والإستفزاز .

ووجدتني وكأنما تحول رأسي إلى جرس كبير يقرع هذا الرجل عليه كل لحظة بكلماته فيرتج ولا يستقر . . وتتكرر فيه العبارات فيزداد اهتزازا وضجيجا : الجميع اعترف عليك . . الجميع اعترف عليك . . أنت منظمة . . ضد الوطن . . إلى الإعدام . . إلى الإعدام . . إلى الإعدام ! وكأنما غبت عن الوجود اخر الأمر ٬ فما وجدتني إلا وعنصر اخر يدخل الغرفة وملك وماجدة في طرف اخر منها ويسأل : ألم تجوعوا يا بنات ؟ قلناله : لا ٬لم نجع . فرد بلهجة ذات مغزى : الآن سنطعمكم فروجا مشويا على أية حال ! قلت له وقد فهمت أنه يقصد التعذيب : نحن بغنى عن طعامكم . جذبنا نحن الثلاثة ٬ ووجدتهم يقتادوننا عبر الممر نفسه فالسلم حتى بوابة الفرع ٬ ولما سألته وقد دب في القلق من جديد : إلى أين ؟ قال : الان سترون . أصعدونا في سيارة عسكرية نحن الثلاثة قبالة بعضنا البعض ٬ وصعد عنصران مسلحان وراءنا ٬ ولم تلبث السيارة أن انطلقت بسرعة مجنونة كأنما تريد أن تقفز فوق بقية السيارات التي كانت تخلي لها الطريق من بعيد ٬ وأمامنا سيارة أخرى تطلق
الصفير المدوي ٬ وثالثة من خلفنا للحماية أو المراقبة . . ولم نكد نبدأ مع انعطافات السيارة العنيفة في الصعود والهبوط حتى تملك ملك الدوار وأخذت في الإستفراغ ٬ فملأت السيارة من مخلفات جوفها ٬ وجعلتنا ونحن في حالتنا المبكية نكاد نختنق ٬ فأملنا رأسها للوراء باتجاه الباب الخلفي بين العنصرين ٬ فجعلت تكمل تقيؤها بينهما طوال الطريق ٬ من فرع التحقيق العسكري بالعباسيين إلى سجن أمن الدولة بكفر سوسة .


*************

وانتهى الفصل الأول .......

والفصل القادم بإذن الله آت
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حلم في 2011-04-23, 07:53:11
سلمت يداك يا أسماء  الحبيبة

متابعة معكم إن شاء الله .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-23, 08:33:05
أهلا بمتابعتك يا حلم (لا تذهبي بل تابعي فنحن معا، انظري لهبة مع ماجدة وملك )

-------------

يتملكني حب التعليق والصراخ ولا أدري ما عساه يسعفني للتنفيس عما بي  !!

انظروا :

اقتباس
إنه عبد الكريم رجب : جاسوس المخابرات والمتعامل معهم من داخل صفوف الإخوان

انظروا لخطورة هذا الأمر، وهو موجود في كل مكان ....."الجاسوس " الخطر الداهم الذي لا يشعر به الناس حتى يفعل ما بفعل .....

اقتباس
وازددت إحساسا مع كل الظروف بالثقة . . فلم أجب تهديدات المحقق رئيس الفرع وهو يكرر علي من جديد : إذا لم تعترفي يا . . . فلدينا ما يجعلك تعترفين !

يا للقوة ...يا للشجاعة ....!!

اقتباس
رفيقتك الأولى يقصد عبد الكريم رجب اعترفت عليك اعترافا أوليا ٬ وهذه ماجدة اعترفت الان بنفس الكلام ٬ وقالت بأنك منظمة ومسلحة وقمت بأعمال كثيرة للتنظيم وتوزعين مجلة
النذير

طيب وما كل هذا الإصرار على انتزاع الاعتراف وأنتم بكل الأحوال عزمتم على النيل منها ....؟؟ أيهمكم أن تسجلوا للتاريخ أنها الظالمة الخائنة ؟؟ ربما يهمكم  ليُكتب التاريخ زورا ويلحق الأجيالَ زورا ....  ولتكملوا مسيرة إجرامكم مدّا عبر الزمن !!

اقتباس
فلما انتهى كان أملي الوحيد في كل الدنيا وقتها أن أجد ولو بلاطة ألقي عليها جسمي المنهك وأنام . .

يا إلهي .............!!! كيف يكبر الصغير البديهي الذي نتعوده ويصبح حلما في ظل تقلب الحال وفي عز الأزمة والحاجة...!! وكم نستشعر حينها قيمته !!!  لله درك ولله در كل إخوتنا الأحبة فك الله أسرهم وخلّص كل سوريا من هذا الكابوس القاتل

---------------------------------
سنتابع قريبا مع الفصل الثاني بإذن الله فانتظرونا
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حلم في 2011-04-23, 09:32:47
أتابع معكم ... لن أذهب إن شاء الله يا أسماء  .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2011-04-23, 22:26:47
أخشى ان أقرأ يا اسماء

في اول صباي حكى لي الوالد بعض الفظائع التي تعرض لها الاخوان في سجون عبد الناصر.. وبعض الفظائع التي تعرض لها المعارضون في سوريا اول حكم حافظ أسد، ومنهم اسلاميون ومنهم شيوعيون يساريون... فلم اعد استطيع ان اسمع او اقرأ اي شيء من هذا النوع
سمعت كثيرا عن كتاب زينب الغزالي ولم استطع ان اقترب منه ابدا

ولا يمكنني الان ان أقرأ ما تنشرين

ربما... ربما بعد نجاح الثورة وتحقق الحرية... ربما استطيع عندها
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حلم في 2011-04-24, 00:05:39
قرأت قصة زينب الغزالي منذ عدة سنوات ،  فهي تلقت أشد أنواع التعذيب ،
وعلى حسب الأحداث التي روتها هبة الدباغ فهي ذرة بالنسبة لما حدث مع زينب الغزالي  
وبدأت اليوم في قراءة قصة هبة وما أن بدأوا بتعذيبها هي والآخريات حتي شعرت بدوار ،ولم أستطع أكمالها  .

أكملي يا أسماء   ... أنتظر كلماتك وتعليقاتك بكل شوق .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أسيرة الصفحات في 2011-04-24, 02:54:42
هناك ما علي أن أقرأه كي أستعد لقراءة هذا الموضوع
متابعه يا أسماء
بارك الله فيك
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أسيرة الصفحات في 2011-04-24, 03:24:47
لا حول ولا قوة إلا بالله
ما أقواهن
أبكيتني يا أسماء
هلا تابعتي؟
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حلم في 2011-04-24, 04:54:32
اقتباس
ربما... ربما بعد نجاح الثورة وتحقق الحرية... ربما استطيع عندها



ستنجح الثورة إن شاء الله يا هادية  ، ثقي إن شاء الله ستنجح !

=======

لماذا نحزن ونبكي على شهدائنا وفي الوقت نفسه ندعو لمن نحب بالشهادة ؟
إذا كانت الدنيا رخيصة ولا تساوي عند خالقها جناح بعوضة ، وإذا كانت الدنيا في زوال
إذا كان الموت لا مفر منه ... فهو آت آت ... فلماذا نحزن؟
من منا لا يتمنى أن ينال شرف الشهادة؟
من منا لا يتمنى أن يموت وقد عمل عملاً ذو قيمة يقابل به ربه ويذكره الناس به بعد وفاته
من منا لا يتمنى الموت لتحيا بلده ، وليحيا أهل بلده وأولاده دون ذل ولا قهر ولا قمع .
فلماذا نحن حزانى  ؟
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 08:57:53
ماما هادية الحبيبة  ....لا تقرري ألا تقرئي، بل حاولي .....نحن نكتب وننشر ونقرأ ليس للقراءة ، وإنما لنعرّف غيرنا، فليس من سمع كمن رأى، وكذلك ليس من سمع رذاذا وإشارات كمن يعرف التفاصيل، لذلك وقع أكبر بكثير......

كان الثوار في الجزائر أيام حرب التحرير من الاستعمار الفرنسي يتقوّون بالأناشيد الثورية لتزداد همتهم ويقوى عزمهم، كانت حرائر الجزائر يخبئن السلاح في بيوتهن ويتخفين بملاءاتهن التي تخبئ السلاح يحملنه من مكان إلى مكان للثوار....كثيرات منهن فجَّرْن معاقل للفرنسيين بارات أو ثكنات وهن متخفيات ....
كانت حرائر الجزائر اللاتي يسكنّ في الجبال يطبخن للثوار من كل الصنوف كسرة وأكلا وهنّ في ذلك كله يعرضن أنفسهن للخطر الكبير....كانت الواحدة منهن تدفع بابنها وزوجها للجهاد وهي تتبعه بالدعاء وبالتكبير "الله أكبر الله أكبر"، كن يحملن السلاح ويجاهدن مع الرجل ....استشهد منهن الكثيرات .....وهذه هبة الدباغ وزميلاتها تتممن مسلسل الشجاعة ضد الطغيان والجبروت

لو لم تكن في هؤلاء شجاعة هل كان لمضطهد أن ينهض ويتحرر.... كذلك ونحن في ظل هذه الصحوة التي تفجر فيها إخوتنا أقل القليل أن نعرف معهم، وأن ننشر هذه المعرفة وهي سلاح لنا يقوي الثورة، لا أن نكتب فقط كلمات تشجيع بلا خلفية معرفية ننشرها تؤجج الثورة على الطغيان .......

أهلا بك يا سلمى الحبيبة وإني متابعة، وسأضع فيما يلي مقطعا آخر من الكتاب بإذن الله

بارك الله فيك يا حلم  صدقت.... فلا يأتينا ما نحب إلا إذا عملنا له وتشجعنا ....وكم يخاف عدو الداخل وعدو الخارج من شجاعة من يراهم فريسته ...!!

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 09:16:27
الفصل الثاني


عبرت السيارات الثلاث بوابة السجن العامة مضيا نحو المبنى الرئيسي الذي انتصب أمامنا بطوابقه الثلاث ٬ والتفط السائق حوله بين ممرات ومداخل معقدة حتى بلغ بابا كهربائيا توقف بنا عنده ٬ واجتذبتنا الأيادي مرة أخرى فاقتادتنا عبر ساحة المبنى الداخلية إلى باب اخر تنزل خمس درجات منه إلى القبو المعتم ٬ فإذا هو عالم اخر من عوالم الرعب التي قطعناها خلال اليومين  الماضيين عن غير ما اختيار . مضت الأيدي القاسية عبر ممر القبو المظلم فالتفت بنا جهة إليسار وليس في طريقنا إلا الصمت والأ بواب الحديدية الكئيبة ووحشة المكان ٬ ولم يلبث أن قطع لهاثنا المتدفق صوت أجش أتانا من وسط العتمة ينادي : منيرة!

فما كدنا نلمح المنادي حتى بدت من الجهة المقابلة في اخر الممر فتاة مضفورة الشعر ترتدي "جلابية" شاعت موضتها وقتذاك ٬ وجعلت تتقدم نحونا متمايلة يوحي مظهرها أنها سجانة أو موظفة هناك . . فلما اقتربت ومن غير أن يلتفت إلينا قال لها أبو عادل رئيس نوبة السجانين وقتذاك : هيا فتشيهن واحدة واحدة . ودفع بي أول الجميع إلى غرفة علمنا بعدها أنها غرفة التحقيق والتعذيب ٬ ودخلت منيرة هذه ورائي وسألتني ؟ ما اسمك ؟ قلت وقد بلغ التوتر بي مبلغا : وماذا تريدين من اسمي ؟ أحسست وقتها أن بامكاني أن أقتلها من شدة توتري بيدي . . لكنها قالت ببرود : وليش معصبة؟ . قلت : والله لا أدري ! ماذا تريدينني أن أفعل ؟ هل يمكن للإنسان أن يكون مبسوطا هنا ! أجابت بنفس برودها ورتابة صوتها : بس لا تعصبي . . أنا سجينة مثلك. قلت بحدة : لماذا
تكذبين على ؟ شكلك هذا ليس كشكل السجينات . قالت : والله العظيم أنا سجينة وقاعدة في مهجع مملوء بنسوان من الإخوان . لم أجرؤ أن أزيد معها وظننتها سجانة تريد أن تستدرجني في الكلام خاصة وأنها تتحدث بالقاف العلوية ٬ لكنها عادت وقالت لي : ما صدقتيني ؟ بكره بنلتقي بالمهجع وبذكرك . أحسست لهجة صدق في حديثها فاستأنست بعض الشيء وسألتها دون أن أغادر الحذر : ومن معك من الإخوان هناك ؟ قالت : هناك واحدة حاجة من حلب وأخرى اسمها أم شيماء و . 0 وجلست تعد لي أسماء وألقاب لا أعرفها وأضافت : وأنا الشيوعية الوحيدة في المهجع والبقية كلهن من الإخوان فتشتني منيرة بعد ذلك ٬ وفعلت الشيء نفسه مع ماجدة وملك بالتتابع ٬ وكان العنصر في انتظاري حينما انتهت ٬ فأخذني وأصعدني ثانية من القبو ٬ واقتادني عبر سلالم وممرات عديدة إلى المبنى الجنوبي للفرع ٬ ليبدأ التحقيق معي حسب الأصول !

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 09:23:59
بين يدي الجلاد !

كان كل ما حولي يثير الفزع والإضطراب : هذا داخل وذاك خارج . . باب يقفل واخر من أين لا أدري يفتح . . وكل قادم أو عابر يحمل بيده جهاز لاسلكي أو كبلا أو أداة أخرى للتعذيب . . وفي البداية أدخلوني على مكتب رئيس الفرع ناصيف خير بك ٬ فأحسست وكأنني انتقلت إلى عالم اخر . . فالغرفة واسعة دافئة أنيقة التأثيث ٬ يمتد السجاد الفاخر على أرضهما بمهابة وقد توزعت عليه كنبات وثيرة ومكتبة ومكتب فاخر يحتل تمثال لرأس الرئيسس الأسد ركنا منه ٬ بينما ينتصب في زاوية الغرفة القصوى تمثال برونزي آخر لرأس الرئيس بالحجم الطبيعي . وأما المقدم ناصيف الذي كان منهمكا بمحادثة لاسلكية وقتها فلم يعرني أكثر من نظرة ازدراء بطرف عينه ٬ وأومأ للعنصرأن يعيدني إلى مكاني وأكمل حديثه . . ولم ألبث أن اقتادني ذاك ثانية إلى غرفة أخرى مقابل مكتب ناصيف ٬ فوجدت مجموعة أشخاص مجتمعين على شاب مقيد يعذبونه ويحققون معه ٬ وناصيف ممسك جهاز اللاسلكي بيده يتحدث فيه مرة ومع الشاب المسكين والعناصر مرة .

ولم يلبث أن أشار بيده إلى العنصر الذي أحضرني فجذبني ذاك من منكبي وأمرني أن أنتظر خارج الغرفة من جديد ٬ وأنا كالنائمة لا أكاد أقدر على متابعة المشاهد المتجددة والوجوه المتعاقبة والأصوات التي تختلط الشتائم فيها بالإستغاثات والآهات ! وسرعان ما عاد العنصر فأدخلني الغرفة ذاتها لأحضر تعذيب الشاب نفسه لعلي أخاف وأتكلم ما يريدون .

كانوا أربعة أو خمسة يشتركون في التعذيب أمامي بالكابل والعصي والخيزران والكهرباء : ناصيف خير بك رئيس الفرع ٬ والرائد عبد العزيز ثلجة وهو رجل ضخم الجثة بالغ الجلافة ٬ وعناصر آخرون كان أحدهم لم يبلغ العشرين بعد مجندا من درعا كما عرفت لاحقا ينادونه حسين ٬ ولم أعرف من كان ذاك الشاب ولماذا يعذبونه ٬ لكنه كان يصيح طوال التعذيب ويستغيث مناديا : والله العظيم موأنا . . ثم اعترف اخر الأمر لا أدري ليتخلص من مزيد من العذاب أم لسبب اخر فأقرأنه قتل أحد الضباط . . وعندما اشتد التعذيب عليه وكاد صراخه يصيبني بالإنهيار التفت إلى العنصر معي وسألته : لماذا أتيتم بي هنا ؟ قال بسخرية : لا أعرف . . إسأليهم .

قلت بانفعال : لا أريد أن أسألهم ولكن أنا ما عندي شيء لأعترف به ويضعوني في هذا الموقف فأتفرج على تعذيب الناس . ولم يزد العنصر عن أن هز كتفيه وابتسم متهكما وهو يقول : لا أعرف . . لا علاقة لي بأي شيء هنا ! واستمر الضرب والتعذيب حوالي نصف الساعة أنهضوا الشاب بعدها مضرجا بالدماء والكدمات فكبلوا يديه ورجليه ٬ وفيما اقتادني العنصر وراءه لأكمل كما يبدو رؤية المشهد ٬ سحب الرائد ثلجة الشاب إلى رأس الدرج ٬ ثم ركله برجله بكل قسوة ٬ فتدحرج هاويا يئن ٬ ونادى على أحد ما هنالك لينزله إلى المنفردة في القبو أسفل المبنى ٬ وعاد فأمر العنصر ليدخلني إلى الغرفة مرة أخرى  ٬فأوقفني في زاويتها ٬ وجعل ناصيف وثلجة يتحدثان باللاسلكي لا أدري مع من ٬ ثم خرج الجميع فجأة ٬ ليعود الرائد ثلجة وحده ويغلق الباب كهربائيا بضغطة زر ٬ فاستوى الباب بالجدار حتى لم أعد أدري من أين دخل ولا أين كان هذا الباب . . ومن غير أن يلفظ أي كلمة أو يسألنى أي سؤال لم أحس إلا وصفعة مفاجئة تأتيني على حين غرة اصطدم رأسي من عزمها بالجدار وارتد ٬ وصارت الدنيا تدور كلها في ٬ وصرت أرى الرائد أمامي أربعة أشخاص معا ٬ وأرى رأسي أسفل مني ورجلاي فوق الرأس وفوقي ! لم يزد عن أن قال : انظري
. . إذا ما بدك تحكي ما بتعرفي ما الذي سيحصل لك .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 09:33:31
بساط الريح !

خروج الرائد ثلجة برهة لم أكد أتمالك فيها نفسي حتى عاد مع ناصيف ورئيس الدورية التي أحضرتنا من البيت وشخص رابع لم أعرف من كان . وابتدرني ناصيف يقول : وليك . . شو ما بدك تحكي ؟ ما بدك تقري وتدلينا فين أخوك ؟ قلت له :أخي ليس هنا . قال : إذا أين هو ؟ قلت : لا أعرف الظاهرأنه ذهب ليكمل دراسته . وواقع الأمر فإن أخي صفوان كان قد أخبر أمي عندما زارته في الأردن وقال لهما : إذا سألك أبي أين أنا فقولي له ذهب ليكمل دراسته في الباكستان . تذكرت ذلك بمجرد أن سألني عنه ٬ ولم أكن أدري وقتها بأن أمي كانت معتقلة في نفس السجن معي ٬ وأنه سألها قبل دقائق عن أخي فأجابت الجواب نفسه ٬ والتقى كلامي مع كلامها في هذه النقطة ٬ الأمر الذي أعفاني من التعذيب على ذلك السؤال ٬ ولكنه سألني بلؤم : أنت تعرفين بأن أخاك هنا ٬ وسوف تأخذيننا وتدليننا عليه ٬ أو على رفاقه والبيت الذي يجلسون فيه . قلت : لا أعلم أي شيء من هذا . . فنادى على أحدهم وقال له : إذهب وأحضر لها بنطالا وأعطها إياه خليها تنستر وضعها على بساط الريح . تقدم العنصر مني وطرحني على لوح من الخشب له أحزمة طوق بها رقبتي ورسغي وبطني وركبي ومشط رجلي ٬ ولما تأكد من تثبيتي رفع القسم السفلي
من لوح الخشب فجأة فبات كالزاوية القائمة ٬ ووجدتني وأنا بين الدهشة والرعب مرفوعة الرجلين في الهواء وقد سقط الجلباب عنهما ولم يعد يغطيهما إلا الجوارب والسروال الشتوي الطويل ٬ ولا قدره لي على تحريك أي من مفاصل جسمي . . وبكل وقاحة صاح العنصر يقول : انظر سيدي .. أرأيت ؟ قالت إنها ليست من الإخوان . . ولكن انظر كيف أنها منهم ومجهزة نفسها للفلقة ولا حاجة لها للبنطلون ! حاولت دفع أي من القيود الجلدية عن مفاصلي فما استطعت . . وقبل أن أحاول إعادة لوح الخشب إلى استقامته طلبا للستر كانوا قد علقوه من جنزير مثبت به إلى السقف ٬ وتقدم رئيس الدورية التي اعتقلنا وبيده خيزرانة طويلة رفيعة وسألنى بلهجة تهديد صريح : شوما بدك تحكي ؟ قلت :ليس لدي أي شيء لأحكيه . في نفس الوقت كان الرائد ثلجة فوق رأسي يجهز مولدا كهربائيا مربع الشكل موصولا بالفيش وله يد يدار بها وملاقط قربها مني وأطبقها فجأة على أصابع يدي . . وفيما هوى ذاك بالخيزرانة على بطن رجلي أطلق هذا شحنة من الكهرباء سرت كالنار في بدنى ٬ فقال دون أن يلتفت لصرختي : هه إلسه مابدك تحكي ؟

صرخت : قلت لكم ماعندي شيء للحكي . قال ببرود : أرأيت كم كانت الكهرباء قوية؟ هذه أخف الموجود لدينا! قلت : حتى ولو كان ٬ هل أعترف بأشياء أنا لم أفعلها ! قال : لا . . أنت تكذبين وتخبين علينا . . بدك تقومي الآن تأخذينا وتدلينا على البيت الذي يسكن فيه أخوك ورفاقه والا فسنأخذك إلى تدمر ! وأقبل ثلجة هنا بصورة قربها من وجهى وسألنى : هل تعرفين هذا الشاب ؟ قلت :لا. قال : كيف ؟ ألا تعرفين رفاق أخيك ؟ قلت :لا. قال : لكن هذا رفيق أخيك الحميم . . هذا عبد الكريم رجب . . ألا تعرفينه ؟ قلت بحزم وقد تأكدت لي الوشاية الرخيصة التي حيكت لي : لا . . لا أعرفه . تبسم الرائد ثلجة ابتسامة صفراء وشرع يقرأ من مجموعة أوراق بين يديه بعين ٬ وعينه الأخرى تتاج انفعالات وجهي : هبة الدباغ : منظمة مع الإخوان وتتعامل معهم . . اشترت لهم بيتا ٬ وتعطي دروسا لسيد قطب في مساجد دمشق . . و . . . صرخت بانفعال وأنا أسمع قائمة الإتهامات الكاذبة للمرة الألف : كذب . . كذب . . لا أعرف أي شيء تتحدث عنه . دس الرائد ثلجة الأوراق بوجهي وهو يقول : ألا تري ؟ هذا كله مكتوب هنا . . كله من اعترافات الرجب . . هو الذي تكلم عنك بهذا ٬ وهو من الإخوان مائة في المائة ويعرف عنك كل شيء ولا بدوأنك تعرفينه أيضا . . عدت إلى قولة كلا . . وعاد التعذيب من جديد ٬ وصار رئيس الدورية يضرب قدمي بكل عزمه ٬ حتى أصبحت الخيزرانة عندما تهوي عليهما تشق الهواء بصوت كالصفير ٬ وجاء عنصرآخر بخيزرانة ثانية وجعل يشارك معه الضرب ٬ فيما عاد عبد العزيز ثلجة فقبع فوق رأسي وجعل يكوي أصابعي بالكهرباء من جديد . كان الألم أشد من أن يوصف . . وكنت في البداية أصيح : يا الله . . لكنني لم أعد أستطيع اخر الأمر أن أخرج صوتي ٬ فصرت ألوح برأسي فقط ولم أعد أحس بشيء . . ووجدتهم بعد عشر دقائق تقريبا من الضرب المتواصل يتوقفون فجأة ٬ ومع الشتائم والعبارات البذيئة طرق سمعي عبارة : إلى تدمر! وسرعان ما انفكت القيود عن مفاصلي ٬ وسحبني عنصر من غرفة التعذيب عبر الممرات والسلالم ثانية إلى سيارة متوقفة عند الباب ٬ ففوجئت برفيقتي ماجدة قد سبقتني إليها بحراسة عنصر آخر .

أركبانا معا ولكنني لم أجرؤأن أتحدث معها بشيء . . وانطلقت السيارة بحركة مسرحية إلى أن بلغت الباب الخارجي ٬ فسألنى من جديد : لسه ما بدك تحكي ؟ أحسست وكأن أعصابي المشدودة تصيح كلها معي بصوت واحد : ما عندي أي شيىء أحكيه . . أنا لا علاقة لي بأحد . . هل تريدون أن أكذب عليكم فقط ؟ هل تريدون ! توقفت السيارة ٬ ولم يلبث السائق أن عاد بنا إلى المبنى من جديد  ٬ وأعادوني مرة أخرى إلى التعذيب . . وعادت نفس الأسئلة والإتهامات تطرح علي ٬ لكن الضرب والتعذيب اشتد أكثر ٬ وزاد عدد المشاركين بتعذيبي حتى لم أعد أستطيع أن أعرف عدد من حولي أو عدد المحصي والخيزرانات التي تهوي على رجلي . . وبدأت أرى الغرفة كلها عصيا وخيزرانات . . والناس فيها من كثرة أسئلتهم كالضفادع تنق وتنق بصوت واحد
غامض . . فلم أعد في النهاية أجيب على أحد ! وأتاني صوت الرائد ثلجة من جديد يقول : ها . . أنت إذا مسلحة . . انظروا إليها . . تدعي البراءة وتنفي أنها منظمة وهي ليست من الإخوان وحسب . . ولكنها مسلحة أيضا! أحسست أن تهمة أكبر تلفق لي هذه المرة فصرخت بعصبية : لا . .أنا لا علاقة لى بأحد . . وأنا لست مسلحة . قال : ولكن رفيقتك ماجدة هي التي قالت ذلك عنك . قلت : لا تصدقها . . أحضرها لتقول ذلك أمامي . . ربما قالت ذلك من خوفها حتى تنجو من الضرب . قال : لا . . رفيقتك لا تكذب . . هى أصدق منك . . تكلمت عن كل شيء وما تعذبت ٬ وأنت أذا لم تتكلمي فستبقي تأكلي ضربا حتى تحكي . وتقدم ثلجة من جديد نحوي وبيده بطارية كهرباء وضعها على فمي مباشرة وقال بلهجة التهديد : الن تتكلمي ؟ قلت : ما عندي شيء أحكيه . . مهما وضعت لي الكهرباء أو أطعمتني ضربا فما عندي شيء أحكيه ولن أكذب على نفسي .

وهنا صاح ناصيف بضجر : هيا أنهضها وأعطها ورقة لتكتب ما لديها من معلومات وسنرى بعدها . والتفت نحوي مهددا يقول : إذا لم تتحدثي بكل شيء هذه المرة فاعلمي أن لدينا عناصر الواحد منم كالوحش يسد الباب . وأضاف : هل تعرفين ألشوايا الديرية كيف يكون شكلهم ؟ إذا لم تعترفي فسأدخلهم عليه ك وسنرى بعدها !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 09:41:15
الموت راحة المؤمن !

أنهضوني عن "بساط الريح " فوجدت نفسي مبللة من غير أن أشعر ٬ وكنت كأنما أغمي علي أثناء التعذيب فدلقوا علي سطل ماء حتى أصحو . تلفت حولي كالسكرى فرأيت الغرفة خلت تقريبا من الناس ٬ وأدركت من خلال نافذة كانت فوق رأسي أن الدنيا قد أصبحت ليلا ٬ فقدرت أن ساعتين أو ثلاث انقضت علي وأنا في التعذيب ! وبينا أنا لا أزال أحاول استعادة توازني جاء أحد العناصر بورقة وقلم وجلس أمامي يقول : انظري . . إذا حكيت فستساعدي نفسك ٬ وإلا فستطمسي أكثر مما أنت طامسة . قلت له : ماعندي أي شيء أحكيه . قال : لا أحد يأتون به إلى هنا وما عنده شيء . . ولا أحد يصل هنا إلا إذا كان مذنبا . قلت له : ولكن أنا ليس لدي أي شيء . قال : أنت حرة . وأعطاني استمارة معلومات عامة عن دراستي ومدارسي ثم عن علاقتي بتنظيم الإخوان . . أجبت بما أعرف وأعطيت الورقة للعنصر فذهب بها ٬ ولم يلبث أن عاد الرائد ثلجة يلوح بها وملامح الغضب بادية على وجهه وهو يصرخ في : هل هذه أجوبة تلك التي أجبت بها يا أخت ال . . .

واندلقت كل الشتائم والعبارات البذيئة دفعة واحدة من لسانه وكأنها كانت تنتظرفرصتهاللإفلات إوفى آخرعبار*أطلقهاسمعته يقول :أنت تعرفين هذا البيت الذى يسكن فيه أخوك ورفاقه وبدك تدلينا عليه الآن لكن أنا أعرف لماذا لا تريدين ذلك . . تريدين أن تماطلى بالوقت حتى يهربواوسجل دون أن أرد عليه بعض الكلمات على الاوراق التى معه وخرج ولم يلبث أن عاد وقالوخرج ٬ ولم يلبث أن عاد وقال : إذالم تتكلمي فسننزلك إلى القبو ٬والقبوإذا نزلت إليه لا تخرجى منه حتى تموتى قلت له : أحسن. . الموت راحة المؤمن !

قال بغيظ :وتجيبين بكل وقاحة وكل عين يخرب بيتك الم تحسي كم أكلت من قتل ؟ ألا تفكري في أن ترحمى نفسك وتعترفى لتخلصىمن هذا العذاب قلت له :لكن أناليس لدي أي شيء حتى أعترف به . . قلت لكم ماعندى شىء : في تلك اللحظة دخل ناصيف خير بك من وسمعنى أقول ذلك جديد للرائدثلجة ٬فابتدرني بتكشيرة ونظرة مرعبة وقال والشتائم البذيئة تسبق كلماتهإذالم
تعترفي بكل شيء الان .. مباشرة . .فسوف أعريك من ثيابك

صحت وقدهزني التهديد:لكن اناماعندي شيء احكيه . قال بلهجة الأمر:إخلعي جلبابك . وقفت هناونظرت إليه والخوف الحقيقي يغمرقلبي لأول مرة . ل قال ألاتريدين أن تخلعيه؟ أناسأخلعه لك .
" وتقدم مني فمد يده يريد أن يفك أزرار الجلباب فما وجد شيئا . ففي تفصيلة ذلك الجلباب كانت الأزرار مخفية ٬ فحول يده وأنا أحاول مدافعته إلى رأسي لينزع حجابي فلم يستطع . . أمسكني من شعرى تحت الحجاب وكان طويلاوقتهاوملفوفاللخلف أمسكني منه وبدأيشده فينجذب رأسي كله من غيرإرادة مني إليه ٬ثم يعود ويخبطه بالجدار . .وسيل .الشتائم البذيئة يرافق ذلك كله ٬لكنه لم يتمكن رغم ذلك من نزع الحجاب لأن غطاء الصلاة كان قد نزل في أكمامي عندما لبست الجلباب فوقه ساعة الإعتقال . .فصاح بي : وتقولي عن نفسك أنك لست من الإخوان وثيابك كلها ملتصقة ببدنك التصاقا والجلباب أزراره سرية ومخفية ومجهزاخرتجهيز! ."

ومع استمرار صمتى وسيل الشتائم منه نادى أحدهم ليعطيه "الكبل أو الخيزرانة ليجدد ضربي . . ووقتها كانت قدماي قد تورمتا من الضرب ولم يعدبإمكاني لبس الحذاء ٬فقال وهويتناول ماطلب : لا تريدين الكلام ؟ أنا سأريك " وتقدم ليبدأ ضربي ٬ فركضت بعفوية منه والتجأت وراء الطاولة فركض ورائي . . وبدأت أركض وأدورحولها وهويركض ورائي ليمسك بى ويصيح : يخرب بيتك 000 كل هذا التعذيب والضرب ولازال فيك روح لتنطي وتركضى ونادى الحاجب وقال له : أمسكها من عندك فلماتقدم العنصر وأمسكني صاح ناصيف فيه : خذها . . خذها تنقلع من وجهى . . خذها إلى المنفردة . . لا أريد أن أراها أكثر من ذلك...لم أصدق أن حفل التعذيب قد انتهى ولم أع مامعنى أن أذهب الى المنفرده إلا عندما دفع العنصر حذائى الي وجذبنى خارج الغرفه وجعل يقودنى عبرالسلالم والممرات ثانية نزولاهذه المرة وهويقول لى: لماذا . " لماذا لم تتكلمي ؟ أما كان ذلك أفضل لك ؟ كنت على الأقل رأفت بحالك . . أنظري كيف انتفخ وجهك وازرقت يداك وتورمت رجلاك وأكلت قتل الدنيا حتى لم تعودي تستطيعين أن تلبسي حذاءك . قلت : ماعندي شيء أحكيه . وأضفت وقد فاض بي الأمر ولم أعد ألقي بالا لكلماتي : الله لا يعطيهم العافية هؤلاء الظلام . . لكنه وكأنما كان يؤدي دورا مرسوما لم يلتفت لعبارتي وأكمل يقول : لكن لوأنك كذبت عليهم كنت خلصت حالك .

قلت : أنا لا أكذب وأعلم أن الذي يصدق هنا أو يكذب فنتيجته واحدة . سألنى بدهاء: وكيف عرفت ذلك ؟ قلت : لأنهم لم يصدقونني . . قلت لهم الحقيقة فلم يصدقوا فكيف سيفعلون إن أنا كذبت عليهم ! كنا قد وصلنا باب القبو أخيرا ٬ فوجدت حسين . . العنصر الذي كان يشارك قبل قليل في تعذيب الشاب يطل علينا بوجه مظلم وقد فتح فمه على ابتسامة سخرية تكشف سنا مقلوعة فى الوسط فكأنها نافذة في بيت خرب . . استقبلني وبيده كبل يتلوى مثلما تلوت كلمات الترحيب الساخر على فمه وهو يقول : أهلا . . أهلا وسهلا . . والله نورت !

-------------------------

ترقبوا التكملة بإذن الله
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 11:36:33
وتعليقات لا أملك لها كتما .........

اقتباس
ومكتب فاخر يحتل تمثال لرأس الرئيسس الأسد ركنا منه بينما ينتصب في زاوية الغرفة القصوى تمثال برونزي آخر لرأس الرئيس بالحجم الطبيعي

تمثاله الباااائس في كل مكان ..... برونز وحجر ووووووو......... يا إلهي صنم صنم معبود...... حتى الأصنام كانت تمثيلا من المشركين لأناس كانوا صالحين من قبل، أما هذا فصنم لإنسان فاسد مفسد في الأرض ...........وها قد ذهب بكل هذه الأحمال الخبيثة ........رحماك بعبادك المؤمنين يا رب وانتقامك من كل ظالم

اقتباس
لكنه كان يصيح طوال التعذيب ويستغيث مناديا : والله العظيم موأنا . . ثم اعترف اخر الأمر لا أدري ليتخلص من مزيد من العذاب أم لسبب اخر فأقر أنه قتل أحد الضباط

لا حول ولا قوة إلا بالله ........يريدون أن يوثقوا كذبهم بألسنة الأبرياء إذ يقرون بما لم يقترفوا ......عالم العجب الحقيقي ......... !!!

اقتباس
وعندما اشتد التعذيب عليه وكاد صراخه يصيبني بالإنهيار التفت إلى العنصر معي وسألته : لماذا أتيتم بي هنا ؟ قال بسخرية : لا أعرف . . إسأليهم .

سخرية وبرود وكذب واستهزاء ولا إنسانية .............. عالم من الشيطانية المصبوبة في قوالب إنسان ....!!!

اقتباس
ومن غير أن يلفظ أي كلمة أو يسألنى أي سؤال لم أحس إلا وصفعة مفاجئة تأتيني على حين غرة اصطدم رأسي من عزمها بالجدار وارتد ٬ وصارت الدنيا تدور كلها في ٬ وصرت أرى الرائد أمامي أربعة أشخاص معا ٬ وأرى رأسي أسفل مني ورجلاي فوق الرأس وفوقي !

قمة القوة أنت يا هبة، وقمة الجبن هم....قمة الجبن ....يتقوّون على امرأة عزلاء ويزيدون بتكتيفها .....!!  جبناء حتى النخاع ....إنهم يخافون أمثالك أيما خوف !!!

اقتباس
لم أكن أدري وقتها بأن أمي كانت معتقلة في نفس السجن معي ٬ وأنه سألها قبل دقائق عن أخي فأجابت الجواب نفسه ٬ والتقى كلامي مع كلامها في هذه النقطة

يا إلهي وأمك أيضا اقتادوها ؟؟!!  أتساءل أية أسرة أسرتها !!  تلك التي ذاقت في سبيل الحق وإظهاره كل هذا ....!! أي تاريخ مشرّف يتوجها !! يا إلهي

اقتباس
. هذا عبد الكريم رجب . . ألا تعرفينه ؟ قلت بحزم وقد تأكدت لي الوشاية الرخيصة التي حيكت لي

نعم عبد الكريم رجب .... المندس بين الإخوان ..... وينكشف دوره الآن ........ الأخساء الأنذال....... ليت كل تنظيماتنا الحرة تتحذر من أمثال هؤلاء، الآن عرفت من بعض سر انغلاق تنظيمات الإخوان ..... معهم حق والله ....فقد لاقوا ما لاقوا من أمثال هؤلاء ....

اقتباس
منظمة مع الإخوان وتتعامل معهم . . اشترت لهم بيتا ٬ وتعطي دروسا لسيد قطب في مساجد دمشق .

سيد قطب من أهم من أشيد بهم دوما في لقاءات لي بالجمعية ....وأستشهد بكتاباته!!  مجرمة أنا أيضا أيها السجانون البلهاء وأنتم تظنون أن سعيكم من شأنه ن يطفئ مشاعل تضيئ لنا الدرب .......!!

اقتباس
وزاد عدد المشاركين بتعذيبي حتى لم أعد أستطيع أن أعرف عدد من حولي أو عدد المحصي والخيزرانات التي تهوي على رجلي . . وبدأت أرى الغرفة كلها عصيا وخيزرانات . . والناس فيها من كثرة أسئلتهم كالضفادع تنق وتنق بصوت واحد

لله درك ..............!!

اقتباس
ولكن رفيقتك ماجدة هي التي قالت ذلك عنك . قلت : لا تصدقها . . أحضرها لتقول ذلك أمامي . . ربما قالت ذلك من خوفها حتى تنجو من الضرب . قال : لا . . رفيقتك لا تكذب . . هى أصدق منك . . تكلمت عن كل شيء وما تعذبت ٬ وأنت أذا لم تتكلمي فستبقي تأكلي ضربا حتى تحكي

أشعر كم هو مغتاظ هذا السافل من إصرارها وشجاعتها وقوتها ....... موتوا بغيظكم يا جبناء

اقتباس
والتفت نحوي مهددا يقول : إذا لم تتحدثي بكل شيء هذه المرة فاعلمي أن لدينا عناصر الواحد منم كالوحش يسد الباب

طبعا يا أفراد غابة الوحوش ......طبعا أيها الوحش العفن ....

اقتباس
قلت له : ولكن أنا ليس لدي أي شيء . قال : أنت حرة

صدق وهو الكاذب ........حرة والله حرة

اقتباس
وقال : إذالم تتكلمي فسننزلك إلى القبو ٬والقبوإذا نزلت إليه لا تخرجى منه حتى تموتى قلت له : أحسن. . الموت راحة المؤمن !

يا الله ..............كم تقتلهم هذه الكلمات .....

اقتباس
صحت وقدهزني التهديد:لكن اناماعندي شيء احكيه . قال بلهجة الأمر:إخلعي جلبابك . وقفت هناونظرت إليه والخوف الحقيقي يغمرقلبي لأول مرة . ل قال ألاتريدين أن تخلعيه؟ أناسأخلعه لك

والله وأنا معك يا هبة، هذا أكثر ما يفزع ويخيف ........ أكثر من أي ضرب وأي تقتيل ....!!

اقتباس
. .فصاح بي : وتقولي عن نفسك أنك لست من الإخوان وثيابك كلها ملتصقة ببدنك التصاقا والجلباب أزراره سرية ومخفية ومجهزاخرتجهيز! ."

مجهزة ونص ...... مؤمنة ترضي ربها .......فتقتلكم بسترها وبكل عزة المؤمنة الحرة  التي فيها ........

اقتباس
وقال له : أمسكها من عندك فلماتقدم العنصر وأمسكني صاح ناصيف فيه : خذها . . خذها تنقلع من وجهى . . خذها إلى المنفردة . . لا أريد أن أراها أكثر من ذلك..

دليل ضعفك أيها الوحش أمامها .............لله درها ......وعليك وعلى أمثالك من الله الغضب و الويل والثبور ........





العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-04-24, 13:09:17
وحوارك يا أسماء تداخل مع حوار الرواية .... وكلنا _ نحن من قرأ الصفحات _ فعلنا كذلك.... كنا نتدخذل ونشارك لنكتشف فجأة أننا جئنا من زمن غير الزمن ...
هبة وأمثالها من كل من عايش المحنة وامتدّ به العمر سواء أكان أسيراً وتحرّر أم على الأقل بقي على قيد الحياة وكل أولئك الشهود على عصر الجريمة... كلّ أولئك نودّ _ بل نحتاج وبشدة _ لا ستقصاء احوالهم وتتبع مسالك حياتهم.
أين هي هبة الآن ؟ وآلاف بل ملايين من " الهبات " وإخوتها وأمهاتها وآبائها ... في كل أصقاع العالم ... ولكل منهم قصة وحكاية مع انظمة وقوى الشر على هذا الكوكب... نريد أن نلتقيهم .... أن تتعلم منهم الأجيال أن الكرامة الإنسانية خط أحمر .... نريد ان نتعلم منهم معنى الصمود والأمل...لعلّ في هذا ... في هذا فقط العزاء والسلوان.
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أسيرة الصفحات في 2011-04-24, 13:32:48
متابعه أكملي يا أسماء
لا حول و لا قوة إلا بالله
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: الشيماء أحمد في 2011-04-24, 17:42:10
لا أعلم كيف استعطت ان تنقلي من الكتاب يا أسماء ...

ما بين الرعشه التي أصابتني والبكاء والصراخ المكتوم كم أتمنى ان أمزق بيدي كل من امتدت يده عليها ...

يا الله ... حرمة النساء وين؟ لا أجد ما أكتبه حسبي الله ونعم الوكيل

لعله أول موضوع أقرأه كلمة كلمة من مدة طويله ... ينتابني شعور ممزوج بالألم والعرفان بالجميل فاخوان سوريا هم من صححوا لي صلاتي وكن سبباً في دخولي المدرسة الشرعية وقد كنت في الثامنه من عمري وهم من أهدوا أمي الحبيبة أول مصحف خاص بها وهم من وضعوا أخي الاكبر على بداية الطريق ليكمل هنا بمصر ... كان هذا بعد الاحداث المذكوره ببضع سنوات تعد على اليد الواحده

أكملي يا أسماء .. أعانك الله على نقل البقيه
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 19:35:26
أهلا بك يا شيماء الحبيبة.... يسعدني وجودكن معي أخواتي كاستئناس هبة بماجدة وملك .... أرى نفسي أتعذب وأنا أنقل ولكن وجودكنّ يسرّي عني، فابقين معي....ولذلك أحببت أن نتشارك القراءة لنتشارك الحمل ....... يا إلهي هذا حالنا ونحن نقرأ ....فكيف بإخوتنا في سوريا وهم يقتلون ألف مرة مع الاعتقال والقتل، وفقد القريب الحبيب وغياب كل أخباره ......ومع عيشة هي عيشة الأشباح خوفا ورعبا ...... لعقود من الزمن ..... ولكن الحمد لله قد بدأت نار الكتم تخمد، وبدأ نور البوح يلوح ..........


سلمى تابعي معنا تابعي
نعم يا بسمة ليتنا نلتقيهم لنملي أعيننا بالنظر إليهم هؤلاء العظماء، وليعلموا الأجيال، ولكن الحمد لله هذه كتبهم تعلمنا أيضا ....

لي عودة بإذن الله مع مقطع آخر من الكتاب
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 19:40:58
قن الدجاج !

أمسكني حسين من كتفي وأنزلني الدرجات الخمس إلى أسفل ٬ واقتادني من جديد عبر الممر المعتم إلى ثاني زنزانة منفردة في ممر آخر لا يكاد يبدو آخره ٬ وقال وهو يشير إلى الداخل
هذا مكانك . . غرفتك العامرة . . وان شاء الله نومة هنية ! أحسست بالنفور من الظلمة ووحشة المكان وكنت لا أزال متوترة الأعصاب جدا فقلت بلا وعي : لا والله . . لا أدخلها أبدا ! قال وهو يدفعني إلى الزنزانة بغلظة : إي بدك تدخلي بكسر رأسك .

التفت إلى أبواب الغرف الأخرى فلمحت صديقاتي زميلات السكن معي يطللن بوجوههن من طاقات الزنازين التي وزعوهن عليها ٬ فركضت نحوهن وأنا أصيح : فاطمة . . فلانة . .فجذبني بقوة وهو يقول : تعالي . . تعالي . . هل تظنين نفسك في فندق أو في زيارة ! وفجأة سمعت من آخر الزنازين (رقم 24 ) صوت أمي التي يبدو أنها سمعت صوتي أيضا فبدأت تدعو عليهم بصوت عال وتصيح : هؤلاء حريمات تتقوون عليهن يا ظلام . . ما عندكم رحمة ! والله أنا طول عمري أسمع أنه لا رحمة في قلوبكم ولكنني أرى ذلك الآن بعيني ! بهرتني المفاجأة . . وركضت ثانية باتجاه مصدر الصوت وأنا أصيح بدوري : أمي هنا ؟ الله يخرب بيتكم . . ماذا تفعلون بها ؟ إخوتي صغار وأبي مريض . . ولا حول جميعا لهم ولا قوة .

فناداني حسين وهو يقهقه بسخرية : وما حاجتنا لأبيك وإخوتك ؟ نحن نريد أمك فقط ! وذهب فأغلق نوافذ المنفردات جميعا ثم عاد يدفعني إلى المنفردة وأنا أحاول المقاومة وأتكىء على زاوية الباب ٬ فقال لي مهددا : إذا لم تدخلي الان فسأحضر كل عناصر الفرع ليدخلوك .

قلت : المكان معتم جدا ! أجاب بسخرية : أنت الآن ستنورينه . . هيا ادخلي . نظرت فإذا بعلبتين من الصفيح في زاوية الزنزانة واحدة فيها خبيص من أرز أو برغل مع مرق وفي الثانية ماء . . قلت له : والله هذا مثل قن الدجاج . . وهذه والله مثل معاملة الحيوانات ! قال : هذا عشاؤك الليلة داذا كان لك نفس لتأكلي فكليه . قلت وقد تملكني الغيظ : أنتم تعرفون أن الذي يدخل إليكم لا تعود له نفس ليأكل ! وهنا حضر عنصر اخر متقدم في السن كان يحسن معاملتي فيما بعد قدر المستطاع . . تقدم مني وقال بصوت منخفض : يالله يا أختي ادخلي وتوكلي على الله ولا تتركي له مزيدا من الفرص ليسخر منك .

فدخلت المنفردة وصوت أمي لا يزال يبلغ مسمعي . . ثم لم يلبث صوتها أن غاب وسط قهقهات العناصر وصياحهم وهذرهم ٬ وعمت المكان رائحة الخمر وصيحات المجون احتفالا بليلة رأس السنة إ! فيما لفتني في وحدتي الظلمة ووحشة المكان فازدادت أعصابي توترا ولم أستطع حتى أن أغير جلستي ٬ خاصة وأنهم أخذوا ماجدة بعدي إلى التحقيق وكان من الممكن أنها تعذب في تلك الساعة مثلما كان محتملا أن تقول عني أي شيء .

وبقيت على هذا الحال إلى ما بعد منتصف الليل ٬ حينما حضر أحد العناصر واقتادني إلى غرفة التحقيق من جديد .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 19:47:23
لون الليمون !

في غرفة التحقيق وجدت الرائد ثلجة في انتظاري يستقبلني قائلا : لست من الإخوان أليس كذلك ؟ ولم تقومي بأي عمل لهم ولا تريدين الإعتراف . . ولكن هناك من أرسله الله ليعترف عليك الليلة .
هذه رفيقتك يقصدماجدة قالت بأنك مسلحة وأنها رأت السلاخ معك بعينها . قلت له بتحد : أحضرها لأفقأ لها عينها . . هيا أحضرها لتقول ذلك أمامى . قال : هي لا تكذب ٬أنا قلت لك هي لا تكذب . . هي أصدق منك ٬ والدليل على كذبك لونك الذي أصبح أصفر مثل الليمون . قلت له : لي ليلتان كاملتان لم أنم ولم آكل ولم أدخل الحمام مع القتل والتعذيب ولعيان القلب ٬ فكيف لا يصفر لوني ! هز برأسه وهو يمط شفتيه بلا معنى وصاح للحاجب كي يعيدني للمنفردة ٬ فعدت إلى جلستي القلقة ذاتها وعاد إلي التوتر والأرق ٬ حتى أنني لم أمد البطانيات خوف أن يأتي أحد العناصر فيفتح نافذة الباب أو يدخل علي وأنا نائمة . . وبينما أنا متكورة على نفسي وسط الزنزانة أرمق الصراصير في تلك الظلمة تتسلق الجدران حولي دونما اكتراث بالنزيل الجديد . . شق جدار السكون فجأة صوت مزلاج الباب الخارجي وصياح السجانين وتدافع أقدام تتخبط مهرولة فوق الدرجات وعلى الممر باتجاه منفردة قريبة . أدركت بحدسي أن دفعة من المعتقلين الجدد قد وصلت ٬ وعلمت لاحقا أنهم ستة أو سبعة شباب بين الثانية عشرة والخامسة عشرة من العمر جمعوهم من مسجد واحد وحشروهم معا في هذه المنفردة التي لا تزيد بمساحتها عن متر بمتر ونصف ! والذي يبدو أن واحدا منهم أصابه إسهال من الخوف أو التعذيب فجعل يصيح طالبا الخروج إلى الحمام ٬ فلا يجيبه إلا صوت العناصر الغارقين في متعة الإحتفال برأس السنة : سد حلقك !

لكن الفتى لم يكن يستطيع الصبر ٬ فيعيد الرجاء وينادي : والله بطني بتوجعني . . يا عالم . . لم أعد أستطيع ضبط نفسي . . عندها جاءه عنصر منهم وفتح النافذة وتناوله بضربة بالكبل وهو يكرر:
سد حلقك واخرس يا . . . وسكت الفتى لبرهة يا حرام ٬ بدأنا نشم بعدها رائحة من زنزانتهم خنقتنا . . فعاد العنصرإليه يكفر ويلعن ويقول له : فعلتها هنا يا ابن ال . . . وأخرجه إلى الممر وانهال عليه ضربا كالمجنون ٬ وتعالى صراخ أمي من منفردتها ثانية تدعو عليهم وتقول له : يخرب بيتك . . مالك قلب بشر؟ سألك أن تخرجه فلم تفعل ففعلها تحته . .ماذا يفعل المسكين بنفسه ؟ وعاد الأمر بعد هذه المهزلة إلى ما يشبه الهدوء من جديد . . ومضت ساعات الليل المتبقية تمر علي أثقل من الجبال ٬ وعلى الرغم من أنني لم يطرق لي النوم جفنا ليلتها إلا أنني بدأت أفقد الإحساس بما حولي ٬ وأتخيل ربما من شدة البرد أن الثلج قد غطى المكان كله ٬ وأن العناصر تستعد لاقتحام الزنزانة علي ليسحبوني في هذا الثلج فيعروني ويعذبوني للمرة الأخيرة قبل أن يرشوني وأغادر الحياة ! لكن شيئا من ذلك لم يحدث ٬ ولم ألبث وقد دنا وقت الفجر أن أحسست بما يشبه الطرق الخافت على الجدار من الزنزانة الأخرى المجاورة حيث وضعوا ماجدة ٬ فعلمت أنها تنبهني إلى موعد الصلاة  ٬ ولم نكن خلال الفترة السابقة من الإعتقال كلها قد تمكنا من الصلاة ٬ فتيممت وهممت أن أبدأ ٬ لكنني لم أستطع معرفة اتجاه القبلة فطرقت الباب ٬ ولم يلبث أن حضر حسين من جديد فسألته ٬ فقال بسخرية : كيف وضعت رأسك على الفلقة فهذا اتجاه القبلة ! كررت عليه السؤال مع الرجاء ٬ فقال بتبرم : أنا لا أصلي . . لا أعرف ٬ لكنني أشاهد الشباب في المنفردات يصلون بهدا الإتجاه . فصليت إلى حيث أشار وظهري إلى الباب ٬ فكان قلبي ينتفض من الرعب طوال الصلاة خشية أن يفتح أحد العناصر علي فيراني وأنا أصلى! فيحدث ما لا تحمد عقباه !

وبالفعل . . وبينما أنا في صلاتي فتح السجان ابراهيم الطاقة ليعطيني الإفطار ٬ فلما رآني أصلي قال بما يشبه السخرية : شو . . عم بتصلي ؟ فلم أجب ٬ ولكنني أحسست أن قلبي قد سقط بين يدي ٬ غير أن الله سلم ٬ ومضى إبراهيم فأكمل توزيم الفطور على الزنزانات الأخرى ثم عاد ففتح وسألنى باستهزاء : خلصتي ؟ الله يتقبل ! هززت برأسي دون أن أجيب ٬ فاكتفى بدفع طبق الطعام إلي والذهاب . . ولم يكد يفعل حتى فتحت الطاقة من جديد وكان القادم هذه المرة أبو محمد . . الرجل الذي ترفق بي لأدخل الزنزانة ليلة الأمس ٬ فسألني : ألا تريدين الخروج إلى الحمام ؟ أشرت بالإيجاب ٬ فلما فتح باب المنفردة أطللت على الممر برأسي فما وجدت أحدا . . سألته : مالي لا أسمع صوتا هنا ؟ وهذه صديقتي ملك ألم تنزل من التحقيق ؟

قال : خرجوا . . كلهم خرجوا ٬ وما بقي إلا أنت ورفيقتك الثانية – يقصد ماجدة . قلت بدهشة واضطراب : وأمي ؟ قال : أنت ورفيقتك وأمك فقط . . صفوكم ! أحسست أنها النهاية وأنها راحت علينا . . خرج الجميع وبقينا نحن . . إذا فهي النهاية! سألته وأنا أشهق بالبكاء : ولماذا أخرجوهم ولم يخرجونا نحن ؟ أنا لم يثبت أي شيء علي . . أنا بريئة .

أطرق وهو يقول : والله لا أعلم . . إسأليهم ٬ أنا هنا مجرد موظف . ثم غير مجرى الحديث وقال : أتريدين أن تأكلي .. ألست جائعة؟ أنا أحضرت فطوري الخاص معي : زبدة ومربى وأشياء أخرى . . أكلت منهم وزاد معي قطعة . تذكرت وقتها أنني لم أكن قد أكلت شيئا إلى ذلك الوقت من قبل ٬ لكنني لم أشأ أن آكل طعام غيري أيضا ٬ فشكرته واعتذرت . . ثم لما اشتد علي الجوع في اليوم الثاني بدأت آكل القشرة الخارجية للصمون الذي يحضرونه لأن الداخل عجين كله . . وقطعة الجبن التي لا يحضرونها إلا نادرا بطبيعة الحال ٬ وعلى هذه الحال بقيت طوال فترة بياتي في المنفردة ثمانية أيام بالتمام والكمال !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 19:53:49
"الخط "ورعاه البقر !

طلع صباح أول أيامي في سجن كفر سوسة وأنا لا أزال قابعة أترقب في زنزانتني المجهول بوجل ٬ وأطل على أحداث الأيام التي مضت مصدقة ومكذبة! تلفت أتأمل "مسكني " الجديد فإذا به أشبه بالقبر منه إلى أي شيء اخر ٬ وعدا الصراصير التي كانت لا تزال تبحث بمجساتها المقرفة عن شيء رطب تقتات عليه لم أستطع في البداية أن أجد على الجدار القاتم شيء ٬ لكن تسرب بعض الضوء واعتياد عيناي على الظلمة جعلني أبصر خطوطا مميزة بعض الشيء وشعار "الله أكبر ولله الحمد" محفورة أكثر من مرة وحولها أسماء أشخاص عديدين مروا على هذا المكان التعس قبلي . . وكان ثمة نقش لمسجد كتب حوله "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وأسفل منه اسم الشخص الذي نقشه على الأغلب . . كذلك لمحت خريطة لفلسطين وتحتها عبارة "الله أكبر ولله الحمدا ا!

لم تكن أكثر من ساعتين على صلاة الفجر قد مضتا حين بدأت دورة يوم جديد من أيام السجن تأخذ مجراها . . فكما الكلاب تفعل كان المحققون والجلادون والسجانون لا ينامون إلا إذا دنا الفجر ويستيقظون وقت الضحى! وسرعان ما بدأت الشتائم واللعنات وعبارات الكفر بالله تختلط بفرقعة الكبلات على ظهور السجناء يقتادونهم إلى الحمامات أو إلى "الخط " بلغة السجن المتداولة . كان (ياسين ) المجند العلوي المتطوع أحد أجهل خلق الله وأغباهم يتصدر لهذا العمل على الدوام ٬ فتراه يمسك بالكبل بيده ويتفرس في طابور المعتقلين المتجه نحو الحمامات لبرهة ٬ ثم لا يلبث أن ينقض على المساكين لطما ولسعا يسلخ جلودهم كالدواب . . والويل كل الويل لمن كان يجرؤ ويصيح من الألم . . فجزاء ذلك مضاعفة العذاب حتى لا يعيدها ثانية! وسرعان ما انطلق صوت أمي من زنزانتها تنادي عليه : يا ولدي . . هل تظن أنك لا تزال في الضيعة التي جئت منها وهؤلاء قطيع من البقر الذي كنت ترعاه ! ولم يكن ياسين ليرضى أن يقطع متعته الصباحية شيء فاستمر يجلد الشباب ويتلذذ في خلق هذا المشهد الرهيب . . وأمي تطرق الباب بأيديها وأرجلها وتبكي ألما عليهم وحسرة وليس من مجيب ! ولم تكد تنته هذه المأساة ويهدأ المكان بعض
الوقت حتى كان موعد التحقيقات قد جاء ٬ وعاد صراخ المعذبين وصيحات العناصر وشتائم المحققين تقرع اذاننا وتذيب منا القلوب ٬ ثم وكما بدأت بلا مقدمات خفتت الأصوات من جديد ٬ ولم ألبث أن وجدت باب الزنزانة يفتح وأحد العناصر يدعوني للذهاب إلى الحمام  ٬ فلما أصبحت هناك وحدي وبدأت الوضوء وكل ظني أنني قد أغلقت الباب بإحكام علي فوجئت بوالدتي أمامي ٬ فأدهشتها المفاجأة مثلما أدهشتني . . واندفعت من فورها تحيطني بذراعيها وتسألنى وهي بادية الإضطراب : قتلوك ؟ عذ بوك ؟ قلت أريد أن أخفف المصاب عنها : لا . . أنا بخير .

لكنني كنت وقتها أضع رجلي على الحوض وأغسلها للوضوء ٬ فأشارت مفجوعة إليها تقول : ولكن ما هذا ؟ رجلك كلها زرقاء وأصابعك مزرقة أيضا ولا تكاد تظهر ! هل أذاك أحد؟ هل مسك أحد ؟
قلت من جديد : لا . . الحمد لله ما مسني أحد . سألتني وكأننا في سباق مع الزمن : ولماذا أمسكوك إذا ؟ قلت : والله لا أعرف . . يريدون أخي صفوان ويريدونني أن أدلهم عليه . فأخبرتني هنا أنها أجابت في التحقيق كما أجبت بأنه يدرس في الباكستان  ٬ فشعرت بارتياح لتطابق كلامي مع كلامها ٬ ولكنني وجدتها تتركني وتخرج إلى الممر ندعو عليهم بأعلى صوتها ٬ فحضر حسين راكضا وهو يصيح بالعنصر الآخر : كيف جعلتها تدخل والأخرى لا تزال هناك ؟ ألا تعلم أن اجتماع أكثر من شخص هناك ممنوع ؟ أجاب العنصر الذي أحضر أمي : لم يكن لي عالم بوجود أحد اخر . . لماذا أغلقت أنت باب المنفردة التي كانت فيها ولم تتركه مفتوحا لأعلم أنها لا تزال في الخارج ؟ واقتاد كلاهما والدتي وهي لا تكف عن إطلاق دعواتها عليهم ٬ ولم تتح لي رؤيتها ثانية إلا بعد أيام ٬ ولم تتح لي معرفة سبب وكيفية اعتقالها إلا حينما اجتمعنا في المهجع بعد انتهاء التحقيق . . فقصت علي رحمها الله ما جرى بالتفصيل .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 19:56:47
الكمين !

كانت والدتي علية الأمير قادمة من حماة لتحضر لي بعض أغراض كنت قد نسيتها أثناء الإجازة هناك ٬ ولتكمل بعدها إلى الأردن حيث استقر أخي صفوان مع كثير من الشباب الملاحقين بتهمة معارضة الحكومة والإنضمام إلى تنظيم الإخوان . . ومع والدتي حضرت أسرة ال مرقة ترافقها لزيارة ابنهم المقيم في عمان لنفس السبب . قالت والدتي استيقظ أبوك ليلة اعتقالك على منام مزعج أولمه شرا أصاب أخاك صفوان ٬ فقال لي اذهبي وا نظري أحواله ٬ فمضيت يرافقني ال مرقة وقد اتفقنا على المبيت عندكم ليلتها والتحرك إلى عمان في اليوم التالي . ٬ ولما وصلنا قرب بيتكم في دمشق وبت على خطوات من مدخل البناية سمعت صوتا يأتيني ويقول برجاء ظاهر : يا خالتي ارجعي . . لا تدخلي ! كان أحد الجيران ينادي من جهة لا أراها ويحذرني من الصعود بعد أن تم عتقالكم
قبل ليلة ٬ ولكنني لم أرد وما ظننت النداء كان لي ٬ فما أن طرقنا الباب حتى استقبلتنا الرشاشات وأيادي جذبتنا إلى الداخل بغلظة ٬ ووجدنا أنفسنا بعد ساعة زمن في سجن كفرسوسة !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 20:07:54
أحكم الأحكمين . .

كنت وأمي تحدثني عن اعتقالها لا أقل تأثرا وحزنا على حالها من تأثري وألمي على حال هؤلاء المساكين أسرة عمر مرقة الذين اعتقلوا معها ٬ فوالدتهم لم تكن قد أفاقت بعد من صدمة مقتل ابنها أيمن 18 سنة وأخته مجد 14 سنة حينما رشهما الخابرات في الشارع انتقاما من أهالي الملاحقين وحسب ! وكانت الأم حتى هذه الفترة فاقدة لتوازنها العقلي وقد نزعت حجابها وعصبت رأسها بعصابة تشد بها على الألم . . فلما وجدت نفسها قيد الإعتقال المفاجيء انهارت المسكينة . . وكنت وأنا في أول ليلة لي في المنفردة أسمع المحقق يصرخ في أذنها بأعلى صوته فيصل الصوت عندي وهي كالبلهاء لا تجيب . . وأما الزوج فكان أسوأ حالا وقد جاوز المسكين السبعين من عمره . . تجره والأم ابنتاهما اللتان اعتقلتا معهما وأغمي عليهما على باب المحقق ٬ فاضطرت والدتي أن تصفعهما لتفيقا !

وعندما لم يجدوا ما يهمهم من التحقيق مع هؤلاء البؤساء أرسلوهم للمبيت في القبو تلك الليلة ٬ لكن ولاغتصاص المكان ليلتها بالمعتقلين لم يجدوا مساحة يضعون العجوز فيها فتركوه بهرمه وشيخوخته ينام على أرض الممر أمام منفردتي ٬ فكنت أدعو الله أن يخفف عنهم المصائب التي تتوالى عليهم واحدة بعد الأخرى . . وأما والدتي فقد جابهتهم من البداية ما شاء الله بحزم . . قال لها المحقق : خبرينا عن ابنك المجرم . . أين هو؟ فقالت : أنا ماعندي ابن مجرم . . دير بالك ها ! قال لها : ماذا لديك إذا ؟ مجرم ومغرر بإخواته أيضا على طريق ا لإجرا م .

قالت : أنا لا أعرف نفسي إلا أنني ربيت ابني من الجامع إلى البيت ومن البيت إلى الجامعة.

فقال لها ساخرا : الله يعطيك العافية . . تعيشي وتربي ! إذا لا تريدي أن تحكي . . والتفت إلى أحد العناصر وقال له : ضعها على الفلقة . فقالت له : كتر خيرك . . أنا في سن أمك وتضعني على الفلقة ؟ قال لها : ولكنك ما تكلمت . قالت : وماذا تريدني أن أقول ؟ لا الذي يصدق يسلك معكم ولا الذي يكذب !

فتركها سبحان الله ولم يعذبها . . وكانت لا أدري كيف تقوم طوال فترة اعتقالها فتشد معهم وتواجههم وتدعو عليهم وكانوا مع ذلك يراعونها من دون جميع السجينات والسجناء الآخرين . . وكانت لا تكاد تنام لا في الليل ولا في النهار ٬ وتراقب كل صغيرة تجري وكبيرة فلا يفوتها شيء ! وفي بداية اعتقالها في المنفردة كانت تنادي أبا عصام مدير السجن وهومن درعا وتسأله : ماذا فعلت أنا . . ولماذا تعتقلونني ؟ فيجيبها : أنا لا علاقة لي بذلك .

فترد عليه وتقول : بل بيدك كل العلاقة . . أنا أريد أن أرفع كتابا لرئيس الفرع ٬ أعطني ورقة وقلما . فينهرها وهو يكرر عليها : ممنوع . . لا تصل . . مخالفة للأوامر . . . فيصيبها القهر ويشتد بها الغيظ وتنادي داعية عليه : شكيتك لواحد أحد . . لأحكم الحاكمين . . وإن شاء الله تقعد قعدتي وما بتصبر صبري . وسبحان الله لم يمر شهر أو شهران حتى قتل هذا الرجل كما بلغنا حادث سيارة . . ودخل المقود في بطنه . . وسمعت أمي بموته قبل أن تموت .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-24, 20:11:29
رهائن !

ولقد استمر الكمين من بعد اعتقال أمي ومرافقيها ٬ فاعتقلوا من زميلات السكن ومن الزائرات من غير أي تهمة أو علاقة أكثر من عشر أشخا ص : فاطمة : من قارة ٬طالبة تسكن معنا .
سوسن س : خريجة طب أسنان من حلب كانت في سنة التدريب بعد التخرج وتسكن معنا . أختين من ال جاموس إحداهما كانت تسمى منى فيما أذكر ٬ وهما طالبتا علوم من التل وتسكنان معنا أيضا . يسرى ح : وهي أردنية كانت تدرس في جامعة دمشق كلية العلوم الطبيعية وتسكن معنا ٬ وقد اعتقلوا والدتها أيضا التي كانت في زيارة لها أيام الإمتحان . مها أ : طالبة طب في دمشق وهي فلسطينية لبنانية . طالبة أخرى من اللاذقية من ال درويش . كذلك اعتقلوا غادة ع طالبة جامعة تسكن معنا كما اعتقلوا أخاها وصديقا له حضرا لزيارتها فاعتقلا معا . والذي حدث أنهم أخذوهم إلى التحقيق جميعا بعدما انتهوا مني ومن ماجدة واحدة بعد الأخرى ٬ فلما لم يجدوا فائدة من احتجازهم أطلقوهم . . لكنني ومن شدة تعبي وآلامي لم أحس ساعتها بما حدث رغم أنني كنت يقظة متنبهة طوال الليل .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-25, 08:01:42
يا إلهي أجدني أريد أن أعلق على كل ما كتبتْ، كله يهز.....!! ولكن سبحان الله على قدر ما تؤلم ذكرياتها على قدر ما تنبجس من بين ثنايا الألم قبسات منيرة .....

اقتباس
فجأة سمعت من آخر الزنازين (رقم 24 ) صوت أمي التي يبدو أنها سمعت صوتي أيضا فبدأت تدعو عليهم بصوت عال وتصيح : هؤلاء حريمات تتقوون عليهن يا ظلام . . ما عندكم رحمة ! والله أنا طول عمري أسمع أنه لا رحمة في قلوبكم ولكنني أرى ذلك الآن بعيني ! بهرتني المفاجأة . . وركضت ثانية باتجاه مصدر الصوت وأنا أصيح بدوري : أمي هنا ؟ الله يخرب بيتكم . . ماذا تفعلون بها ؟ إخوتي صغار وأبي مريض . . ولا حول جميعا لهم ولا قوة .

أمك يا هبة ؟؟!!...... نعم يستوي عندهم كل شيء، لا فرق عندهم بين امرأة ورجل، ويالشجاعتها...!! على الأقل أفرغت بدعواتها عليهم شيئا من غضبها.......لكم أحببتها ...

اقتباس
وهنا حضر عنصر اخر متقدم في السن كان يحسن معاملتي فيما بعد قدر المستطاع . . تقدم مني وقال بصوت منخفض : يالله يا أختي ادخلي وتوكلي على الله ولا تتركي له مزيدا من الفرص ليسخر منك .

سبحان الله وكما قلت يا هبة يسخر لك الله من بين الظلمة أنفسهم من بقلبهم شيء يحس ويشعر ....

اقتباس
حتى أنني لم أمد البطانيات خوف أن يأتي أحد العناصر فيفتح نافذة الباب أو يدخل علي وأنا نائمة

يا إلهي كم أشعر بالخوف معك، في هذه المواقف بالذات يزورنا بنات حواء -والمؤمنات خاصة- الخوف الحقيقي ....!!

اقتباس
وعلمت لاحقا أنهم ستة أو سبعة شباب بين الثانية عشرة والخامسة عشرة من العمر جمعوهم من مسجد واحد وحشروهم معا في هذه المنفردة التي لا تزيد بمساحتها عن متر بمتر ونصف !

أطفال .....!!!! أطفال .....!!!  تعتقلون الأطفال .....12 و15   ؟؟؟؟؟ والسوريون قد خبروا جرائمكم وألوانها.....!!  ولهذا اقتدتم أطفالا كتبوا على الجدران من قريب "الله سورية حرية وبس"  !!! ليس ذلك عليكم بجديد يا معذبي الأطفال           .........................!!!  يا وجع قلبي من أين لي بدواااائك !!!!  آآآآآآه

اقتباس
وتعالى صراخ أمي من منفردتها ثانية تدعو عليهم وتقول له : يخرب بيتك . . مالك قلب بشر؟ سألك أن تخرجه فلم تفعل ففعلها تحته . .ماذا يفعل المسكين بنفسه ؟

أتخيلها قوية لا تقوى على الكتمان ، لا تسكت ..... ياه نطقت في سجونهم يا خالة ......!! لله درك ودر أمثالك .....

اقتباس
ولم ألبث وقد دنا وقت الفجر أن أحسست بما يشبه الطرق الخافت على الجدار من الزنزانة الأخرى المجاورة حيث وضعوا ماجدة ٬ فعلمت أنها تنبهني إلى موعد الصلاة

وهذه القبسات النونرانية التي توهموا إطفاءها ........!!! ها هي تبقى في عز الألم والعذاب بل هي الملجأ وهي الملاذ ....!! والصلاة راحة المؤمن أيضا يا هبة

اقتباس
سألته وأنا أشهق بالبكاء : ولماذا أخرجوهم ولم يخرجونا نحن ؟ أنا لم يثبت أي شيء علي . . أنا بريئة .

وهل يأتي المجرمون بالمجرمين يا هبة ....؟؟!!

اقتباس
لما اشتد علي الجوع في اليوم الثاني بدأت آكل القشرة الخارجية للصمون الذي يحضرونه لأن الداخل عجين كله . . وقطعة الجبن التي لا يحضرونها إلا نادرا بطبيعة الحال ٬ وعلى هذه الحال بقيت طوال فترة بياتي في المنفردة ثمانية أيام بالتمام والكمال !

أطعمك الله وسقاك من الجنة يا هبة .....

اقتباس
لكن تسرب بعض الضوء واعتياد عيناي على الظلمة جعلني أبصر خطوطا مميزة بعض الشيء وشعار "الله أكبر ولله الحمد" محفورة أكثر من مرة وحولها أسماء أشخاص عديدين مروا على هذا المكان التعس قبلي . . وكان ثمة نقش لمسجد كتب حوله "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وأسفل منه اسم الشخص الذي نقشه على الأغلب . . كذلك لمحت خريطة لفلسطين وتحتها عبارة "الله أكبر ولله الحمدا ا!

سبحان الله ...سبحان الله ....وهذه قبسات النور يا هبة ..... كم علمتني كلماتك أن أهل الحق المغيبين في السجون عاشوا للحق وماتوا عليه حقا ....... ما أروعهم، ما أشجعهم، ما أقواهم بالله ...........

اقتباس
وسرعان ما انطلق صوت أمي من زنزانتها تنادي عليه : يا ولدي . . هل تظن أنك لا تزال في الضيعة التي جئت منها وهؤلاء قطيع من البقر الذي كنت ترعاه !

اقتباس
اقتاد كلاهما والدتي وهي لا تكف عن إطلاق دعواتها عليهم ٬ ولم تتح لي رؤيتها ثانية إلا بعد أيام ٬ ولم تتح لي معرفة سبب وكيفية اعتقالها إلا حينما اجتمعنا في المهجع بعد انتهاء التحقيق . . فقصت علي رحمها الله ما جرى بالتفصيل .

ودائما أنت قوية يا خالة..... يالهذا الجهاد الذي جاهدته ياكلمات الحق التي نطقت بها عند سلطان جائر من قبل موتك ليتوجك الله بجزائه العظيم بإذنه سبحانه ....

اقتباس
أسرة عمر مرقة الذين اعتقلوا معها ٬ فوالدتهم لم تكن قد أفاقت بعد من صدمة مقتل ابنها أيمن 18 سنة وأخته مجد 14 سنة حينما رشهما الخابرات في الشارع انتقاما من أهالي الملاحقين وحسب !

اقتباس
ولقد استمر الكمين من بعد اعتقال أمي ومرافقيها ٬ فاعتقلوا من زميلات السكن ومن الزائرات من غير أي تهمة أو علاقة أكثر من عشر أشخا ص

شكرا لك يا هبة ..... عرفتني بمعاناة شعب لا أستبعد أن تكون لكل أسرة فيه مع المعتقل قصة وحكاية إن لم يكن مع التقتيل والتذبيح ...... اللهم فرجك وخلاصك لهم يا رب

و
اقتباس
يشتد بها الغيظ وتنادي داعية عليه : شكيتك لواحد أحد . . لأحكم الحاكمين . . وإن شاء الله تقعد قعدتي وما بتصبر صبري . وسبحان الله لم يمر شهر أو شهران حتى قتل هذا الرجل كما بلغنا حادث سيارة . . ودخل المقود في بطنه . . وسمعت أمي بموته قبل أن تموت .

سبحان الله ...........دعوة المظلوم على الظالم .........الله المنتقم .....وكذلك يومكم آت يا ظُلاَّم سوريا قريبا قريبا غير بعيد









العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-04-25, 08:35:17
بعد تخطّي حدود معيّنة في المعاناة  يستوي الجميع امرأة كانت في المعتقل أم طفلاً أم رجلاً أم طاعناً في السنّ.
الأجواء والتفاصيل لمن خاضوا التجربة في هذا السجن الكبير تتشابه بشدّة يا أسماء، وحتى طريقة الوصف والكلمات. وتتقاطع مشاهد السرد هنا في أكثر من موقع مع ما سرده " مصطفى خليفة " في قوقعته.
مصطفى ذاك زجّ به مع معتقلي الإخوان المسلمكين وهو كان قد بحّ صوته صارخاً أنه ليس منهم فهو مسيحي ...!! لا بل إنه ليس في الأديان من شيء! فكيف وصل على قائمة الإخوان؟؟!! لعلّ له نشاطاً ما ؟؟ لا !!! فهو في حلّ منوكل شيء ، لا السياسة ولا الوطنية ولا القضية ولا الدين كانت من ضمن " هواياته " ... وإذن .....؟
في أيامه الأخيرة بعد اثنتي عشرة سنة ( فقط!! ) قضاها في المعتقل الذي أدخل إليه مباشرة لدى عودته إلى مطار دمشق عائداً من فرنسا بعد غياب سنوات في الدراسة والعمل ليكتشف أن أحد " الرفاق/ الصحب ) وفي جلسة صفا للأصدقاء هو من وشى به .... ترى ما الأمر الجلل الذي احدثه ؟؟
كلّ ما كان أنه علّق بسخرية المتضاحكين مع أصحابه على صورة للرئيس ولعله وصفه بأنه يشبه الحمار.... في جلسة لم يقصد منها إبداء رأي أو حوار سياسي أو تعبئة من أي نوع .... إنها جلسة مزاح ليس إلا....
وحتى هذه .. أخبروه بأن تهمته حسب قانونهم ذاته لا تتعدى الثلاث سنوات ( تهمة قذف وسبّ المقامات العليا ) .... فكيف أن انزلقت الثلاث سنوات لتصبح اثنتي عشرة ؟
و لسة يا جماعة الخير !!  " الأضرب " من هاد أن خاله كان وزيراً موالياً وأن وساطته لمدة طويلة هو ما " عجّل " في تحرره !!
.
.
.
وبعد لوحات للحياة اليومية على مدى آلاف الليالي والأيام في هذه المعتقلات وسط أبناء شعبه وأغلبهم من الإخوان المسلمين إضافة لباقي الأطياف... يخرج ليلتقي بعض أفراد عائلته ويطلب مباشرة الذهاب لزيارة قبر والديه اللذين توفيا ( عادي موتة ربنا يعني )، فيقف أمام القبر وبتلقائية يستقبل القبلة ويصلي ركعتي الجنازة !!!

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أسيرة الصفحات في 2011-04-25, 08:47:11
الثانية عشرة والخامسة عشرة من العمر !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-25, 14:43:26
سبحان الله يا بسمة، سبحان الله ........ لا أدري كيف ذكرتني قصة مصطفى والقوقعة بعنوان فيلم "جعلوني مجرما" -لفريد شوقي على ما أذكر-، أما ذاك فقد تكالبت عليه ضغوط الحياة وهمومها مع قلة حيلته وضيق ذات يده، فأصبح مجرما ظانا أن ذلك حله ....... أما مصطفى فهو المسيحي أو اللاديني أصلا ولفقت إليه "الإخوانية" قد جعلوه مسلما ......!! سبحان الله .....!!

هكذا تسير الرياح بما لا تشتهيه سفنهم البائسة ....... ولله في أموره شؤوووون .........


أرأيت يا سلمى ؟؟ دعونا نعرف، حتى إذا غُيّب عنا صوت أحبة وإخوة هناك، وغاب ذكرهم عن حياتنا لا نحقق لهم نجاحا بألا نعرف عنهم حقيقة ........ هذه أخبارهم تبلغنا أيها الأذكياء !! هل حسبتم أنكم تنجحون في تغييبهم وتغييب بطولاتهم ؟؟؟!! ما أغبى ذكاءكم

ولنا بإذن الله عودة
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: جمانـة القدس في 2011-04-25, 19:25:49
أزور هنا من حين لآخر أقرأ... وتسري فيّ روح المقاومة والعزم تلك...
ما شاء الله لا قوة إلا بالله...

متابعة بصمت يا أسماء، (حتى نهاية الامتحانات إن شاء الله)...
شكراً غاليتي...
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-26, 09:04:21
أهلا وسهلا بك جمانة الحبيبة ....ومع ربيع الثورات يعود اسمك الحبيب "جمانة القدس"  emo (30):  تابعي معنا يا جمانة

ونبدأ جزءا جديدا فيما يلي بإذن الله
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-26, 09:05:38
أمي والإضراب

لم ينته اليوم الثاني علي من غير تحقيق جديد . . كنت خلال ساعاتي التي مضت في السجن قد أدركت مجمل ما يدور حولي ٬ وتذوقت في أول قدومي أشد العذاب وأبشع التهديدات ٬ فلما نادوني للتحقيق من جديد لم يكن هناك ثمة جديد ! أعادوا طرح نفس الأسئلة وتوجيه نفس الإتهامات بنفس الطريقة ونفس الأسلوب . . وعلى مدار أسبوع كامل استمر البرنامج نفسه ٬ ولم يتغير فيه إلا طريقة الضرب بعض الشيء ! فمع الضرب بالخيزران والعصي أرادوا مرة أن يضعوني على الدولاب فلم يكن على مقاسي ٬ فصار المحقق يعوض عن ذلك بالضرب بالخيزرانة وأنا واقفة ٬ فطال بذلك كل جسدي ٬ وزاد من بقع الألم وآثار المعاناة ٬ ولكن شيئا في الأسئلة أو الإجابات لم يتغير ! أما في المنفردة فكانت المتغيرات مستمرة هناك . . والمشاهد المفجعة والحوادث المحزنة لم تتوقف : كانت استغاثات السجناء لا تكاد تكف ليلا أو نهارا . . والويل كل الويل لمن يضبطه العناصر وهو يصلي ! كانوا يمرون عليهم بلا ميعاد ٬ فإذا ضبطوا أحدهم من الطاقة يصلي أخرجوه
فأوسعوه ضربا وتعذيبا بلا رحمة ٬ وأما الكفر بالله والشتائم البذيئة فكانت ديدنهم حتى عندما يتخاطبون فيما بينهم ٬ لكنهم لم يكونوا ولله الحمد يضربوننا نحن النساء على ذلك ٬ وكنا نتمكن من الصلاة حتى تحت مراقبتهم . وكنت في بعض الأحيان أعطي ماجدة بعض الإشارات بالضرب على الجدار بيني وبينها ٬ واذا تأكدنا من خلو المكان من العناصر كنت أكلمها وتكلمني عبر الجدار ٬ وأذكر أن عنصرا أحس بنا مرة نتحدث في الليل فنهض بسرعة وأتى نحونا يصيح : أنا أسمع صوتا . . من هذا الذي يتكلم ؟ وحتى لا تكون سببا في تعذيب أحد من الشباب قالت ماجدة بثقة : أنا
. فسالها بغضب : مع من ؟ قالت : مع صديقتي . . أهو حرام ومرت الحادثة ولله الحمد بسلام . وأما والدتي فلم تكن تدخر فرصة للإتصال بي إلا واغتنمتها . . حتى ولو كلفها ذلك الكثير .

كانت كلما أرادت أن تخرج إلى "الخط 11 توقفت عند زنزانتي وتعلقت بقفلها لا تريد أن تتزحزح حتى يفتحوا لها فتراني وتحدثني ولو كلمتين ٬ فإذا ملوا أحيانا من سحبها ومدافعتها فتحوا لها الطاقة وقالوا : هيا شوفيها ولكن بلا كلمتين . . فترفض وتطلب أن يفتحوا الباب لها . . فيقولوا : ممنوع . ولم تلبث في اليوم الثاني من اعتقالها وبعد خروج بقية البنات من دوننا أن أضربت عن الطعام وعن الخروج إلى الحمام وحتى عن النوم حتى تراني . . ولم أدر بذلك إلا عندما حضر أبو عادل رئيس النوبة يقول لي : إذا التقيت أمك مرة ثانية فأعطيها دروسا في الدين . . قولي لها إن لجسدك عليك حقا . . ألم تدرسي ذلك في الشريعة؟ خليها تأكل . قلت له : هي أم وأنت تعرف كيف يكون قلب الأم . . والحق معها . وفي اليوم الثاني ومع استمرارها بالإضراب أتى الأمر بالسماح لها أن تراني وأراها ٬ فجاء أبو عادل ثانية وأخذني إلى زنزانتها وهو يذكرني بحديث الأمس ٬ وقال وهو يدفعنى إليها : مثلما اتفقنا . .قولي لها . . قلت له : ماذا أقول ؟ هي حرة . قال : ألا تريدين أن تساعدينا لتفك إضرابها ؟ قلت : ماذا يمكن أن أفعل . . ألا ترى وضعها ؟ الله يعينها ويساعدها . فالتفت إليها بغيظ وسالها : هل رأيت ابنتك ؟ ولم تكن رفعت نظرها إلي طوال ذلك الوقت لتقهرهم . . فقالت : لا . فقال : إذا ماذا تريدين ؟ والله حيرتينا ! قالت : أنت تعرف ماذا أريد . . وحتى يأذن الله . . هو أحسن منكم جميعا وهو أحكم الحاكمين . . وهو قادر على أن يقصف رقابكم ! فلم يجد ما يفعله إلا أن يضحك بغباء ويقفل الزنزانة عليها ويعيدني أنا لزنزانتي من جديد ٬ لكن إضرابها كان والله أعلم سببا للتعجيل بإنهاء التحقيق معنا ونقلنا بعد ثمانية أيام قضيناها في المنفردة إلى المهجع ٬لننضم هناك إلى بقية النساء المعتقلات .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-26, 09:06:13
إلى المهجع

لم نكن خلال الأيام الثمانية قد رأينا أيا من المعتقلات أو اتصلنا بهن باستثناء منيرة التي فتشتنا أول وصولنا ٬ لكنهن كن قد رأيننا من شق صغير في طاقة باب المهجع وعرفن بوجودنا كما أخبرننا لاحقا ٬ وذات مرة وأنا في طريقي إلى الحمام رأتني الحاجة مديحة إحداهن بجلبابي الأسود أعبر من أمام مهجعهن فدقت الباب تنادي أحدا من العناصر ٬ فلما جاءها حسين بادرته قائلة : أريد
أن أنفض البطانية . . افتح لي ! فأدخلني الحمام بسرعة ليخرجها ٬ فصارت تتحدث بصوت عال لنسمع صوتها ونعلم بوجود نساء وتصيح :فلانة . . هيا تعالي نظفي البطانية معي . . ثم مضت كعادتها تحاول استدراج حسين وسألته : كأن هناك أحدا في الحمام . . أنا أسمع صوت نساء ! أجابها وقتذاك : لا . . لايوجد أحد . . لوأن هناك نساء لأتينا بهن إليكن . لكنها استمرت تلح عليه حتى ضجر وسألها : خبريني أنت . . ماذا على بطانيتك ؟ لك ساعة تنفضين فيها ! قالت : صرصور . . ووالله ماعرفنا وين راح ! قال لها : إي يالله ادخلي وخلصيني . . فعادت وهي تلم البطانية تسأله بصوت خافت : هناك نسوان أليس كذلك ؟

فأجابها أخيرا : نعم . . وبكرة سيأتون إليكم فاطمئني . لكنها عادت تسأله : ألا تعرف من أين ؟ فأجابها : بكرة جايين لعندكم وستعرفي . . وتجلسوا تتحدثوا معا حتى تشبعوا حكي ! ثم أدخلها وأرجعني المنفردة ٬ لكنني كنت أسمعهما وأنظر بين حين واخر إليهما بدوري من شق باب الحمام ٬ فاستأنست بذلك بعض الشيء واطمأننت إلى أن هناك نساء غيرنا في هذا المكان الموحش . . وفي اليوم الثامن وبينما أنا في المنفردة جاء مدير السجن وأعطاني استمارة معلومات عامة عن الإسم وتاريخ الإعتقال وسببه وعدد الأيام التي أمضيت في المنفردة . . فأجبت بشكل عادي وكتبت أنني اتهمت بالإنتماء إلى تنظيم الإخوان ووقعت ٬ وبعد حوالي نصف الساعة حضر حسين وفتح الباب بسرعة وطلب مني القيام ٬ فسألته وقد ظننت أنها جولة أخرى من التحقيق والتعذيب والأخذ والشد والإتهامات : إلى أين ؟ إلى التحقيق ؟ قال :لا . قلت : إلى الإعدام ! قال : الان سترين .

قلت له : إذا كان الإعدام فسيكون أريح ! فأجابني ساخرا : لا . . لن نعدمك الان . قلت : واذا فمتى ؟ قال بلؤم : حتى تعترفي أنك منظمة . قلت له : طيب . . هل تعدمونني فعلا إذا اعترفت ؟ قال : اعترفي أولا والأمر بعد ذلك بينك وبين رئيس التحقيق ! أخرجني من المنفردة وساقني عبر الممر إلى باب اخر كبير وأسود فقلت لنفسي : خلاص . . رحت فيها . . إلى التعذيب من جديد !

فلما فتح الباب ودفعني باتجاه الداخل مددت رأسي بحذر فرأيت المكان مليئا بالنساء وكلهن يضعن شاشيات صلاة بيض على رؤوسهن فارتحت قليلا وخطوت نحوهن سلمت ٬ولكن الخوف كان لا يزال يتملكني ٬فيما أغلق السجان الباب ورائي وعاد بعد هنيهة بأمي وماجدة فأدخلهما وعلقها إلى السقف من يديها المكبلتين خلف ظهرها ٬ومضى يعذبها على ومضى ٬ وجعلنا في البداية نتلفت حذرات خشية أن يكون بين هؤلاءالنسوة جاسوسة أو مخبرة ٬ولم تلبث أمي أن انفجرت بالبكاء في اللحظة التي اندفعت أنا نحوها وعانقتها ٬ وكأنها أحست أنهم وضعونا في المهجع ولن يخرجونامنه إلى الأبد. . فجعلت تزدادبكاءوتدعوعليهم بحرقة وتجهربالدعاء. . في تلك اللحظة تقدمت واحدة من النساءوهي تمدإليهايدهاوتقول : ابوي . . لا تبكي ولا على بالك . . حطي إيديك
ورجليك بمي باردة واقعدي .. ولاراحة لمؤمن إلابلقاءربه ! كانت هذه هي الحاجة مديحة أ.أول من دخل السجن من النساء كانت الأيام التي أمضيناها معها أكثرمن كافية لنسمع منهاومن بقيه السجينات حكاية اعتقالهن وقصص تعذيبهن ومآسيهن .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-26, 09:06:37
تعرية . . وتعذيب . . وقص اللسان!

كانت الحاجة مديحة في الأربعينيات من عمرها ٬ وهي امرأة معروفه في حلب تدرس النساء دروسافي الدين على الرغم من أنها تكادتكون أمية لاتقرأ أوتكتب وكانت قد جعلت من بيتهاقاعدة سكن فيها بعض الملاحقين ٬وبينما كانت ذاهبة إلى موعدخارج البيت لتسليم رسالة ألقوا القبض عليها نتيجة فسادة من سامح كيلاني –عيمل المخابرات الآخروجاسوسهم داخل تنظيم الإخوان وحملوها مباشرة إلى فرع مخابرات أمن الدولة ٬ وهناك ازدادت نقمة رئيس الفرع عمرحميدة عليها حينما استطاعت رغم التعذيب الشديد أن تراوغهم فترة كافية تمكن الشباب في بيتهامن الهرب بعدمضي فترة أمان كانوا متفقين  عليها فيما بينهم . . ونتيجة جرأتها وصلابة ردودها ازداد حميدة غيظا منها فختم لها حفلة التعذيب بأن قص لها طرف لسانها بالمقص . . وفقدت قطعة منه بالفعل ! ولقد قصت علينا أن حميدة عراها في البداية من ملابسها وعلقها إلى السقف من يديها المكبلتين خلف ظهرها ٬ ومضى يعذبها على هذه الحالة ويسمعها أقذع الشتائم وأبشع العبارات . .
ثم أمر بإحضار أخيها الأصغر وعرضها عليه بهذه الحالة وساله :هل عرفتها؟ قال الولد بصدق : لا . . من هذه ! أجاب حميدة بتشفي : أختك مديحة . فأغمي على الولد فورا ولم يعد يحس بشيء ٬ وأعادوه إلى البيت وهو لا يزال في غيبوبته . . واستمرت حفلة التعذيب ساعات عديدة تأكدت بعدها أن الشباب غادروا البيت كما يفترض فدلتهم عليه ٬ ولما لم يجدوا هناك إلا آثارهم وحسب عاد حميدة غاضبا يقسم أنه سيقص لها هذا اللسان الذي كذب عليهم وخدعهم . . وقصه بالفعل ! لكنها ولله الحمد شفيت بسرعة وعاد اللسان فنما بشكل طبيعي ٬ بل إن مدير السجن المدني بدوما المقدم عماد وكان سيىء الخلق جدا قال لها بعد ذلك بسنوات : قطعنا لك لسانك ليقل كلامك فلا أراه إلا ازداد طولا ! وبعد اعتقالها الذي كان قد مضى عليه نحو الشهرأتوا بها إلى كفر سوسة مرورا بسجن المسلمية بحلب مع مجموعة السجينات الأخريات : أم شيماء ٬ وزوجة عبد العزيز سيخ ٬ وعائشة ق . فيما أفرجوا عن عدد اخر من البنات والنساء كانت بينهن – فيما روين لنا – سناء . . . . . ٬ و . . . . . . وكانت تسكن مع الحاجة مديحة وتلازمها في بيتها ٬ ولذلك كانت تدعوها الحاجة ابنتها ٬ وزوجة عبد القادر حربلي ووالدتها من بيت القطان ٬ وسيدة أخرى وكانت عروسا في شهرها السادس وفي السادسة عشرة من عمرها ٬ أمسكوا زوجها نتيجة وشاية من سامح كيالي أيضا وجعلوا يعذبونه ليعترف بمكان القاعدة التي اتهم أنه يديرها ٬ فلما لم يفعل
أحضروا الزوجة بأمر من حميدة أيضا واعتدوا عليها أمامه قبل أن يرسلوه إلى تدمر فيقتل لاحقا هناك في المجزرة الكبيرة التي جرت . . وأفرجوا عن المرأة وقد سقطت عنها كل الإتهامات !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-26, 09:07:09
وترك لها جوربان

تقدمت الحاجة مديحة تخفف عن أمي وعنا ٬ وتبعتها بقية البنات : أم شيماء ٬ وعائشة ق . ومن ورائهما كانت منيرة التي فتشتني أول دخولي تنظروتبتسم ! وأما عائشة فهي طبيبة من حلب قامت بعلاج جريح من الشباب الملاحقين فبلغ النبأ المخابرات واعتقلوها من بيتها ٬ وقالت لهم وقتها إن أشخاصا أتوا إليها كأي طبيب وسألوها أن تعالج جريحا ففعلت ٬ ولم تسألهم عن هويتهم لأن مهمتها الإنسانية خدمة الناس لا التحقيق معهم  ٬لكن جوابها لم يرق لهم ٬ واعتقدوا أنها تداوي كل جرحى الملاحقين ومصابيهم ٬ وقد تولى التحقيق معها مصطفى التاجر أول الأمر فسألها في البداية : أترضي أن تبقي بلا حجاب ؟
قالت : لا طبعا . . قال : فما رأيك إذا أن تبقي بلا جلباب ؟ فانتفضت تتطلع إلى مكان تلتجئ إليه ٬ لكن المجرم لم يترك لها فرصة وهجم عليها كالوحش يصفعها ويضربها وهو يمزق ثيابها قطعة بعد قطعة وهي مكبلة تقاوم بكل ما أوتيت من قوة دون أن تستطيع الدفع . . فلما مزق كل شيء ووصل إلى جواربها قال لها : سأتركهم عليك حتى لا تبردي ! وأمر فمددوها على "بساط الريح " ومر عليها بكافة أنواع التعذيب : الخيزران والعصي والكهرباء . . علاوة على نزع نظارتها الطبية وحرمانها من استعمالها فترة من الزمن . . ثم أتى دور عمر حميدة فأجلسها على كرسي وقد كبل أيديها وأرجلها من الخلف ببعضهم البعض وجعل يطفىء أعقاب السجاير فى اعف منطقه ببدنهاليطفىء بعضا من نيران حقده الاسود ويودعها الزنزانه من ثم بضعه ايام قبل ان تنقل مع بقيه المجموعه الى كفر سوسه .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-26, 09:07:42
فنون التعذيب !

كانت إيمان ت . "أم شيماء" راجعة إلى بيتهم مع زوجها وابنتها الرضيعة شيماء وكانت في الشهور السبعة أو الثمانية من عمرها ٬ وعندما بلغوا مدخل البناية لاحظوا مؤشرات غير طبيعية في المنطقة ٬ فتقدمت ايمان ووضعت المفتاح في القفل لتفتح ٬ فيما كان الزوج والطفلة معه ينتظر أسفل الدرج ٬ فما أن فعلت حتى أحست كما روت من بعدصوت تلقيم السلاح من الداخل ٬ فأعطته إشارة سريعة بالهرب ٬ في الوقت الذي فتح عناصر المخابرات الباب بسرعة وأمسكوا بها وسحبوها إلى الداخل ٬ وفي إحدى غرف البيت دخل عليها رئيس الدورية يسألها عن زوجها وعن الشباب الذين كانوا معها في البيت لأ نهم دخلوه ولم يكن فيه أحد ٬ وهؤلاء جميعا أبلغ عنهم سامح كيالي ٬ فقالت إنها لا تعرف شيئا ولا تعرف أين ذهب زوجها ولا من كان معه ٬ فجعل يهددها بالإعتداء عليها إن لم تبلغه المعلومات فأصرت على الإنكار ٬ فنفذ تهديده بالفعل وحاول فعل ذلك ٬ لكنها قاومته بشدة وراحت تتصارع معه فأنجاها الله وألقى في قلبه الرعب فلم يتمكن منها كما أراد . .

وبعد ذلك نقلوها إلى الفرع عند عمر حميدة الذي اتبع نفس الطريقة معها ٬ فشبحوها في السقف بأن كبلوا أيديها خلف ظهرها وعلقوها منهما مرفوعة عن الأرض فكأنما هي الذبيحة بين يدي الجزار ٬ وجعلوا يضربونها ويعذبونها وهي على هذه الحالة لا حول لها ولا قوة ٬ ثم وضعوا لها الكهرباء في صدرها والحليب يقطر منه زيادة في التعذيب والإهانة . .

وبعد انتهاء التحقيق ومن غيرأن تدان المسكينة بشيء نقلوها إلى كفر سوسة مع عائشة والحاجة مديحة ٬ لنجتمع واياهن في هذا المهجع المقيت !

**************
وتابعوا معي إخوتي لأبدأ بالجزء الثاني من الفصل الثاني بإذن الله .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: Al-Muslim في 2011-04-26, 09:32:14
حسبك!
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-26, 10:15:02
حسبك!

ولكن على العالم كله أن يعلم ....فإلى متى يبقى الكذّابون  وحدهم يوصلون كذبهم وينشرونه وما للحقيقة من وقع ولا أثر ؟؟ ، كيف سيوصل الصادقون الحقيقة إذن ؟؟
لا بد من عذاب .....وهو لا يساوي شيئا أمام من عاشوه حقا .......لا بد أن نشاركهم ولو جزءا بسييييطا منه .......إلى متى يبقون وحدهم مغيّبين ؟؟؟ كيف سيكون نصرهم إذن؟؟ وكيف سيؤخذ لهم بالثأر ؟!!  ومادمت قد قلت ذلك فأنت لم تكن تعلم بالكتاب  -مع علمك بالكثير الآخر المؤلم- ..... إذن فقد حان أوان أن نعرف كل شيء، وألا نبقى مغيّبين عن حجم آلام أمتنا الحقيقي
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: Al-Muslim في 2011-04-26, 13:53:21
عذراً يا أسماء تابعي من فضلك..
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أسيرة الصفحات في 2011-04-26, 14:28:47
أقرأ
من أجل هبه , و رفيقاتها
هي التي عانت كي يصل هذا الكتاب الى الناس , إلينا
من أجل أن ندرك جميعا الحقيقه
فكفى
كفى كذبا على الشعوب
كفى إدعاءات بالديموقراطيه
فنحن لسنا خرافا لنصدقهم
أرجو المتابعه
لا حول و لا قوة إلا بالله
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: Al-Muslim في 2011-04-26, 15:02:38
سمعت كثيراً من شهادات أحبة لي بعد خروجهم من المعتقلات لا تقل وحشية ولا إجراماً عن ما نقلته أسماء. لكن لم أحتمل أن تكون الضحية امرأة مؤمنة، شعرت بالدم يغلي في عروقي والتمست في لحظة العذر لكل من حمل السلاح في وجه هذا النظام المجرم الجبان الحقير.. تخيلتها أمي.. وأختي.. وزوجتي.. وابنتي.. تخيلت هذا يحدث في معتقلات سوريا اليوم وأنا أنظر برعب لمشاهد الفيديو التي تضم مظاهرات نسائية..

أستغفر الله من كل مرة تعجبت فيها شدة آيات النار كيف يقول بها الله الرؤوف الرحيم.. اللهم اكوهم بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة واشف صدور قوم مؤمنين.
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-26, 15:10:10
سمعت كثيراً من شهادات أحبة لي بعد خروجهم من المعتقلات لا تقل وحشية ولا إجراماً عن ما نقلته أسماء. لكن لم أحتمل أن تكون الضحية امرأة مؤمنة، شعرت بالدم يغلي في عروقي والتمست في لحظة العذر لكل من حمل السلاح في وجه هذا النظام المجرم الجبان الحقير.. تخيلتها أمي.. وأختي.. وزوجتي.. وابنتي.. تخيلت هذا يحدث في معتقلات سوريا اليوم وأنا أنظر برعب لمشاهد الفيديو التي تضم مظاهرات نسائية..

أستغفر الله من كل مرة تعجبت فيها شدة آيات النار كيف يقول بها الله الرؤوف الرحيم.. اللهم اكوهم بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة واشف صدور قوم مؤمنين.

معك كل الحق يا مسلم، وأشعر بما تشعر ....... وهبة وأنا أقرأ لها أرى نفسي مكانها فأكتوي بنار ما يلحقها، وأضع يدي على قلبي احتراسا من أن يلحق بها ما هو أعظم ......!! والموت أهون ألف مرة من سجن لا تغفل فيه عين المرأة  مرة إلا وهي تخاف القادم الفظيع وتتمنى الموت أمنية أمامه

ولهذا كله ..........يجب أن يرحل هذا الوحش من الديار ........وسيرحل بإذن العزيز الحكيم العلي القدير الذي يرى ويسمع ويدافع عن عباده المؤمنين

نعم يا سلمى سأكمل بإذن الله فانتظرونا ........وفي كل الأحوال تذكروا أن هبة خرجت من السجن وكتبت كتابا ولله الحمد
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حلم في 2011-04-26, 16:14:17
من أكثر المواقف التي أثرت في يا أسماء  وأنا أقرأ ما ترويه هبة من أحداث ما بين تعذيب وتهديد
كان عندما حاول خلع حجابها عنها والخوف والرعب الذين  شعرت بهما وقتها
فسبحان الله ظلت متماسكة قوية حتى هددوها بخلع جلبابها عنها .

هكذا هي المسلمة المؤمنة ... حجابها غالي .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 10:39:06
من أكثر المواقف التي أثرت في يا أسماء  وأنا أقرأ ما ترويه هبة من أحداث ما بين تعذيب وتهديد
كان عندما حاول خلع حجابها عنها والخوف والرعب الذين  شعرت بهما وقتها
فسبحان الله ظلت متماسكة قوية حتى هددوها بخلع جلبابها عنها .

هكذا هي المسلمة المؤمنة ... حجابها غالي .

وهو من أغلى غواليها .......
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 10:43:17
ولن أكتم ما لا أستطيع له كتما ............


اقتباس
٬ فصار المحقق يعوض عن ذلك بالضرب بالخيزرانة وأنا واقفة ٬ فطال بذلك كل جسدي

ضربهم الله ضربة من عنده وأخذهم بأخذه وهو العزيز المقتدر

اقتباس
فإذا ضبطوا أحدهم من الطاقة يصلي أخرجوه فأوسعوه ضربا وتعذيبا بلا رحمة

إنها الصلاة !!  الجرم الأكبر ....وفي دول لا تدين بالإسلام يحترمون المصلي، بل إن قريبنا وهو يعالج بفرنسا، تغلق الممرضة الفرنسية  دونه الباب حينما يصلي وتضع له السجادة، وتبلغ غيرها ألا يكلموه أو يكثروا من الكلام حوله وهو يصلي !!  

اقتباس
وكنت في بعض الأحيان أعطي ماجدة بعض الإشارات بالضرب على الجدار بيني وبينها ٬ واذا تأكدنا من خلو المكان من العناصر كنت أكلمها وتكلمني عبر الجدار ٬

نعم هي اللغة التي يتعلمها المضطر، فيتعودها وتصبح وغيرها طريقة عَيش في مكان لا يشبه المكان في شيء .... !!

اقتباس
ولم تلبث في اليوم الثاني من اعتقالها وبعد خروج بقية البنات من دوننا أن أضربت عن الطعام وعن الخروج إلى الحمام وحتى عن النوم حتى تراني

هي الأم ....تنسى نفسها ولا تفكر إلا بأبنائها، فكيف بابنة (فتاة !!) معتقلة ....لا بد أن قلبها يعتصر ألما عليها وينفطر خوفا

اقتباس
فالتفت إليها بغيظ وسالها : هل رأيت ابنتك ؟ ولم تكن رفعت نظرها إلي طوال ذلك الوقت لتقهرهم . . فقالت : لا . فقال : إذا ماذا تريدين ؟ والله حيرتينا ! قالت : أنت تعرف ماذا أريد . . وحتى يأذن الله . . هو أحسن منكم جميعا وهو أحكم الحاكمين . . وهو قادر على أن يقصف رقابكم !

والله يا خالة .....شفيت شيئا من غيظنا بكلماتك للظلام .....

اقتباس
لكنني كنت أسمعهما وأنظر بين حين واخر إليهما بدوري من شق باب الحمام ٬ فاستأنست بذلك بعض الشيء واطمأننت إلى أن هناك نساء غيرنا في هذا المكان الموحش.

وأي أنس؟؟ أنس السجينة بالسجينة، ولكن السبب الذي جمعهن واحد، فأمثالهن مثال الصداقة الحقة، ويقال أن صداقة السجن من أوثق الصداقات ... !! ربما لأن الهم يجمع

اقتباس
في تلك اللحظة تقدمت واحدة من النساءوهي تمد إليها يدها وتقول : ابوي . . لا تبكي ولا على بالك . . حطي إيديك ورجليك بمي باردة واقعدي .. ولاراحة لمؤمن إلابلقاءربه

لا راحة للمؤمن إلا بلقاء ربه .......أشعر كم تستشعرنها أنتن أكثر من أي كان ....فما أجمل شعوركن بها

اقتباس
وهناك ازدادت نقمة رئيس الفرع عمرحميدة عليها حينما استطاعت رغم التعذيب الشديد أن تراوغهم فترة كافية تمكن الشباب في بيتهامن الهرب بعدمضي فترة أمان كانوا متفقين عليها فيما بينهم . . ونتيجة جرأتها وصلابة ردودها ازداد حميدة غيظا منها فختم لها حفلة التعذيب بأن قص لها طرف لسانها بالمقص . . وفقدت قطعة منه بالفعل ! ولقد قصت علينا أن حميدة عراها في البداية من ملابسها وعلقها إلى السقف من يديها المكبلتين خلف ظهرها ٬ ومضى يعذبها على هذه الحالة ويسمعها أقذع الشتائم وأبشع العبارات . .ثم أمر بإحضار أخيها الأصغر وعرضها عليه بهذه الحالة وساله :هل عرفتها؟ قال الولد بصدق : لا . . من هذه ! أجاب حميدة بتشفي : أختك مديحة . فأغمي على الولد فورا ولم يعد يحس بشيء ٬ وأعادوه إلى البيت وهو لا يزال في غيبوبته

عذب ....عذب فلن تقتل فيها إيمانها.....بل قد ازداد ....عذبكم الله وشفى بعذابكم صدور قوم مؤمنين يا جبناء يا معذبي النساء

اقتباس
وسيدة أخرى وكانت عروسا في شهرها السادس وفي السادسة عشرة من عمرها ٬ أمسكوازوجها نتيجة وشاية من سامح كيالي أيضا وجعلوا يعذبونه ليعترف بمكان القاعدة التي اتهم أنه يديرها ٬ فلما لم يفعل    أحضروا الزوجة بأمر من حميدة أيضا واعتدوا عليها أمامه قبل أن يرسلوه إلى تدمر فيقتل لاحقا هناك في المجزرة الكبيرة التي جرت . . وأفرجوا عن المرأة وقد سقطت عنها كل الإتهامات !    

لا قول يشفي هنا !!!!.......... قاتلكم الله وانتقم منكم
أما تعذيب الطبيبة عائشة، وأم شيماء فلا أجد ما أقول ....لا أجد ....ومازال بسجون سوريا نساء؟؟؟ !! يا إلهي رحمتك بهن وحفظك لهن يا رب فالموت أهون ألف ألف أللللف مرة .....


**********

تابعونا ورغم كل ألم سنكمل ....لأنه لن يكون بألم استمرار الخنوع والصمت على جرائم لا توصف
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 12:06:06
الفصل الثاني الجزء الثاني

سحل القتلى

أما رابعة نزيلات المهجع وقتها فكانت أما من إدلب لأربعة أو خمسة أولاد من إدلب اسمها فوزية ح . هذه السيدة استشهد زوجها وهو يقاوم أثناء مداهمة قاعدتهم بحلب ٬ وقامت السلطة بعد مقتله بسحل جثته أمامها بالدبابة في شوارع المدينة ثم اقتادوها للسجن وعذبوها أشد العذاب . وعلى الرغم من أنها لم تتحدث عن ذلك كثيرا وكانت من النوع الذي يؤثر الصمت إلا أننا بقينا نرى اثار التعذيب على أرجلها والزرقة مكان أظافرها المقلوعة إلى حين ٬ وبقيت فوزية في الشهور الأولى معتدة على زوجها لا تكاد تكلم أحدا وتسارع كلما فتحوا الباب أو الطاقة فتغطي رأسها بالبطانية وتدير وجهها إلى الجدار .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 12:06:29
أبناء النظام ضد النظام !

هؤلاء كن السجينات الأربع المتهمات بالإنتساب أو ألتعاون مع الإخوان ٬ وأما الخامسة منيرة كامل مصطفى فكانت من تصنيف اخر وحال مختلف : كانت البنت التي لم تجاوز الثامنة عشرة من عمرها واحدة من بنات القرى الساحلية العلويات ٬ شكل والدها وأخوتها وبعض أصدقائهم تنظيما ضد الدولة شيوعي التوجه وصاروا يصدرون منشورات تحض على كراهية النظام ٬ وكانت معتقلة مع أخيها أيضا الذي لم يكن يجاوز السادسة عشرة من عمره ٬ فاعتبروهما مجرد مراهقين يقومان بأعمال طائشة ٬ وقالوا بأنهم سيتركونها في  لسجن حتى يكتمل عقلها وينضج تفكيرها ٬ لكنهم كانوا متساهلين معها إلى أبعد الحدود ٬ فسمحوا لها بالزيارات ٬ وبإحضار جهاز راديو إلى زنزانتها ٬ وبزيارة أخيها في القسم الجنوبي من السجن ومقابلته ٬ وعندما عرف الشباب المعتقلون معه بذلك صارون يقسمون زياراتهم (أي الأ غراض التي تأتي لهم في الزيارات المتاحة) ويرسلون قسما منها مع منيرة إلينا وكنا فى البدايه نشك بها جميعا ونحذر أن تكون متعاملة مع المخابرات ٬ لكنها كانت لطيفة جدا وطيبة القلب ٬ حتى أن الحاجة مديحة سالتها مرة بين المزاح والجد : نحن لن نبين لك أي شيء ولن نتكلم أمامك عن وضعنا لأننا نخاف أن تذهبي إلى المقدم وتحكي له . . فأجابتها منيرة بطيب خاطر : تأكدي تماما أنني لست من هذا النوع ٬ ولو كنت لما وجدتني معكم هنا . وعلى الرغم من أنها ظلت متمسكة بشيوعيتها بعد العديد من المناقشات بينها وبين البنات ٬ إلا أنها كانت تحترم تديننا ٬ فكانت تخفض صوت الراديو إذا كنا في صلاتنا أو تلاوتنا وتراعي مثل هذه الأمور ٬ وعندما أضربنا في وقت لاحق شاركت معنا ووقفت إلى جانبنا حتى النهاية .


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 12:06:50
هافي طاقة !

هؤلاء كن صحبة المهجع الأوائل ولشهور عدة قبل أن يفد نزلاء جدد ويغادر البعض من بعد . . وأما المهجع نفسه وهو الثاني في التسلسل العددي لمهاجع القسم فكان عبارة عن غرفة متوسطة الحجم ثمة حمام على يسار الداخلين إليها فوقه دوش ولكن من غير باب ٬ ولحل ذلك مددنا حبلا استخرجناه من وسط إحدى "التنورات " التي معنا وعلقنا عليه إحدى البطانيات القليلة التي أعطونا إياها كحاجز . وكان الحمام يحتوي أيضا على سخان كهربائي خصوا به مهجع النساء فقط ٬ فلم تكن لمهاجع الشباب لاحمامات ولاسخانات ولا حتى صنابير ماء ! ولكن ذلك كان سببا لكي يخرج الشباب مرتين أو ثلاث إلى "الخط " أو إلى الحمامات بعد كل موعد طعام ٬ وأما باب مهجعنا فلم يكن بابه يفتح غالب الأوقات ٬ ولم يكن له منفذ اخر غير فتحة تسمى نافذة اصطلاحا وهي في الحقيقة مجرد فراغ بين أعلى الجدار من الداخل قريبا من السقف وبوابة السجن الرئيسية من طرفه الآخر على مستوى الأرض فيها ٬ وبين الجهتين ثمه طبقات من القضبان الحديديه والشباك الخشن والناعم إلى درجة لاتسمح حتى بمرور الهواء نفسه وتحجب وصول أي شعاع ضوء ! ولذلك كنا في عز البرد نستغيث من الحرارة وانعدام الهواء النقي ٬ ونرجوهم أن يفتحوا لنا طاقة الباب أو أن يأتوا لنا بمروحة تحرك الأ نفاس الراكدة على أقل تقدير ٬ فكان السجان ياسين على الأخص يرفض أن يفتح لنا الطاقة لنتنفس ٬ فإذا رجته إحدانا ازداد تعنتا وجعل يكرر كالآلة على مسامعنا عبارة واحدة أثيرة لديه : هافي أي لا توجد طاقة . فتقول له الحاجة : طيب أحضر لنا مروحة أو أي شيء يمكن أن يغير جو الغرفة فإنا نكاد نختنق . فلا يجيب إلا بنفس الإجابة : هافي
طاقة . . هافي مروحة . . هافي باب ! وكان يوم عيد لنا يوم أن سمحوا لنا بعد ثمانية أشهر من الإعتقال بالتنفس خارج جدران المهجع مرة أو مرتين في الأسبوع . . فيما لم يجيبوا طلبنا الثاني بشأن المروحة إلا بعد انقضاء أكثر من سنتين على الإعتقال . .وامتلاء المهجع بالنزيلات حتى غص بهن ٬ وكدن من فرط المعاناة وشدة الإزدحام أن يقضين نحبهن ! الهمس ممنوع . . والزمن معدوم . .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 12:07:15
والشكوى مذلة !

كانت الأيام تمر بطيئة ورتيبة . . وبدأنا لذلك نعتاد أن ننسى الوقت ونغفل عن جريان الزمن ! كنا لا نستطيع التفريق بين الليل والنهار ونصلي على التقدير . . ونحسب الأيام بتبدل دفعات السجانين وبتباعد تاريخ اعتقال كل واحدة منا ٬ وأما ضوء المهجع الذي كان يشعل ويطفؤ من الخارج فكان يزيد تعميق الشعور لدينا بتساوي الليل والنهار . . وبالطبع فلم تكن النافذة لتسمع عمقهما وتعدد طبقات القضبان والشبك فيها بالاشارة إلى أي تبدل في المواقيت أو الزمان ٬ علاوة على الظلمة التي تسود بطبيعة الحال في فصل الشتاء . وزيادة في إشاعة القلق الدائم والتوتر فينا لم يكن مسموح لنا بالكلام إلا همسا  ٬ومجرد أن يسمع أحد العناصر صوت واحدة منا كان يخبط الباب بالكابل خبطة مرعبة وهو يصيح بنا أن نخرس أو أن نخفض الصوت ! وعلاوة على ذلك كانوا إذا أرادوا مناداتنا لأمر ما خاطبونا باسم رجل لا بأسمائنا . . فكنت على سبيل المثال أنادى غالب الأحيان باسم محمد إ! ويبدو أن أمي قررت بعد أسبوعين تقريبا من اجتماعنا في المهجع أن تكسر هذا الجو المرعب بطريقتها وتخترق أسوار الارهاب . . فطرقت الباب بلطف في البداية وسألت حسين أن يحضر لنا مصحفافقال لها باستغراب : وهل تظنين أنك في بيتك أو في قصرلتطلبي على كيفك ! ألا تعلمين أن المصحف ممنوع هنا؟ فسألته وهي لا تزال محافظة على هدوئها : لماذا ؟ قال بشراسة : لأنه لا توجد مصاحف هنا في الفرع .

فقالت له : رأيتهم بعيني مكدسين في غرفة التحقيق وأصحابهم جالسين في المنفردات . وكانت تتحدث عن الشباب الذين أحضروهم يوم اعتقالنا الأول من المسجد دفعة واحدة ووجدوا
معهم مصاحف حفاظ صغيرة فصادروها . . فأجابها بصلف : لكن تلك المصاحف للحرق لا للقراءة ! فعادت ترجوه بلطف وتقول له : أعطنا واحدا منهم فقط ولن يراك أحد أو يحاسبك . . وحتى لو كان صغيرا فليست مشكلة . . فقال لها ممنوع وأغلق الطاقة .

فعادت ودقت وكررت عليه الرجاء فأجابها نفس الجواب وصفق الطاقة بوجهها من جديد . فعادت ودقت بقوة فحضر عنصر أخر علوي اسمه ابراهيم فسألته نفس الطلب ٬ وكانت أجابته كما أجاب من قبله : ممنوع . . المصحف هنا ممنوع . . . فقالت له إذا أعطني ورقة لأقدم طلبا إلى رئيس الفرع . فقال لها:لايوجدلدي ورق .. وبعدمماطلات ومشادات كل ومل وأعطاها ورقة قدمت عليها طلبا للمقدم ٬فأرسل ذاك وراءهاوبهدلهاوقال لها: لاتوجد مصاحف هنا.

وأضاف :لماذا تريدينهالتقرأى وتدعى علينا فلما عادت وأخبرتنا بذلك قررنا الإضراب عن الطعام . . وامتنعناعن استلام وجبتي الإفطار والغداء . .فهددونا إن لم نفك الإضراب بالعودة إلى المنفردات ٬ وقطعوا الماء عن المهجع زيادة في الضغط ٬ وكانت أول تجربة لنا فتوقفنا عن المطالبة وما عدنا تكلمنا بشيء وفي اليوم الثاني عادت أمي فطلبت ورقة وقلما لتقدم طلبا اخر للمقدم فحضرأبوعصام مديرالسجن وسألها ماذا تريدين فقالت اننانعاني ضيق الخلق ونريد أن نتسلى بالمصحف فقال لها ولماذا لا تتسلي بأشياء ثانية . قالت : مثل ماذا ؟ قال :كمايتسلى الشباب . . بشغل العجين قالت له : طيب علمنا .

فقال لها:سأذهب فأسألهم لك وأعودبالجواب وبالفعل لم تمض حوالي الساعة حتى عادأبوعصام ومعه مصحف قديم جدا لا أدري من أين أتى به ولكنه جيد وكبير فقسمناه من فورنا أجزاء أجزاء ٬وكانت لدينا كرتونة لا أدري من أين أيضا فغلفنا الأجزاء بها ورقمناهم وصرنا نتلو ونحفظ منهم ٬ وعاد عنصربأمرمن أبي عصام إلينا فعلمنا كيف يشتغل الشباب بالعجين .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 12:07:48
اوراد ..وأذكار ..وتسالى

كان الشباب السجناء ياكلون من الخبز وجههالناضج وحسب ويجمعون العجين من قلبه فيعجنونه مره ثانيه اذا تكدست كميه كافيه منه ويخمرونه بلعابهم ثم يعيدون عجنه حتى يصبح متماسك القوام فيصنعون به اشكالا وتماثيل مختلفه ومسابيح جميله جدا حتى ان رئيس الفرع احتفظ بطائره من صنع الشباب فى مكتبه ظننتها اول ما رايتها هناك مصنوعه من الفضه وكان العناصر يحضرون للشباب الوانا يستخدمونها ايضا فى تجميل انتاجهم لياخذوه منهم آخرالامر بالتاكيد وهكذا دخل حياتنا الرتيبه عنصر جديد وبدانا بصنع المسابيح اول الامر فكنا نمضى ساعات نعرك فيها العجين ونخمره ونكوره ثم انتقلنا بعدها الى صنع الاطواق وعلاقات المفاتيح والاشغال البسيطه وعندما تطورت خبرتنا ادخلنا التلوين بطريقتنا الخاصه فصرنا نطلب من بعض العناصر ان يعطونا طحل القهوه او بقايا لنلون به ثم لما سمحوا لنا بالادويه فى الفتره الاخيره استخدمنا بعضها بعد اذابته اوسحقه كعنصرتلوين وكانت المفاجاه بحق حينما وجدنا الحاجه مديحه د تمكنت من تهريب اسياخ لشغل الصوف حينما حضرت من سجن المسلميه وكانت واحده اخرى من البنات قد احضرت قطعه ملابس صوفيه قديمه معها فكررنا وجعلنا نتسلى بشغل الصوف ايضا وبدانا فى فتره لاحقه
بجمع نوى الزيتون اذا حصلنا عليه وحفها وصنع مسابيح منها لكن احد العناصر عندما اكتشف اننا نحفها على جدار المهجع لخشونته نهانا عن ذلك خشيه ان تكون اشارات نكتبها لاحد فصرنا نجمعها وناخذها معنا فنحفها على ارض الساحه وقت التنفس وصارت امى تبتكراشياء جديده بسيطه ومسليه لنا وتعلمنا من الالعاب مالم نكن نعلم فعلمتنا مثلا لعبه الكاس وكان لدينا واحده من البلاستك فكنا نتحلق حولها ونديرها الى ان تتوقف عند احدى البنات فكان عليها ان تجيب على اى سؤال يوجه اليها بسرعه وصراحه وكنا نجتمع على هذه الالعاب ونستمتع بها لا يشذ عنا إلا الحاجة مديحة التي كانت تسخر منا ولا ترتاح كأنما لاتفاقنا . .

وترانا دائما أقل منها سنا ومنزلة وخبرة وتحسنا وكأننا ضد طباعها في كل شيء ! وبرغم المعاناة والتوتر استطعنا أن ننظم أوقاتا لتلاوة القرآن الكريم وحفظه وتلاوة الأوراد والمأثورات والتهجد . . حتى صارت البنات يتبارزن من تستطيع أن تصلي أكبر قدر من القران في تهجدها . . فإذا قدرنا دخول وقت الفجر صلينا وجلسنا إلى المأثورأت والضوء مطفؤ بالطبع لنبدأ بعدها بقراءة ياسين أربعين مرة وحزبا من القرأن على نية الفرج وتيسير الأمور ٬ ونكرر الشيء نفسه في المساء . وكنت أبقى مع ماجدة بعد انتهاء ورد الصباح نراجع حفظنا من القران حتى ننعس فننام أو نكمل اليوم بلا نوم . وكانت والدتي تظل صاحية بعد الفجر حتى يدخل وقت الضحى فتصليها وتنام بعدها برهة من زمن .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 12:08:08
أحاديث عبر الجدار !

وخارج جدران مهجعنا كان لأكثرنا تسلية وتسرية من نوع اخر ٬ فكنا نترقب وقت خروج الشباب بعد الإفطارإلى الخط فيقبل بعضنا إلى شق في طاقة بابنا تراقب ما يجري وتترقب بعضهن أن ترى أخا لها أو قريبا بينهم . . ولم تكن هذه هي الصلة الوحيدة بيننا وبين الشباب ٬ فلقد اكتشفت البنات قبلنا وجود فراغ بسيط حول انبوب التدفئة بين مهجعنا والمهجع المجاور فطلبن من العناصر رطوما بحجة استعماله في الحمام فأحضروه لهم ٬ فمددوه عبر الفراغ وصرن يحادثن الشباب عبره أو يمررن لهم الماء من خلاله لأن المهاجع الأخرى باستثنائنا لم تكن فيها حمامات أو صنابير مياه كما قلت ٬ ولم يكونوا يسمحون لأحد بطلب ماء أو الذهاب للحمام إلا في المواعيد . . ولقد حدث بعدها أن واحدة من السجينات الجدد متهمة بالتعامل مع العراق اسمها أم كامل فسدت علينا ٬ فقام العناصر بسد الفتحة بالإسمنت ٬ فلجأنا إلى التخاطب عبر الأ نبوب المعدني نفسه بالطرق عليه كإشارة أولى ٬ وكانت الحاجة تتولىالحديث بعدها أغلب الأحيان لأن مكانها كان مجاورا للأنبوب ٬ فكانت تنتظر هدوء الأحوال ونوم الحرس لتقرع على الأ نبوب وتحادث الشباب بصياح مكتوم تخفيه قدر ما تريد أن تبديه خشية أن يسمعها أحد من العناصر ! وكانوا في تلك الفترة يتعمدون معاملة الشباب أسوأ ما يمكن ٬ وينقلون دفعات منهم إلى تدمر كل يوم ٬ وكان الشخص الموكل بذلك وينادونه أبا طلال يأتي قبل صلاة الصبح فيقرع باب المهجع الذي فيه المطلوبون بكلبشات يحملها
بيديه ثم يبدأ بتلاوة أسمائهم واحدا بعد الاخر ٬ وبعد أن ينتهي من سرد القائمة التي كانت تبالغ عشرين أو ثلاثين اسما كل يوم يصطف الشباب المساكين في الظلام فيكلبش كل اثنين منهم من أيديهما وأرجلهما معا . . فمنهم من يتجلد فيمضي ٬ومنهم من يصيح ويستغيث ٬ ومنهم من يغمى عليه وقد أحس بدنو منيته ٬ فيشحطون هؤلاء على أرض السجن إلى سيارة بانتظارهم كالذبائح تماما تقاد إلى المسلخ . . وربما استفرغ بعضم أو فعلها تحته من هول الخبر ٬ فلا نستطيع ونحن نسمع هذه المأساة كل فجر يوم إلا البكاء والدعاء . . وكانوا كلما نقلوا دفعة إلى تدمرأتوا بثلاث أو أربع دفعات جديدة من المعتقلين مكانها ! فكانت الزنزانات والمهاجع محشورة أيامها بالشباب حشرا ٬ حتى لجأوا إلى استخدام الحمامات كزنازين في بعض الأحيان !


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 12:08:31
لوعة الام. . ومأساه الولد !

ولقد كان من عجائب مشاهدات السجن وقتذاك أن والدتي أخبرتني يوم لقائنا الأول في المهجع بأن أخي وارف سيغادر سورية حسب معلوماتها إلى لبنان ٬ وسيخرج من هناك إلى بلد اخر ولن يعود ٬ ويبدو أنه أخبرها بذلك حتى لا تقلق عليه وحسب ٬ وحقيقة الأمرأنه كان لا يزال في سورية . . ففي يوم من الأيام صلت أمي التهجد ثم الفجر ٬ وانتظرت فصلت الضحى ثم اتكأت لتنام على عادتها ٬ فما وجدتها إلا وقد انتفضت فجأة من نومها تقول لي : سمعت صوت مشي أخيك وارف في السجن ! وكان السجن وقتها في غاية الهدوء ٬ فالشباب عادوا من الخط . . والعناصر نائمة على الأغلب . . فلا تسمع أي حس . . فقلت لها : ما هذا الكلام ؟ لا يوجد أي صوت . . وتقدمت من شق الطاقة لأتأكد فوجدتهم يقودون أخي وارف بالفعلمن طرف سترته البنية التي أعرفها وقد طمشوا له عينيه وكبلوا يديه للوراء . . ورأيت حذاءه الرياضي الأبيض وحسين يسوقه ويقول له : هيا إلى المنفردة . لكنني قلت لأمي وكأنني أحدثها من عالم آخر : لا أحد هناك . غير أن قلبي كان كأنما هبت النار فيه . . وغمرتني رغبة في البكاء وحاجة لإخبارأحد ٬ لكنني لم أستطع فعل أي شيء أمام أمي . . وبعد فترة وعندما أضربنا إضرابنا الثاني وأخرجونا إلى المنفردات فعلا عقوبة لنا تصادف أن وضعوا أمي وأم شيماء في زنزانة واحدة معا ٬ لى اذ بها نفس الزنزانة التي كان وارف معتقلا فيها ٬ في تلك اللحظات كانت أمي تتصنع وأم شيماء البكاء لترققا قلوب  السجانين علينا ٬لكنهما كانتا لا تكادان تتمالكان نفسيهما من الضحك . . فأخذتا منشفة ووضعتاها بين أسنانهما لإخفاء الضحكات ٬ والتفتت أمي كأنها تريد أن تدق الباب على السجان فرأت على الجدار رسم مسجد محفور وقد كتب تحته بنفس الطريقة : لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد . . الشهيد محمد وارف دباغ . فانقلب البكاء الذي كانت أمي تتصنعه حقيقيا ٬ وصارت تنادي عليهم تريد أن تعرف أين ولدها ومتى اعتقال . . لكن أحدا لم يجبها . . وظلت تعذبها الظنون وتقتلها الحيرة ولا من مجيب . .

وتبين لي فيما بعد أنهم اعتقلوا وارف وغسان أول مرة في حماة وأفرجوا عنهما بعد أيام دون أن يثبت شيء على أي منهما ٬ ثم كان اعتقال وارف الثاني واحضاره إلى كفر سوسة والإفراج عنه من غير أن يدان بشيء أيضا ٬ وعندما استشهد بعد مدة استدعى المقدم ماجدة وقال لها ضمن ما قال : أمسكناه في المرة الأولى لما ظننا أنه مجرم ٬ فلما تبين لنا أنه بريء أخرجناه . . وفي المرة الثانية ظنناه بريئا فأطلقناه أيضا ولكنه طلع مجرما غرر به أخوه فنال جزاءه بعد ذلك . .

وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين !


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-27, 12:08:48
نصف بلاطة للنوم !

وتستمر معاناة السجن وتزداد . . ووجدتني بعد فترة في المهجع قد ابتليت بالام شديدة في ظهري حتى لم أعد أستطيع رفعه ٬ وترافق ذلك مع حالة تقيؤ مستمر واسهال . . حتى كدت أموت يومها بالفعل ! كان نومي وقتها بجانب أنبوب السخان المركزي الذي كان عاطلا عن العمل بالطبع فلا نتلقى منه إلا برودته ورطوبة الماء المتكثف عليه ٬ ولم يكن لي خيار في المكان لأ ننا كنا لازدحام المهجع لا يكاد يجاوز نصيب الواحدة منا وقت النوم أكثر من نصف بلاطة وحسب ٬ ولو أرادت إحدانا أن تتقلب لاستدعى ذلك تحريك المهجع بأكمله لم أحس بالبرودة في البداية ٬ لكنني وجدتني فجأة لا أقدر على تحريك ظهري مع الأعراض المؤلمة الأخرى التي ذكرت . . فقامت البنات يطرقن الباب جميعا ويسألن العناصر أن يحضروا طبيبا لعلاجي لكنهم لم يجيبوا ٬ فطلبت الدكتورة عائشة منهم طستا من البلاستيك أحضروه لها بعد إلحاح وطول رجاء ٬ فجعلت تعمل لي مغاطس ماء ساخن متتالية خفت عليها الأوجاع بحمد الله بعد يومين .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2011-04-27, 13:42:40

يا إلهي كل هذا العذاب وهبة وأخواتها وأمهاتها الأحرار ما زلن قويات

بل أن هبة ستخرج في النهاية وتكتب هذه الآلام، ما أحلاها

أتساءل لو كنا نملك نصف أو ربع عزيمتها، أكان ذلك حالنا؟

أما أشباه الرجال الخنازير في هذا السجن أو الحاليين أتباع الجحش  فسيرون أي منقلب ينقلبون
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أسيرة الصفحات في 2011-04-27, 15:01:06
آسفه يا أسماء , قمت بتنزيل الكتاب و قد قرأته كله
و بعد كل جزء أقول لن أتابع لا لن أتابع و لن أقرأ حرفا واحدا , لكني بعدها كنت ألوم نفسي الخائفه من أن تفكر في المآسي و الأحزان , و شعرت بالحرج منها لانها تريدني أن أفكر في الفرح و البهجة و هذه الفتاة التقيه تعذبت كل هذا العذاب ثم واتتها كل الشجاعه ما شاء الله لتسرد قصة حياتها المؤلمة مع الظلم , كم أنا معجبة بها و برفيهاتها , الصامدات الرائعات , لن أحرق المضمون هنا , لكن يكفي أن أقول أن هذه الفتاة قد كتبت ما كنا دوما نخاف من أن نعرف حقيقته , نعم نحن في أسر كبير في بلادنا هذه , أسر فيه الإعتقال لأبسط الأسباب موجودا و الإعدام أمر مألوف و الناس تهاب الكلمة , لعل هذا الوقت المناسب لكي نتذكر هذا الكتاب , حتى تندفع البلاد كلها لثورة واحده ضد الظلم و الظلام , و لكي ننسى مخاوفنا من التغيير , فقد كتبت صاحبتي مرة عن طيرها الخائف من الحرية لمجرد الخوف من التغيير , حتى لو كان تغييرا من سجن و الم و عذاب الى سماء الحرية الصافيه , حمى الله شعوبنا كلها و ألهمنا الحمة و الرشاد و نصر شباب الأمه على الظلم , لي تعليق آخر باذن الله عندما تنتهين من القصة حتى لا أحرق المضمون , بارك الله فيك
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: الشيماء أحمد في 2011-04-28, 01:27:23
أسجل متابعه لأشد من أذرك يا اسماء حتى أتمكن من القراءة فمنذ أخر مشاركه لي هنا لم أستخدم النت .. لي عوده باذن الله
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-28, 06:56:50
نعم يا سيفتاب لا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر

سلمى إذن فقد نفذ صبرك أنت أيضا وقرأت .... أنتظر كلماتك بإذن الله و أرجو ألا أبقى وحيدة....

شكرا جزيلا  لك يا شيماء، وأرجو أن تبقي معي للآخر بإذن الله، فتشارك القراءة يعطينا الفرصة لتفريغ شيء من الغضب كتابة على الأقل
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حلم في 2011-04-28, 07:51:24
قراءة الكتاب شيء يا أسماء  ومتابعة الأحداث معك وتعليقاتك شيء آخر تماماً .

معك بيكون أحلى   emo (30): ... برغم الألم الذي أشعر به تجاه كلماتك وتعليقات !

متابعة معك إن شاء الله .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أسيرة الصفحات في 2011-04-28, 09:04:07
متابعه للموضوع يا أسماء حتى بعد إنتهائي من القراءة , فهيا تابعي أرجوك :)
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 11:08:57
أهلا بكما حلم وسلمى

ومزيد من التعليقات التي أسجلها لتبقى لي حال الذي يقرأ ليتعلم من قلب المعاناة ومن أفواه المعانين إذ هي هي قلوبهم

اقتباس
وقامت السلطة بعد مقتله بسحل جثته أمامها بالدبابة في شوارع المدينة ثم اقتادوها للسجن وعذبوها أشد العذاب .

أسر مجاهدة بأكملها، فالزوج يستشهد والزوجة تعتقل ....!! أجر عظيم نعم ولكنه القمع الذي لا يرتضى دوامه و لا بد أن ينتهي ....


اقتباس
وكان يوم عيد لنا يوم أن سمحوا لنا بعد ثمانية أشهر من الإعتقال بالتنفس خارج جدران المهجع مرة أو مرتين في الأسبوع .

سبحان الله !! مع مثل هذه المعاناة تقدر النعمة التي ننسى قيمتها في خضم الحياة السهلة !

اقتباس
وامتلاء المهجع بالنزيلات حتى غص بهن ٬ وكدن من فرط المعاناة وشدة الإزدحام أن يقضين نحبهن ! الهمس ممنوع . . والزمن معدوم . .

يا إلهي مليئ بالنساء !! فماذا عن الرجال؟؟!!  صيروا سوريا معتقلا كبيرا ! سقيا لك أ]تها الحرية سقيا!

اقتباس
أجابها بصلف : لكن تلك المصاحف للحرق لا للقراءة !

ما أصدحه بالذنب !!  ما أغباه إذ لا يعرف مولاه !! ما أشد ما هو محروم!

اقتباس
وأضاف :لماذا تريدينهالتقرأى وتدعى علينا ؟

ومع كفره به، إلا أنه يخشاه، ويخشى المؤمنين به ! سبحان الله ....عناد وكبر رغم إدراك أنه الحق وأنه القوة !!



اقتباس
عادت أمي فطلبت ورقة وقلما لتقدم طلبا اخر للمقدم

ما أجمل إصرارك يا خالة !

اقتباس
كان الشباب السجناء ياكلون من الخبز وجههالناضج وحسب ويجمعون العجين من قلبه فيعجنونه مره ثانيه اذا تكدست كميه كافيه منه ويخمرونه بلعابهم ثم يعيدون عجنه حتى يصبح متماسك القوام فيصنعون به اشكالا وتماثيل مختلفه ومسابيح جميله جدا

سبحان الله ! ويولد لاإبداع من رحم المعاناة والألم !!


اقتباس
حتى ان رئيس الفرع احتفظ بطائره من صنع الشباب فى مكتبه ظننتها اول ما رايتها هناك مصنوعه من الفضه

يعني أمازالت لأمثالكم عين ترى الجمال وتقدر الإبداع ؟؟ !!


اقتباس
وتعلمنا من الالعاب مالم نكن نعلم فعلمتنا مثلا لعبه الكاس وكان لدينا واحده من البلاستك فكنا نتحلق حولها ونديرها الى ان تتوقف عند احدى البنات فكان عليها ان تجيب على اى سؤال يوجه اليها بسرعه وصراحه وكنا نجتمع على هذه الالعاب ونستمتع بها

سبحان الله !    والنفس تحتاج للتسرية ولساعة مفرحة رغم كل الألم ، بل من شدة الألم تحتااااج


اقتباس
وبرغم المعاناة والتوتر استطعنا أن ننظم أوقاتا لتلاوة القرآن الكريم وحفظه وتلاوة الأوراد والمأثورات والتهجد . . حتى صارت البنات يتبارزن من تستطيع أن تصلي أكبر قدر من القران في تهجدها . . فإذا قدرنا دخول وقت الفجر صلينا وجلسنا إلى المأثورأت والضوء مطفؤ بالطبع لنبدأ بعدها بقراءة ياسين أربعين مرة وحزبا من القرأن على نية الفرج وتيسير الأمور ٬ ونكرر الشيء نفسه في المساء . وكنت أبقى مع ماجدة بعد انتهاء ورد الصباح نراجع حفظنا من القران حتى ننعس فننام أو نكمل اليوم بلا نوم . وكانت والدتي تظل صاحية بعد الفجر حتى يدخل وقت الضحى فتصليها وتنام بعدها برهة من زمن .


ولا أروع ....!!! وكثير من المترفين المنعمين لا يفعلون !  ما أروع الثبات ! ما أروع تنامي قوة الإيمان مع صنوف التعذيب والتنكيل والنقمة على المؤمنين وإيمانهم !! إن هذا وحده ليقتلهم! موتوا بغيظكم

اقتباس
فلقد اكتشفت البنات قبلنا وجود فراغ بسيط حول انبوب التدفئة بين مهجعنا والمهجع المجاور فطلبن من العناصر رطوما بحجة استعماله في الحمام فأحضروه لهم ٬ فمددوه عبر الفراغ وصرن يحادثن الشباب عبره أو يمررن لهم الماء من خلاله لأن المهاجع الأخرى باستثنائنا لم تكن فيها حمامات أو صنابير مياه كما قلت ٬ ولم يكونوا يسمحون لأحد بطلب ماء أو الذهاب للحمام إلا في المواعيد . . ولقد حدث بعدها أن واحدة من السجينات الجدد متهمة بالتعامل مع العراق اسمها أم كامل فسدت علينا ٬ فقام العناصر بسد الفتحة بالإسمنت ٬ فلجأنا إلى التخاطب عبر الأ نبوب المعدني نفسه بالطرق عليه كإشارة أولى

سبحان الله .... يحسبون أنهم يزجون بالحيوانات في السجون، بل هم يزجون بعقول وقلوب، عقول تحتال عليهم فيما يظنون أنفسهم الأذكياء ...!

اقتباس
وربما استفرغ بعضم أو فعلها تحته من هول الخبر ٬ فلا نستطيع ونحن نسمع هذه المأساة كل فجر يوم إلا البكاء والدعاء . . وكانوا كلما نقلوا دفعة إلى تدمرأتوا بثلاث أو أربع دفعات جديدة من المعتقلين مكانه

اقتباس
فكانت الزنزانات والمهاجع محشورة أيامها بالشباب حشرا ٬ حتى لجأوا إلى استخدام الحمامات كزنازين في بعض الأحيان !

فعلا أصبحت كل سوريا معتقلا كبيرا ....وعلى هذا هل هناك من الأسر فيها من لم يذق لونا من ألوان القمع ؟؟!


اقتباس
والتفتت أمي كأنها تريد أن تدق الباب على السجان فرأت على الجدار رسم مسجد محفور وقد كتب تحته بنفس الطريقة : لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد . . الشهيد محمد وارف دباغ .

وأصبح الشهيد حقا ....!! طوبى لكم يا آل الدباغ !

**********

ولي بإذن العلي القدير عودة قريبة لنعلم المزيد ولنتعلم المزيد



العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 16:47:40
اضراب جديد

ومرت الأيام ٬ وفي كل يوم كانت لنا قصة جديدة وتجربة وعبرة . . وكانت أمي لا تفوت فرصة تحقق لنا فيها بعض السلوى أو تؤرق فيها السجانين والعناصر إلا واغتنمتها ٬ وباتت سياسة واضحة عندها أن تبتكر مطاليب لنا أو باسمنا تحقق منها إحدى الغايتين أو كلاهما . . وذات يوم وبعدما رأيناهم سمحوا لمنيرة بتقديم امتحان الثانوية خطر على بال بعض البنات المطالبة بالمثل ٬ فكتبن إلى رئيس الفرع يسألنه السماح لنا بالكتب الجامعية التي ندرس بها وبتوفير جو ملائم للدراسة . . وبالطبع قوبل الطلب بالرفض والسخرية والتقريع ٬ فاقترحت أم شيماء أن نضرب عن الطعام حتى يستجيبوا ٬ وسرعان ما شجعتها أمي وأيدت أكثريتنا الفكرة ٬ فلما أتوا بطعام العشاء رفضنا استلامه . سألونا : لما ذ ا ؟ قلنا : مضربين . –السبب ؟ أجبنا : نريد أن نقدم امتحاناتنا أيضا . رد العنصر ابراهيم : إذا لم تأخذوا العشاء فسنأخذكم إلى المنفردات . فأجابته أمي : سيكون أحسن . . ستتنفس كل واحدة لوحدها على الأقل ! أغلق ابراهيم الباب بلؤم وذهب ليعود بعد قليل بضحكة صفراء يقول : المعلم أي رئيس الفرع يريدكم أن تتجهزوا لننقلكم إلى المنفردات بعد نصف ساعة .

وبالفعل لم تمض الفترة التي تحدث عنها حتى حضر وأخذ كل اثنتين منا إلى زنزانة من المنفردات ٬ فوضع أمي وأم شيماء في واحدة ٬ وماجدة وعائشة في أخرى ٬ ووضعني وفوزية حجازي في  الثالثة ٬ وأما الحاجة مديحة فسألها ساخرا : وماذا عنك أنت ؟ ألن تقدمي الثانوية أيضا ؟ فأجابته : أبوي . . أنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة ! فتركها في المهجع . . وبقينا بضع ساعات شاهدت أمي خلالها اسم أخي وارف على الجدار فازدادت ثورتها وعلا صياحها . . ولم يلبثوا أن أعادونا إلى المهجع اخر الليل ٬ ولم يستجيبوا لطلبنا بالطبع ٬ لكننا كنا سعداء بهذا الأثر الذي تركناه والحركة التي أحدثناها رغم كل الضغوط والترهيب .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 16:50:38
رصاص بعد منتصف الليل !

وفي يوم من الأيام وبعدما انتهى العشاء وهجع أكثر السجناء والسجانين مزق السكون عن غير سابق إنذار صوت الرصاص يلعلع على مقربة من السجن وكأنه فوق رؤوسنا . . واستنفر الفرع كله وهرع العناصر فأغلقوا الطاقات كلها وأطفؤوا الأ نوار ٬ وصاحوا بالمساجين وصوتهم يكاد لا يسمع مع أصوات خرطشة الأسلحة وأزيز الرصاص : ولا حركة ! لم نفهم ما الذي يجري بالتحديد هل كان اشتباكا أم هجوما على الفرع ٬ لكن الرصاص كان يصل إلينا فيصيب حتى جدار المهجع من الخارج ولم يكن بينه وبين الشارع إلا فسحة صغيرة يليها السور فنحس وكأنما اخترقه . . حتى أن أمي نهضت فتوضأت وصلت صلاة الشهادة ثم احتمت وإيانا بالجدار خشية أن تبلغنا الطلقات ! وبلغنا فجأة من بين الأصوات المختلطة صرخة كالزعيق تبعها صياح العناصر المضطرب ينادي : فلان قتل . .
تعالوا . . فقدرنا أنه أحد عناصر الحماية على الباب . . وبعد حوالي الساعة من بدء الإشتباك هدأت الأمور بالتدريج كما بدأت ٬ وحاولت الحاجة الإستعلام عما حدث من ابراهيم الذي كانت نوبته وقتها فنهرها وحذرها من إعادة السؤال ٬ وعدنا إلى ما كنا عليه لأيام قليلة أخر دون أن نعرف حقيقة ما جرى بالتحديد . .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 16:55:44
إفراج . . ولكن إلىتدمر !

وذات يوم . . وبينما كانت الحاجة تحادث الشباب في الزنزانة المجاورة عبر الأنبوب أتاها من وراء الجدار صوت سائل منهم يسأل إن كان بيننا حمويات . فقالت له نعم . . فقال لها : يا خالتي نحن من حماة أيضا وسنخرج غدا إفراج ٬ فلو كانت لدى أي من الحمويات رسالة لأهاليهن اكتب وها وضعوها في شق الطاقة ونحن سنسحبها بإذن الله أثناء خروجنا إلى الخط بطريقة لا تشعر العناصر ونوصلها لهم .

والذي تبين بعدها أن هؤلاء الشباب المساكين وعدوا بالخروج في اليوم التالي بالفعل ولكن الخروج كان في الحقيقة إلى تدمر ! وفوجئنا عند الصباح بالمحقق يرسل وراء أمي بلا مقدمات أو سبب . . فتعود والدموع ملء عينيها تحدق في وتبكي . . فتملكني القلق والخوف عليها وهجمت أحضنها وأسألها ماذا حدث . . فقالت : أخبرني أنهم سينقلونني إلى فرع اخر اليوم ولكنني أظنه كاذبا . . وأحس أنهم سيطلقونني اليوم . وقصت علينا أن المحقق لما استدعاها ابتدرها يقول لها : جهزي نفسك وأحضري أغراضك بسرعة .

فسألته : وابنتي ؟ قال : ستبقى رهينة عن أخيها صفوان ولن تخرج حتى يسلم نفسه . . أو فاعتبري أنك لم تلدي هذه البنت وانسيها ! وجعلت أمي وهي تقص علينا ذلك تخلع ملابسها عنها وتعطينا إياها قطعة بعد قطعة ٬ وما أبقت إلا ما يسترها وحسب لعلمها أنه ليس لدينا ما يكفينا . . وسألتنا إن كان أي منا يريد إرسال رسالة أو توصيل خبر عنه ٬ فسارعت ماجدة وأخذت قلما من منيرة وكتبت رسالة لأهلها على ورق المحارم دستها أمي في كم سترتها ٬ وأخذت تعانقنا وتقبلنا وتدعو لنا وندعو لها وخرجت . . ولم تكد تبلغ الباب عند السلم وهي تستحلف العنصر أن  يخبرها بموعد خروجنا لى اجابته الساخرة ورجاؤها المتكرر يبلغ مسامعنا فيزيدنا ألما وحسرة حتى انفلتت من بين يديه وقفلت راجعة ٬ ففتحت طاقة الباب وسألت بسرعة تقول : نسيت هؤلاء الشباب جيراننا من بيت من كانوا ؟ ولم نكد نخبرها حتى كان حسين قد وصل إليها فأمسكها من ياقة جلبابها وجذبها مغلظا لها في الكلام . . وهي ترد عليه الكلمة بأخرى والعبارة بأشد منها حتى خرجت . . وكانت اخر مرة أراها فيها رحمها الله . وأما رسالة ماجدة فعلمنا بعدها أن أمي توجهت أولا إلى بيتنا في دمشق الذي اعتقلنا فيه وقصت أخبارنا على البنات اللاتي كن معنا فسألنها أن يرين الرسالة ٬ لكنهن اجتهدن أن ينقلنها على ورقة عادية خشية أن تتمزق المحرمة ٬ فلما ذهبت أمي بها إلى أهل ماجدة لم يصدقوها لأنهم رأوا الخط مختلفا . . وظنوا وقد فقدوا الأمل بابنتهم أنها إنما تسري عنهم وحسب ٬ وظلوا في شكهم حتى فتحت الزيارات في سجن قطنا بعد سنين فرأتهم هناك ورأوها بعد طول فراق .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 16:56:41
معززات مكرمات !

وتم الإفراج عن أمي في السادس عشر من شباط . . وتأكد لنا الخبر حينما استدعى المقدم ماجدة بعد أسبوع تقريبا لأنها قدمت طلبا له تسأل فيه حلا للوضع ٬ فقال لها بكل صلافة واستعلاء : انظري . . لا توجد أحسن من جلستكن هذه أبدا . . أنتن هنا معززات مكرمات . . ومثل هذا الفرع لن تجدوا ! وأضاف يقول : هذه أم هبة أخرجناها فجلست هنا على الباب فترة طويلة تبكي ولا تعرف كيف تتصرف حتى أعطيتها أجرة الطريق من جيبي أنا . . وبالتأكيد كان ناصيف يكذب لأن أمي ظلت جالسة عند الباب ترفض التحرك قبل أن تعرف مصيرنا وتأمل أن تسمع قبل ذهابها ولو إشارة بقرب الإفراج عنا وإلى أين ستتجه الأمور ٬ لكن الإفراج لم يتم . . وسارت الأمور من سيء إلى أسوأ ٬ فلم تلبث أن انضمت دفعة جديدة من المعتقلات إلينا . . لتنفتح علينا قصص أخرى من الماسي والآلام . . ونبدأ فصلا جديدا من الكرب والمعاناة .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 16:58:46
مزيد من الضيو ف . . مزيد من المآسي !

لم تكن يومان أو ثلاثة من الإفراج عن أمي قد انقضت حينما قرع علينا أبو عادل مدير السجن باب المهجع ضحى ذلك اليوم ودفع إلينا بسيدة تضع منديلا أسود انقلب لونه من إلى الصفار الباهت . . وترتدي بالطو من الجوخ الأسود أيضا وتحمل في يدها بقجة جمعت فيها حاجياتها كما يفعل الشحاذون تماما ! أطلت ثم ارتدت للوراء لبرهة كانت كافية أن نلمح هيأتها الرثة وبقايا جدري أصابها منذ الطفولة فترك مع أصابع الزمن ندبا على وجهها المرهق . . فتبادر إلى أذهاننا أنها متسولة ألقوا القبض عليها وأحضروها لتشاركنا المكان !

فحوقلنا وقلنا لأ نفسنا ونحن بين النفور والإشفاق : وهل ينقصنا عذاب من هذا النوع مع كل الذي نلقاه . . روائح ومناظر الشحاذين ! لكن الباب فتح على اخره مرة ثانية واندفع أبو عادل يصيح بنا : هيا . . انهضوا واستقبلوهن . . ودخلت السيدة نفسها تتبعها أخريات لا يختلفن في الهيئة الرثة عنها كثيرا : فهذه كالخادمة . . والأ خرى أشبه بالمتسولات . . وتلك تلبس مانطو ممزقا . . ورابعة ترتدي تنورة أطول منها وقد عقدت إيشاربها على رأسها أوثق ما تستطيع ٬ وعليها كنزة ضيقة تلتصق على جسدها وقد عفا عليها الزمن ٬ وفقدت أزرارها من الخلف فبقيت مفتوحة بعض الشيء . . ولم نكد نستوعب النظر إلى النساء الست القادمات حتى اندفعت أولاهن نحو الحاجة مديحة تعانقها وهي تصيح : أبوي . . أنت هون ؟ وانفجرت السيدة في البكاء ٬ وبادرتها الحاجة بالدموع تقول : حاجة رياض . . الحمد لله على سلامتك . أخيرا . . أخيرا وجدت ونيسا لي في هذا المكان .

وبحركة غير متكلفة دفعت الحاجة مديحة البنت التي كانت تجاورها في المجلس وأفسحت لصديقتها الحاجة رياض المكان فأجلستها فيه وما عادت تحركت عنه أبدا ! وتحركت بقية القادمات الجدد نحونا بتوجس طبيعي بادئ الأمر . . ثم لم تلبث النفوس أن استراحت . . وانفتحت جعب الحكايات . . وغص المهج بالعدد الذي زاد عن سعته . . لتزداد المعاناة وتتوالى أيام العذاب .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 16:59:43
باب الحديد !

كانت القادمات من سجن المسلمية بحلب خمس هذه المرة : الحاجة رياض د . ولمى ع . ورغداءخ . ومنتهى ج . وإيمان ق . وكانت مهزلة إحضارهن إلى كفر سوسة لا تقل ألما عن مأساة اعتقالهن وتعذيبهن . . فلقد أركبوهن السيارة من سجن المسلمية بحلب وقد كبلوا كل اثنتين منهما معا والخبر يقول إنه إفراج ٬ وكان قد سبق بالفعل إطلاق سراح حوالي 16 سيدة أخرى كن معهن ٬ لكن السائق اتجه بهؤلاء الخمس على الطريق الموصل إلى دمشق ٬ فلما عبرت السيارة الكرة الأرضية مغادرة حلب لاحظت الحاجة رياض ذلك رغم أن الوقت كان مساء فقالت للسائق ببراءة : أنا
بيتي عند باب الحديد خيو . . يمكن ضيعت الطريق ! فأجابها بلؤم وسخرية : لا . . طولي بالك . . ما وصلنا باب الحديد بعد . . أريد أن أعمل لكم دورة حول حلب وأوصلكم بعدها كلكم إلى باب الحديد ! فلما فهمت الحاجة المقصود أغمي عليها . . واصفر وجه لمى وقد ظنت أنهم سيأخذوهن الان إلى غرفة الإعدام . . وجعل العناصر يسخرون منهن طوال الطريق ويزيدون قلقهن قلقا ورعبهن رعبا . . فلما وصلن إلينا كن في غاية التوتر والإجهاد . . لكن دقائق تالية مرت كانت كافية لتغير الحال . . ولتفتح كل منها جعبتها وتروي قصتها في رحلة الآلام .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 17:02:02
تحويشة العمر !

كانت الحاجة رياض من النساء الطيبات البسيطات ٬ خرجت من المدرسة في الصف السادس ولم تكمل تعليمها ٬ ولم تتزوج رغم بلوغها الأربعينات ٬ لكنها كالحاجة مديحة من أسرة متدينة وأخت لأشقاء ملتزمين كانت لديهم منجرة في حلب ففتحوا فيها مخبأ للملاحقين قبل أن تنكشف فيعتقل واحد منهم ويهرب الآخر إلى عمان ٬ وفي مرة كانت الحاجة رياض ذاهبة إلى هناك لتزور أخاها في عمان قدمت لها إحدى السيدات بعض المال لتوزعه على أبناء الشباب الذين أعدموا ولا يكادون يجدون في هذا الظرف الصعب معينا أو مصدرا للكسب ٬ وبالفعل أخذت رياض المبلغ ووزعته كجزء من واجب أحسته نحو هؤلاء المساكين ٬ لكن اعترافا أتى عليها لا تدري من أين فاعتقلوها وجعلوا يعذبونها أشد العذاب ٬ وبعدما فتشوا بيتها ولم يجدوا شيئا جعلوا يهددونها لتخرج النقود التي أحضرتها من عمان ٬ لكنها كانت قد وزعت المبلغ كله ٬ فزادوا عليها التعذيب حتى اضطرت أن تخبرهم عن مبلغ من المال كانت قد جمعته على مدار حياتها وخبأته للطوارئ تحت أحد الكراسي  ٬ فأعطتهم إياه مرغمة لتنجو بنفسها ٬ وكانت كلما تذكرت ذلك بعدها تبكي وتقول للحاجة مديحة بحسرة : أخذوا تعبي وعرق جبيني يا حاجة وعملوهم من الإخوان . . إي ولي
على الإخوان وساعتهم ! وكانت تنشد أحيانا بين الحسرة والطرافة تقول : إلهي قد غدوت هنا سجينا . . لأني وزعت مصرات الإخوان المسلمينا إ! وروت الحاجة رياض عن تعذيبها الأهوال بحق ٬ فلقد تمت تعريتها مثل أكثر المعتقلات بحلب ٬ وجعل عمر حميدة يسحبها من شعرها على الأرض فيرتطم رأسها بالأرض والجدار ٬ مما تسبب في كسر عظمة أنفها . . وأصابها بعسر دائم في التنفس ٬ فكانت المسكينة بعد ذلك دائمة التشخير . . وزاد حميدة على ذلك العذاب الوحشي فسلط على وجهها خرطوم ماء شديد لتصحو من الإغماء فخرق لها طبلة أذنها ٬ وكان من  hلمضحكات المبكيات أنها اعتادت بعد ذلك أن تنام على أذنها السليمة فلا تعود تسمع شخيرها الذي كان يؤرق نوم المهجع كله ٬ فنضطر إلى إيقاظها آخر الأمر لتعدل من وضعيتها وتساعدنا على اقتناص ساعة نوم هنيئ ! وقام الجلادون أيضا بقلع أظافرها التي لم تنم حتى بعد وصولها إلى كفر سوسة ٬ وظل مكانها مزرقا لفترة طويلة بعدها ٬ وكان حميدة كما روت يجلسها في ركن الغرفة ويناديها : تعالي يا بقرة . . تعالي . وهو يومىء لها برأسه لتأتي ٬ فتفهم المسكينة الإشارة ولا تسمع الكلام وتجيبه . . فيضج والعناصر والمحققون عليها بالضحك وهو يقول : والله بتعرفي اسمك يا بقرة !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 17:03:57
أربعمائة ليره بثماني سنوات !

أما منتهى ج . والتي لم تكن جاوزت وقتذاك السادسة عشرة من عمرها فكانت زوجة أحد الذين أعدمتهم السلطة عام 1979 بتهمة الإنضمام إلى تنظيم مسلح معارض للنظام ٬ وكانت منتهى قد تزوجت عن غير رضا والدها ٬ فلما أعدم الزوج وهي حامل رفض أهلها استقبالها في بيتهم ٬ وأمضت عدتها عند بيت إحماها ووالدها يقول على الملأ "عيني لا تشوفها . . هذا جزاؤها لأنها لم تسمع كلمتي أ ا ! وعاشت المسكينة بعدها على الصدقات ٬ وكانت من ثم إحدى من أوصلت الحاجة رياض لهن مالا من تبرع السيدة في عمان ٬ فلما اعتقلت رياض أخذوها في الليل لتدلهم على بيتها فلم تستطع الرفض بعد العذاب الشديد الذي ذاقته ٬ ولما اقتحموا على منتهى البيت خرجت وابنتها الرضيعة على يدها ٬ فانتزعوا الطفلة من بين أيديها ودفعو بها إلى الأهل واقتادوا منتهى إلى فرع المخابرات . ومن سوء حظها أن اعترافا آخر أتى عليها في الوقت نفسه بأنها تلقت رسالة من مصطفى قصار عرض عليهما الزواج فيها ٬ فنالت كالأخريات أشد العذاب ٬ فعروها وعلقوها بالسقف وتناوبت عليها كل وسائل التعذيب . . وقالت لهم ببساطة أنها لا تنكر تلقي الرسالة لكنها أجابته من حينها بالرفض ٬ ولم تنكر تسلم المساعدة المالية التي لم تجاوز الأربعمائة ليرة . . لكنها أوضحت أنها كانت هدية نقوط لابنتها وهذا حق البنت ولا علاقة له بالأم أو بأي أحد اخر . . ولم يشفع ذلك لمنتهى فأرسلوها بعد التحقيق والعذاب المهين إلى سجن المسلمية ٬ ومن هناك إلى كفر سوسة . ومع الحاجة رياض ومنتهى حضرت فتاة حلبية أخرى اسمها إيمان ق . وكانت في صفها الثامن أو التاسع ٬ ولم توجه إليها أية تهمة سوى نقل الرسالة من أخيها مصطفى إلى منتهى بطلب الزواج ٬ ولذلك لم يشددوا عليها في التحقيق ولا في التعذيب واعتبروا عملها نوعا من الطياشة والجهل ٬ ونجت بذلك ولله الحمد من التعرية والإساء ات . . وقد
تم الإفراج عنهاعام 84 مع أم شيماء . وأما رابعة القادمات رغداءخ . فقد اعتقلت مع الخامسة لمى في بيروت عندما ذهبتا هناك على أساس أن تلتقيا بأحد الشباب الذي وعدهما بضمهما إلى التنظيم ٬ لكن الشاب كان قد اعتقل قبلهما فوجدتا المخابرات في انتظارهما واعتقلوهما من هناك ٬ ولم تعذبا كثيرا لصغر سنهما ٬ حيث كانتا في الصف التاسع ونجحتا وقتها على العاشر ٬ لكن لمى تحدثت بأنهم أحضروا أثناء التحقيق معها ابن عمها المتهم بتنظيمهما ليعترف عليهما أمامها ٬ وقالت بأنها رأته يحمل عينه على كفه  عندما أحضروه والدم لا يزال يخرج منها ! ولشدة طيبتهما ولما أرادوا إعادة التحقيق معهما في كفر سوسة عادت لمى إلينا منفعلة تبكي بحرقة ٬ فسألتها الحاجة ملهوفة عم حدث ٬ فقالت بقلب محروق وانفعال بلغ مداه : نسفني كف وسب والدي . . واعتبرت ذلك غاية الإهانة وأشد العذاب !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 17:06:19
حزب الهرموشية !

لكن العذاب كان أشكالا في السجن وألوانا . . ضرب الكف ولسع الخيزران والسب والشتائم بعض من أصنافه وحسب ٬ ونوع اخر من أصنافه أن تضيق الزنزانة على بضعة عشر شخصا لا منفس لها ولا مخرج . . تتباين بعض الأحيان عاداتهم وتختلف اراؤهم وتتعارض انتماءاتهم ولا يجدون بدا إلا المجاورة بالقسر ! ومن هذا الصنف أتوا إلينا مرة بسجينة من قرى درعا تهمتها تهريب السلاح والمتاجرة فيه . دخلت علينا فجأة فرمتنا بنظرة غريبة ومن غير أية مقدمات قالت : طقع . . كل من على شكله وقع ! لم ندر وقتها ما الذي كانت تتحدث عنه . . وعندما سألناها لاحقا قالت : عندما
نظرت إلى المهجع أول مرة رأيت هؤلاء الكبار اللاتي تنادوهن حجات قاعدات مع بعضهما البعض وأنتن لوحدكن فتصورت أن هؤلاء غيرأولئك . . وكل واحد جالس مع شكله ! كان اسمها كما أذكر أم جبري ٬ ضخمة البنية طويلة الجسم عريضة المنكبين ٬ لكنها كانت غاية في الجهل ابتداء بأولويات النظافة وانتهاء بالسياسة ! كانت وسخة جدا فلا تنظف لا جسدها ولا مكانها ولا حتى الحمام إذا
استعملته . . والمكان كله شبر بشبر ! وزاد عليها وعلينا القمل الذي تسرب منها إلى المهجع لكنه ويا للعجب لم يطب له المقام إلا في رأس منيرة التي كانت تجاورها في مكان النوم . . فلما اشتد الأمر على منيرة قالت لها الحاجة : عندي الدواء !

وطرقت الباب منادية على حسين فلما جاء سألته أن يحضرو ا بابور الكازا ويعيره لنا ففعل ٬ فتناولته بيد وأدنت رأس منيرة باليد الأخرى وسكبت الكاز على رأسها . . لكن الكاز انتهى وظل القمل غاية في الحيوية والنشاط إ! ولم يخرج إلا بخروج أم جبري هذه بعد شهر أو شهرين بوساطة من محمود الزعبي رئيس الوزراء وقتها ٬ بعدما كادت تصيبنا وتصيب حتى المحققين بالجنون ! ولقد كانوا يسألونها وقد ظنوا أن وراء تهريبها السلاح أمر جلل : من أي حزب أنت ؟ فتجيب : من حزب الهرموشية . . تقصد القرية التي أتت منها . . فيعيدها إلى التعذيب ظنا أنها تراوغه ٬ والمسكينة من جهلها لا تعرف ما الذي يغضب المحقق ولا الذي يستغربه من إجاباتها ! 
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 17:11:06
بلاء أخف من بلإء!

لكن "أم جبري " كانت على ما فيها أرحم من صنف من السجينات أخر ابتلينا به . . وهن الشيوعيات الحاقدات . . ففي وقت لاحق وأثناء حوادث الإعتداء على المحجبات بدمشق أواخر عام 81 ألقوا القبض على عضوة في التنظيم الشيوعي وهي طالبة طب من دمشق من زميلات أخي في الجامعة اسمها فاديا لاذقاني ٬ كانت توزع منشورات باسم الإخوان لتأجيج التوتر كما يبدو ٬ وسرعان ما انقلب لتصبح مخبرة تنقل أخبارنا إلى رئيس الفرع أولا بأول ! كانت تفتخر بشيوعيتها وتتعالى بها علينا . . وكثيرا ما كانت النقاشات تدور بيننا حول ذلك بلا نتيجة ٬ لكن ذلك لم يكن ليمنع من إحسان الصحبة لولا أنها كانت تتعمد إزعاجنا والتشويش علينا ٬ فلقد سمحوا لها بالراديو مثل منيرة وبممنوعات علينا أخر ٬ فكنا إذا أردنا الصلاة أو قراءة القران رفعت صوته  الموسيقى والغناء لتشوش علينا ٬ أو وضعت السماعات على أذنيها مظهرة لنا الإنزعاج . . ولم تغير من سلوكها رغم تكرر الطلبات والرجاءات . وعندما استشهد أهلي علمت فاديا بالخبر من المقدم وحدها ٬
فما وجدناها إلا وقد عادت بادية السرور تتدحرج على أرض المهجع وكأنما أصابها مس . . ولما سألناها عم حدث قالت : سمحوالي بمسجلة . . لكن ذلك لم يدخل عقولنا ٬ فالراديو معها منذ وقت طويل ٬ والفرق بين الإثنين ليس بهذه الدرجة . . فعادت الحاجة بعد ذلك واستدرجتها على انفراد ٬ فما استحت أن تقول بأنها سمعت يومها خبر مقتل أهلي في أحداث حماة من المقدم فكان ذلك سبب فرحتها ! وكانت تتابع الأخبار بالراديو وتتتبع ما يجري في حماة وقتذاك ولكنها لم تخبرنا ولا كلمة . . وتظل تسهر من إذاعة لأخرى طوال الليل ونحن لا ندري عما يجري في الدنيا . وبقيت فاديا في "كفر سوسة" عندما نقلنا نحن إلى قطنا ليفرج عنها لاحقا . . وبعد ذلك أتت بنفسها فزارتنا في سجن قطنا" ٬ وكانت وكأنما تريد إغاظتنا تتحدث كيف أطلقوا سراحها ونالت حريتها فذهبت لتكمل دراستها في فرنسا وعادت الان في إجازة .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 17:12:44
مسرحية التجسس !

وذات مرة أحضروا امرأة فلسطينية إلى إحدى المنفردات ولعبوا لعبة علينا قامت بها هذه المرأة التي تبين بعدها أنها مخبرة مثل منيرة التي قامت بتكملة الدور . ففي البداية قالت لنا فاديا صراحة أنهم طلبوا منها أن تجلس معها وتستدرجها على أساس أنها سجينة مثلها وتحلل لهم نفسيتها وتنقل لهم أخبارها ٬ وذهبت من المهجع إلى المنفردة وجلست معها اليوم الأول ثم عادت تقص علينا قصصها ٬ وظلت تقوم بهذا الدور الأسبوع فتأتي وتقص علينا بصراحة كيف أنها تدرس شخصية تلك السجينة وتقدم التقارير بها وتنقل أسرارها للمقدم . . حتى إذا زرعت ألشفقة عليها في قلوبنا وجدناهم أحضروها إلينا من المنفردة ووضعوها معنا في المهجع بضعة أيام كنا نعاملها خلالهما أحسن المعاملة ونفتح لها قلوبنا كأية سجينة مظلومة ٬ وكانت من جهتها تتنقل من واحدة إلى أخرى تسمع قصتها وتستل الأسرار منها . . ثم لم يلبثوا أن نادوا عليها بالإفراج ففرحنا لها وجلسنا نودعها ٬ فجعلت تسالنا بكل تلقائيه إن كنا نريد إرسال أية رسائل أو معلومات لأحد لنا في الخارج ٬ ولا أدري ما سبب الشعور الذي تملكني والإحساس بانقباض القلب رأيتها تلح علي في طلب ولو حتى إشارة مني أو أثر تذهب بها إلى أقربائي وأهلي ٬ فبعد أن هممت بذلك عدت وانسحبت شاكرة وقامت أكثر البنات بإعطائها رسائل إلى أهاليهن وصلت كلها يد المقدم فاستطاع من خلال هذه الخبرة التي أجادت دورها بالتعاون مع فاديا أن يعرف الكثير عما يدور في هذا المهجع وبين نزيلاته المعتقلات ٬ لكن فاديا ظلت من خبثها تدعي استغرابها مما حدث ٬ وكان من دهائها أن شاركت حتى في الإضراب الأخير ٬ وكانت أكثر المتشددات في مراقبة من يهم بالتراجع أو نقض الإضراب . . وكل ذلك تمويها وتدليسا علينا لاستكمال المسرحية ! وفي نفس الفترة انضم إلى مهجعنا نزيلة جديدة اسمها ترفة لم تكن من اتجاهنا ولا من ديننا ٬ لكنها كانت
على النقيض من فاديا هادئة الطباع سمحة الخلق لا تؤذي أحدا بقول أو فعل . وترفة سيدة مسيحية من باب توما بدمشق في الثالثة والعشرين من عمرها ٬ كانت لديها كما روت مشكلة
في الإنجاب ٬ فذهب بها زوجها إلى الإردن أولا ثم إلى العراق للعلاج ٬ لكن الزوج اعتقل بعد عودتهما بتهمة التعامل مع العراق واعتقلت معه ٬ ورغم أنها نفت علمها بأي شيء أو معرفتها إن كان
زوجها قد فعل شيئا أم لا ٬ إلا أنها اقتيدت من بيتها إلى  سجن كفر سوسة ٬ وتم تعذيبها أيضا قبل أن ينقلوها إلى المهجع معنا ٬ فكانت بيننا كواحدة منا . وعندما قررنا الإضراب أضربت أيضا واستمرت ثابتة حتى النهاية . . وتم نقلها عندما نقلونا إلى قطنا ٬ لتبقى معنا هناك إلى اخر فترة ولا يفرج عنها إلا بعدنا بشهور .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-04-30, 17:15:26
الضيف ضيف الله !

وتتابع وفود معتقلات جدد ومآس أجد . . فبعد كل من وفد أحضروا إلى مهجعنا الذي غص بنزلائه أختين من اللاذقية هما منى وأمل ف . عمر الأولى 35 أو 36 سنة وهي أم لثلاثة أبناء : بنتين وصبي ٬ والثانية عزباء في الثامنة أو التاسعة عشرة . وقد بدأت قصة منى التي كانت غاية في الطيب إلى درجة السذاجة بالفعل . . بدأت حينما قتل زوجها برصاصة طائشة أثناء عبوره منطقة كانت مسرحا لاشتباك بين المخابرات وعناصر مضادة في اللاذقية ٬ وكان كما روت يحمل ابنته على كتفه حينما أصابته طلقة اخترقت يده التي يمسك الطفلة بها واستقرت في قلبه فقتلته ٬ وظلت البنت على قيد الحياة . وبعد مدة طرق بابها رجل من الملاحقين المشهورين في اللاذقية يسمونه أبا عنتر أو أحمد عنتر ادعى أنه بائع كاز فأرادت أن تشتري منه ٬ وبينما هو يؤدي عمله سالها إن كان يستطيع أن يختبئ عندها لأنه لا يجد له مأوى فوافقت على بساطتها وأدخلته فأوته . . ولكن أمره انكشف كما يبدو فداهمت المخابرات البيت ووجدوه مختبئا في إحدى الخزائن فرشوه مباشرة وأحضروها إلى السجن . . ولما ساكوها في التحقيق عن ذلك الشخص أجابت : ضيف . قالوا : ضيط ؟ هذا أكبر مجرم وأنت تسكنينه في بيتك ! قالت : لأن الضيف ضيف الله ! فسالها المحقق هازئا : ضيف الله ؟ قالت على طيبها وبساطتها : إي والله ! واحد أتاني يقول لا يوجد لي أحد وليس عندي مكان ويسالني الضيافة هل أرده ! وكانت قد اتفقت معه أو اتفق معها أنه إذا سالها شخص عن سبب وجوده معها تقول بأنه خطيب أختها . . فبلغهم ذلك أيضا . . وأحضروا الأخت التي لم تكن تعلم أي شيء عن أي شيء وأودعوها السجن معنا كل الفترة ٬ وأتوا بأبيهما وبأخيها فسجنوهما أيضا ٬ ثم أفرجوا عن الأخ وتركوا الأب . ولقد تبدت طيبتها من أول لحظة دخلت بها علينا وهي تبكي بحرقة وتنتحب كالأطفال . . وكالعادة التففنا حولها وحول أختها كأية
قادمة جديدة خاصة وأنها محجبة وسألناهما : من أنتما . . ولماذا أحضراكما ؟ فقصتا علينا القصة . . فسألناهما : ولماذا تبكيان كل هذا البكاء وهم لم يعذبوكما بعد ولكما في الإعتقال مدة ؟ قالت منى : قال لي العنصر ادخلي فلما لم أدخل بسرعة سب أبي .

 قالت لها الحاجة : وماذا في ذلك ؟ قالت : أبي لا يسب ! ولقد ظلت منى معنا حتى عام 85 ثم نقلوها إلى اللاذقية ٬ وعادوا فأرجعوها بعد سنة إلى قطنا وانتقلت معنا إلى دوما حتى . خرجنا جميعا ٬ وأما أختها فخرجت من كفر سوسة عام 1984
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-04-30, 17:28:13
أتساءل يا أسماء _ يا الله عشان ما تفكري إنّا تاركينك وحيدة :-) _ أقول : ماذا يفعل الذين تحرّروا من حيث اتصالهم ببعضهم؟ إذ لا يوجد أي تجربة أعمق وأوثق من مثل تجربة السجن لسنوات وخاصة في قضايا حقوق الإنسان. إذ لا صحبة دراسة ولا صحبة عمل ولا أي هواية تجمع الناس تبلغ في أثرها معايشة الأسرى للحياة المشتركة في ظروف هي أصعب ما يمكن أن يواجهه  " كائن حي " على هذا الكوكب.
كم رابطة وكم جمعية يجب أن تنشأ لتجميع هؤلاء المحرّرين والمحرّرات حتى يستطيعوا مواجهة الحياة بعد رجوعهم من الموت فلا يعانون من غربة لا تقلّ وطأتها عما وجدوه في المعتقلات من جهة، وللمحافظة على إرث هذه التجربة فلا تضيع التضحيات بما يكفل تعليم الناس والنشء خاصة أبلغ درس في قدسية حقّ الحياة والكرامة والعدالة.
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-01, 12:21:05
كم رابطة وكم جمعية يجب أن تنشأ لتجميع هؤلاء المحرّرين والمحرّرات حتى يستطيعوا مواجهة الحياة بعد رجوعهم من الموت فلا يعانون من غربة لا تقلّ وطأتها عما وجدوه في المعتقلات من جهة، وللمحافظة على إرث هذه التجربة فلا تضيع التضحيات بما يكفل تعليم الناس والنشء خاصة أبلغ درس في قدسية حقّ الحياة والكرامة والعدالة.

خلال تنقيبي عن جرائم النظام السوري يا بسمة تعرفت إلى شخصية "وليد سفور" مثلا،وهو  رئيس اللجنة السورية لحقوق الإنسان وهو واحد من سجناء النظام السوري،تعرض لأبشع أنواع التعذيب،-ويدلي بشهادته المرئية الصوتية عن تعذيبه، أنوي وضعها بموضوع صناع الفتن- خرج من المعتقل فكان مؤسس هذه اللجنة التي تدأب على متابعة كل جرائم النظام وتوثيقها ورفع الدعاوى ضده في كل محفل مُخَوّل دوليا، وهو أحد أهم العناصر المجتمعة في لقاء اسطنبول الأخير ....

هذه مثلا تجربة تعلم الناس من خلال منبر متحرك عامل،وأكيد أن عددا من أصحاب التجربة هم أيضا شركاء له في هذا العمل التعبوي ضد نظام مستبد قمعي خبِروه جيدا....وكذلك من ألفوا كتبا عن تجربتهم القاسية كالذي بين أيدينا، ولكن يا بسمة في الحقيقة الأمر يستدعي منا نحن بالمقابل بحثا لنقف على هذه الحقائق  وعلى المساعي التوعوية لأصحاب هذه التجارب الموجودة ضمن أطر مختلفة كلها تشترك هدف التعريف بما هو مغيب عن أذهان الطلقاء .

طالعي هذا المقال له مثلا وهو ليس جديدا بالمناسبة وإنما من عام2010، وانظري كيف يفضح مستور نظام بشار تحت رابة اللجنة التي يرأسها

http://www.levantnews.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1597:2010-11-09-14-43-04&catid=75:opinion-writers&Itemid=83 (http://www.levantnews.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1597:2010-11-09-14-43-04&catid=75:opinion-writers&Itemid=83)
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-04, 18:26:42
وكما العادة .........لن أكتم ، بل سأعلن تعلّمي من مدرسة السجن والمساجين على الملأ...وأي مدرسة هيه يا هبه  emo (30):


اقتباس
وبالطبع قوبل الطلب بالرفض والسخرية والتقريع ٬ فاقترحت أم شيماء أن نضرب عن الطعام حتى يستجيبوا ٬ وسرعان ما شجعتها أمي وأيدت أكثريتنا الفكرة

يا للإرادة !! وياللإصرار .... لا يأس مع السجون  emo (30):

اقتباس
لكننا كنا سعداء بهذا الأثر الذي تركناه والحركة التي أحدثناها رغم كل الضغوط والترهيب .

وأنا معكم أيضا سعيدة يا هبة والله  emo (30):

اقتباس
يا خالتي نحن من حماة أيضا وسنخرج غدا إفراج ٬ فلو كانت لدى أي من الحمويات رسالة لأهاليهن اكتب وها وضعوها في شق الطاقة ونحن سنسحبها بإذن الله أثناء خروجنا إلى الخط بطريقة لا تشعر العناصر ونوصلها لهم .

سعيدة أيضا هنا، لأنهم يظنون ألا اختراق لحواجزهم، وألا تعدي على لوائحهم الشيطانية، سعيدة لأنهم رغم كل الكبت ينتفسون ولو من الأنابيب بل ويتمنون التنفيس عن زملائهم وخدمتهم، وأستحضر هنا الآلة الرهيبة التي تتتبع الإسلاميين في كل مكان من خدمة العالم الخائف من مَدّهم، فإذا الله يجعل لهم المخارج ليستكمل المَدّ دربه ....!! يا الله ما أروع هذا  حقا !!


اقتباس
قال : ستبقى رهينة عن أخيها صفوان ولن تخرج حتى يسلم نفسه . . أو فاعتبري أنك لم تلدي هذه البنت وانسيها ! وكانت اخر مرة أراها فيها رحمها الله

يا إلهي !! أهذه آخر مرة ؟؟!! ألم تريها بعد خروجك وهي حية، أستقبلتِ خبر وفاتها وأنت سجينة؟؟، ألم تنعمي بحضنها من بعد هذه المرة يا هبة؟؟ !! واألماه من آخر مرة !!

اقتباس
بالتأكيد كان ناصيف يكذب لأن أمي ظلت جالسة عند الباب ترفض التحرك قبل أن تعرف مصيرنا وتأمل أن تسمع قبل ذهابها ولو إشارة بقرب الإفراج عنا وإلى أين ستتجه الأمور

ولم تكوني تعلمين أنت أيضا يا خالة أن تلك آخر مرة ترين فيها هبة .....!! ياااه !!

اقتباس
وبادرتها الحاجة بالدموع تقول : حاجة رياض . . الحمد لله على سلامتك . أخيرا . . أخيرا وجدت ونيسا لي في هذا المكان

في هذه الأمكنة في سوريا يلقى الحبيب حبيبه، ويلقى الصاحب صاحبه ! لأن كل من على شاكلة ذلك المعتقل يعتقلون !! أب، أم ، أخ ، أخت ، صديق .............

اقتباس
. فلقد أركبوهن السيارة من سجن المسلمية بحلب وقد كبلوا كل اثنتين منهما معا والخبر يقول إنه إفراج ٬ وكان قد سبق بالفعل إطلاق سراح حوالي 16 سيدة أخرى كن معهن وجعل العناصر يسخرون منهن طوال الطريق ويزيدون قلقهن قلقا ورعبهن رعبا

وعلى من تتشطرون أيها الجبناء ؟؟؟ على نساء معتقلات ..................!!!

اقتباس
وفي مرة كانت الحاجة رياض ذاهبة إلى هناك لتزور أخاها في عمان قدمت لها إحدى السيدات بعض المال لتوزعه على أبناء الشباب الذين أعدموا ولا يكادون يجدون في هذا الظرف الصعب معينا أو مصدرا للكسب

يا إلهي .....أخوها مطارَد ...!! وسيدات يتكاتفن لجمع مال أيتام قتل أباؤهم !!  وعن فلسطين فقط كنا نسمع؟؟ فإذا سوريا فلسطين أكبر !!!

اقتباس
وكانت تنشد أحيانا بين الحسرة والطرافة تقول : إلهي قد غدوت هنا سجينا . . لأني وزعت مصرات الإخوان المسلمينا

ولا بد من ابتسامة وإن في عز الألم  emo (30):

اقتباس
٬ فلقد تمت تعريتها مثل أكثر المعتقلات بحلب ٬ وجعل عمر حميدة يسحبها من شعرها على الأرض فيرتطم رأسها بالأرض والجدار ٬ مما تسبب في كسر عظمة أنفها . . وأصابها بعسر دائم في التنفس ٬ فكانت المسكينة بعد ذلك دائمة التشخير . . وزاد حميدة على ذلك العذاب الوحشي فسلط على وجهها خرطوم ماء شديد لتصحو من الإغماء فخرق لها طبلة أذنها

يا إلهي ....!! إنهن النسااااااااء أيها الأصم الذي لا يسمع !!!

اقتباس
ولما اقتحموا على منتهى البيت خرجت وابنتها الرضيعة على يدها ٬ فانتزعوا الطفلة من بين أيديها ودفعو بها إلى الأهل واقتادوا منتهى إلى فرع المخابرات

أهكذا هي حياة حرائر سوريا ؟؟ أهكذا هي ضريبة الزواج من متدين في سوريا ؟؟ أموت يباع فأشتري ؟؟ أموت يباع فأشتري  لكل من قتل الكلمة في سوريا ونشر الأكمة، فلم تعد تُرى الأفواه ....!!

اقتباس
ولما أرادوا إعادة التحقيق معهما في كفر سوسة عادت لمى إلينا منفعلة تبكي بحرقة ٬ فسألتها الحاجة ملهوفة عم حدث ٬ فقالت بقلب محروق وانفعال بلغ مداه : نسفني كف وسب والدي . . واعتبرت ذلك غاية الإهانة وأشد العذاب !

مازلت تلميذة مبتدئة يا لمى ......!! لقد لاطفك أيما لطف !!

اقتباس
كانت وسخة جدا فلا تنظف لا جسدها ولا مكانها ولا حتى الحمام إذا استعملته . . والمكان كله شبر بشبر ! وزاد عليها وعلينا القمل الذي تسرب منها إلى المهجع لكنه ويا للعجب لم يطب له المقام إلا في رأس منيرة التي كانت تجاورها في مكان النوم .

أف يا إلهي.... إن كنا لا نتحمل الكلمات الواصفة فكيف بالقذارة حية تلازمكم ؟؟؟

اقتباس
فتجيب : من حزب الهرموشية . . تقصد القرية التي أتت منها . . فيعيدها إلى التعذيب ظنا أنها تراوغه ٬ والمسكينة من جهلها لا تعرف ما الذي يغضب المحقق ولا الذي يستغربه من إجاباتها !

حتى اللاتي لا يفهمن شيئا !!  سبحان الله علامات خوفك أيها النظام المستبد تتبدى بكل وضوح فإذا أنت كالمخبول تأسر من كل مكان وتعتقل أيا كان !!

اقتباس
وبعد ذلك أتت بنفسها فزارتنا في سجن قطنا" ٬ وكانت وكأنما تريد إغاظتنا تتحدث كيف أطلقوا سراحها ونالت حريتها فذهبت لتكمل دراستها في فرنسا وعادت الان في إجازة .

طبعا وهل شيوعية  عندهم -وإن عارضتهم-  كمسلمة ؟؟؟

اقتباس
ففي البداية قالت لنا فاديا صراحة أنهم طلبوا منها أن تجلس معها وتستدرجها على أساس أنها سجينة مثلها وتحلل لهم نفسيتها وتنقل لهم أخبارها ٬ وذهبت من المهجع إلى المنفردة وجلست معها اليوم الأول ثم عادت تقص علينا قصصها ٬فجعلت تسالنا بكل تلقائيه إن كنا نريد إرسال أية رسائل أو معلومات لأحد لنا في الخارج وقامت أكثر البنات بإعطائها رسائل إلى أهاليهن وصلت كلها يد المقدم فاستطاع من خلال هذه الخبرة التي أجادت دورها بالتعاون مع فاديا أن يعرف الكثير عما يدور في هذا المهجع وبين نزيلاته المعتقلات

سبحان الله يا لقذارة طرقهم، ويالقذارة الجواسيس ويالسرعة ما ينخدع بهم الشريف وهو لم يعِ بعد كل أبعادهم الشيطانية، ولكنه يتعلم ليفهمهم أكثر ....!!

اقتباس
بدأت حينما قتل زوجها برصاصة طائشة أثناء عبوره منطقة كانت مسرحا لاشتباك بين المخابرات وعناصر مضادة في اللاذقية

سوريا حرة ؟؟ مستقلة ؟؟ يا إلهي أين ذهب عنا كل هذا ؟؟؟ إنها مسرح حرب بين الراعي الطيب  ورعيته !! ألا سحقا لكم من رعاة ........أي فرق بين سجن وسجن، سجن صغير محاط بجدران، وسجن كبير محاط بأصوات الطواغيت من كل مكان، وبرعب الناس من الكلمة .........

اقتباس
وأحضروا الأخت التي لم تكن تعلم أي شيء عن أي شيء وأودعوها السجن معنا كل الفترة ٬ وأتوا بأبيهما وبأخيها فسجنوهما أيضا ٬لقد تبدت طيبتها من أول لحظة دخلت بها علينا وهي تبكي بحرقة وتنتحب كالأطفال . . وكالعادة التففنا حولها وحول أختها كأية قادمة جديدة

إني أراك يا هبة تتعودين، وتتحولين من مستقبَلة إلى مستقبِلة ........ وهكذا !!

اقتباس
قالت منى : قال لي العنصر ادخلي فلما لم أدخل بسرعة سب أبي . قالت لها الحاجة : وماذا في ذلك ؟ قالت : أبي لا يسب

العاقبة لتقدمك أنت أيضا لتعرفي أن السب عندهم لطف صُراااااح !!!

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:25:40
عصة القبر !

ومن نزيلات مهجعنا كذلك كانت أم ياسين ساريج السيدة التي اتهم ابنها بتنفيذ حادثة الأزبكية بدمشق أواخر عام 1981 . وكانوا في البداية قد أحضروا إلينا صورته مقتولا وقد تمزق وجهه فلا يكاد يبين منه شيء وسألونا إن كنا نعرفه فكان جوابنا النفي ٬ ومرروا الصورة على كل المهاجع فلم يتعرف عليه أحد ٬ وفي المساء أحضروا أمه وسألوها إن كانت تعرف عنه شيئا ولم يكن الشاب ملاحقا فقالت لا أعرف . . وعندما أروها جثته ثبتها الله فلم تزد عن أن تقول : حسبنا الله ونعم الوكيل . .

وكانوا قد اعتقلوا معها زوجها وابنيهما أيضا وكان عمر أحدهما 16 والأخر 12 سنة ٬ فوضعوا الأب والأولاد في الجنوبي ووضعوها في المهجع معنا ٬وبقيت هناك فلم يفرج عنها إلا بعد نقلنا إلى سجن قطنا . ولا أزال أذكر أنهم عندما أخرجونا إلى "المحكمة الميدا نية " عرض علينا رئيسها النقيب سليمان حبيب صورا من الجريدة لقتلى التفجير وهو يقول : دماء هؤلاء الأبرياء هي السبب في تشكيل المحكمة . . وهذه الدماء سنخرجها والله من رقابكم أنتم وبعد انتهاء من تلك "المحكمة" المهزلة ٬ وبينما كان أحد العناصر يعيدنا إلى المهجع قال لنا : شايفين الحادثة التي صارت ٬ هذه الإخوان فعلوها . . ولازم تتأكدوا أن كل حادثة تحدث في الخارج ستنعكس على الذين في الداخل ! وفعلا كانوا كلما ضيقوا علينا نعلم لاحقا أن أمرا ما قد حدث في الخارج . . ونحس ذلك من منع التنفس فجأة أو إغلاق الطاقة علينا لعدة أيام . . ونتأكد أكثر من صياح الشباب الذي يتعالى وهم يتلقون مزيدا من التعذيب . . وكانت الحاجة رياض ببساطتها تقول عندها : ولي على قامتكم يا اخوان . . تعالوا شوفوا إيش صايرلنا . . أنتم تفعلون ما تريدون على كيفكم ونحن عصة القبر علينا !

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:26:33
سجن أم دير !

واذا كانت مشاهد السجن كلها مؤلمة وحالة السجينات وقصص المعتقلات تفيض بالأسى والمرارة فإن قصة هالة ن . قد تكون من أشد المشاهد التي رأيت إيلاما وأكثر ما سمعت وعايشت في السجن من قصص مرة . . فبينما كنت أنظر من شق الطاقة يوما شد انتباهي مشهد غير طبيعي أراه أمامي ٬ فالتفت إلى البنات وقلت لهن :كأنهم والله أتوا بواحدة أجنبية لا تفهم العربي ! هذا حسن يكلمها ويجذبها من كتفها وهي تنظر إليه مثل "الخوتة"ولا تفهم عليه . . لكنها تبدوأجنبية مسلمة لأنها تضع حجابا على رأسها . كانوا قد أخرجوها كما يبدو من المنفردة إلى "الخط " حينما رأيتها أول مرة  ٬ وانتظرت فرأيتهم حينما أعادوها ٬ ثم جعلت أراهم يأخذونها ويعيدونها قرابة شهر كامل على هذه الحال : كانوا يشحطونها شحطا ويدفعونها في كل خطوة لتنتقل إلى الخطوة
التالية وكأن أعصابها قد أصيبت بالتشنج ٬ والجمود كسا سحنتها فلا تتكلم ولا تتألم ! كانوا يأخذونها إلى التحقيق ويعيدونها سحبا كالدابة أو كالميت ٬ ولا تزيد هي على الحملقة فيهم والنظر حولها نظرات بلا معنى ! وبعد شهر كأنما يئسوا منها فأتو بها إلى مهجعنا . .

ولا أزال أذكر لحظة أن فتح السجان إبراهيم الباب علينا وهو ممسك إياها من كتفها وناداني : هبة . . قومي استلمي . . هذه وظيفتك . ودفع بنفس المرأة إلى المهجع ومضى . نظرت فرأيتها وهي لا تزال بحجابها ترتدي بنطالا عريضا جدا يمسح الأرض . . وملابس كلها قذرة لم تنل نصيبا من النظافة منذ زمن لا يعلمه إلا الله ! انتظرنا لحظة أن تتحرك فلم تغادر المكان الذي دفعها إليه إبراهيم وظلت واقفة عنده لا تتزحزح . . تقدمنا جميعا نحوها وسألنا بلطف : " ما اسمك ؟ فلم يجب أحد ! – من أين أنت ؟ لم ترد ! تقدمت الحاجة وقالت : ابتعدوا قليلا . . والله ضبعتوها . فتأخرنا جميعا وتقدمت الحاجة فسألتها من جديد : ما اسمك يا بنتي ؟ أجابت بصوت كأنما ينبعث من بئر خرب ونظرتها الوجلة مركزة على نقطة واحدة في أفق بعيد لا نراه ولا تتزحزح عنه : من أنت ؟ ومضت قرابة الساعة والسؤال يتردد ومحاولات استنطاقها ولو كلمة واحدة إضافية دون جدوى . . فيئسنا منها وتركناها . ظنا : لعلها خائفة . . لندعها تهدأ بعض الشيء . وقتها كانت منيرة تستمع إلى الراديو . . وكانت عندما تلتقط إذاعة القران الكريم وعلى الأض برنامج "ناشئ في رحاب القران " ترفع الصوت أو تعطينا الجهاز لنسمع . . وغالبا ما كنا نضعه على أنبوب التدفئة ليسمع الشباب في الزنزانة المجاورة أيضا ٬ وما أن فعلت وقتذاك وعلا صوت طفل بالتلاوة حتى وجدنا ضيفتنا الجديدة هجمت على الراديو وقالت بانفعال : أغلقوه . . أغلقوه . . هذا يخلط بالقران . . حرام . . كل هذا كذب وافتراء !

قلنا جميعا وقد تملكتنا الدهشة : أستغفر الله . وقامت أم شيماء فأقفلت الراديو وهي تقول بجد : يابنات هذه فيهاشيء ! لكن هالة ظلت على وقفتها لا تتزحزح ولا تتحرك ولا تغير من وضعها . . صار الليل . . بعد منتصف الليل وهي كالخشبة لا تتحرك . . وعندما حاولنا تحريكها كانت كالمسمار المدقوق في الأرض ! فلم تتمالك الحاجة نفسها ودقت الباب وقالت لابراهيم لما حضر : يا ابني هذه المخلوقة فيها شيء ؟ ما لها يبست مكانها ؟ نريد أن ننام . . نجلس . . نأكل . . نشرب . . وهي واقفة على وقفتها ! فقال ابراهيم : لا تصدقوها . . إنها تمثل . فسألته الحاجة : وهل هي كذلك منذ أن أتت هنا ؟ قال : نعم . . لكنها تمثل . . كله تمثيل بتمثيل . . تظن أنهاستتخلص من الإعتراف والتحقيق والشيء ثابت عليها . . لكن هذا شيء تحلم فيه ! تركته الحاجة وعادت إليها ثانية فسحبتها من يدها شيئا فشيئا وأجلستها بجانبها فاستجابت وجلست . . سالناهم أن يطفؤوا الضوء ففعلوا وأتينا لننام ٬ ولم تمض دقائق على ذلك حتى وجدتها متربعة فوق قدمي تحدق في وجهي ٬ فلما رأيتها كذلك لم أتمالك نفسي وصحت برعب : حجة . . من شان الله تعالي وخذيها ! قامت البنات كلهن وقامت الحاجة يسألنني ماذا هناك . . فنظروا ورأوها . . وعادت هي فجلست منكمشة تنظر برعب وهلع إلينا ٬ فجاءت الحاجة وقالت لها بالإنسانية : تعالي لعندي وانتي ابنتي . .

وجعلت تحضنها وتلفها حتى أرجعتها إلى جانبها . . وعاد الهدوء شيئا فشيئا إلى المهجع . . وفي الصباح وبعد أن أدينا الصلاة وعدنا للنوم ثانية أحست وقد غفا الجميع تدفق أنفاس بالقرب مني ٬ فلما فتحت عيني رأيتها فوق رأسي هذه المرة تكشف الغطاء من جانبه وتتلصص بالنظرإلي ٬ فلما رأيتها هكذا تخيلت أنها تريد أن تخنقني فصحت صوتا بالمقلوب ولم أعد أقوى حتى على التحرك ٬ فيما تحركت هي بلا أدنى انفعال وجلست على جنب وكأن شيئا لم يكن ! وكانت ماجدة قد استيقظت على الصوت فسألتها : ماذا تريدين ؟ هل تريدين شيئا ؟ فما وجدناها إلا وقد نطقت وقالت تسألها بلهجة جامدة : ماهذا . . هل هذا بدير؟ قالت لها ماجدة : لا . . هذا ليس بدير . . هذا سجن ! فعادت إلى صمتها وظلت على جلستها لا تتحرك . ٬


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:27:03
قذيفة بطاطا !

كان حجاب هالة وثيابها حينما جاءت وسخة جدا ٬ وبمرور الأيام وهي على حالتها تلك ازدادت نتانة واتساخا ٬ لكننا كلما حاولت أحدانا أن تقترب منها أو تلامس ثيابها انكمشت أكثر ومنعتها من الإقتراب . . ! وظلت على هذه الحال ثمانية أشهر لا تحكي ولا تأكل ولا تشرب ولا تحرج إلى الحمام ! كنا نسقيها الماء بالغصب وندس لها اللقمة في فمها دسا فتبقى فيه ساعة ولا تبتلعها !
وتقوم في الليل لتدخل الحمام فنتظاه ر كلنا بالنوم ٬ فتبقي الستارة مكشوفة وتجعل تراقبنا دون أن تفعل شيئا ٬ فإذا رأت أحدا تحرك تخرج مباشرة ولم تسحب ثيابها عنها بعد وذات يوم جلست عائشة بجانبها وأعطتها حبة بطاطا مسلوقة وهي تقول لها : خذي . . هذه بطاطا طيبة وحلوة . . وقشرتها لها وأرادت أن تطعمها إياها ٬ فخطفتها من يدها بسرعة وأطبقت عليها ثم عادت فرمتها . . وكنت وقتها أغسل ملابسي في الحمام فما وجدت إلا شيئا يرتطم برأسي . . نظرت فإذا بها قد قذفتني بالبطاطا فكادت أن تشجني ٬ فيما وقعت حبة البطاطا في التواليت!
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:28:57
كي. . واعتداء. . وافتراء !

وفي مرة أخرى وبعد شهر من حضورها قررنا أن نغير لها ملابسها بأي طريقة ٬ وكانت طوال هذه الفترة لم يمس جسدها الماء . لكنها ظلت تنفر وتزمجر كلما اقتربنا منها ٬ فجاءت الحاجة وأم شيماء إليها معا وقالتا لها: انظري . . هذه ثياب جميلة وثيابك وسخة الان . . فكشت من جديد علامة الرفض ٬ فتقدمت أم شيماء لتخلع عنها ملابسها ٬ فصاحت صوتا يا لطيف ويا ساتر . . ورفضت بكل إصرار ٬ فلم نجد بدا إلا أن نمزق لها ثيابها تمزيقا لنلبسها الثياب النظيفة لأول مرة ٬ لكن جسدها ظل وسخا وطال شعرها فكانت تحكه بأظافرها الطويلة الوسخة وتظل تحكه وتحكه بشكل مقزز حتى رجحنا أن لديها قمل ٬ فقررنا إعادة المحاولة وجلست الحاجة والبنات يسايرنها حتى أدخلوها الحمام . . وما أن بدأن بخلع ثيابها حتى خرجت أصواتها وارتفع زعيقها ٬ وهرع العناصر
يسألون ما الذي يجري فقالت لهم الحاجة : لا شيء . . نريد أن نحممها فقط . . نخاف أن تجرب إن تركناها مدة أكثر .

فقالوا لها : اعلموا أنها تمثل عليكم . . هي سفيهة . . فاجرة . . وظلوا حتى خروجها وانتقالنا إلى قطنا يتكلمون عنها بهدا الكلام . . وعندما حمموها وجدوا آثار ما يشبه الكي بسيخ محمى على أرجلها وفخذيها وجسمها من الأسفل . . لكن الأحجية لم تكن لتحل بعد ٬ وسر هذه المرأة ظل غامضا يستعصي علينا . . وفجأة وبعد خمسة أو ستة أشهر من وجودها معنا لاحظنا أن بطنها  تنتفخ وتكبر وقد بدأت تتأوه وتتألمم ٬ ثم لم تلبث أن فقدت قدرتها على الإحتمال . . فجعلت تصيح وتستغيث ٬ فشككنا أنها حامل ولم نكن قد عرفنا قصتها بعد وقدرت الحاجة وقتها أنها ربما كانت متزوجة من أحد الشباب وكانا جالسين معا فحدثت مداهمة لقاعدتهم واستشهد الزوج أمامها فأتتها صدمة . . وهى الآن حامل .

ولما لاحظ العناصر ذلك أيضا نقلوا الخبر كما يبدو إلى رؤسائهم ٬ فأتى رئيس التحقيق وسأل عن الأمر وقال من ثم لعائشة : نريد أن نفحصها فربما تكون حاملا بالفعل .

فقالت له عائشة : دعنا نفعل ذلك وسوف نخبركم . وقامت بالفعل ففحصتها بين الصراخ والزعيق الذي صرع الدنيا فوجدتها قد تعرضت لاعتداء واضح لكنه لم يؤثر عليها كثيرا وليس هناك ما  يشير إلى حمل ٬ وظلت على هذه الحال يومين كاملين حتى ظننا من شدة الألم الذي نزل بها أن منيتها قد دنت . . فجعلنا نقرع الباب عليهم وننادي : هالة ستموت . . نريد طبيبا . . فأتى أحد العناصر يسأل ماذا حدث ٬ فقلنا له إنها تكاد تموت من الألم . .

فأجابنا بكل برود وجلافة : وماذا في ذلك ؟ مسموح هنا حسب القانون أن يموت 7% من المساجين ! وأمام إلحاحنا الذي لم يتوقف ونحن نراها على هذه الحال أحضروا لها آخر الأمر طبيب الفرع
المخصص لا لعلاج السجناء بالطبع وإنما للضباط والعناصر ٬ فلما كشف عليها قال لهم : ليس لديها شيء . . مجردإمساك . وأعطاها تحاميل ومرهما أذكر أنني وضعتهم لها بنفسي . . وبعد قليل يا لطيف دخلت الحمام فخنقتنا الرائحة حتى كدنا نموت ! وكان نهارا لا ينسى حتى طرقت الحاجة الباب وسألتهم أن يفتحوه قليلا قبل أن نختنق جميعا !فسألها مستغربا : ما هذا . . ماذا لديكم . . ماذا فعلتم ؟ فأجابته الحاجة تضحك : فعلتها المدللة !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:29:33
شويط اللحم !

والذي يبدو أن مسؤولي الفرع قرروا بعد استمرار هالة بتصرفاتها تلك القيام بمحاولة جديدة لامتحانها ٬ فرأوا أن يخرجوا ابن خالها السجين في نفس الفرع ويجمعوهما معا ليروا رد فعلها من اللقاء ٬ فسألت الحاجة مديحة رئيس قسم التحقيق أبا فهد أن يسمح لها بمرافقتها علها تستأنس وتتكلم . . ففعل . فأخرجوهم معا إلى غرفة التحقيق بالقبو وكانت هالة وقتها قد نزعت الحجاب بالمرة وما عادت تبالي بستر أو بلباس ٬ فخرجكت منكوشة الشعر تلبس تنورة ممزقة وتحملق في المجهول ٬ فما أن راها ابن خالتها بهذه الحال حتى أخذ يناديها بألم : هالة . . هالة . . لماذا تفعلين هذا بنفسك ؟ أنا ابن خالك . . وأمسكها يهزها وهي لا حياة لمن تنادي . . والمسكين يبكي ويقول لها : يا هالة . . أنا ابن خالك . . أنا فلان . . ولكنها لم تبد أي ردة فعل ولم تظهر أية حركة ٬ فأتى إبراهيم وفتح باب المهجع علينا ثم جرها إليه جرا ودفعها لتدخل ونحن كلنا نراقب ما جري فما دخلت ٬ ووضعت يديها على طرفي الباب ووقفت مكانها فاجتمع أربعة عناصر يدفعونها تارة ويسحبونها أخرى ولكنهم ما استطاعوا أن يزحزحونها قيد أنملة . . فأشعل أحدهم السيكارة وجعل يلسع لها يدها ويزيد ويكرر حتى وصلت والله رائحة شويط اللحم إلى أنوفنا وهي لا تزحزح أصبعا واحدا وكأنها لا تحس بشيء . . فلم أتمالك نفسي أمام هذا المنظر الرهيب وصرت أصرخ بلا وعي : منشان الله . . والله حرام . . حرام . وفي آخر الأمر تعاونوا فحملوها حملا وألقوها كقطعة من خشب على أرض المهجع وأقفلوا الباب . ولم تمض فترة على ذلك اللقاء حتى وجدناهم يستدعونها ثانية لمقابلة والدتها التي علمنا من بعد أنها دفعت مبلغا كبيرا ثمن ذلك ٬ وكان والد هالة قد أصيب بجلطة إثر اعتقال ابنته فنقل إلى المستشفى ولكنه ما لبث أن مات هناك بعد فترة . . وحضرت الأم الملتاعة إلى السجن وهي لا تزال متشحة بالسواد ٬ لكن اللقاء أثر بالسلب على الأم والبنت معا ٬ ففيما ازدادت صدمة البنت وقد علمت بوفاة أبيها تعاظمت لوعة الأم التي هالها أن تجد ابنتها فقدت العقل وانقلبت في تصرفاتها وشكلها أسوأ من المجانين . . فأصاب الأخرى ما يشبه الإنهيار ٬ ولم يستطيعوا أن يخرجوها من الفرع إلا شحطا !

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:30:02
وتكلمت هالة !

وانتهت المقابلة ٬ ولكن عذاب المسكينة وتعذيبها لم ينته ٬ فبعد فترة من الزمان وكان قد انقض على وجودها معنا حوالي الثلاثة أشهر كان باب المهجع مفتوحا للتنفس ٬ فما وجدناها إلا وقد ارتدت ملابسها وحملت حقيبتها ووضعت غطاء صلاة على رأسها وركضت بلا مقدمات خارج المهجع . . فلما رآها السجان هيثم اندفع وراءها يريد الإمساك بها فزلقت قدمه ووقع على قفاه . . وركض بقية العناصر فأمسكوا بها وأعادوها !لى المهجع . فسألتها الحاجة : إلى أين كنت ذاهبة ؟ قالت : عيد ميلاد أمي . . رايحة أحضر عيد ميلاد أمي !

ودخل ابراهيم وقد التأم منها بشكل كبير وكانت جالسة على الأرض مثلما ألقاها العناصر فصفعها على وجهها صفعة خبطت رأسها مرتين في الجدار ٬ثم أمسك بهاوهويصيح : تريدين أن تخدعيننا وتهربي يا . . . وبدأ يلف يدها وراء ظهرها . . ويصفعها . . ثم يدير يدها أكثر ويصفعها . . ونحن كلنا نصيح ونستغيث . . فلا هو يرحمها ولا وهى بين يديه تتلقى العذاب تنبس ببنت شفة !

وعلى هذه الحال ظلت هالة تتعذب وتعذبنا لعذابها حتى كانت أول مرة تكلمت فيها معي حينما كانت مستلقية ذات مرة ٬ فلاحظت أن أظافرها قد طالت جدا فقلت لنفسي : فلأحاول معها من جديد . وسألتها: قولي لي يا أختي . . ما اسمك ؟ ففوجئت بها تجيبني صوت كأنما هو قادم من عالم اخر : اسمي على كسمي . .اسمي مخبا بنسمي !

انتفضت وأنا أصيح : حجة . . حكت . . حكييت ! . وسألتها من ثم وأنا بين مصدقة لما أسمع ومكذبة : ما رأيك أن أقص لك أظافرك ؟ ومددت يدي أحاول أن أمسك بأصابعها فما وجدتها إلا وقد نترتهم من بين يدي نترا قطعني من الرعب ٬ فانكمشت على طرف وألغيت الفكرة وما عاودت الإقتراب ! وفي مرة تالية أردنا أن نحممها ثانية فقلنا لعلنا إذا أخرجناها إلى حمامات الشباب وجدت المكان أوسع فتستجيب بسهولة ٬ فلما أخرجناها وأخذنا معنا بقجة ثياب . . سألت : إلى أين أنتم تأخذونني ؟ إلى التلفزيون ! ولم تلبث أن انفجرت في الصراخ والبكاء فأرجعناها .!

وفيما بعد وعندما بدأت تتقبل فكرة الحمام قالت للحاجة عندما: سألتها أن تتحمم : لن أفعل حتى تخلع لي هذه ثوبها.مشيرة إلى ماجدة . فقالت لها الحاجة ! – لكنها إذا فعلت فليس لديهاثوب آخرتلبسه . . أناعندي ثوب والله أرسله أهلي لي ومامسسته أولبسته وهوغالي علي . . : ولم تكن الحاجة قد لبسته من قبل بالفعل فأخرجته خصيصا لها لعلها تقبل به ٬لكنهالم تفعل وكررت طلبهالثوب ماجدة ٬فخلعته ماجدة لهااخرالأمر.. وقامت الحاجة فأعطت ماجدة بدورها الثوب الجديد!

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:30:29
الأحمر ممنوع والماء مرفوض

وكان ممالاحظناه على هالة أنهاتخاف كل شيء أحمراللون وتنفرمنه فعندماكانت تشاهد ضوءسخان الحمام الأحمركنا نحس بهلعها وتوترها وكأنه يثيرشيئا بأعصابها لا نعلمه . . وكانت ماجدة تضع حلقا على شكل وردة فيه حجرة صغيرة حمراء ٬فكانت هالة تحملق فيه أيضا وترتسم على وجهها معالم الخوف . . فقمنا وغطينا الزر بكيس ورق ٬ وخلعت ماجدة حلقها وأخفته . وكانت عائشة تضع نظارات طبية ٬. فكانت هالة تحملق في النظارات فترة طويلة..وتظل تدنومن وجهها وتبتعدوتعودفتدنوتنظركمايبدوإلى صورتها المرتسمة على زجاج النظارات ولا تمل وبعد فترة وهكذا بلا  مقدمات قالت إنها عطشى . . فملأنا لها كأسا ! من حنفية الحمام حيث نشرب كلنا ٬فنظرت إليناهكذاجميعاوقالت بترفع." –هل يسقي أحد بوله للثاني !

فقالت لها الحاجة :طيب . . سنأتي لك بأحسن كأس ماءفي السجن كله وطرقت الباب فجاء أبو عادل يسأل ما الأمر ٬ فقالت له الحاجة نريد كأس ماء للست هالة . . تريد أن تشرب . قال مستغربا:ألايوجد لديكم ماء؟ فأجابته الحاجة : الماء الذي لدينا لا يشرب مع هالة !

فذهب وأتى لها بكأس ماء أعطتها الحاجة إياه ٬فنظرت في ثم فينا وقالت :هذا وسخ وبصقت فيه فسألته الحاجة أن يأتي بآخرففعل ٬ولماقدمته لها فعلت الشيء نفسه . .وعادت الحاجة فرجته أن يجلب لهاكأسا آخر فاستجاب أيضا وكأنما اندمج في هذه التجربة المثيرة !

لكن الفعل تكرر وعادفتكررحتى اجتمعت أمامهاسبع كاسات مصفوفة بصقت فيها جميعاوماشربت ولاقطرة! ومرة أخرى وفي إحدى جلسات التسلية كنانمثل على أننا مثل اللاجئين الفلسطينيين
نرسل سلامات لأهلنا عبر الراديو . . فكانت كل واحدة منا تعبرعن مشاعرها وأشواقها بهذه الطريقة ٬ فكانت الحاجة رياض تقول أهدي سلامي إلى أمي . . يا حنونتي . . إيش عم تعملي هلق .ا أى أنك جالسة تنشقي وتبكي . . وتنخرط في البكاء . . فتبدأ المناحة ويبدأ الكل في البكاءعلى ! أثرها. .فسألناهامرة: هالة . . ألا تريدين أن تشاركي معنا في الإذاعة؟ وقالت لها أم شيماء: هياهالة . .أنشدي لنانشيدا.

فماوجدناها إلاوقدانبلقت مرة واحدة تنشد"توحيدربي .– ومضت بهافما توقفت حتى نهاية  النشيد وجاء السجان وقال : ما هذا؟ عاملين مولد نبوي فقالت له الحاجة : دعنا الآن بحالنا . . أغلق الطاقة واذهب الآن وكأننا بفرحتنا بكلامها قدولدلنا أول مولود ٬فجلسنا نحمدالله ألعالمين أنها نطقت وكسرت عن نفسها حاجز الصمت آخرالأم محاولة الإنتحار ومضت الأيام . .وبدأت هالة تتحسن شيئافشيئاحتى رجعت لطبيعتهابعدحوالى ثمانية أشهرمن المعاناة ٬وعندماكنانحدثهاعن حالتهافيما بعدكانت تقول إنهاماأحست بأي شيء بعدماكانت على طريق اللاذقية دمشق . . وما عادت وعت شيئا . . وأما قصتها كما  قصتهاعلينابعدذلك وسبب صدمته فكانت كالتالي : كانت هالة طالبة من أسرة متدينة تدرس في كلية العلوم في مدينتهاباللاذقية ٬وكان لها ابن خال في صفه العاشرأوالحادي عشر يعتمدعليها بعض المرات في حل وظائفه وفهم دروس الرياضيات التي تستعصي عليه ٬ والذي يبدوأن هذا الشاب كان مرتبطا مع مجموعة من الشباب اعتقل أحدهم فدل
عليه فاعتقلوه . . وأثناء التيحقيق معه كان السؤال التقليدي لهذا الشاب الصغير: من الذي يدرسك ويعلمك ؟ وكان القصد من السؤال الوصول إلى مسؤوله التنظيمي ٬لكن الفتى لبراءته ذكرلهم اسم هالة لأنها تدرسه الرياضيات والفيزياء بالفعل !

فأحضروها إلى التحقيق  فكبلوا أيديها وأرجلها . . ثم مزقوا عنها ملابسها . . ومع التعذيب الوحشي حاول رئيس الفرع الذي يحقق معها وعنصران أو ثلاثة اخرون معه الإعتداء عليها . . ثم ألقوها وحيدة في غرفة مهجورة تصفرالريح فيها فتجعلها تنتفض . . ويعركها البرد القارس فترتجف . . والعناصرتروح وتجيء خارج المكان فتوقع مع الرعب الذي يلف الأجواء ويلفها . .والعدوان الذي استهدف أشرف ما في حياتها . . ومن كثرة ماأخذوها وأعادوها إلى التحقيق . . تتوقع أنهمفى كل لحظه سيدخلون عليهاليعتدوا من جديد وفى وسط دوامه الذعر هذه وجدت هالة قطعة زجاج أو حديد صدئة في الغرفة ظنت أنها حبل النجاة . .وقامت وهي لا تكادتعي فقطعت بها شريانهالتنهي المأساة . . وظلت تنزف وهم لايشعرون بهاحتى حان وقت التحقيق معها من جديد فوجدوها على آخر نفس . . فأسعفوها ونقلوها إلى دمشق . . وبينماهي في الطريق بدأت تصحومن غيبوبتها فوجدت ابن خالتهاخلفهافي السيارة مع عددآخرمن أصدقائه الأيام . تعرفهم جميعا ٬ . " . " " ووجدت نفسها البنت الوحيدة بينهم فظنت أنهميقتادونهم وإياها إلى الإعدام ٬ فأصابتها صدمة نفسية أفقدتها القدرة على الكلام ولم تعدتستوعب بسببهاما الذي يدور ٬وبعدشهرمن المبيت في المنفرده لم يكفوا فيه عن تعذيبها والتحقيق معها وصلت اليناعلى هذه الحال .



العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:31:08
الفصل الثاني الجزء 3

أولادى حارقين قلبى

واستمرالحال من سيء إلى أسوأ ٬واستمرمهجعنا الذي غص حتىالثماله يستقبل المزيد من النزيلات الجدد كانت أم محمود حليمه التاليه فى الترتيب بعد دفعة الحاجه رياض وأم محمود هذه سيده قرويه عمرها 35 عاما من قرية حريتان قرب حلب ٬ وزوجها صباب بيتون من قرية أخرى اسمها حيان . . وهى من الفلاحات الذكيات والواعيات جدا فلايظنها المرء إلا دارسة ومتعلمة . والذي يبدوأن زوجها بنى في بيته مخبأ للملاحقين من أبناء منطقته وآواهم فيه ثم أكتشف المخابرات الأمر فأمسكوا به ولكنهم لم يكتشفوا مكان القاعده فكمن عناصر منهم في البيت بوجودأم محمود وأولادها الخمسة ٬ فلما طال مكوثهم خرج الشباب الملاحقون من المخبأ واشتبكوا مع رجال المخابرات الموجودين فقتلوهم وفروا فلم يعد لهذه المرأه المسكينه بد من الهرب فحملت من استطاعت حمله من الأطفالوسحبت البقيه فى منتصف ليله مثلجه واتجهت الى بيت اهلها فى القريه المجاوره وليس ثمه من وسيلة للنجاة إلا المسير . . ويبدوأن الخابرات اكتشفوا ما حدث...
خلال ذلك ٬ فلما لم يجدوها في البيت تتبعوها إلى بيت أهلها وألقواالقبض عليها هناك  ٬ واتهموها بأنها كانت على معرفة بالقاعدة وأنها تسترت عليها وساعدت على قتل العناصر . . فنقلوها إلى الأمن السياسي بحلب وهناك أذاقوها أشد العذاب حتى كسرت يدها وظلت طوال سجنها لا تستطيع أن تحركها بشكل طبيعي ٬ كما كسروا عظمة أنفها أيضا . . وبعد شهرين أو ثلاثة أتوا بها إلى كفر سوسة وأعادوا التحقيق معها من جديد فنكرت معرفتها بأي شيء ٬ وقالت أن زوجها بنى البيت ولم تكن موجودة . وغالب الظن أنهم أعدموا الزوج في تدمر ٬ فيما بقي الأ طفال الخمسة وهم بين 4 و 9 سنوات من العمر مع أبويها العجوزين ٬ فكان ذلك أكثر ما يؤلمها ويؤرقة ها باستمرار . . فلا تفتأ المسكينة تردد : أولادي حارقين قلبي من جوه . . وتدمع عيناها دون أن تبكي كباقي النساء . . ولم يفرج عن أم محمود إلا عام 84 من قطنا .



العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:31:37
جو اسيس وعميلا ت. ورهينات !

ومن شركاء المهجع أيضانزلت علينا ذات يوم امرأتان شقيقتان مسيحيتان من حلب متهمتان بالتجسس لصالح اسرائيل . . الصغرى اسمها جورجيت ويسمونها مارييت أحيانا عمرها 35 سنة ومتزوجة من علوي من القرداحة اسمه زهير كان هو زعيم الشبكة  ٬ وأختها أم جورج في الستينات من العمر وزوجها علوي أيضا وهو مساعد في الشرطة .

وعلى الرغم من الفترة الطويلة التي أمضتها الأختان معنا في المهجع نفسه إلا أننا لم نستطع الإلمام بحقيقة القصة التي وراءهما لحرصهما وتكتمهما الشديد ٬ ولأن القصة كما بلغتنا بعض أطرافها معقدة جدا . ولقد أحضروا الأختين في البداية مع زوج مارييت ٬ وعلى أثر ذلك اعتقل عدد كبير من الشبكة . . وكانوا في البداية يأخذون جورجيت كل يوم إلى التعذيب فيضج الفرع كله من صراخها ولاتعود الا على آخر نفس ٬ وكانت عائشة تجلس فتمسد لها أرجلها المزرقة بالماء الساخن وتربط لها الجراح وتشد الكدمات بشاشيات البنات ٬ وتظل تعمل لها "المساج بكل طيب خاطر ٬ حتى إذا هدأت الآلام عليها انتفضت كالجنية ومضت تلعب الورق مع الشيوعيات الأخريات . . وتستغرق في اللعب بكل عقلها وكأن شيئا لم يكن ! وعندما سألتها الحاجة مديحة مرة : كيف كنت تصيحين من قليل والآن ربحت ؟




العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:32:07
أجابتها : أنا أربح من الطرفين !

وبينما لم تكن الأختان تتكلمان الكثير عن وضعهما في البداية إلا أن أم جورج بدأت عندما اجتمعنا ثانية في قطنا تتكلم عن شقيقتها جورجيت وتتهمها بأنها كانت سبب وقوعها وتدعو عليها أن يحرقها الله في قبرها ! وكانوا قبل نقلنا إلى قطنا قد أتوا ونقلوا الأختين إلى سجن المزة فأعدموا جورجيت بعدما أمسكوا بقية الشبكة وأعادوا أختها إلى قطنا لنلتقيها ثانية هناك ٬ وهناك سمعنا أيضا نبأ إعدام زوجها من راديو صوت لبنان .

ومن السجينات اللاتي شاركننا المهجع من غير الإتجاه الذي صنفونا عليه كانت أختان أيضا من أرمن حلب من تنظيم معارض موال للعراق أتوا بهما مع بدايات عام 82 الأخت الكبرى اسمها  كاميليا والصغرى جميلة ٬ وكانت هذه حاملا عند اعتقالهما اخر 81 أثناء عودتهما من العراق ولكنهما لم تكونا تتكلمان عن قصتهما ولم تعذبا ٬ وعاشتا مثلما عشنا وبقيتا إلى أن نقلنا إلى قطنا ٬ وخرجتا بعد نقلنا .

كذلك أحضروا وبشكل عابر سيدة من حمص من بيت النشواني اعتقلوها رهينة عن زوجها الذي هرب وأتوا بها إلى كفر سوسة ٬ ولكن هذه السيدة لم تبق كثيرا لأن لها ابن عم رائد في مخابرات اللاذقية سارع في التوسط للإفراج عنها .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:32:33
العلاج الصحى . . شتائم

! كانت ظروف السجن وافتقاد أولويات الإحتياجات الصحية والغذائية سببا لإصابة الكثيرات منا بأمراض وعلل متعددة . . لكن الحسرة لم تكن بالإصابة قدر ما كانت من طريقة العلاج التخصصي لدى إدارة السجن ومسئوليه . . فبعدما أصابتني كأكثر النزيلات "زنطارية" في بداية قدومي وتخلصت ظاهر الأمر منها لم ألبث أن بدأت أحس آلاما في معدتي تتزايد باستمرار . . واشتد الألم والأعراض علي حتى صرت أستفرغ دما ولا أكاد أستسيغ تناول أي طعام . . وسرعان ما شخصت عائشة حالتي بالقرحة . . وصارت وباقي البنات يحاولن تخير غذاء صحي مناسب لي من هذا الذي كان ينالنا منهم . . لكن الأمر ازداد سوءا بانعدام الغذاء الصحي وتراكم الإنفعالات والحسرات . . ووصلت آلامي مرحلة متقدمة ٬ فقدمنا طلبا للمقدم نشرح فيه حالتي ونطلب فيه غذاء يناسب المرض . . فاستدعاني متكرما ببعض من وقته الثمين ٬ كل ما قدمه لي وقتها أن أسمعني محاضرة مطولة حافلة بالشتائم عن أخي "المجرم " . . ثم أعادني أسوأ حالا مما أتيت ! ولقد شاعت بيننا كذلك
إصابات فقر الدم وتسوس الأسنان ٬ وذات مرة اشتد على أم شيماء النخر في ضرسها فسألتهم أن يعطوها مسكنا فلم يجيبوا طلبها ٬ لكنها استمرت مع تعاظم الألم في الإلحاح ٬ وصارت البنات تلح في السؤال معها وقد كادت تموت بالفعل من الألم ٬ وأخيرا أخذوها إلي طبيب لم تدر من هو أو أين كان إ! فلقد قيدوها وعصبوا عينيها ونقلوها بالسيارة المخصصة لنقل المساجين إليه ٬ وهناك ومن غير مخدر خلع هذا الطبيب لها الضرس وأجرى لها في جلسة واحدة جراحة في فكها الذي أصابه الإلتهاب ووصل التسوس فيه إلى العظم ٬ فعادت بألم أشد ومعاناة استمرت معها لفترة غير قليلة . كذلك أصيبت كثير من البنات بنقص في الكلس تسبب لرغداء بدوخة مزمنة ٬ حتى أنها عندما أرادت أن تنهض من التواليت ذات مرة لم تستطع فسقطت على الأرض وارتطم رأسها بالجدار وأسرعت البنات فحملنها من مكانها حملا . . ومن حينها بدأنا نأكل قشر البيض الذي نحصل عليه . . ندقه ليصبح ناعما كالطحين ونستفه ! وكذلك بدأنا نفعل بقشر البطاطا إذا  وصلتنا ! ومع مرور الأيام بدأ بعض العناصر يسمحون لنا في أحيان نادرة باستخدام غلاية كهربائية لتسخين بعض الماء ٬ وكان بعضهم يمن علينا ببقايا الشاي الذي شربوه فنسخنه من جديد ونشربه ٬ وفي فترة لاحقة استطعنا أن نستعير منهم "البابور" لطهي الطعام أو تسخينه ٬ فكنا إذا حصلنا على بقايا الفروج المخصص لنا فتتناه ولوحناه على النار بلا أية إضافات على الأغلب .

وكانوا يأتون بفروج واحد للمهجع كل أسبوع فيستل العناصر منه القطع اللذيذة ويرسلون البقايا لنا ٬ فنتوزعه وقد بلغنا 14 سجينة اخر الأمر بأن نفرطه كله ونفتته كالخيطان ونضع عليه بعض البهار ونتوزعه بالملعقة ٬ فتنال واحدتنا نصف ملعقة منه تفردها على الخبز وتلفه بغطاء اخر من الخبز وتتناوله ملتذة وهي تجهد في تخيل أن ما تمضغه الان لحم دجاج بالفعل !

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:32:58
عقوبات حسب المزاج !

وعلى الرغم من سوء حالنا وشدة معاناتنا إلا أن حياة السجناء الشباب بالمقارنة معنا كانت جحيعا بالفعل . . ففي الوقت الذي كنا نكاد نختنق من ضيق المكان حينما بدأ عددنا في المهجع يزيد على بضعة عشر امرأة كانوا يحشرون حوالي الخمسين من الشباب في المهجع الواحد فلا يجدون حتى النفس الكافي أثناء النهار ٬ واذا ناموا لا يملكوا لضيق المكان إلا أن يرفعوا أرجلهم على الجدار ويتناوبون برغم ذلك النوم ! وكان هناك عنصر يتجول أمام المهاجع باستمرار ٬ فإذا سمع أدنى حركة من داخل المهجع ضرب الباب الحديدي بالكابل الذي معه وصرخ فيهم ليخرسوا . . ويظل يذهب ويجيء في الليل و الطاقات مفتوحة عليهم ٬ فإذا شاهد أحدا يتمتم أو يتقلب فالعقوبة حسب ما يقتضيه مزاجه وهواه ليلتها . . أبسطها السباب والشتيمة وغالبها الفلق في منتصف الليل ! وكان كل عنصر يتحكم فيهم حسب مزاجه : ناموا الآن . . أفيقوا الان . . الآن طعام . . أو موعد "الخط " . . وفي اخر الأمر لم تعد تفرق مع الشباب فصاروا يقفوا ويصلوا جماعة ويجهروا بهاحتى
يصل صلاتهم وتكبيراتهم إلينا . . لدرجة أن الحاجة كانت تقتدي بهم بعض الأحيان ! فإذا سمعهم العناصر نالوا نصيبهم برضا وتسليم وإلا مرت بسلام ! وأذكر أن واحدا من المهجع المجاور لنا عاد ذات مرة بعدما أخرجوهم إلى "الخط " وطلب الخروج ثانية للحمام ٬ فكان الجواب الأول شتائم مقذعة ٬ لكن الشاب كان كما يبدو محتاجا للذهاب بالفعل فعاد يرجو العنصر ويسأله الإذن من جديد ٬ فجاءه ذاك وأخرجه مع أبشع المسبات والشتائم واقتاده أمام مهجعنا وجعل يضربه ويضربه ولا يتوقف ٬ وفي آخر الأمر دقت الحاجة الباب تقول له : إي خيوإيش عمل ؟ إي والله ما كفر ! بدو يطلع على الحمام . . إي حضرت جنابك بتطلع في اليوم عشرين مرة ! أليس بني ادم أيضا ! وأما خروج الشباب للإغتسال فكان عذابا آخر .

 كانوا يخرجون سكان المهجع مجموعة بعد أخرى ٬ فكان إذا ضرب على الباب بالكابل أو بالعصا ضربتين وخاصة ياسين فمعناه أن يكون الجميع جاهزين في الخارج ! فكان المساكين يدخلون بثيابهم ولا يكادون يفتحون الدوش عليهم حتى تحين إشارة الإنتهاء . . وأظن بعضهم لم يكن يتحمم تفضيلا منه السلامة على النظافة ! كذلك كانت الحلاقة إحدى عذابات الشباب الدورية التي لا بد منها . . فكان العنصر الموكل بذلك يتربع هو على الكرسي ليمر الشباب واحدا بعد الآخر بين يديه راكعين على ركبهم ٬ فيتناول رأس الواحد منهم وكأنه دابة بين يديه ويمر بالآلة عليه لا يبالي جرح له خدا أو شج له رأسا أو أصاب عينا . . والشاب المسكين لا يجد فرصة للتأوه أو التشكي لأنه إن فعل ضوعف له العذاب وخص بفلقة أو لسعة كبل هو في غنى عنها ! وأما نحن فقد عفينا من الحلاقة ولله الحمد ٬ ولكن انعدام النظافة وقلة الماء ...

جعل شعورنا التي طالت مشكلة وعبئا علينا ٬ خاصة وأن صغر السخان لم يكن يتيح لأكثر من واحدة بالإستحمام كل يوم ٬ وصعوبة الغسيل مع قلة الملابس كان يضطرنا للبقاء فيها فترات طويلة . . وكثيرا ما كانت واحدتنا تضطرإلى انتظار ثيابها لتجف فتلبسها ثانية . . وحتى تجف كنا ننشرها على حبل مطاط أخرجناه من إحدى قطع الملابس التي معنا ٬ لكن صغر الغرفة وكثرة نزلائها كان يكثف الأ نفاس على رطوبة الثوب فتبدأ القطرات المتكثفة تنقط فوقنا ٬ وليس لنا من حيلة حيالها إلا الصبر والإحتساب !


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:37:30
الدم ...والقمل . . والسل !

ومن برامج السجن الدورية كان التفتيش على أمن المهجع كل أسبوع ! كان ابراهيم يأتي في نوبته فيتفقد النافذة التي في الجدار فيهز قضبانها الحديدية ويتأكد أن أحدا لم يمسها بسوء ٬ فتصيح به الحاجة دون أن تتمكن من ضبط نفسها : ماذا يمكن أن يحدث في رأيك ؟ هل يمكننا نحن النساء أن نخلعه مثلا ! فيجيبها ببرود : إنها الأوامر . . وينبغي أن أنفذها ! لكن ذلك لم يكن الإزعاج "الوقائي " الوحيد . . فيوم تعقيم البطانيات – حفاظا على الصحة العامة كما يفترض – كان يوم عذاب شنيع آخر لنا ! فقد كانوا يجمعون بطانيات المهاجع كلها ولا ندري بماذا يجمعونها ثم يعيدونها رطبة إلينا ورائحتها تعم السجن كله حتى نكاد ختنق بالفعل منها . . لكن الأمر كان أشد رهبة وأسوأ وقعا حينما تنتشر الأوبئة والأمراض أو الحشرات ! فبعد شهرين تقريبا من دخولنا السجن انتشر القمل بين السجناء دون أن يصيبنا هذه المرة ٬ لكنهم دخلوا مهجعنا ورشوا المبيد ونحن فيه بالطبع فقط على سبيل الإحتياط ٬ فصرنا نتقيؤ كلنا ولا نكاد نقوى على التنفس لساعات ! ومع ذلك وجدنا بلاءنا أخف مما نزل بالشباب الذين كانوا ينادونهم واحدا بعد الآخر إلى طاقة المهجع أو الزنزانة ويأمرونهم أن يمدوا رؤوسهم منها ليغرقوا الرأس كله بالمبيد وبعد سنة تقريبا واشتداد العذاب وانعدام أبسط الإحتياجات الغذائية والصحية انتشر السل هذه المرة بين المساجين المساكين ٬ فكنا نحسهم من صوت سعالهم في جوف الليل أو نراهم عند خروجهم إلى "الخط " يعكز بعضهم بعضا أو يحملون من شارف منهم على النهاية حملا إلى الحمام . وأذكر أنني كان دوري مساء أحد الأيام لرمي القمامة كالعادة في المطبخ ٬ وكان ابراهيم قد فتح الباب لي وسبقني إلى المطبخ ٬ فوجدته وبيده سكين يقول لي من غيرسبب : والله هذه حلال تدخل بقلبك !

لكنني لم أرد ودخلت بالقمامة لأرميها ٬ فلما أصبحت في الداخل وجدت حسين قادما دون أن يراني وبيده طاسة الطعام مملوءة بالدم يقول له :  سيدي مات ! فقال له ابراهيم : إلى جهنم . . أغلق عليه باب المنفردة الآن لنرى ماذا نفعل .

فلما عدت إلى مهجعنا نظرت بعد قليل من شق الطاقة فوجدتهم يحملون أحد الشباب ميتا بالفعل وينقلونه من المنفردة حيث كان ٬ وحكيت ما جرى للبنات فقالت الحاجة أنها رأتهم ينقلونه بالأمس من المهجع إلى المنفردة ويكاد من ضعفه يحملونه حملا . . ولم يلبث أن حضر أحد العناصر فجعلت الحاجة تستدرجه كعادتها وسألته عن هذا الشاب الذي مات . . فأجابها اخر الأمرأنه مات ميتة طبيعية . . بمرض السل !


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:38:01
الشياه والجزار !

وإذا كانت صور المرض ومشاهد أيام انتشار الأوبئة مؤلمة لا ريب فإن مما لا يمكن نسيانه مشاهد الذين ماتوا تحت التعذيب أو أولئك الذين كان الموت أكثر راحة لهم ربما من العذاب ! فذات ليلة أطفأوا الأ نوار فجأة وأغلقوا الطاقات ولن يبق منيرا إلا ضوء الممر الذي مكننا أن نراهم يحملون جثة شاب يلبس طقما وكرافة ويرمونها في المنفردة . . ولم تفلح الحاجة ولا أحد سواها هذه المرة
في معرفة ما حدث ٬ لكن الأرجح أنه مات ليلتها تحت التعذيب . وفي مرة غيرها رأيناهم وقد أحضروا أحد القرويين وقد عروه من ثيابه كلها ووقفت مجموعة من العناصر في أول الممر ومجموعة غيرهم في آخره وجعلوا يلسعونه بادئ الأمر بالكابلات والخيزران ويأمرونه بالجري بينهم جيئة وذهابا ويحملونه أن يضع يديه فوق رأسه ٬ وكان الأمر له أن يسرع مرة وأن يبطىء أخرى . . وهكذا حتى أنهكوه . . ثم اقتادوه ونحن نتابع ما يجري من خلال شق الطاقة أو من تتبع الصوت إلى الحمامات ٬ فكانوا يفتحون الماء البارد عليه لوهلة ثم يحولونه إلى الساخن مرة . . والمسكين بين يديهم لا حول له ولا قوة يصيح ويولول كالشاة بين يدي الجزار!



العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 08:38:24
عملية تجميل ...وهستيريا!

وتزامنا مع أحداث حماة التي لم نعلم عنها بالطبع وقتذاك ازدادت  عمليات التعذيب في الفرع حتى صرنا نحن الذين نسمع الأصوات فقط نستجير من هولها . . إلى درجة أن الحاجة مديحة قالت لهم آخر الأمر ترجوهم أن ينقلونا إلى مهجع آخر بعيد بعض الشيء عن غرفة التعذيب لأننا لم نعد نحتمل ! وبمقدار ما كان التعذيب يشتد كان عدد الضحايا في ازدياد . . وكثيرا ما صرنا نراهم يسحبون الشاب محطما أو ميتا فيلفونه بالبطانيات ويأخذونه إلى حيث لم نكن نعلم . . ولا أزال أذكر كيف أخرجوا أحد هؤلاء المساكين من غرفة التعذيب وألقوه أمام باب مهجعنا ليفسحوا مكانا لغيره حتى يتذوق الأهوال . . فجعل هذا المسكين وقد تدلى لسانه والدم يغطي جسده كله يسألهم جرعة ماء ولا من مجيب . . فلما طال به الأمرأرقنا له من تحت الباب بعض الماء فجعل يلعقه بلسانه لعقا من على الأرض .

ولقد تسببت وحشية التعذيب في إصابة عدد غير قليل من السجناء بالإنهيارات العصبية والهستيريا . . وأذكر أن واحدا من هؤلاء كان نزيل المهجع الذي يجاورنا ٬ فكنا نسمعه ينخرط في نوبة ضحك مفاجئة حتى لا يكاد يتوقف ٬ أو ينشج بالبكاء فيعم الحزن المهجع كله وهو على هذه الحال لأيام . ولقد أتى العناصر مرة إلينا وسألونا إن كان لدينا حبا مهدئا وكانت الحاجة مديحة تستخدمه أحيانا لعلاج رجفة أصابتها بسبب تعذيب الكهرباء فسألته كعادتها بين المزاح والجد : وماذا هناك . . من هستر منكم ؟ فقال لها : هناك واحد بعيد عنك معه هستيريا بكاء حتى أقلق لنا نومنا ببكائه !

وفي مرة أخرى أصابت شابا اخر هستيريا الضحك حتى كأنما فقد عقله ٬ فرأيتهم من شق الطاقة أخرجونه إلى الممر وخلعوا عنه ثيابه وأجلسوه على الدرج وجعلوا كلما هدأ أزوه ليضحك  فينفجرون بضحكاتهم الفاجرة لا يراعون قيمة لإنسانية أو حرمة لضعف ولا مرض . ومن المشاهد التي لا تنسى أيضا ليلة تفجير الآمرية الجوية بدمشق عندما قرعوا علينا الباب وسألونا إن كان لدينا قلم كحل أو أصبع حمرة . . قالت له الحاجة مستغربة : وهل ترانا جايين من عرس أبوي ! من أين لنا بالكحل والحمرة في هذا المكان !

قال العنصر: لعل وعسى . . ثم مضى . . ولم يلبثوا أن أخرجوا شابا من زنزانته وأجلسوه قريبا من باب مهجعنا ٬ فرأينا آثار التعذيب تملؤ وجهه وجسده . . ورأيناهم وقد كبلوه من يديه ورجليه بالكرسي . . التفوا حوله يحاولون إخفاء ما أمكن من آثار التعذيب عن وجهه وعمل "مكياج " له . . وبوسائلها الخاصة أيضا فهمت الحاجة مديحة بعدها أن الآمرية قد ضربت وقتها ٬ وأنهم أرادوا أن يخرجوه في تلك الليلة ليعترف بشيء يريدونه على التلفزيون !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2011-05-05, 15:41:55


يا إلهي

لا يوجد كلمات تصف مشاعر من يقرأ فكيف بمن سمع وكيف  بمن عايش


حتى الدعاء عليهم مهما حاولت اختيار أقواها أجدها لا تناسب هذه السادية

يا رب أنت أعلم بما في الصدور، استجب لدعائي عليهم بما يستحقونه فقد عجز لساني ورجائي أنك أقرب إلينا من حبل الوريد وأعلم بنا منا

يارب


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-05, 15:55:17


يا إلهي

لا يوجد كلمات تصف مشاعر من يقرأ فكيف بمن سمع وكيف  بمن عايش


حتى الدعاء عليهم مهما حاولت اختيار أقواها أجدها لا تناسب هذه السادية

يا رب أنت أعلم بما في الصدور، استجب لدعائي عليهم بما يستحقونه فقد عجز لساني ورجائي أنك أقرب إلينا من حبل الوريد وأعلم بنا منا

يارب




آمين يا رب ....
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أم يوسـف في 2011-05-07, 05:39:58
أخيرا يا أسماء بدأت القراءة

حملت الكتاب في بداية نشرك للموضوع و لكن لم أجد الوقت للقراءة

رغم تجربتي المؤلمة مع كتاب سنة أولى سجن لمصطفى أمين وكنت صغيرة وقتها و مازالت صور التعذيب المحفورة في ذهني أتذكرها كلما ذكرت كلمة تعذيب

ومنذ عدة سنوات قرأت البوابة السوداء لأحمد رائف وهي عن الأخوان في سجون عبد الناصر و أيضا تأثرت بها جدا
ومع ذلك أردت القراءة لأعرف كيف هو الحال في سجون سوريا و كنت أتوقع أنها أبشع و لكني لم أتوقع هذه البشاعة

لا دين و لا أخلاق و لا رجولة و لا شهامة و لا مروءة ولا أي صفه يمكن أن يتصف بها البشر

ولا أريد أن أقول أنهم وحوش لأن الوحوش و الله أرحم

لا أجد كلام أقوله و لا دعاء أدعو به يشفي غليلي

حسبنا الله و نعم الوكيل

ربنا المنتقم
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-07, 07:56:54
شفتِ يا أم يوسف ؟؟

شيء لا يوصف ولا يجد له واصفا .... ولذلك علينا أن نعرف كيف عاش أناس مثلنا، كيف عاشت نساء مثلنا يا أم يوسف....أتساءل أي ذخيرة تجربة هي عند هؤلاء  مما عايشوا ومما عرفوا من حقائق؟!
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-05-07, 08:31:33
ويظلّ السكوت والفرجة من أية قُوى أو أي شخص يمتلك سلطة _ مادية أو معنوية _ مهما كانت مرتبة هذا الشخص بل وجموع العامة، يظل سكوتهم وعدم الإتيان بفعل إيجابي هو الأبشع.
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: Al-Muslim في 2011-05-08, 08:24:21
شام - إبنة و أخت الشهداء و المعتقلة السابقة هبة الدباغ (http://www.youtube.com/watch?v=wovSe_uZl_U#)
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-08, 09:55:44
شام - إبنة و أخت الشهداء و المعتقلة السابقة هبة الدباغ (http://www.youtube.com/watch?v=wovSe_uZl_U#)

نعم هذه أختنا الحبيبة هبة صوتا وصورة.....

 هذه خلاصة آلامها وأوجاعها.....وها هي الحياة تكتب لها ، ويشاء الله تعالى ألا تكون ببيتها ومع أهلها ساعة قتلوهم جميعا، يشاء الله ألا تستشهد وأن تبقى سجينة هذه السورية الحماتية الأبية ، ثم تتحرر، لحكمة من الله تعالى، ليصل صوتها اليوم، ليشق الآفاق كلها بالحقيقة ......... يشاء الله أن تحيا هبة لنقرأ نحن اليوم وغيرنا كتابها هذا .....

يشاء سبحانه العليم الحكيم أن تبقى حية لتفضحهم، لتبكي اليوم أهلها على مسمع العالم وعلى مرأى أعينه........يشاء الله يا هبة أن يسمع العالم نحيبك وقد كتمته لسنواتك التسع الجمرات، ولسنواتك من بعدها ...... يشاء الله يا هبة أن تبقي حية دون أهلك جميعا، نعم أنت تبكين ومعك نحن نبكي ولكننا نصرخ معك اليوم بالحقيقة ليعرفها العالم، وليعيها العالم ..........

عالم غيّب عن الحقيقة والجزار يذبح ألوف إخوتنا........ عالم غيب عن الحقيقة والجزار يعيث فسادا في أرض من أرضنا ولا من رأى ولا من سمع .............!!

ولكن آن أوان السمع والرؤية.......... آن أوان تشنيف الآذان وإخراج الرأس المندس بالتراب ليُرفع ويحدق بضوء الشمس ويراه العالم ويسمع صوته ............

ذبحوا أباك ....ذبحوا أمك البطلة التي كانت معك سجينة ولم تريها بعد آخر مرة أفرج فيها عنها ولم تنعمي بحضنها الدافئ بعدها....وشاء الله أن تصبحي ابنة الشهيد والشهيدة ......
كانت أمك بطلة وهي سجينة .... كانت تصرخ بوجه سجانها الوغد وكانت لا تخافه ولا ترهبه ...... كانت تدعو عليهم وآذانهم تسمع .........لم تكن تخشاهم

كانت تعلن الإضراب في السجن ليأتوهن بمصاحف يتونسن بها، ويملأن بنورها قلوبا تتقطع ألما ........


وخرجت أمك من سجنها يا هبة .........كانت زميلتك .... ثم خرجت وهي تحمل معها رسالة حمّلتها إياها زميلة لكن على منديل الورق .....كم أحببتها من كتابك ....كم أحببت شخصيتها القوية وروحها المؤمنة ........... حتى اختارها الله واتخذها  شهيدة يا هبة ....

طوبى لك يا ابنة الشهيدين .........يا أخت الشهداء .........

طوبى لك ..............وها هو اليوم صوتك يُسمع ............ليس عبثا والله ليس عبثا أن تبقي بإرادة الله حية ........وأن تخرجي لتتحرري اليوم وتنطقي، كما تحررت وسطرت كلماتك الحرة في كتاب !!

لله درك يا هبة الحرة ......يا هبة البطلة ..........يا هبة يا أختنا الحبيبة .....يا قصة في سورية تتكرر وتتكرر وتتكرر ....يا صورة من صور سورية التي جاءها اليوم الذي نطقت فيه "حرية" ...........

لك الحمد يا ربنا يا عليم يا حكيم ..................وأنت الجبار المنتقم ....انتقم لكل هؤلاء الأحرار يا ربنا من كل من قتلهم وعذبهم وشردهم وأحرق قلوبهم يا ربنا يا من أبقيت هبة حية لتنطق وتسمع العالم كلماتها الحرة ..........يا من أبقيتها حية لتذوق حلاوة الحرية في الحبيبة سورية


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-05-08, 13:04:44
يا الله يا الله .... كم كنت أتساءل أين هبة الآن ؟
جزاك الله خير يا " مسلم " ونعم يا أسماء ... تلك السنوات التسع جعلت من هبة سفيرة ذات مصداقية وتأثير وإذن لم تكن المحنة سوداوية بل كانت تعدّها لفجر قادم لاح في الأفق كما نراه الآن.... يا الله ... كم كانت ساعات وأياماً وسنين هي في المخيلة لمن عانى منها أنها بئر لا قرار له وأنها نفق يفضي إلى الغياب والعدمية .... ولكن إذ به وعد لغد مشرق وها هو هذه الأيام يولد من رحم المعاناة .... كم هي مؤلمة الولادة لكن يجب أن تكون بحجم الوعد المنبثق... ولهذا يهون كلّ ألم إن شاء الله.... وفي هذه القصة ومثيلاتها ما يلهم ويعضد نهج الثائرين على الظلم، فلهم فيها قدوة وأيّ قدوة....

الحمدلله ... عاشت " هبة " لترى هبّة الشعب.... وفي هذا خير تعويض وأجمل عزاء للشهداء والمعتقلين ولكلّ من ثكلت بابن ولكلّ من أصيب في قلبه ... ولكلّ من سار على درب ثورة الحرية في العالم أجمع .... الحمدلله .... آلامهم توشك أن تنتهي .... فيما حساب الأوغاد يوشك أن يبدأ ... بل هو قد بدأ فعلاً...
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: جواد في 2011-05-09, 12:44:03
.
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أسيرة الصفحات في 2011-05-09, 15:22:41
هذه هبه
هذه حقا هبه
ما شاء الله عليها
سبحان الله
أين هي يا أسماء , في أي بلد ؟ هذه ليست سوريا على ما أرى
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-09, 17:59:26
نعم يا بسمة ........ الحمد لله  أن عاشت هبة لتنعم على الأقل برؤية هبّة شعبها فتداوي شيئا من آلامها وآلام أمثالها الذين يملؤون سوريا !

وهي النقطة أخي جواد تعني ما تعني !!

نعم يا سلمى هذه هبة البطلة، هذه هبة.... وأظنها بإنجلترا أو بأي بلد أجنبي آخر حيث تستطيع أن تعيش بينما لا تستطيع أن يعيش أمثالها بسوريا !!  السوريون بالخارج يا سلمى يقاربون عدد سكان سوريا بالداخل !!! سبحان الله .... ما يقارب العشرين مليون سوري يا سلمى !! ولك أن تخمني السبب ........

**************************

أما دور التعليقات على ما سبق وعرضته لكم من الكتاب إخوتي، كعادتي رفع راية القوة وإطفاء شيء من الغضب بماء الكلمات الغاضبة.....  فصدقوني لم أملك هذه المرة  أن أعلق ......!!

 أعرضت .....!!
 عجزت !!  

لم أجد بمَ أعلق .....

أحيانا كثيرة لا تسعف الكلمات وإن كانت أكثرها تقريبا لحال الغضب !! ولا نستعيض عنها إلا بالصراخ !!!  صراخ .........صراخ بداخلنا لو خرج لا أحسبه إلا يفتت الصخر من هول ما هالني مما سطرت هبة .......!!!

لله درها .........لله درها .........لله درها ................

إن كنا ونحن نقرأ نتعب ونتعذب، فكيف بها وهي تصبح وتمسي على أصوات تعذيب إخوة لها من مهجع الشباب أو أخوات لها من مهجع النساء!!  كيف بها وهي تتحمل ما لا يحتمل من ظروف سجن سجان جزار طاغوت لا يأبه لمن مات مرضا أو ألما أو من فرط روائح الوسخ والقذارة ومن شح الماء ومن انعدام الغذاء الصحي ........

نصف ملعقة لكل امرأة منهن في مهجع يغصّ بالنزيلات المكرّمات !! وهذا نصيب العيد عندهن !!!

وسجين يموت من التعذيب فهن يرمقن جرّه من حتفه إلى المجهول !!!  وسجين يموت مرضا وهي تسمع وترى الأهوال عنه ....!!!  وووووووو....................

أي قوة هي التي عندنا يا هبة ؟؟ أي صورة قوة ؟؟ أي ادعاء قوة هو فينا ونحن لا نتحمل "الحكي" فكيف وأنت تتحملين الحقيقة !!!

أي قوة هي فينا يا هبة ونحن نقرأ من كتابك وكأننا ندخل سجنا بينما نحن خلف شاشات مضيئة هي غاية من غايات الترف الذي نعيشه !! أي قوة ونحن ننعم بالماء والهواء والأكل الشهي والشرب الهني، ونسح دمعا محاطا بكل هذا  ونقول : "آآآه لم نتحمل القراءة !!"

أي قوة هي فينا يا هبة ؟؟ أيها ونحن نغدو ونروح ونلج ونخرج ولربما تعبنا إذا جلسنا بعد كل هذا جلسة المستريح وقرأنا شيئا مما كتبت !! ومسنا شيء من ألم ما كتبت، ولم يمسّنا أتفه مس  من كابل كهربائي هز جسمك ، أو ضربات عصا صالت وجالت بأطرافك حتى صيّرتها بحر كدمات أزرق .... أو من كلمات نذل حقير وغد يتجرأ وهو الوحش المستأسد بعصيّه وصوته على الضعفاء العزّل

ولا رأينا عبدا من عباد الله يتعذب بشيء من العذابات التي عاينتها وعايشتها وصارت كابوس ليلك ونهارك ..............!!

كفاني يا هبة كفاني فلم يعد يشفيني إلا................................. رؤية سوريا حرة حرة حرة .........................................لا أسد فيها ولا نمر ولا حيوان من حيوانات البشر !!!!!


يا رب لا رجعة حتى ترجع سوريا لأحرارها وحرائرها .... حتى تشفى صدور قوم مؤمنين تعذبوا في سوريا ومؤمنين تعذبوا لعذاب  أحرار سوريا .......يا رب




العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-05-09, 18:15:53
كم رائعة هي الجزائر :-)
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-10, 12:41:44
شكرا بسمة

وعلى ذكرك للجزائر الحبيبة، فمنذ أيام كان الاحتفال بذكرى 08ماي1945 وهي المذبحة التي اقترفها المستعمر الفرنسي عام 1945 بمناطق من شرق الجزائر "سطيف وقالمة وخراطة" خلال يوم واحد راح ضحيتها  أكثر من 45 ألف من الأبرياء المدنيين العزل ، وتمثلت احتفالات هذا العام في مسيرات بتلك المدن لمختلف أطياف المجتمع تتقدمهم فئة المجاهدين والذي عايشوا تلك المرحلة، كانت مسيرات رائعة، يأخذ فيها الشيخ المسن الذي عاصر تلك المرحلة بيد طفلة صغيرة، والشاب إلى جانب الكهل إلى جانب العجوز....... وألبس الأطفال لباسات موحدة بألوان العلم وهم يهتفون بأنشودة قديمة فيها تفاصيل تلك المجزرة....

أسقطت إحياء هذه الذكرى والكبار يهيبون بالصغار وبأجيال اليوم ألا ينسوا هذه المجازر وأن يذكروا جيدا كيف قضى فيها الآلاف الأبرياء .....أسقطت ذلك على مجزرة حماة التي اقترفها النظام السوري ضد الشعب السوري في حماة فقضى فيها ما يقارب الأربعين ألفا....!! فهل هناك وجه للمقارنة ؟؟!! بين فعل العدو وبين فعل من يعرف باسم "الحامي" .........

كم أن شباب سوريا وأجيال سوريا وكل أجيال الأمة الواحدة بحاجة لأن تتذكر هذه الجرائم، كم هم بحاجة -والعالم كله بحاجة- لأن يعرف ويتذكر ولا ينسى، فذلك من شأنه أن يؤجج الثورة ويعطيها المد ضد عدو لم يَزُل بل ما يزال جاثما على الصدر يلوّح بعصاه وبناره وبحديده يرهب ويرعب ويرسخ لدولة الخوف والصمت .........

حقا كم يحتاج العالم أن يعرف ندبات الماضي التي لم تبرأ بل قد تعفنت واستشرت داء في الأوصال وهي التي تأكل نارها قلوبا تلوعت واكتوت بها أيما اكتواء .....

يحتاج المريض العليل أن يخرج آهته وألا يكتمها، فكتمها زيادة استفحال الداء فيه، وكتمها قبر للحقيقة وقبر للجريمة وطمس لآثارها.....
 
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 09:29:18
تبييض السجون !

وتتعدد عذابات السجن وتتنوع . . لكن عذابات الجسد كانت على شدتها تندمل ولو بعد حين ٬ أما عذاب الروح وقلق النفوس فلم يكن من السهل التخلص منه . . وكان طبيعيا مقابل انعدام حريتنا وطول معاناتنا أن نتلهف للفرج كل حين ٬ ونتعلق بالأمل ولو كان قشة ٬ ويبدو أن حال الناس في هذا المقام مختلف . . وقدراتهم على الإحتمال تتفاوت . . تماما مثلما كانت قدرة العناصر والضباط على اللعب على هذا الوتر فائقة ! ولعل أكثر من برع في هذا أبو رامي رئيس إحدى النوبات . . وأكثر من وقع ضحية لاحتياله وكذبه الحاجتان . . فطالما كان يعدهما بدنو العفو واقتراب يوم الإفراج فتصدقانه وتمضيان معه ٬ فإذا تكشف كذبه عاد ونسج لهما كذبة جديدة سخرية بهما وتسرية عن نفسه المريضة ! وكان قد أخبر الحاجة رياض يوما أنه إذا قال لها عبارة "دقي البابور" فهي الإشارة . . وأتى مرة يتمشى بجانب المهجع فالقى هذه الكلمة ومضى . . وسرعان ما نهضت الحاجة تدق الباب وتستفسر عنه وتسأل وهو لا يجيب . . وتعاود فترسل وراءه فلا يأتي ٬ وانقضت الساعات وهي على أعصابها تترقب حتى عاد ثانية فقال لها : غدا الساعة 12 بكل تأكيد ٬ ولكن قبل أن تخرجوا أتيت لك بكمية من الصوف وأريدك أن تغزليها لي كنزة قبل خروجكم .

فوافقت المسكينة على الفور وجلست والحاجة مديحة تعملان فيها طوال الليل ٬ فما طلع الصباح حتى كانتا قد أتمتاها ! فلما استلمها أحضر كمية أخرى من الصوف وقال لهما : أريد
كنزة أخرى بلا أكمام هذه المرة . . وموعدنا قبل الثانية عشرة . . فجلست المسكينتان تغزلان فيها حتى أتمتاها أيضا وأرسلتاها إليه . . ثم جمعتا أغراضهما وهيأتا أشياءهما وجلستا تنتظران . . ومرت الساعة الثانية عشر . . وحل المساء . . وانتصف الليل . . ولم يظهر أبو رامي ولا جاء العفو فأدركتا اللعبه وجعلت الحاجه رياض تدعوعليه وتشكيه الىاللهوالمسكينه تكاد من فيظها ان تموت وتكررت اللعبه ولكن اللوعه والمعاناه التى كنا فيها كانت تجعلنا نأمل حتى بالوهم وذات مرهقالوا لنا الشىء نفسه فتجهزنا جميعا وجلسنا ننتظر الساعه الثانيه عشرخلف الباب لكن الموعد مر وفات ومضى اليوم كله وانقضى الليل ولم يأتى الفرج

فاذا سألنا قالوا :تأخر الموعدلساعات فقط لأنهم يشتغلون لكم بالاوراق وجاء ظهر اليوم الثانى دون نتيجه فلما عاودنا السؤال فاجأنااحد العناصريقول:خلاص ليس هناك خروج الاخوان ضربوا أمريه الطيران بدمشق وألغيت الطلعه وأنتم هنا الان بسبب جريمه الاخوان وكلما فعلوا شيئا فستدفون الثمن ولقد كان من المضحكات المبكيات فى قصه وعود الافراج الكاذبه الحديث الذى سرى عن (تبييض السجون )فاندفعت لحاجه رياض تسأل بلهفه :متى؟ فأجابها بعد يومين وكان كل الذى دار فى الخاطر ان التبييض يعنى الاخلاء والعفو العام ولكننا لم نجدهم بعد يومينالا وقد أتوابجرادل الدهان وصبغوا ممرات السجن كلها بالابيض ليغطوا ما تلطخت به من دماء السجناءوجنايات السجانين 00 فقالت لهم الحاجه بمراره: هل هذا تبييض السجون عندكم ؟ أجاب :نعم ها نحن فعلا قد بيضناها فكانت مناسبه جديده جددت فيهاالحاجه رياض الاحزان لايام تاليهوهى تندب وتبكى فبكينا وتحرك فينا الاحزان واللوعه والجراح
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 10:04:23
المحكمه الميدانيه

كانت قرابه ثمانيه شهور على اعتقالنا قد انقضت حينما نادوا فجأه أول ما نادوا على رغداء خ ولمى ع وجاء العنصر فأخذهما معا ظنا بادىء الامر أنها زياره لكن ساعه تلتها ساعه اخرى مرتا دون أن نسمع لهما حسا ولم يلبث العناصر ان اتوا بعد قليل وأخذوا واحده ثالثه ورابعه 00 وعندما وصلوا الى السابعه ولم يعد اى منهن قلنا لها:اذا أنزلوك وكانت زياره فقط تصنعى السعال ٬واذا كانت غير ذلك فلا تفعلى شيئا وسنفهم ان الامر مختلف فلما أنزلوها من الطابق العلوى الى القبو ثانيه ساقوها الى غرفه اخرى لكننا شعرنا بقدومها وتنصتنا جيدا ننتظر اشارتها فلم تسعل ولم تفعل شيئا فتأكد لن أن هناك شيئا ما وبعد ما مرت ساعه أخرى وجدناهم فجأه وقد أحضروهن جميعا مصفرات الوجوه باديات الاضطراب ومن شفاههن المرتعشه سمعنا لاول مره عباره (المحكمه الميدانيه)!

كانت المحكمه برئاسه النقيب سليمان حبيب وهو ضابط من القرداحه كث الشعر هزيل الجسمقصير القامه لايكاد يظهر من وراء الطاوله ومعه اربعه ضباط آخرون كانوا يعيدون قرائه ملف كل واحده من البنات عليها ويسردون ما ألصق بها من تهم واعترافات ويسألونها ان كانت تقر بما تسمع ام لا ثم ما كانالا ان توقع وتمضى !لم يكن هناك تعذيب وقتها ولكن
التهديدات لم تنعدم فعلى سبيل المثال وعندما نفت ماجده الاتهامات وقالت بأن اعترافاتها اخذت كلها تحت التعذيب قال لها النقيب حبيب:اذا لم تقولى الصدق فسأرميك من الشباك
وأحكم عليك بالاعدام وأحرمك شمه النفس!

ثم لم يلبث المقدم ناصف ان أرسل ورائها فى اليوم التالى وقال لها :انت قلت فى المحكمه بالامس أنهم عذبوك من هذا الذى عذبك ؟ هل ضربك أحد ؟ هل اذاك أحد حقا؟
فقالت له بارتباك وهي تعلم أنه عذبها بنفسه وأذاقها طعم السياط والخيزران بيديه : نعم

قال لها مزمجرا : من ؟ من عذبك ؟ قالت وقد تملكها الخوف والإضطراب : لا أعرف . . فقال لها بدهاء : لا ٬لم يعذبك أحد ولم يمسك أحد ٬ عندنا هنا ممنوع أن يلمس أحد أحدا أبدا ولكنك غير صحيانة ! الظاهر أنك كنت خايفة جدا . . وليش حتى تخافي ؟ ! ولم تكن التهديدات بأقل إيلاما من عبارات السخرية وبذاءة اللسان لدى أعضاء المحكمة ورئيسها كلهم ٬ فعندما نفت ماجدة أمامهم الإتهامات الملفقة عن علاقتها بخالد الشيخ (أحد المعتقلين ) صاح فيها رئيس المحكمة : هل من الضروري أن أحكي لك ماذا قال خالد الشيخ عن لون رجليك ! فانفجر الضباط الأربعة بالضحك الفاجر وأخذوا يتندرون عليها ويهزأون بها والمسكينة تنتحب بحرقة حتى كادت أن تصاب بانهيار . . كذلك عادت الحاجة رياض من هذه المحكمة وهي تندب وتبكي ٬ فلما سألناها عم حدث قالت أنه صاح فيها : أنت لازم ما تخرجي من السجن وتبقي فيه مثل أهل الكهف . . فكانت تبكي من طيب قلبها وتقول للحاجة مديحة :
أبوي يا حجة . . بكرة انت بتطلعي وأبقى أنا هنا أسند الحيطان ! وأما هالة المسكينة فكانت لا تزال مريضة وقتها لا تعي ما حولها ورغم ذلك قرروا أن يأخذوها إلى المحكمة كالأخريات ٬ فكانوا يسحبونها كالدابة سحبا لتعود دائما متسخة الثياب معفرة بالطين الذي كان يملأ الدرج والممرات أيامها في فصل الشتاء .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 10:08:53
عرض بالزواج . . و آخر بالعمالة!

وبعد أن انتهت اللجنة من مقابلة سبع منا وحسب انتقلت تؤدي الدور نفسه في سجون أخرى ٬ ثم عادت بعد شهرين لتحاكم جميع نزيلات المهجع من المتهمات بالإنتساب إلى الإخوان فقط ٬ فلما أخرجوني أنا إلى المحكمة وقرأوا علي إضبارة التحقيق وما تضمنته من اتهامات سألني النقيب بعدها : ما هي علاقتك بمخلص قنوت ؟

قلت : لا أعرفه .
قال : ألا توجد بينك وبينه علاقة تنظيمية؟
قلت :أبدا .
فعاد يقول : لكنه اعترف بأنه يعرفك .
قلت :هذاغيرصحيح .
وبالفعل فلم أكن أعرف هذا الشاب ولا التقيته رغم أنه كان طبيبا من أصدقاء أخي ٬ وهذا كله من افتراءات عبد الكريم رجب . وسرعان ما وجدتهم يدخلون المسكين علينا يسحبونه
على الأرض سحبا ولا تزال واضحة عليه اثار الرصاصات التي أصابته وهو يحاول الهرب أثناء القبض عليه ٬ فلما أدخلوه سأله رئيس المحكمة : هل تعرفها ؟ أجاب : لا .

فسألني ؟ هل تعرفين هذا الشخص ؟ قلت :لا .
فقال للذي أحضره : خلاص . . خذه من هنا ٬ هذا انتهى أجله !

وبالفعل وحسبما سمعت فقد تم إعدامه فيما بعد في تدمر وكانوا قد أتوا به من هناك . . فلما أخرجوه عاد النقيب وسألني : إذا فأنت لا تقرين بالتهم التي سمعتها تتلى عليك ؟
قلت : لا .
قال : لماذا ؟ هل أجبرك أحد على أن تقولي هذا الكلام وتعترفي به ؟
قلت له : أنا لم أقل هذا الحكي وأكلت قتل الدنيا قبل أن يكتبوه على لساني . . فسألني مبديا استغرابا كاذبا : يعني عذبوك ؟
قلت له : نعم عذبوني ٬ألا تعرف ذلك ؟
قال : لا ٬ لا أعرف ! وكان "أبو فارس " رئيس قسم التحقيق وقتذاك والذي أحضرني من المهجع يقف في الخارج فناداه وقال له : انظر . . هذه ورفيقتها ماجدة بتشكلوا لهما مجلس رحمة . . وأمرني بالذهاب بعد أن طلب مني التوقيع على المحضر الجديد الذي يكتبه . وبعد أربعة أو خمسة أيام استدعتنا اللجنة ثانية أنا وماجدة بشكل منفرد ٬ وعندما ذهبت طلب مني النقيب سليمان نفسه أن أحكي له لمحة عن حياتي ٬ فتكلمت بصفة عامة وأكدت له أنني لست منظمة ونفيت الإتهامات من جديد ٬ فقال لي : طيب أريد أن أسألك سؤالا :
لو أردنا أن نزوجك واحدا بعثيا من عندنا هل تقبلين ؟ قلت على الفور : لا .

قال : لماذا ؟ قلت : لأنني أولا لا أتزوج من غير إرادة أهلي وعلمهم ٬ وثانيا لأنني لا أريد أن أتزوج الآن . .
قال ثانية : لماذا ؟

أجبت : لأ نني أريد الآن إكمال دراستي والفكرة ليست على بالي
فقال بخسة : إي والله لو أنني أخرجت لك الآن واحد من تحت يقصد من الشباب بتوافقي عليه برجليك قبل إيديك ! قلت له :لكن هذا الكلام غيرصحيح .
قال : إي علي ! ثم غير دفة الحديث فأشار إلى جريدة كويتية بين يديه وقال لي : انظري كيف يشحد الإخوان عليكم في الخارج . . في الكويت والعراق . . ولم أستطع أن أرى شيئا بالطبع ولكنه جعل يقرأ لي أن هبة وزوجها وأولادها في سجون سوريا . . وماجدة وأولادها كذلك بعد أن استشهد زوجها . . مبالغات وتضخيمات من هذا النوع . فقلت له : الحمد لله أنني هنا لا أدري ما الذي يجري في الخارج ! وانتهى "مجلس الرحمة" هذا من غير أن نعرف ما الذي انتهى إليه ولا الأحكام التي صدرت عنه . . وعدت إلى ٬ المهجع لتتبعني ماجدة بعد قليل ٬ لكنها سرعان ما اتجهت إلى فراشها وجلست وحدها متقوقعة على نفسها لا تتكلم لا تجيب ٬ ثم وفي منتصف الليل نهضت إلي تقول لي بحرقة : لم أعد أستطيع التحمل . . أكاد أن أنفجر . . سألتها : ما الذي جرى ؟ قالت : منشان الله لا تقولي لأحد ٬ ولو أحد سألك قولي بأنك ما سمعت شيئا . . قلت : خيرإن شاء الله ! قالت : هذا أبو فارس عرض علي أن يخرجونني مقابل أن أتعامل معهم وأنا لم أعرف بماذا أجيبه فأعطاني مهلة يومين لأرد له الجواب . . فلما أدركت ما تعنيه وتعاني منه قمت واحتضنتها وأنا أقول لها : لا تجزعي ولا تصدقي . . هو يكذب عليك فقط حتى يرى ردة فعلك ويلعب بأعصابك وحسب . . فلا تصدقيه ولا تهتمي . ومضت الأيام بالفعل . . لم يفتح أحد الموضوع معها ولم يكلمها أبو فارس بشيء . . فتأكد لها أن الأمر كان لعبة خسيسة منه وحسب . . وتأكد لنا جميعا أن هؤلاء القوم لهم قلوب أقسى من قلب الوحش ٬ ونفوس أحط من أن يحيط بها وصف أو بيان !

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 10:12:15
التنفس !

وفي يوم من الأيام وبعد أكثر من ثمانية أشهر وقد اشتد الكرب وضاقت بالمهجع الأنفاس وازدحمت الفرش وتلاصقت الأكتاف . . وبعد طلبات عدة جاءنا الإذن أخيرا بالتنفس من
عشر دقائق إلى نصف ساعة كاملة . . كل بضعة أيام ! كانت هناك باحة خاصة لهذا الغرض في القسم الجنوبي من السجن ننزل إليها بأربع أو خمس درجات تحت الأرض ٬ كانوا  يقتادوننا إليها مشيا يرافقنا ثلاثة أو أربعة عناصر وينزلوننا إليها ٬ فإذا نظرنا أعلى منا لا نكاد نرى السماء لكثرة ما يحيط بالساحة من أبنية وجدران اسمنتية صماء . . وسرعان ما علمنا أنهم يخرجوننا أولا ثم يعيدوننا ليخرج الشباب إلى الساحة نفسها للتنفس . . فوجدناها وسيلة للإتصال غير المباشر معهم خاصة حينما رأت الحاجة رياض توقيع أخيها على الجدار وعلمت أنه هناك . . ووجدناهم يكتبون بضع كلمات لنا على الجدار فيسألون : هل فلانة موجودة ؟ فكنا نجيب بما نعلم .

وفي مرة تالية سألتهم الحاجة رياض عن أخيها فكتبوا : لا . . فعلمنا أنه نقل إلى تدمر على الأغلب .

وسألتهم أنا في مرة غيرها عن خالد الشيخ الذي طالما سألوني عنه في التحقيق وكان أحد أصدقاء أخي صفوان ٬ فكتبوا : لا . . ورسموا ما يشبه الجمجمة وعظمتين ٬ ففهمت أنه أعدم ! وذات مرة ونحن في فترة التنفس نتمشى أنا وماجدة وكنا معا بجانب الجدار فوجئنا برأس يعلوه الصابون يمتد من نافذة على الجدار ثم يختفي . . فعلمنا بعد التدقيق أنها نوافذ حمامات الشباب وأن واحدا منهم حاول كما يبدو اغتنام الفرصة ليتكلم معنا لكن العنصر لمحه فعاد . . فلما عرفنا ذلك صرنا إذا شعرنا بوجود أحد في الحمام ذهبت إحدانا إلى العنصر المكلف بمراقبتنا لتلهيه بالكلام ونحاول نحن خلال ذلك التحدث مع السجناء ٬ فكانت وسيلة مبتكرة للسؤال عن سجناء نعرفهم والإستعلام عمن لها أقرباء أو أهالي معتقلون .

وذات مرة فوجئنا بأحدهم ألقى إلينا مبلغ مائة ليرة دون أن يشعر العناصر بشيء ٬ فأخذتها إحدى البنات ووضعتها في الحساب الجماعي للمهجع .

وتكرر الأمر مرة ثانية فرموا إلينا بمائتي ليرة ٬ لكن عنصر المراقبة اكتشف الأمر في الثالثة فقامت القيامة على الشباب المساكين ٬ ونال المهجع الجنوبي كله نصيبا وافرا من الإهانة والتعذيب فما عادوا لتكرارها أبدا !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 10:19:15
وتجدد الأضراب . .

والذي حصل أن الحادثة على مرارتها لم تكن نهاية الإتصال بالشباب قدر ما كانت بداية لمرحلة جديدة ومنعطف هام في حياتنا كلها . . فذات يوم لاحق ٬ وبينما كنا عائدات من التنفس بشكل عادي لمحنا طفلين صغيرين أنيقي الثياب تبدو عليهما سيماء النعمة والرفاهية . . ولم نلبث أن علمنا من العناصر أنهما ابنا المقدم ناصيف أحضرهما معه كما يبدو لشأن ما ٬ فلما لمحانا بدورهما نادى الأخ أخته يقول : تعالي . . تعالي جاءت السجينات .

فحرك ذلك في أم محمود حليمة شوقها لأولادها الذين لم تكن تكف عن التلوع عليهم ٬ وهمت أن تحضن الطفل فخاف وهرب ٬ فلما وصلنا المهجع كانت ثورة عواطفها وأشواقها قد انفجرت ففجرت معها شجون بقية الأمهات ٬ وعلا النشيج والنحيب فأغرقنا جميعا في حناياه . . وفاض بنا إلى حالنا الالم حتى أطل السؤال الذي لا يغيب : حتى متى ؟

ولم نلبث أن طرحنا فكرة الإضراب من جديد إلى تلبى مطالبنا ويجدوا لنا حلا . . وكان وقت العشاء قد دنا فقمنا وجمعنا كل ما كان قد توفر لنا من طعام وصلنا عن طريق الشباب بالخفية أو وفرناه من بقايا الزيارات فتوازعناه وأكلناه . . وعقدنا عزمنا على ا لإضراب ٬ فلما أحضروا الطعام لم ينهض أحد لاستلامه من الطاقة ٬ فسأل العنصر باستغراب : لماذا لا تردون ؟ قالت له الحاجة : لا نريد أن نأكل ولا أن نشرب .

قال مندهشا هذه اللهجة الجديدة : أف ! خير . . خير . . طولوا بالكم ! قالت : لا نريد . . خذوا أكلكم ونحن بغنى عنكم . وأغلقت الطاقة . . فذهب العنصر وأخبر رئيس نوبته أبا عادل الذي جاء محموقا وفتح الطاقة بسرعة وقال : ماذا هناك ؟ خير ! ردت الحاجة وقد وسكت الجميع : لا شيء . فسأل ثانية : لماذا لا تأخذون العشاء ؟ ونادى على العنصر ليفتح الباب وأمره أن يضع الطعام قريبا منا ففعل . . فعاد وأغلقه وهو يقول بجفاف :  اللي بياكل على ضرسه بينفع نفسه . . وذهب . . وبعد حوالي نصف الساعة عاد ففتح الطاقة وسأل : شو أكلتم ؟ فلم يجبه أحد .

فلما نظر ووجد الطعام مكانه احتد جدا وأمر العنصر بإخراجه ثم انصرف بادي الغضب وهو يقول : أنتم أحرار . في اليوم الثاني أحضروا الفطور فلم نأخذه . الغداء كذلك . . وصار العناصر ورؤساء الدفعات يذهبون ويعودون إلينا يقولون لنا : ما بصير . . أنتم الآن لا تضروا إلا أنفسكم ولن يرد عليكم أحد.. ولأن أحدهم إذا أفلح في كسر إضرابنا يرفع ويأخذ مكافأة فقد جاء من الجملة أبو شادي رئيس نوبة في القسم الجنوبي يحاول معنا أيضا ٬ وجعل يحاول فتح حوار معنا مظهرا عذوبة في الكلام ولطفا مصطنعا في الخطاب . . فقلنا له بصراحة : إما أن تجدوا لنا حلا فتفتحوا لنا الزيارات لنلتقي أبناءنا وأهالينا أو تخرجونا وتعدمونا !

فأجابنا بكل تبجح : تأكدوا أن أهاليكم إذا وصلوا هنا فنحن لا نردهم . . ولكنهم هم الذين لا يسألون عنكم ! فقالت له ماجدة وقد أخذتنا الحماسة جميعا : لأن أهلنا يخافون أصلا أن يأتوا هنا . . اسم الفرع وحده يخيفهم .

ولم يصل الحوار بنا إلى شيء ٬ ومر اليوم الثاني على هذه الحال ٬ فلما حل الثالث جدت بعض التطورات . . فقست المعاملة ٬ وحضر أبو رامى رئيس النوبة الثانية ونادانا بجفاء : هيا . . كل المضربات إلى الخارج. فراعه أن خرجنا كلنا بما فينا الشيوعيات والمسيحيات والمتهمات بالبعث العراقي . . فنظر إلينا نظرة ملؤها الإستغراب والغضب معا يقول : والله حلوة . . عاملين اتحاد افرو اسيوي ! واقتادنا إلى غرفة التحقيق في القبو فيما بدأ اثنان من العناصر بتفتيش المهجع وتقليب الأغراض والبحث عن أي شيء يمكن أن يؤكل ليصادروه ٬ فعثروا على بعض المعلبات مما كان الشباب قد أرسلوها لنا ٬ فأخرج منيرة وأمرها أن تفتح كل العلب وترمي بها في برميل الزبالة أمام عينيه. . فيما أخذ عنصر اخر يتسلى ويسألنا عما نريد وما هى طلباتنا ٬ فقطعنا عليه الطريق وقلنا له : أنتم تعرفون ما هي طلباتنا وماذا نريد ولا حاجة لمزيد من الكلام . وبعدما انتهى تفتيش المهجع أعادونا إليه ٬ وقطعوا الماء عنه ٬ وبدأ الجوع والعطش ينهشان في بقية جلدنا المنهك نهشا أمر من السكاكين .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 10:20:47
من أجل سن ثوم !

وواقع الأمر فإنني ومنذ اليوم الثاني فقدت القدرة على الاستمرار من الإعياء ٬ وبدأت أتفرغ دما بسبب القرحة ٬ ولم نلبث أن اكتشفنا أنا وماجدة طبق بيض سبق واشتريته من المشتريات كان على سطح أرفف حديدية ركبوها لنا في المهجع فأعماهم الله من أن يعثروا عليه ٬ وكانت هالة مصابة بالقرحة أيضا فخبأت قليلا من حليب النيدو وبعض السكر للإحتياط ٬ فجعلت البنات يذبن بعض السكر بالماء اخر كل ليلة ويشربن منه ملعقة ملعقة لكل واحدة ليتقوين بعض الشيء ٬ واتفقت ماجدة وهالة أن تتركا الحليب والبيض لي وحدي ٬ ولم تخبرا أحدا بذلك حتى لا يفت من عزم أي منا ٬ ولأن الإتفاق تم على أنه إذا فكت أي واحدة منا إضرابها فسيتبعها الجميع ويضيع كل الجهد هباء ٬ لكن حالتي الصحية المتردية جعلت ماجدة وهالة ترخصا لي في الإنفراد ببعض ما يقيتني ٬ فصرت ألعق من الحليب بعض الشيء ٬ وكانت ماجدة تأخذ بيضة كل يوم إلى الحمام فتنقرها من طرفيها وتتركها هناك وتخرج ٬ فأدخل بدوري فأشرقها نيئة بالطبع وأرمي القشر في الحمام . . ولم تدر البنات بذلك إلا عندما صرنا في قطنا وأبحنا لهم بالسر . . فكدن من استغرابهن وغيظهن وقتها أن يخنقنني !

ولقد حدث ذات يوم أن انتشرت رائحة ثوم في المهجع فجأة ٬ فصرنا نتساءل ونسأل ٬ إلى أن أحسسنا بالرائحة تصدر من فم أم شيماء ٬ فلما سألوها أقسمت أنه سن ثوم واحد وجدته بين ثنايا فراشها فأكلته ٬ فقامت القيامة أيضا على سن الثوم ذاك ! ولكن الإضراب صمد واستمر ٬ ولم يفلح الترغيب ولا الترهيب في إثنائنا عن الاستمرار ٬ رغم أن حالة البنات بدأت تسوء وتسوء . . والإعياء ألقى بكلكله عليهن . .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 10:22:21
زعيمة الإضراب !

ودخلنا رابع يوم للإضراب . . وفوجئنا بأبي عادل يفتح الباب علينا عند الصباح وينادي بشراسة ظاهرة : تعالوا هنا . . من زعيمة الإضراب بينكن ؟ فأجبنا بصوت واحد : ما عندنا زعيمة في المهجع .
قال : من اقترحت عليكن الإضراب ؟ قلنا : لا أحد .

قال بحنق : لابد وأن واحدة منكن قالت تعالوا نضرب يابنات . . فمن هي ؟ ولما لم يجبه أحد جعل يتفحص وجوهنا فوقع نظره على أم شيماء فوجدها أكبرنا جسما وأطولنا قامة فقال لها : تعالي
. . أنت زعيمة الإضراب ! فسألته الحاجة : إلى أين أنت اخذها ؟ قال : لتنال جزاءها .

فهبت ماجدة تقول له : لا . . أنا زعيمة الإضراب . . لماذا أخذت أم شيماء؟
أجاب : لأن شكلها يوحي بذلك ٬ ولكن ما دمت اعترفت فتعالي . . ولا أزال أذكر كيف لبست المسكينة حذاءها المهترئ وخرجت وهي ترتدي ثوبا كان أخضر اللون قبل سنين ولكن الأيام جعلته انقلب إلى الصفرة . . وتحته بنطال بيجاما على غير مقاسها يصل الأرض ٬ وعلى رأسها شاشية كالفلاحات أكل الدهر عليها وشرب ! فلما وصل بها غرفة التحقيق في القبو نفسه سألها ثانية : أنت إذا زعيمة الإضراب .
قالت له : لا . قال : ولماذا تكذبين إذا ؟

أجابته : لأنه ليس لدينا لا زعيمة إضراب ولا زعيمة مهجع . . ومع ذلك أردت أن تأخذ أم شيماء بالتهمة .
فقال لها وقد اشتد غيظه : إذا ولأنك بدلت نفسك عن أم شيماء فلا بد وأن تعذبي مكانها . . وجعل يحاول وضعها على الدولاب وهي تصيح به : لا أريد أن اكل . . ما دخلكم في ؟ أنا أتحمل مسئولية نفسي . . فلما وجدها على هذا الإصرار والثبات أعادها وأعفاها من التعذيب ونجت برحمة الله
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 10:26:50
ترغيب . .وترهيب !

وإذا كانت ماجدة قد نجت من التعذيب فإن الشباب الذين تضامنوا معنا وأضربوا نالوا الأمرين بسبب ذلك ! فعندما بلغ نبأ الإضراب المهاجع الأخرى أعلن الشباب في السجن كله حتى الجنوبي منه الإضراب أيضا تضامنا معنا . . لكن الأوامر صدرت بسرعة وأسرع الجلادون والعناصر فعمموا عقوبة الفلقة" على كل سجين على الماشي جعلتهم يتوقفون عن المتابعة ويكسرون إضرابهم تجنبا لمزيد من التعذيب . . ولم يلبث المقدم ناصيف أن أتى بنفسه صبيحة اليوم الخامس فأخرج عائشة إلى غرفة التحقيق وحدها وأتى برغيف خبز وجبن وقال لها : ستأكلي الان أمامي .

فرفضت . . فثار عليها وجعل يشتمها ويقول لها : أكيد أنتم لكم صلة بالخارج وتريدون استغلال أحداث لبنان لإحراج الحكومة . . ولم ندر وقتها ما الذي يجري لا في لبنان أو سورية ولا حتى في الزنزانة التي بجانبنا ! فلما اشتد بالكلام والتهديد عليها خافت من أن يعذبها من جديد فتناولت قطعة جبنة وأكلتها ٬ فلما عادت إلى المهجع وقصت علينا ما جرى قامت قيامة البنات ثانية وخربوا
الدنيا فوق رأسها على هذه اللقمة . . وصبيحة اليوم التالي عاد المقدم وجعل يخرج البنات واحدة إثر أخرى ويحاول أن يدس الطعام في فمهن بالغصب فكن يرفضن ويمتنعن ٬ فإذا أفلح وأدخل اللقمة في فم واحدة منهن رفضت أن تبتلعها . . فلما وصل الدور على هالة وتصرفت التصرف نفسه وكانت قد عادت طبيعية وقتذاك رماها على الأرض وجعل يركلها برجليه ويصفعها كالمجنون بيديه ويقول لها : أصلا أنت عقوبتك ستكون لوحدك . . وسنعيد لك محكمتك (الميدانية) على ما تفعلين . . مشيرا إلى الرسالة التي كتبتها لوالدتها وأرسلتها مع السجينة الفلسطينية التي تبين أنها نقلتها للمقدم . لكن أحدا برغم ذلك لم يأكل ٬ وتوقف عن إحضاري وكنت الوحيدة التي بقيت في المهجع ٬ فلما عدن هناك ازدنا كلنا صلابة وتصميما على الإستمرار والتحدي وقد لمسنا تأثير الإضراب عليهم ٬ وعاد العناصر يحاولون واحدا بعد الآخر باللين وبالخادعة أن ينهوا إضرابنا ٬ فأعادوا لنا الماء أولا ٬ وصاروا يتفننون في إحضار الأطعمة الشهية التي لم نحلم أن نراها في هذا المكان ليغرونا بها . . وذات مرة حضر هيثم بطبق من لبن سميك ما عهدناه من قبل أبدا ٬ واخر من أجود أنواع المشمش وأشهاها ٬ وثالث من صنف اخر . . لكن أحدا برغم الجوع المفرط والإعياء لم يمس أي شيء . . فلما عاد ووجد مسعاه قد فشل كما فشل سابقوه تملكه الغضب . . ونزلت عليه اللعنات . . فأمر عنصرا أن يخرج الصحون ٬ وجعل وهو يشتم الرب والدين يركلها بقدمه فتتطاير في الممر وتتناثر محتوياتها على الأرض والجدران . . واشتد الإرهاق بالبنات وزادت المعاناة ٬ وصارت بعضهن تسقط مغميا عليها وتقيء أخريات . . وغالبيتنا مصابات بفقر الدم أصلا . . ولم تعد إحدانا تقوى حتى على النهوض ٬ فشددنا البطانيات على بطوننا وصرنا حتى الصلاة نؤديها إيماء . .

وبعد ذلك كله وحينما أسقط في أيديهم جاءنا أبو شادي فسألنا بلهجة بادية الجد : قوموا وقولوا لي ما هي طلباتكم .

فقالت له رغداء والكل ممد على الأرض لا يقوى على الحراك : أنا أريد إذا متنا أن تقبرونا في حفرة واحدة . فأجابها ساخرا : طلبك على العين والرأس ٬ ولكن ألا توجد لديكن أية طلبات أخرى ؟
قالت ماجدة : أريد أن أرى أبي قبل أن أموت ولو لدقيقتين . فسألها : لماذا؟ قالت : لأقبل يديه وأكسب رضاه وحسب . فقال متهكما كعادته : والله مرضية كثير! لو كنت مرضية بالفعل لما كانت هذه حالك .

ثم أغلق الباب بلؤم ومض . . ولم يلبث أن عاد ومعه عدة صناديق من المحارم النسائية "دليلة" . . فقالت له الحاجة مستغربة : ماذا تفعل . . وماذا تريدنا أن نفعل بكل هذه الصناديق ؟ قال : ألم تطلبوها بأنفسكم ؟ ألا ترون كيف نلبي لكم كل طلباتكم في الحال !

فقالت الحاجة وقد تملكنا الغيظ جميعا : ماذا ؟ طلبناهم من أول ما وصلنا الفرع وبقينا نطلب ونطلب ولم تردوا . . الآن فقط ! قال : الان فقط وصلني الخبر ! فأجابته وقد كللنا جميعا من التعاطي الممل معهم : خلاص . . لا نريدهم ولا نريد شيئا غيرها . . فقط أغلقوا هذا الباب علينا حتى يأتينا النزع ونموت ثم افعلوا بنا ما تشاؤون ! فقال بلؤم وتهكم : لا . . اطمئني فلن تموتي . . أنت كالقطة بسبعة أرواح ! وجعل يروح ويغدو على مدار اليوم مكررا محاولاته السمجة عسانا نفك الإضراب على يديه فيحوز الجائزة . . حتى ضقنا منه أكثر من ضيقنا بالجوع . . وأنهكنا من كثرة الأخذ والرد أكثر مما أنهكنا العناء والتعب !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-14, 10:42:20
رحلة جديده إلى المجهول !

واستمر الإضراب . . ودخل يومه السابع لنفاجأ في الصباح الباكر بكلبشات الحديد تطرق باب المهجع ففزعنا جميعا ونهضنا برغم الإعياء خائفات ٬ وكنت وقتها في الحمام فسمعت أبا طلال ينادي اسمي بصوت عال يختلط بصوت الكلبشات تتأرجح بين يديه . . وكرر النداء مرتين أو ثلاث وهو يقول : بسرعة . . بسرعة . . فما ظننت إلا أن ساعة الإعدام قد دنت بالفعل ٬ وها هو ذا أت ليقتادني إليه . . فجلست مكاني من الرعب لا أستطيع أن أرد أو أنهض ٬ وما عدت أعرف ما حصل ! فجاءت البنات وأنهضنني ثم أخرجنني إليه ٬ فرأيته وأنا شبه غائبة وضع القيد في يدي . . فنادته الحاجة : فقط وحدها ؟ خذونا معها . . أهي الوحيدة التي تستاهل الإعدام ! كلنا نستاهله . . هيا دعونا نرتاح من هذا العمر! لكنه لم يلتفت إليها وجعل ينادي أسماءنا واحدة تلو الأخرى ويخرجنا إلى الممر ويضع القيود بأيدينا . . ولما لم يأت اسم سجينات التنظيمات الأخرى في القائمة اندفعن نحونا تتقدمهن منيرة وهي تقول له بانفعال : انتظر . . نريد أن نذهب معهن . . فصاح فيها بحنق وهو يدفعها بكل فظاظة : ش . . ر . . فوقعت على الأرض ٬ ورد الباقيات بنفس الغلظة إلى المهجع ثم اقتادنا إلى مكتب الأمانات فدفعوا إلينا أشياءنا هناك ٬ واكتشفت الحاجة في هذا الموقف الحرج أنهم سرقوا ذهبها الذي أخذوه منها ساعة القدوم ٬ ورغم إلحاحها وإصرارها إلا أنها لم تفلح في الحصول على شيء منه ٬ واقتادنا أبو طلال بعدها إلى باحة الفرع ٬ فوجدت نفسي أول الواصلات ٬
ووجدته يجذبني بقوة ويقول لي : قفي هنا .

فلما تلفت وجدتني في منتصف الساحة وقد اجتمعت حولي جميع العناصر ٬ والمقدم ناصيف يطل علينا من  خلف شباك مكتبه .

وأتاني صوت أبي طلال وقد أطرقت رأسي ينادي : ارفعي رأسك .
قلت له : لا أريد أن أرفعه .
قال : سأنزع لك الحجاب في الحال .
قلت : افعل ما تريد .
قال : ألا ترين كم يوجد عناصر حولك ؟ إذا لم تفكي الإضراب الان فسأهينك أمام هؤلاء جميعا .
قلت له : إفعل ماتريد . . ماذا يمكن أن تفعل أكثر مما فعلتم ! فعصب كثيرا وجعل يشتمني  بعبارات قبيحة ويسب الدين . . فلما لم أرد بشيء التفت وصاح لماجدة فوضع الكلبشات لي ولها سويا وعاد يقول لي : أتعرفي لماذا يقف هؤلاء العناصر هنا كلهم ؟ قلت وأنا في غاية التوتر والإرهاق : لا . . لا أعرف . أجاب : هؤلاء أخرجناهم ليتفرجوا عليكم لأنكم صرتم فرجة ! وجعل يهدد البنات ويقول لهن بصوت عال : نحن أخرجناكم الان ليتفرجوا عليكن . . وإذا لم تفكوا الإضراب فسننزع الحجاب عنكن وسنهينكن . . وأنتن تعرفن كيف تكون إهانتكن . . وجعل يرغي ويزبد وينادي كأنما أصابه مس : يا بنات ال. .يا كذا . . والله سنفعل بكن . . . ثم جعل يخرجنا بالتتابع فيكبل كل اثنتين منا سويا ويقتادهما إلى السيارة مباشرة . . ووجدت نفسي الأولى بينهن فلم أجرؤ على الصعود ولم أعد أقوى حتى على رفع قدمي . . ووجدتني تدفعني أياد من ورائي قسرا لأجد نفسي وماجدة مكبلة معي في قفص حقيقي له قضبان وباب وقفل ! ووجدنا بقية البنات تدخلن بعدنا واحدة تلو الأخرى لاهثات الأنفاس . . عندها أحسسنا أن الأمل في الإفراج عنا أو في حل مشاكلنا قد مات . . وأيقنا وقتها أنهم سيقتادوننا الآن إلى تدمر أو إلى ساحة أخرى للإعدام وأنها النهاية . . فداخ البعض . .  وأغمي على بعض . . ووجدنا الحاجة أخرجت ليمونة لا ندري من أين وجعلت تقشرها بيديها وتمسح بها على وجوههن . . فيما أقفل باب السيارة علينا . . وبدأت رحلة جديدة بنا إلى المجهول !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2011-05-14, 19:41:11

هي رحلة إلى المجهول من أولها إلى آخرها يا هبة ولكن هذه الرحلة وغيرها من رحلات المجهول والتعذيب والقمع بينت معالم الطريق ونتج عنها ثورة وكسر لحاجز الخوف
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 10:24:54

هي رحلة إلى المجهول من أولها إلى آخرها يا هبة ولكن هذه الرحلة وغيرها من رحلات المجهول والتعذيب والقمع بينت معالم الطريق ونتج عنها ثورة وكسر لحاجز الخوف

نعم يا سيفتاب صدقت...

فسبحان الله رغم أن كل هذه العذابات وكل ما لحق بالإخوة والأخوات كان في طي السرية والكتمان، وكان من خلف جدران الظلم والقهر والإذلال والاستعباد، إلا أن الله تعالى بحكمته يشاء أن ينجو إخوة ويبقى فيهم الرمق، وتبقى فيهم الثورة رغم كل ما تعرضوا له مما يفقد العقل ويفقد الرشد، ويبقون على الدرب بعد خلاصهم، ويكتبون ويوثقون هذه الحقائق الأقرب إلى الخيال، لتصلنا الأخبار، فنشعر فعلا أنهم بما ذاقوا وبما عرفوا وبما رأوا قد رسموا معالم الطريق للخلاص ......

لم أعد أقوى فعلا على التعليق ........ تعمدت أن أقرأ هذا الكتاب شيئا فشيئا وألا أقرأه دفعة واحدة حتى أواكبكم من جهة وحتى نأخذه سوية ونتعاطى ما فيه سوية، ونرقبه سوية ........

وكلما قرأت جزءا مما أضع لكم أجد نفسي فعلا بين حالين، حال الأسير وحال الطليق معا، بين متناقضين ولكنهما فعلا قد اجتمعا رغم التناقض الصارخ بينهما

أشعر وكأن كل ما يلحق بالأخوات وبالإخوة يخنقني، وكأنني الأسيرة معهم، كما أشعر أن مشيئة الله تعالى وإرادته وحكمته فوق كل الآلام وفوق كل الاعتبارات والتصورات، إرادته سبحانه بخلاص هؤلاء وخروجهم وتسطيرهم لحقائق ما كانت لتصل بتفاصيلها لولا أنهم لم يخرجوا ........ ليرسموا معالم الطريق فعلا، ليعرّفوا غيرهم من الذين يجهلون ولم يعايشوا ما عايشوا ولم يعرفوا ما عرفوا، ولم يخبِروا ما قد خبِروا .......... هم أداة من أهم أدوات الثورة والدعوة للثورة، والتحريض على الثورة للخلاص من كل آثار الوحش المستشرية أطرافه في هذا الوطن ..........

فهو شعور السجن والحرية معا .......... ولكن شعور الحرية غالب، لأن السجن حدوده محدودة، من حيث الزمان ومن حيث المكان، بينما الحرية التي ذاقها من كان بسجونهم لا محدودة الزمان ولا محدودة المكان، حريتهم أقوى، حريتهم مَدّ عظيم لكل من بقي سجينا بين الجدران المبنية، أو سجينا بين حدود سوريا الكبيرة ....... أرض الله كلها أرضهم، فوجدوا أين يتنفسون، ولم تعد تحدهم جدران الوحش ...... فهاجروا إلى بلاد غير البلاد ومنها واصلوا الجهاد ...........

زمان الحرية أطول وأبقى ......... وزمان السجن والظلم والقهر محدود منته لا دوام له ولا بقاء .........لأن الحرية هي الأصل وهي العَود، فهي حق مملوك للإنسان حين ولد، وحق عائد إليه لا ريب وإن سُلب ...... والسجن والقهر والظلم هي الاستثناءات التي لن تدوم ولن تطول ............


"هبة الدباغ"، "مصطفى خليفة"، "عبد الله الناجي"،"خالد فاضل" .........كلها أسماء لسجناء كانوا في سجون سورية لسنوات، أسماء لطلقاء أحرار واصلوا الجهاد فكتبوا عن سجون سوريا وعن كل ألوان التعذيب والإذلال تفاصيل تجعل القارئ لهم ينتفض، يهتز، يستيقظ، يفيق، يعلم ، يعرف ، يستنير .......... وكلها أفعال هم قد فعّلوها في الأنفس بتحررهم وبمزاصلتهم الجهاد ولكأنه العهد الذي قطعوه على أنفسهم وعلى من ذاق ما ذاقوه من بعدهم أن يوصلوا بصوتهم كل أصواتهم لتخترق حدود السجن وجدرانه .... ليمتد تحررهم ويتعدى ثورة في النفوس الأخرى، ثورة تهز الرأي العام وتحرك ما لم يكن يتحرك .............

فالحرية أصل، والحرية أقوى، والحرية أدوم وأبقى ...........
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:20:14
الفصل الثالث الجزء1

الموت البطئ

أخذت السيارة تنهب الأرض نهبا وتكاد في كل انعطافة لها تلفظنا إلى الخارج لولا أن تتلقانا القضبان الصماء تارة وأجساد بعضنا البعض المنهكة تارة أخرى . . وفيما جلس اثنان من الحرس بيننا وبين حجرة القيادة واثنان اخران بين القفص الذي أغلق علينا بإحكام والباب الخلفي مدججين كلهم بالسلاح ٬ بقي أبو طلال في المقدمة بجوار السائق وحده . كنا أنا وماجدة وأم شيماء  والحاجتان ومنتهى وايمان ورغداء ومنى وحليمة وأم محمود وأمل . .

وفي بداية المشوار الذي استغرق قرابة الساعة أصابني الدوار ٬ فلما تلفت لأستنجد بأحد حولي وجدت أكثر البنات مغمى عليهن ! فقد اجتمع علينا الجوع والإرهاق والرعب والهم . . وكانت شهور قد مضت علينا لم نركب فيها سيارة ولا سطعت علينا الشمس بهذا الطول . . وأما أنا وبعد أن بدأت استعادة وعيي حاولت أن أحرك يدي في القيد فشد عليها أكثر ٬ فلما حاولت تخفيف هذا الضغط ازداد واشتد حتى ازرقت أناملي وأحسست أنها ستنقطع ! ولم نلبث وقد بلغ الكرب مداه أن توقفت بنا السيارة عند حاجز للشرطة المدنية ٬ وتقدم أحدهم ففتح الباب الخلفي لبرهة وكأنما أرادوا أن ينزلونا . . وقتها استطعت أن ألمح قوسا معدنيا فوقنا مكتوب عليه بخط عريض "سجن قطنا المدني " لكن الباب عاد فأقفل ٬ وعادوا فساروا بنا إلى الداخل ليتوقفوا عند باب اخر جرت عنده كما تبدى عملية التسليم والإستلام ٬ وبعد انتظار ربع ساعة تقريبا ريثما سلموا الأوراق واستلموها جاء أحد أفراد الشرطة ففتح باب السيارة ودعانا للنزول . كنا لا نزال كالخارجين من القبور لا
نستوعب ما يدور ولا نقوى من الإعياء أن نتحرك . . وأذكرأنني سحبت نفسي سحبا وجاء الشرطي فأسندني ثم أمسكني من يدي وأنزلني . . وارتمينا جميعا من فورنا على الأ رض وافترشناها كالشحاذين ! فيما تحلق بعض رجال الشرطة حولنا يتهامسون ويحوقلون ٬ وأخذ آخرون يطلون من شبابيك المخفر علينا وكأننا مخلوقات من كوكب اخر !

كان منظرنا محزنا مثلما كان غريبا ورهيبا . . فالوجوه مصفرة من الهزال باهتة من اعتياد الظلمة والبعد عن ضوء الشمس ٬ والثياب رثة ممزقة تراخت فوق أجسادنا المنحولة وقد تغيرت ألوانها واختلطت الرقع عليها فكادت أن تغطيها . . وفوق ذلك كنا لا نزال مقيدات الأيادي نتحرك إذا استطعنا أزواجا بالكلبشات ! وتبين فوق ذلك أن أبا طلال قد نسي مفاتيح الكلبشات في كفر سوسة عمدا لا ندري أم سهوا ٬ فتركنا على حالنا في القيود  فوق الرصيف ومض ليحضرها . . لكن وما أن تحركت سيارة المخابرات حتى أقبل الشرطة علينا يدعوننا للدخول إلى غرفتهم إكراما لنا ٬ ولما لم نقو حتى على الإنتقال سحبونا سحبا وأجلسونا هناك في انتظار عودة أبي طلال بالمفاتيح . كانت غرفة الخفر بسيطة المحتويات تضم طاولة مكتب وخزانة السلاح وبعض الكراسي ٬ وكان  العناصر يطلون من الباب بين الحين والآخر ينظرون إلينا نظرات يختلط الإشفاق فيها بالإستغراب ٬ ولا تالبث أن تدمع عيونهم ويبكون مثل النساء ! وأقبل واحد منهم في الخمسينيات من عمره  وحاول أن يفك الكلبشات من أيدينا مرات عديدة فلم يستطع . . فجعل يواسينا والدموع تسيل على خديه ويقول : اطمئنوا أخواتي اطمئنوا . . الان ستنتقلون إلى الداخل وتعيشون عيشة طبيعية من جديد . .

وجعل يشير من النافذة ويقول وهو لا يتمالك نفسه من البكاء : انظروا . . يوجد أولاد هناك . . وشجر . . ونسوان . . هناك واحدة من حماة اسمها غزوة . . وهناك غيرها فلانة وفلانة ٬ يالله إن شاء الله الآن تتنشطوا وتعودوا إلى حياتكم الطبيعية . . وعندما لمحت أم محمود ولدا هناك تنهدت وقالت له : وهل إذا وجدنا أولادا هنا سيعوضوننا عن أولادنا ؟ فقال لها : منشان الله . . والله إن شاء
الله سيأتي أولادك وترينهم وتطمئني عليهم . . ومض الرجل الطيب مسرعا فأحضر لنا شايا نشربه ونحن لا نكاد نصدق ما يجري ٬ ولم يلبث مدير السجن المساعد أبو مطيع أن جاء مع وصول أبي طلال بالمفاتيح بعد قرابة الساعتين ٬ ففك لنا الكلبشات واحدة بعد الأخرى ٬ ومن غير أن يقول لنا أية كلمة مضى بالعناصر والسيارة . . فيما أخذ أبو مطيع يهدئ من روعنا ويؤكد لنا أن هذا المكان مختلف جدا ٬ ولن يكون هناك أي تعذيب ولا خوف بعد اليوم . . ودخل إلى منطقة المهاجع ونحن نتبعه ٬ فلما دخلت أولانا وكانت أم شيماء وجدنا السجينات جميعا هجمن عليها يعانقنها ويحملنها إلى المهجع حملا . . وهي تناديهم ولا يسمعون ترجوهم أن يتركوها لتمشي بنفسها . . والذي تبين أن أبا مطيع دخل على السجينات وأخبرهن بأن نساء خارجات من أحداث حماة أتين إليكن . . منهن المكسورة والمجروحة والمصابة ٬ . وهن في أسوأ حال . ولم يكن الرجل متصنعا ولا كاذبا وقتها ٬ وظننا كذلك فعلا نتيجة الحالة المزرية التي كنا عليها بعد ثلاث سنوات من العيش في قبو لا يشبهه من بقاع الدنيا شيء إلا حفرة القبر!
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:21:39
أحكام شكلية : عشر سنوات فقط !

كان سجن قطنا عبارة عن بناء حجري أشبه ما يكون بالبيوت العربية القديمة تتوزع الغرف فيه على محيط باحته ٬ وتفصل بين هذه الباحة وبينهم القضبان الحديدية فتجعل من كل حجرة مهجعا مستقلا بذاته . وعلاوة على مهجع مخصص من قبل للسجينات السياسيات كانت المهاجع الأخرى موزعة حسب القضايا التي حبست السجينات على ذممها ٬ فثمة مهجعان للمتهمات بالقتل ٬ وآخر للحشيش والمخدرات ٬ والرابع للدعارة . . وثمة غرفة خامسة أشبه بالزنزا نة المنفردة كانت والدة مهدي علواني الذي أعدم مع مجموعة من الشباب في أواخر عام 79 مسجونة فيها وحدها ثم أفرج عنها قبل أن نأتي . . لكن وبرغم المجاورة فإن الإختلاط بين السياسيات والقضائيات كان ممنوعا ٬ وكانوا ساعة أن وصلنا قد سمحوا للسياسيات بالخروج لاستقبالنا ٬ لكن بعضا ممن كن يعرفننا لم تتمكن من التعرف علينا بادئ الأمر ! فسناء س . التي كانت معي في الجامعة جعلت تحملق في وتقول : غيرمعقول . . هل هذا أنت ؟ ماذا حصل . . هل جففوكم في العلب ! وأقبلت غزوة ك . أيضا تستقبلنا بضحكتها وفكاهاتها . . وغمرت الفرحة قلوبنا وقلوبهن وكأننا التقينا في بيوتنا معززات مكرمات ! وبين خليط من القبلات والدمعات والتنهدات جلست كل واحدة تقص قصتها . . ولم يلبث أن حضر العقيد موفق السمان قائد المنطقة ورئيس السجن فسلم علينا ورحب بنا وقال لنا أنتم هنا في أمانتنا ولن تجدوا إلا خيرا ٬ وجعل يؤكد علينا أنه لم تعد للمخابرات أية علاقة بنا  ٬ وأنه لم يعد لذلك أي معنى للاستمرار في الإضراب ٬ راجيا إيانا أن ننهيه للتو ونصبر ونحتسب حتى يأذن الله بالفرج . . وحضر أحد رجال الشرطة بكرسي للعقيد فجلس عليه أمامنا ٬ ولم يلبث أن أخرج أوراقا بيده وقد ارتسمت معالم الجدية أكثر على قسمات وجهه وقال لنا دون أن تختفي ظلال الحرج عن نبرته : اسمعوني الآن . . لا أريد بكاء ولا نواحا . .

اسمعوا فقط . فسألته الحاجة : ليش إيش في ؟ قال : هذه ورقة الأحكام التي بلغتنا سأقرأها عليكم لتعلم كل منكم حكمها. ومن غير أن يترك لنا فرصة لاسترداد الأنفاس شرع يقرأ : حكمت محكمة أمن الدولة على المتهمة هبة دباغ بعشر سنوات مع الأشغال الشاقة . . فصاحت الحاجة رياض : اه . . ولي على قامتي انشا الله يا هبة .

وهجمت علي وضمتني وهي تبكي وتنوح . . وردت الحاجة مديحة معها: ولي على قامتي انشالله . . عشرسنين ! لكن أثر المفاجأة والتأثر بما سمعوه لم يلبث أن تقلص عندما تذكرت كل منهن نفسها وجال بخاطر كل منهن عدد السنين التي حكمت بها أيضا  ٬وسرعان ما اتجهت الأنظار إلى المقدم ثانية وقد بدأ يكمل قراءة بقية الأحكام : حكمت محكمة أمن الدولة على المتهمة رياض د . بعشرين عاما مع الأشغال الشاقة ! فصاحت به بانفعال : وقف أبوي ليكون دبانة عملت نقطة هنا بالغلط ! ماذا ؟ هل قلت 25 عاما ؟ غير معقول فتركوني واتجهوا إليها وقد تضاعف حكمها يواسونها ويخففون ما وسعهم عنها . .

ثم تتابعت قراءة الأحكام : منتهى ج . عشرون سنة . الحاجة مديحة عشر سنوات . رغداءخ . ومنى ع . أربع سنوات (لكنهما جلستا معنا السنين العشرة) ! أم شيماء 4 سنين . عائثة ق . أربع سنوات . حورية أم محمود عشرة . منى ف . وأختها عشرة . ماجدة ل . عشرون . هالة عشرة . ترفة عشرة سنين . . ولما انتهى من الأسماء كلها ورأى حالة الوجوم التي كستنا وتأثرنا وبكاء من يبكي منا ونحن مضربات بالأصل وحالتنا حالة قال لنا مواسيا : هذه مجرد أحكام شكلية وحسب ٬ وان شاء الله تخرجوا قبل ذلك ولا تطولوا ٬ ولا أحد جاء هنا إلا وخرج . . ثم جعل يحدثنا عن حقوقنا هنا والمزايا المتحققة لنا ٬ وأخذ يشجعنا هنا لكي نتناول الآن طعام الإفطار ونعود إلى حياتنا الطبيعية . . وخلال ذلك أعدت البنات لنا مائدة طويلة على طول المهجع الذي خصصوه من فورهم لنا نحن القادمات الجدد ٬ فالتفت إلى ماجدة وأنا أصيح ولا أكاد أصدق نفسي : بندورة . . خيار . . بقدونس . . وبيض إ! لكننا وعلى الرغم من الجوع الشديد والطعام الشهي إلا أننا وما أن ابتلعنا اللقمة الأولى بعد سبعة أيام من الإضراب حتى أصبنا جميعا بمغص في المعدة وعجزنا عن الإستمرار . . لكننا أنهينا إضرابنا واستعدنا بعضا من حيويتنا ٬ وكانت سعادتنا غامرة وقد لمسنا نجاح
إضرابنا ولو إلى حد ٬ وبدأنا وقد حدثتنا سابقاتنا عن نظام الزيارة الأسبوعي لكل الأهالي . . بدأنا نعد الأيام انتظارا ليوم الجمعة الآتي . . وننسج الأحلام من ظهيرة يوم الأربعاء الذي وصلنا فيه ترقبا لهذا اللقاء الذي طال .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:22:31
أشغال شاقة !

كان مهجعنما عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل لا يجاوز طولها خمسة أمتار تقع في زاوية السجن اليسرى ٬ وبعد أن يتجاوز الداخل درجة حجرية في البداية تنخفض أرضية المهجع بما يسمى "العتبة" ثم تعود لترتفع إلى المستوى الأ ول من جديد . وفي الزاوية اليسرى هناك حجرة الحمام ٬ وثمة نافذتان تطلان على باحة السجن على يمين الباب . وبعد أن استلمنا المهجع وعلمت كل منا حكمها عاد مدير السجن فسلمنا فرش إسفنج ومخدات وبطانيات على عددنا ٬ لكنهما كانت كلها قديمة ومستعملة ومنتنة ٬ وسرعان ما دب الخلاف بين القادمات وهن يتسابقن للفوز بأحسن الفرش والبطانيات وأفضل الأماكن ٬ وبالطبع لم تتسع الغرفة لنا جميعا ٬ وحسما للخلاف صارت فرشتى انا وأختي على العتبة ونصفها الآخر على الخلاء ! وبعد أن مرت الأزمة على خير واستطعنا آخر الأمر الإستقرار على حال جعلنا ننظف المكان معا ونعد مسكننا الجديد فيه . وخلال ذلك لاحظنا أن بعض زوايا الغرفة متآكلة من القدم ٬ وجانبا من الدرجة التي على الباب مكسور بما يهدد أي عابر بالزلق ٬ فسالنا مدير السجن أبا مطيع إن كان بالإمكان السماخ لنا ببعض الإسمنت لترميمها فوافق ٬ وفي اليوم الثاني جاءنا مبكرا وفتح علينا الباب فخرجت الحاجة رياض أول
من خرج ٬ فما أن راها وناداها حتى وجدناها وقد أغمي عليها ٬ وأسرعت الحاجة مديحة فسكبت عليها الماء وصحتها ٬فلما فتحت عينيها تشبثت بها وهي تقول : أبوي يا حاجة ٬ يريدون أن يأخذونني إلى الأشغال الشاقة! من شان الله تكلمي معه . . قولي له لا أستطيع . . ضغطي يرتفع . . ونفسي والله يضيق ولا أتحمل . . وصارت المسكينة تبكي كالممسوس . . فخرجت الحاجة مديحة وقد تملكتها الدهشة وسالته : ما الذي حدث . . إلى أين ستأخذها ؟ قال الرجل باستغراب واضطراب : والله لم أفعل لها أي شيء . . لم أزد عن أن أقول لها تعالي يا حاجة وخذي الإسمنت . لكنها وكما علمنا بعده ٬ ولضعف سمعها من جهة ورواسب الخوف التي لا تزال تملؤ نفسها من جهة أخرى ظنت أنه يريد أخذها لتبدأ تنفيذ حكم الأشغال الشاقة . . فأغمي عليه
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:23:30
ولاده "معقل " في المعتقل !

كان مهجع السياسيات قبلنا غاصا كذلك بنزيلاته القادمات من شتى المحافظات : غزوة ك . من حماة ٬ وسناء د . من دمشق ٬ وأم معقل وولدها الذي ولدته في السجن أيضا ٬ وأم هيثم من جسر الشغور ٬ وأم عبد الباسط وابنتها عائدة وهما من الجسر أيضا ٬ وسنيحة وفاطمة من اللاذقية ٬ وأم محمود كامل من اللاذقية أيضا . ولكل من هؤلاء كانت قصة . . ولكل منهن مأساة وغصة . كانت غزوة طبيبة أسنان من حماة ساعدت بشراء بيت في دمشق للشباب الملاحقين ٬ ولكن عبد الكريم رجب اكتشف ذلك وأبلغ عنها فاعتقلوها من عيادتها في صوران ٬ وفي البداية أحضروها
إلى فرع الأمن السياسي بحماة ثم نقلوها إلى فرع التحقيق العسكري بدمشق ٬ وبقيت 8 أشهر أحضروها بعدها إلى قطنا لتبقى معنا إلى النهاية . أما سناء ر . هناك حوالي 6 فيبدوأن أحدا ما قد استعمل هويتها في شراء بيت وهي لا تدري ٬ وانكشف البيت بعدما تبين أنه باسمها فاعتقلوها وأتوا بها ٬ وسناء من مواليد 1965 وكانت معنا في كلية الشريعة ٬ وقد اعتقلوها في نفس اليوم الذي اعتقلت فيه ولكن الجهة التي فعلت ذلك كانت التحقيق العسكري ٬ وأثناء التحقيق معها سألوها عني ثم طلبوا منها أن تأخذهم إلى بيتي في دمشق ٬ وبالفعل ذهبوا معها إلى البيت وقدموها أمامهم لتقرع الباب ٬ فلما فعلت خرجت لها أمي وكنت بالطبع قد اعتقلت الليلة السابقة ولا يزال العناصر كامنين في البيت ٬ فلما رأتها أمي قالت لها إذهبي ولا تعودي ثانية في محاولة لإنقاذها من الإعتقال  ٬لكن الدورية التي وراءها والعناصر في الداخل سرعان ما اتصلوا معا وعلموا أن جهة أخرى اعتقلتني فعادوا بها إلى الفرع من جديد . وأما ثالثة السجينات مطيعة ح . أم معقل فكانت معلمة مدرسة شملها قرار تحويل المدرسين المشكوك في ولائهم للنظام وتحويلهم أواخر السبعينات إلى الوظائف الإدارية ٬ فمنعت من التدريس وتم تحويلها إلى أحد المستوصفات كموظفة إدارية . . وأثناء ذلك لوحق زوجها ولكنه تمكن من الهرب ٬ فأتوا واعتقلوها مكانه إضافة إلى اعتقال والده كرهينة! وكانت مطيعة أيام اعتقالها في أواخر الثلاثينات من عمرها وأما لأربعة أولاد  ،وتحمل الخامس في اخر شهور الحمل ٬ لكن ذلك كله لم يشفع لها ٬ فأتوا وأخذوها رهينة عن زوجها ووضعوها مؤقتا في مستوصف عسكري تابع للأمن السياسي بالجسر ٬ وهناك وفي الحجرة التي اعتقلوها فيها ونتيجة الخوف والتهديدات التي أسمعوها إياها جاءها الطلق على غير موعد ٬ فجعلت تدق الباب عليهم وتستغيث وهي تخبرهم أنها تضع مولودا دون أن يجيبها أحد ٬ فلما خرج المولود وعلا بكاؤه سمحوا لإحدى الممرضات بالدخول إليها لمساعدتها . . لكن كل شيء كان قد تم ! وبعد ذلك نقلوها والمولود إلى فرع التحقيق العسكري بدمشق وبقيت هناك عدة شهور قبل أن ينقلوها إلى سجن قطنا فنلتقيهما هناك ولم يكن معقل قد جاوز شهوره السبعة أو الثمانية بعد . . ولقد أطلقت حليمة عليه اسم معقل تيمنا بالصحابي معقل بن يساراضافة إلى أنه ولد في المعتقل . . وعلى الرغم من أنها كانت غاية في الصبر إلا أنها ذاقت المر كثيرا من أجله ٬ وعلاوة على لوعتها المستمرة وهي ترى ابنها يقضي طفولته الغضة في السجن من غير ذنب ولا سبب ٬ وترى مستقبله مجهولا كمستقبلها رهن المهاجع والزنازين والسجون . . علاوة على ذلك الإحساس المؤلم فقد كانت أشد ما تعاني بشأنه وهي تراه بين أيدي الجميع ووفق هواهن . . وكل منهن تفرغ فيه شوقها لبنيها أو تسلي به مللها من رتابة الحياة حولها فتحاول أن تعلمه ما يروق لها حتى ولو لم يرق للأم ! وتجذبه إليها أو تستبقيه معها حتى ولو لم يرضها ذلك ! ولقد تسبب لها بعض من ذلك بكثير من المشاكل والحرج . .

فمن أين لا تدري بالتحديد تعلم الولد أول ما تعلم النطق أن يقول "طظ أسد". . فكان كلما سمع اسمه أو رأى صورته قال ذلك . . وذات مرة مرض معقل وازدادت شكاته فسمحوا بنقله إلى المستوصف للكشف عليه ٬ وهناك وهو بحالته تلك رأى صورة الرئيس معلقة ٬ فما أن راها حتى صاح "طظ أسد بين الناس . . ولم تدر أمه وقتها كيف نجت لكنها وفي مرة تالية وعندما أخذوها إلى المحكمة الميدانية كان لا بد وأن تصطحبه معها ٬ فلما كانوا أمام اللجنة التفت معقل فرأى تمثال رأس الأسد في زاوية الغرفة قريبا منه فبصق عليه وقال نفس العبارة ٬ فأمر الضابط باقتياد الأم وابنها فورا إلى المنفردة للتأديب ٬ فجعل معقل يبكي وهو يصيح "طظ أسد". . وصارت أمه كلما حاولمت أن تسكته أو تسد له فمه ازداد صياحا وتردادا للعبارة . . وكان عليها أن تتحمل المعاناة في المنفردة من جديد بسببه أو بسبب من لقنوه العبارة وحملوها الثمن !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:24:23
إثاره الشغب !

وممن سبقننا إلى قطنا أيضا كانت أم هيثم من جسر الشغور أيضا ٬ وهي أم لأربعة أطفال شارك زوجها في إيواء بعض الملاحقين ببيتهم فداهمته الخابرات واشتبكت معهم ٬ فقتل البعض وفر اخرون واعتقل أبو هيثم وزوجته وذاقا معا أشد أنواع العذاب . . وفيما تم إعدام الزوج فيما بعد كما ترجح أم هيثم فقد تم استبقاؤها في السجن بتهمة إثارة الشغب . . وهي نفس التهمة التي وجهت لأم معقل وأم عبد الباسط وابنتها عائدة في المحكمة الميدانية ولم يخرج هؤلاء جميعا إلا أواخر عام 85 . وأماسميحة وفاطمة ٬ وهما بنات خال وبنات عمة من مرج خوخة بمحافظة اللاذقية فقد خرجتا مع مجموعة من أقربائهما الملاحقين الذين التجأوا إلى الجبال حول قريتهم . وكان عمر فاطمة وقتها 15 سنة وسنيحة 16 سنة ٬ وكانت معهم بنت ثالثة اسمها غنية عمرها 18 سنة . وهناك في الجبل جلست البنات مع المجموعة الهاربة يطبخن لهم ويساعدنهم في بعض الأمور حتى جاءت عليهم فسادة فداهمتهم الخابرات وحصلت مقاومة انتهت باستشهاد غنية وبعض الشباب الآخرين ٬ واعتقال سميحة وفاطمة . وقد أخذوهما بادئ الأمر إلى سجن الشيخ حسن بدمشق ليومين أو ثلاثة لم تسلما خلالها من التعذيب ثم أحضروهما إلى قطنا . وفيما لم يسلموا
غنية لأهلها ودفنوها بأنفسهم فقد تم نقل الشباب الذين اعتقلوا معهما إلى تدمر جميعا .

وكان من نزيلات المهجع الثاني قبلنا أيضا سيدة من اللاذقية اسمها أم محمود كامل في الخمسينيات من عمرها ٬ ومي جدة وأم لأربعة أو خمسة أبناء . وكان اعتقال أم محمود قبل اعتقالنا بأيام فقط بتهمة مساعدة الملاحقين بتأمين وثائق سفر لهم عن طريق أحد أقربائها . وفي البداية تم سجنها في كفر سوسة قبل أن نأتي هناك ولكنهم نقلوها بسرعة إلى قطنا . وقد تحدثت أنهم عذبوها وضربوها دونما أية مراعاة لسنها ٬ وظلت في السجن بعد ذلك ولم تخرج إلا معنا .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:25:06
تجسس مزدوج !

ومن نزيلات قطنا كانت أسماء الفيصل زوجة رياض الترك الزعيم الشيوعي المعروف ٬ وهي طبيبة في الخمسينيات من عمرها ٬ وكانت موجودة هناك في المهجع الثاني من قبل أن نأتي ٬ وأظن أنها كانت قد أمضت في السجن ثلاث سنين قبلنا ٬ لكنه تم الإفراج عنها بعد أشهر قليلة من لقائنا بها ٬ وبرغم قصر الفترة إلا أنها تركت في نفوسنا انطباعا حسنا عنها ولمسنا طيبها وحسن تصرفاتها معنا ٬ وذلك على العكس من أميرة زركلي التي كانت شريكتها في المهجع عند وصولنا أيضا ٬ وهي سيدة دمشقية كردية الأصل في الخامسة والأربعين من عمرها ٬ متزوجة من عراقي وتشتغل معه في السفارة العراقية ومتهمة بالتجسس المزدوج لصالح العراق وسورية معا ! وبعد اكتشافها سجنت في سورية فيما صدر عليها الحكم في العراق بالإعدام غيابيا وطلقها زوجها بعد ذلك ٬ وخرجنا من السجن وهي لا تزال فيه . وكانت هذه السيدة لا تكف عن إيذائنا وإثارة المشاكل معنا والحديث بالسوء دوما عن الإخوان ٬ وكانت لا تكف عن ترديد قولها على مسامعنا : بكره
شوفوا . . ستخرج كل السجينات وسجينات الإخوان جالسات ينظرن مساكين بأعينهن . . والذي حصل أننا خرجنا جميعا في النهاية وبقيت هي تنظر إلينا بأعينها سبحان الله . . ولم يفرجوا عنها إلا بعدنا بسنة أو ربما سنتين !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:25:52
ضحايا !

كانت حياة السجن في قطنا مختلفة عن سابقتها بكفرسوسة لا ريب ٬ والميزات والتحسن الذي وجدناها نعمة كبرى ٬ لكن السجن يظل في كل الإعتبارات هو السجن . . والقيد قيد حتى ولو كان من ذهب . . وبعد أن يفقد الإنسان في السجن طعم الحرية تمتد بين ناظريه من ثم قائمة أطول من أن تعد من أصناف المشاكل والالام والمعاناة المتنوعة . . وعلى العموم كنا في النتيجة مجبرين على التكيف والتعايش . . نحاول كلما ضاقت علينا الحال أن نجد منفسا جديدا يعيننا ويهون علينا الخطوب . لم نكن نختلط في البداية مع السجينات القضائيات لأن الأبواب كانت تفتح لنا بالتناوب ٬ مجموعة في الصباح والأخرى في المساء ثم يعكسون الآية في اليوم التالي ٬ لكننا كنا نتكلم معهن من وراء القضبان ونستمع إلى قصصهن فنجد في ذلك بعض التسلية والترويح . . وكنا ننصحهن أحيانا ونريهن أغلاطهن ٬ لكننا وجدنا الكثيرات منهن كن ضحايا سوء تربية الأهل أو ظروف السوء التي أحاطت بنشأتهن . ولقد نجحنا ذات مرة في المساعدة على استنقاذ إحداهن
من واقعها السيىء ومستقبلها المظلم ٬ فنتيجة لخلاف معهم قام أهل هذه الفتاة بطردها من البيت بلا رجعة ٬ فلم تجد من يؤويها إلا امرأة قوادة أخذتها إلى بيتها ومضت بها في هذا الطريق ٬ فلما أحسسنا أنها ضحية تدفع ثمن سوء تصرفات الغير سعينا للإتصال بباحثة اجتماعية كانت تأتي ضمن مجموعة من الباحثات لتعمل وسط السجينات ٬ وعلى الرغم من أن الإتصال كان محظورا بيننا وبين هؤلاء الباحثات أو حتى مع طلاب الحقوق الذين يحضرون دوريا لدراسة حال السجن والسجناء القضائيين ٬ إلا أننا وفقنا في الإتصال معها بطريقة ما ٬ وبعدما أطلعناها على رأينا ومعلوماتنا تفاعلت الباحثة معنا ومع السجينة ٬ ولم تلبث أن أخذتها إلى المحكمة وعالجت لها وضعها هناك ووجدوا لها من ثم شابا زوجوها إياه .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:26:45
ا ا القروانة ا ا !

وإذا كان المقام هنا هو الحديث عن مواصفات سجن قطنا فإن من الطريف الإشارة إلى وضع الطعام الذي كنا نتناوله في هذا المنزل الجديد ! فلقد كانت الوجبات الرئيسية تأتينا من سجن القلعة بحلل أو صواني معدنية ٬ لكن "القروانة" ما كانت تصل إلا وقد كدنا نموت كلنا من الجوع . . فلقد كان على السيارة أن تقل السجينات القضائيات إلى المحكمة وترجعهن وتأتي بالطعام في الطريق . . فإذا وصل أنزله الشرطة في باحة السجن وفتحوا للسجينات ليتجمعن ويتوزعنه بينهن . . لكن المشاكل والخناقات سرعان ما كانت تندلع : وضعتي لها أكثر . . وأقل . . ونريد هذه أن توزع لنا . . ولا نريد تلك . . ولا ينتهي الأمر إلا وقد تفرقت القلوب واشمأزت النفوس . . فلما ازدادت المشاكل عين مدير السجن غزوة لهذه المهمة ٬ وظلت المسكينة حتى خروجها موكلة بتوزيع وجبات الطعام على كل السجينات ! واذا كانت هذه كيفية توزيع الطعام فإن نوعيته كانت قصة أخرى . . فكثيرا ما كنا إذا حضرالطعام وبدأنا نحركه طفت الصراصير على سطحه أو تمهلت حتى نلتقطها بين
الأسنان ! وكان اعتياديا أن تصلنا الصواني وآثار أقدام المرافقين منطبعة عليها وقد وطأتها أثناء النقل . . واذا بكر السائق في الوصول لسبب ما رمى "القروانة" على باب السجن الخارجي فتسبقنا الكلاب والقطط إلى الطعام قبل أن يحضر مدير السجن ويفتح الباب !

وصرنا لذلك نطلب من إحدى السجانات أن تشتري لنا سرا بالطبع مع طعامها شيئا نأكله . . وبعد ذلك سمحوا لنا رسميا بذلك فصارت أم ديبو السجانة الأخرى تأتي بالأغراض وتبيعها لنا ولكن بأسعار مضاعفة إ! كذلك كانت هناك مشكلة أخرى في الماء الذي لم يكن يصل عبر الحنفيات في المهاجع ٬ وإنما كان علينا أن ننتظر وصولها إلى المهاجع بالتناوب من حنفية رئيسية في السجن مددوا منها خرطوما متفرعا على كل الغرف ٬ وكانوا يديرونه على المهاجع بالساعة ٬ ويتحكم كل مهجع بالمهجع الذي يليه إذا شاء . . وكان الماء لذلك أحد أسباب المشاكل بيننا ! وعندما حضر جهاز التلفزيون إلى المهجع بمرسوم من إدارة المخابرات لتثقيفنا "ثوريا" وإطلاعنا على منجزات النظام الرائدة إ! حضر سبب جديد للخلاف بين النزيلات . . وكان من طرائف التلفزيون أن الحاجة رياض تصر على أن يلتزم الجميع الهدوء والسكينة ويصغوا باهتمام إلى كل نشرات الأخبار لعل خبرا يصدر بالعفو عنا فتكون أول من يتلقاه ! ولقد حصل فيما بعد وأثناء ما سمي ببيعة الأبد
للرئيس الأسد عام 85 أن صدر عفو بالفعل ولكن عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية فقط ٬ لكن الحاجة رياض التي واظبت على سماع الأخبار انتظارا لمثل هذا النبأ سقطت فور سماع الموجز مغشيا عليها وهي تصيح : الحمد لله سأرى أمي . . فلما سمعنا التفاصيل أسقط في نفوسنا وسقطنا مكسوري الخاطر ٬ لكنها كانت فاجعة بالنسبة للحاجة رياض . . بقيت أياما على اثرها غارقة في لجج الدموع والأحزان !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:27:31
حريق !

ومما لا يغيب عن البال من أيام سجن قطنا النار التي شبت أكثر من مرة هناك شاهدا جديدا على قساوة الحياة التي نحياها وعنصرا اخر من عناصر الألم والتوتر والإضطراب التي تلفنا باستمرار . . ففي المرة الأولى اشتعلت النار في حمام مهجع القتل فالتهمت سجينة متهمة بقتل زوجها اسمها فاطمة . . وامتدت النار إلى المهجع كله فأحرقته وكادت تودي بحياة السجينات الأخريات . . ووقتها كنت أنا وماجدة على شباك مهجعنا المطل عليهن نقرأ القرآن بعد المغرب . . فجعلن ينادين علي وقتها ويستغثن بي ٬ لكن الأبواب كانت مقفلة علينا جميعا ٬ فجعلنا ننادي بدورنا على السجانة أم ديبو لتفعل شيئا ٬ لكنها لم تكن ترد علينا في العادة بعد إقفال المهاجع ولا تستجيب . . فلما وصلت ألسنة النار إلى ساحة السجن وغطى الدخان المكان كله وكاد الحريق يطال أشرطة الكهرباء وأوعية الغاز في المطبخ المجاور . . قرعت أم ديبو جرس الإنذار آخر الأمر . . وحضر العناصر يحاولون في ظلمة الليل تبين مصدر الحريق دون جدوى . . وفي النهاية وأثناء الهرج والمرج قامت إحدى سجينات المهجع نفسه فأطفأت ببطانيتها النار عن السجينة التي شبت بها النار وعن المكان . .

لكن الناركانت قد التهمت جزءا كبيرا من جسد فاطمة فأسلمت الروح بعد أسبوع . . وكان أنين المسكينة طوال ذلك وهي في غيبوبتها يمنعنا النوم ويزيد من عذابنا النفسي . . ورائحة لحمها المتقيح تزكم الأنوف وتزيد في معاناتنا وألمنا . . وأما المرة الثانية فكانت في مهجعنما نفسه عندما اندلعت النار في "البابور" أثناء استحمام واحدة من البنات ٬ فقامت من اضطرابها بقفل الباب بدلا من فتحه والتجأت إلى الزاوية التي تقابله من الحمام  ٬ فصارت النار بينها وبين الباب وكادت الأخرى تحترق ٬ لكن لطف الله تداركها وتداركنا . . فاضطررنا إلى كسر القفل ٬ ودخلت ماجدة جزاها الله خيرا فحملت البابور لا تبالي بالنار المشتعلة فيه ٬ فأخرجته إلى العتبة وألقته هناك ٬ واحترقت يدها بسبب ذلك .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:28:46
رحمهم الله !

واذا كانت ميزات سجن قطنا المدني الإيجابية لا تعد قياسا بكفر سوسة ٬ إلا أن السماح بالزيارات كانت في طليعة ذلك كله . ولقد تنعمنا في فترة من الفترات بحرية المراسلة ٬ فكتبت إلى بيت أخي بحلب وبيت عمتي وحتى أم شيماء بالسعودية . . وكنت أتلقى البريد منهم جميعا ٬ لكن ذلك لم يدم أكثر من شهرين أو ثلاثة ثم عاد نظام الرقابة الصارم على الرسائل وعلى الكتب والمطبوعات ٬ فيما استمرت الزيارة الأ سبوعية كل يوم جمعة ولم تتوقف .

كان الاهالى يتوافدون من شتى المحافظات الى سجن قطنا منذ الفجر يترقبون ساعة اللقاء . . وبعد أن يتجمعوا على البوابة ساعات طوالا ويعن على بال المسؤول يومها السماح لهم بالدخول يكون النهار قد انتصف عى أحسن الأحوال . . فيسوقونهم إلى قاعة الزيارة كأول خطوة ٬ وبعد أن يتم تفتيش "الزيارات " أو الهدايا والأغراض التي جلبها الزائرون فيستبعد ما قد يخالف التعليمات أو لا يوافق هوى العنصر القائم على التفتيش ٬ ويجاز المسموح أو ما يمكن أن ينال العنصر نفسه نصيبا منه أو عطاء عليه . . بعد ذلك يطل الزوار علينا وبيننا وبينهم حاجزان من القضبان بينهما ممر يبقى رجال الشرطة يتسكعون فيه يراقبون أحاديثنا ويتدخلون فيها بعض الأحيان وفينا إ! وكانت ليلة لا توصف ونحن ننتظر أول يوم جمعة بعد وصولنا لنطلب من أهالي السجينات قبلنا الإتصال بأهالينا وإخبارهم بانتقالنا وبمكاننا ٬ فلما حضر أهل غزوة حينها رجوتهم أن يفعلوا ذلك مع أهلي لعلهم يحضرون الجمعة التالية ٬ ولم أكن أعلم أن أحدا منهم لم يعد على قيد الحياة وأنهم قد قضوا نحبهم قبل حوالي ثمانية أشهر في أحداث حماة ٬ لكن أهل غزوة كانوا يعلمون بالطبع ٬ علاوة على أن والدتها نفسها استشهدت في الأحداث ٬ لكنهم عادوا في الأسبوع التالي واعتذروا بأنهم لم يعرفوا مكان أهلي بعد التغيير الكبير الذي حصل في المدينة . . وجعلوا يحدثونني عن الأحداث ولكن أحدا لم يذكر شيئا عن أهلي وعائلتي . . وفي الزيارة التالية حضر أهل رفيقتي سناء فرجوتهم أن يذهبوا إلى دار عمتي في دمشق ويخبروها بانتقالي ٬ فلما اجتمعوا معها وعلموا أخبار أهلي منها أشفقوا علي ولم يثاؤوا إخباري ٬ وأجابوني في زيارتهم التالية أنهم لم يستدلوا على البيت ٬ وفي الزيارة التي تلتها قالوا أنهم ذهبوا فوجدوها مريضة ولم يسالموها عن أهلي ٬ وبدأت أحس أن في الأمر شيئا غيرطبيعي ٬فلما ذهبوا قلت لسناء مواجهة : تعالي لأقول لك . . أمك ذهبت إلى عمتي وعمتي قالت لها شيئا . . فماذا هناك ؟ هل مات أبى فلم تتمالك نفسها وردت بصوت خافت : الله يرحمه . قلحت : الله يرحمه . . إذا كان مات فالله يرحمه . فقالت لي : هكذا بكل سهولة الله يرحمه ؟ قلت لها وكأن ألم السجن يسهل على الإنسان كل شيء : الله يرحمه . . ماذا يمكن أن أفعل له إذا مات ؟ لو نطحت رأسي بالجدار فلن يرجع ! فوجدتها تبكي وبقايا كلام لا تزال على شفتيها ٬ فقلت لها : هل مات أحد اخر معه ؟ فأشارت لي نعم برأسها . قلت لها : أمي ماتت ؟ قالت : الله يرحمها .

صحت : ولي . . وأين إخوتي إذا ؟ فقالت لي : ذهبوا مع أمك . . لم ترض بأن تتركهم فأخذتهم معها ! قلت لها : بماذا تخرفين . . هل تمزحين ؟ كل إخوتي ماتوا ! قالت : إي كلهم . . الله يرحمهم . . أليس ذلك أحسن من أن يبقى أحد منهم وينشغل بالك عليه ! قلت وأنا كمن يتخبط في كابوس مرعب : إي طيب خلاص . . لا تزيدي . وما عدت أريد أن أفهم أي شيء أو أسمع المزيد . . ولم تلبث عمتي وعمي أن حضرا في الزيارة التالية فلفت نظري أن وجدتها تلبس السواد وساكتها مستغربة : عمتي . . لماذا تلبسين الأسود ؟ فقالت لي : هيك والله جاي على بالي الأسود ! قلت لها : هل توفيت جدتي ؟

قالت لي : لا . قلت : إذا لماذا تلبسين الأسود !
فغمزني عمي بطرف عينه لأغير الموضوع ٬ لكنني لم أتمالك نفسي وقلت له : عمي . . لماذا تغمزني ! هل هناك شيء ؟ قال لي وهو لا يريد إعادة القصة أمام عمتي التي صدمت جدا بما حدث : لاشيء . . للأشيء حدث . فقلت لها من جديد : صحيح لماذا تلبسين الأسود؟ ترى نقز قلبي ! فابتسمت لي ابتسامة حزن وابتدرني عمي بقوله : كيف تسالينها هذا السؤال . . ألا تعرفين الخبر ؟ قلت وكأني عدت إلى ذاكرتي تلك اللحظة وحسب : نعم . . عندي خبر بأن أهلي استشهدوا ٬ لكن أنا أسالها لماذا هي لابسة الأسود . . ولم يخطر لي أنها تلبسه على أهلي . . ونسيت أنها متشحة بالسواد حزنا على بيت أخيها ! فقال لي عمي وهو يراني أمامه أتصرف ببلاهة : إي حزنانة على أهلك . . هل فهمت ! قلت لها : أنظري ٬ إذا مرة ثانية ستأتين لابسة أسود لعندي فلا تأتي . . لأن الشهيد حي مو ميت ٬ واذا أردت أن تحزني عليهم لأنهم أحياء فلا تأتي لعندي .

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:29:38
وشاب الشهود !

كانت العبارة قاسية على عمتي ٬ لكن الحالة كانت أقسى على نفسي وأشد ٬ ورغم أن عمتي انفجرت وقتها في البكاء وأخذ عمي يهدىء من روعها فما سكتت إلا بصعوبة ٬ إلا أنها تفهمت حالتي لا ريب ٬ ولما عادت في المرة التالية أتت وقد غيرت السواد بالفعل . . لكنني لم أسمع قصة أهلي بالتفصيل إلا من أم ماجدة التي حضر والدها أول مرة فلم تكد تعرفه من الشيب الذي غطى رأسه والكرسي المتحرك الذي أقعده نبأ اعتقالها عليه ٬ فلما تأكدت أنه أباها جعلت تقفز من فرحتها وقد عقدت الفرحة لسانها فلا تستطيع الكلام ٬ فلما استدركت نفسها قالت لأبيها وكأنها تعتذر : والله ما عرفتك . . تاري شايب . . فقال لها : والله شيبتيني يا بنتي ! وكان والدها حزبيا ضد الإخوان فتوقعت أن تكون لديه ردة فعل ضدها أيضا ٬ لكنه لما راها أول ما حضر بكى وهو يقول : انظري . . أنا ات ورافع رأسي ولي الشرف والحمد لله . وفي الزيارة التالية حضرت أم ماجدة فكانت فرحتنا معا بها لا توصف ٬ وأبلغتني أم ماجدة أول ما أبلغتني باستشهاد أخي وارف ٬
وقصت علي القصة من بداياتها ٬ فقالت بأن الخابرات كانوا بعد خروج أمي من السجن قد استبقوا كمينا في بيتنا وفي ظنهم أن إخوتي سيأتون للسلام على أمي بعد خروجها فيعتقلونهم ٬ فلما لم يجدوا جدوى من ذلك ولم يحضر أي منهم جعلوا يعتدون بالتعذيب على أبي ٬ فيخرجونه بين فينة وأخرى إلى حديقة كبيرة كانت أمام بيتنا على طرف العاصي ويعذبونه أمام الناس فيها ٬ فيضربونه مرة ٬ ويحرقون له ذقنه مرة ٬ ويجرجرونه في الشارع أخرى ٬ إهانة وإذلالا له وتخويفا لغيره . . وكانت أمي تخرج عليهم وهي تصيح وتدعو ٬ فيقول لها مسؤول الدورية : سلمينا أولادك لنكف عن زوجك ونعطيك ابنتك . . فترد عليه بتحد كعادتها : سلمني إياها بيدي . . حتى أراها بعيني وأمسكها بيدي لأقول لك أين بقية أولادي ٬ لكن والله طالما أنها غير موجودة أمام عيني فلن تأخذ شيئا ولو قتلتني . ثم كانت الفاجعة التالية حينما استشهد أخي وارف في حلب (وكان عمره 18 عاما وحسب ) أثناء مداهمة بيت أوت إليه مجموعة من الملاحقين كان من بينهم وذلك
قبل 16 يوما فقط من استشهاد أهلي ٬ وبرغم الفاجعة فإن أمي اثرت أن تكتم الخبر عن أبي وهو بحالته تلك فكانت تذهب عند أم ماجدة وتخرج صورة وارف هناك وتبكي عليها ما شاءت حتى تطفىء حرقة قلبها فتعود إلى البيت . . لكن ذلك لم يمنعها أن تحاول زيارتي في السجن بأي وسيلة ٬ ولم تمنعها النوازل أن تمضى إلى كفر سوسة مع أم ماجدة مرة فتقابل ناصيف من جديد وتساس إذنا بزيارتي ٬ فكان كل الذي أجابها به : والله آسفين ٬ هذا الإسم غير موجود عندنا ! فكادت أمي كما روت لي أم ماجدة أن تجن . . وعندما تركت مكتبه وقفت أمام نافذة مهجعنا المطلة على ساحة الفرع الداخلية والتفتت إلى أحد العناصر من لهفتها تساله راجية أن يخبرها ولو بإشارة من طرف عينه إن كنت لا أزال هناك أم لا ٬ لكنها لم تحظ حتى بتلك الإشارة وغادرت ملوعة القلب دون أن تراني أو تسمع عني أي شيء . .

وظلت وظلوا جميعا على حالتهم تلك حتى كانت بداية الأحداث في حماة .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:30:27
شهداء أحياء

كنا لا نزال في سجن كفر سوسة حينما تفجرت أحداث حماة الشهيرة في شباط 82 لكننا في عزلتنا المفروضة وقتذاك لم نسمع بأدنى خبر عنها ٬ وعلى الرغم من تسرب بعض الأنباء لبعض البنات بيننا إلا أن المقدم ناصيف حذرهن أشد التحذير من أن يتحدثن عنها أو أن يعلمنني بشيء عن مصيرأهلي ٬ فلما نقلنا إلى قطنا بدأ الخبر يصل إلي والقص التي لا تصدق والفاجعة الرهيبة تبلغني من هنا وهناك ٬ فلما حضرت أم ماجدة روت لي المزيد من تفاصيل ما جرى وخاصة فيما يتعلق بأهلي رحمهم الله ٬ وقالت بأن البداية كانت حينما رأت في منامها أن إخوتي الصغار ينامون على سرير واحد ولكنهم غارقون في الماء  ،وأحست أنهم برغم غرقهم فقد كانوا يتمايلون في الماء الصافي وهم أحياء . . ثم رأت أمي تدخل وترقي عليها فتنقسم في حجرها إلى قسمين . . فلما استيقظت حدثها قلبها بأن أهلي في خطر ٬ فقامت من فورها ورجت زوجها أن يذهب ويستطلع أمرهم ٬ ويجهد لكي يعود بهم معه إلى البيت ٬ ولما كان أهل ماجدة قد انتقلوا من "حي الطوافرة" الذي جاورونا فيه طويلا إلى حي جديد على طريق حمص ٬ مما جعلهم عمليا من سكان الضواحي ٬ فقد كان عليه أن يقطع مسافة طويلة حتى يبالغ محيط المدينة القديم ٬ فلما خرج بعد صلاة صباح ذلك اليوم وشارف حماة وجدها مطوقة من كل مداخلها ٬ فلم يستطع التقدم أكثر وعاد ناجيا بنفسه . . وانفجرت الأحداث . . وعم القتل والتدمير . . وانقطعت حماة عن العالم بينما
المذابح تجري في شوارعها وأهلها يموتون بالمئات . . وأثناء ذلك حاولت عمتي من جهتها الذهاب من دمشق إلى حماة لاستطلاغ حال أهلي ومساعدتهم في شيء ٬ ورغم أن محاولتها تلك كانت انتحارية لم يوافقها عليها حتى زوجها ٬ إلا أنها أصرت على المحاولة  ٬ وتمكنت من دخول المدينة بالفعل حتى شارفت على الحي الذي نسكن فيه ٬ إلا أن القوات العسكرية ردتها من هناك وما سمحوا لها بالإستمرار ٬ ووقتها كانت أربعة أيام قد مضت على أبي وهو ملقى في الشارع لا يجرؤ أحد حتى على رفع جثته !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:31:12
كسره خبزو حسب !

أما حادثة استشهادهم فبدأت عندما اعتصم أفراد من المقاومة في حينا واستعصى على القوات الحكومية اقتحامه ٬ فأحكموا الحصار حوله ومنعوا المؤن والكهرباء والماء عن الحي كله ٬ واستمر الحصار لسبعة أيام كما سمعت حتى لم يبق في بيتنا من الطعام أو الماء شيء ٬ فخرج أبي وجعل يسأل طليعة القوات المحاصرة بعض ما يقيت الأطفال ٬ وروى لي خالي الذي كان يشهد الحادثة من شباك بيته المطل على المكان أن الجندي انتهر أبي وأمره بالعودة من حيث أتى ٬ لكن أحدا لم يكن ليستطيع أن يسكت جوع الأطفال ٬ فخرج أبي مرة أخرى يقول للجنود : فقط
نريد قطعة خبزللصغار .

فأجابه الجندي منتهرا : إرجع أحسن ما أرشك وأرميك بالأرض . لكن ذلك لم يرد أبي إلا لبرهة ٬ عاد للمرة الثالثة بعدها يسالهم خبزا فالأولاد يكادون يموتون . . في تلك المرة لم يجبه الجنود إلا بزخة رصاص أردته على باب بيته . . وصاح خالي من بيته المقابل وسقط من هول المنظر مغشيا عليه ٬ فلما ركضت زوجة ابنه لتحمله لمحها الجنود فالقوا على البيت قنبلة ضوئية لتكشف كل ما فيه واقتحموا عليهم وانتشروا في كل مكان فيه متدرعين بالنساء والأطفال فيه . . في تلك اللحظات وعندما سقط أبي برصاص الجنود سمع أخي ماهر الصوت من قبو البيت حيث كان الجميع قد التجأ فخرج ليستطلع الأمر  ٬فلما رأى أباه صريعا أمامه ارتد إلى حجرته وتناول سلاحا كان "شبيبة الثورة" قد سلموه إياه ليدافع عن أمن الثورة" ولم يكن عمره قد جاوز الثالثة عشرة بعد ! واندفع ماهر خارج البيت يطلق النار على الجنود الذين قتلوا أباه ٬ فأصاب منهم من أصاب قبل أن يردوه هو الآخر قتيلا . . ولقد قال ناصيف خير بك لماجدة ولبقية رفيقاتي بعد ذلك عنه بكل صراحة : أعطيناه السلاح ليحمينا به فقتلنا به . . هؤلاء كلهم خونة . . ولذلك جعلنا الصغير فيهم أربع قطع لأن بذرته إخوان وكان سيطلع إخوان ! بعد ذلك خرجت أمي تدعو عليهم وتبكي وتستنزل اللعنات ٬ فأكملوا جريمتهم ورشوها أمام الباب أيضا . . ثم دخلوا على البيت فأجهزوا على كل من بقي فيه : ياسر ابن أربعة أعوام ٬ وقمر ابنة خمسة ٬ ورنا في السادسة ٬ وصفا التي كانت قد دخلت المدرسة في أول سنة لها وقد بلغت لتوها السبعة أعوام ٬ ثم أختي ظلال التي كانت في العشرين تقريبا . . وأما أخوتي الثلاثة المتبقين فكان صفوان أولهم خارج سورية ٬ وغسان وسامر متخفيان في حلب ٬ فكانوا الناجين من بين بقية الأسرة التي قضت جميعا ٬ وبالطبع فقد تم جمع جثث الجميع مع بقية القتلى في البلد ودفنوا في مقابر جماعية دونما تمييز وذلك قبل أن يتم رفع حظر التجول ووقف القتل والتدمير بأيام . . وعندما تمكن الناس من الخروج من مخابئهم اخر الأمر وتوجه عمي وزوجته ليروا ما حدث لم يجدوا إلا غطاء رأس أمي عند بوابة البيت وسط بقعة كبيرة من الدم ٬ ووجدوا على جدران القبو وفوق أرضه دم إخوتي البقية ولا أثر لجثة أي منهم .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:31:53
حي على الجهاد

وأما أخي عامر الذي كان في الرابعة عشر من عمره فقد استشهد في نفس الفترة بعيدا عن أهلي في شارع 8 اذار . وكانت أمي قد أرسلت عامر ليجلس مع جدته في بيت أخيها المسافرإلى السعودية حتى لا يأتي المخابرات ويجدوا البيت خاليا فيسرقونه كعادتهم  ٬ لكنهم لما أتوا للتفتيش فعلوا ما هو أسوأ . . فعندما وجدوا عودا من ممتلكات خالي جلسوا يدقون عليه وقد انهمك بقيتهم في العبث بمحتويات الغرف الأخرى بلا رقيب أو حسيب  ٬ ثم طلبوا من جدتي وسط قهقهاتهم الفاجرة أن تقوم فترقص لهم ٬ في الوقت الذي اختبأ عامر تحت السرير فما وجدوه ٬ ومن رعبها وخشية منها أن يتمادوا معها أو أن يعثروا على أخي قامت جدتي بسنها الذي قارب السبعين فامتثلت ورقصت بهيبتها ووقارها وتقاها لهم . . فلما انصرفوا وقد نهبوا ما أرادوا وحطموا أكثر مما نهبوا نادى مناد في المآذن ا احي على الجهادا ا . . فخلع أخي ساعته وتوضأ وصلى ركعتين سنة الشهادة ودفع إليها بالساعة وقال لها : هذه الساعة ذكرى مني خليها معك وأعطيها لأمي ذكرى وادعي لي .. وخرج راكضا وجدتي تناديه أن يا عامر تعال وهو لا يستجيب . . ورأته آخر ما رأته وقد دخل سوق الطويل حيث كان الإخوان يعتصمون بداخله ٬ ولم يخرج بعدها إلا مرة واحدة
طرق الباب فيها على إحدى القريبات حافي القدمين ممزق الثياب يسالها أن تمنحه أي نوع من الطعام أو اللباس لديها ٬ وأخبرها بأن رفاقه يكادون يموتون من الجوع والبرد . . ولم يكن لدى هذه العائلة من الأولاد إلا البنات ٬ فاحتارت أول الأمر ٬ ثم أعطته ما توفرمن جاكيتات وكنزات كبيرة الحجم يمكن للشباب أن يستخدمونها ٬ وأعدت له بعض الطعام وأشياء أخرى أخذها وذهمب ٬ وفي اليوم التالي وجدوه مستشهدا في نفس الشارع ٬ فأتى رفاقه ودفنوه مكان مسجد هدمته المخابرات ٬ وبعد انتهاء الأحداث حفروا ثانية ونقلوا الجثة إلى المقبرة ٬ ولكننا لم نعرف للأسف أين بالتحديد لأن الذي دفنه استشهد أيضا !

وهكذا تلقيت نبأ استشهاد والدي وخمسة من إخوتي مرة واحدة ٬ وبلغني الخبر الذي  كانت البنات تخفينه عني طوال شهور رحمة بحالي وإشفاقا على ٬ إلا أنني سبحان الله لم أحس الخبر مفجعا كما ظن الآخرون ٬ ولم أحزن عليهم حزني على أحبة فقدتهم لأنهم في حالتهم هذه شهداء إن شاء الله . . وكل منا يدعو الله متمنيا أن يرزقه الشهادة كرما منه سبحانه وفضلا ٬ فكيف يحزن إن أكرم الله بها أحب الأحبة وأقرب الناس إليه ؟ إننا نخاف  من الموت فقط حيث الحساب والسؤال والإمتحان. . وأما الشهادة فهي الحياة الحقيقية ٬ وهي النعمة التى لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:32:38
إبر للعقم . . لا للألم !

ومرت الأيام . . وعادت دورة الحياة المملة ومعاناتها تجثم على الصدور أثقل من الصخر الأصم . . ثم لم ألبث أن سقطت فريسة أمراض متتالية لم أعهدها في نفسي من قبل . . ووجدتني أسقط من ثم بيد طبيب حاقد من أبناء طائفة النظام أسوأ من قطاع الطرق . . اتخذ المرض ذريعة ليفعل بي ما لايخطرعلى قلب إبليس ! كان الدكتور سمير كما ينادونه طبيبا زائرا مكلفا بعلاج القضائيات في الأصل ٬ فلما ازداد عدد السجينات السياسيات وتزايدت مشاكلهن الصحية جعل يخصص بضع دقائق من وقته بين الحين والاخر لمقابلة أصحاب الحالات الشديدة منهن ٬ ولا يزيد عن أن يعطي أسوأهن حالا بعض حبوب مسكنة لا تنفعهم بشيء ! وكان سميرهذالئيما جدا نحس أنه يعاملنا معاملة مخابرات لاطبيب وعندما نشكوله شيئا لا يزيد عن أن يهزأ بنا ويكرر علينا عبارة واحدة بشكل آلي "ما فيكم شيء ا ا . . حتى أننا لكثرة ما سمعنا عبارته تلك لم نعد نساله شيئا اخر الأمر . وكنت في البداية وعندما أخذت القرحة التي ورثتها من كفر سوسة تشتد علي الامها قد طلبت مقابلته وشرحت له حالتي وحدثته بما أعاني ٬ لكنه قاطعني في نصف حديثي ولم يزد عن أن قال لي : هذه الأعراض لا دواء لها ٬ وعليك أنت أن تعالجي نفسك بنفسك !

وأكرمنا الله وقتها حين بدأ قريب إحدى السجينات معنا وهو طبيب متمرن بالتردد علينا وتقديم الأدوية والعلاجات اللازمة لنا بالسر غالب الأحيان ٬ والتي وجدت عليها تحسنا كبيرا وبدأت أتعافى من قرحتي شيئا فشيئا ٬ لكن أعراضا أخرى بدأت تنتابني خلال ابتداء دورتي الشهرية تصحبها الام شديدة ٬ فاضطررت من شدتها مرة أن أطلب مقابلة الدكتور سمير مرة أخرى وأساله ولو نوعا من المسكنات يخفف عني الألم ٬ ولم يلبث بعد أيام أن استدعى الحاجه مديحة وقال لها أنهم شكلوا لي لجنة للنظر في هذا الوجع الذي يأتيني وقرروا لي العلاخ ٬ ووجدته يرسل لي علبة إبر أخذت اثنتين منهما بالفعل قبل أن يأتي الطبيب من جديد فتحدثه قريبته بالموضوع ٬ فلما سالها أن يرى الإبر وأتت بها إليه لم يصدق ما يرى ٬ وصاح فيها وقد تملكه الذهول : هذه إبرللعقم لا للالم وهرع غاضبا ذهب إلى موفق السمان مدير المنطقة ورئيس السجن وحكى له ما حدث ٬ ومن غير أية مقدمات انقطع الدكتور سمير عن الحضور إلى السجن وانقطعت أخباره . . لكن أحدا لم
يأت ليحقق في تلك الجريمة أو يستفسر عن حالتي . . مثلما لم يأت طبيب اخر مكانه ولم يحضروا أي بديل . .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-05-19, 22:33:34
بول أم دم !

ذهب الدكتور سمير إلى حيث لا أعرف . . لكن الألم لم يذهب . . والبلاء لم ينته . . وسرعان ما بدأت أحس أعراضا مغايرة في منطقة أخرى من جسدي . . وبازدياد نوبات الألم الذي استمر شهورا أغالبه ويغالبني حتى غلبني في النهاية تبين لي أنه التهاب الكلى . . فصار الدم يخرج مع البول مني وحصل معي استفراغ متواصل واسهال مستمر ٬ ومع استمرار الظروف الصحية السيئة تفاقمت الحالة حتى فاقت أي احتمال . . وأمضيت شهر رمضان من عام 1454 (يونيو 84 ) كله على هذه الحال لم أستطع بالطبع أن أصوم يوما واحدا منه ولا حتى أن أصلي . . ولم تكن زميلاتي في المهجع يستطعن النوم من كثرة تأوهي ونحيبي ٬ ولم أعد أستطيع من شدة ضعفي القيام حتى إلى الحمام ٬ فكانت البنات يحملنني إليه حملا . . وفي تلك الفترة انتشر الفسفس في السجن فكان ابتلاء آخر زيادة على ما أنا عليه ٬ وكان إذا سكنت الامي لحظة تقدمت هذه الحشرات المقيتة لتذيقني بعضاتها طعما جديدا من الألم ! وكانت ماجدة جزاها الله خيرا وأجزل ثوابها تسهر الليل عند طرف وسادتي لتلتقطهم عني بيديها ما وسعها الجهد والجلد . . وفي النهاية وعندما قاربت بالفعل على الموت تدخل العميد موفق السمان وسمح بإخراجي على مسؤوليته الخاصة وعرضي على طبيب مختص ٬ وأخذوني بالفعل بسيارة الشرطة وداروا بي في قطنا حتى وجدوا طبيبة أخصائية أمراض الكلى فحصتني وأعطتني إبرة مسكن وقالت لهم أنني أحتاج إلى تحليل ٬ فلما أخذوا البول ليحللونه سأل المحلل السجانة التي أخذته : هل هذا دم أم بول . . أو أن الزجاجة لونها بني ؟ وبعد ظهور النتيجة وصفت لي الطبيبة ست إبر كل اليوم كانت تعطيني إياهم أم معقل بنفسها ٬ لكن أجنابي تعقرت ولم أشعر بأي تحسن . . فقامت إدارة السجن أخيرا بإرسال كتاب إلى أمن الدولة بكفر سوسة شرحوا لهم فيها حالتي وطلبوا إذنا لأخذي إلى مستشفى المواساة ٬ فأتت الإجابة بالموافقة المبدئية معلقة على تقرير الطبيب هناك ٬ ووجدتني في اليوم التالي محمولة في سيارة الشرطة إلى هناك وأنا أقرب للغيبوبة مني إلى الصحو . . وهناك وجدت جمعا من الطلاب التفوا حولي كأنما يريد كل منهم أن يتدرب في ٬ وتقدمت طبيبة من بينهن فخلعت عني جلبابي وفحصتني بشكل سريع ثم أعطتني إبرة مسكن في الوريد لم أعد أحس بعدها بشيء . . وعندما استعدت وعيي وجدتني في المهجع من جديد تتحلق البنات حولي وكأنني في النزع الأخير ! وسرعان ما انتهى مفعول إبرة المسكن دون أي تحسن ٬ فعادوا
بعد يومين أو ثلاثة وأنزلوني إلى المستشفى مرة ثانية ٬ وتكرر ذلك ثلاث مرات أو أربع لم أزدد فيهن إلا رهقا وثقوبا في أوردة الساعدين ! وفي المرة الأخيرة أبلغت صديقتنا السجينة قريبها الطبيب فوجدته يستقبلني هناك ومعه أخي وابنة عمي التي كانت تتدرب في نفس المستشفى ٬ وقاموا فور استلامي فأخذوني إلى الطابق العلوي حيث تشتد العناية وتأخذ الفحوصات مسارا جادا هناك . . وهناك وجدت من عجائب الأقدار أحد الأطباء يهرع إلي فينتحي بي جانبا ويسالني بانفعال : ألست أخت صفوان دثغ ؟ قلت له :نعم .

قال والكلمات ترتجف على شفتيه من التأثر والإرتباك معا : ماذا حدث له . . ولماذا أنت مسجونة؟ ولم يدع لي الفرصة للجواب الذي لا يخفى فقال وهو دامع العينين : معليش بيعين الله . . وأسر لي وهو يكمل فحوصاته بأنه كان وصفوان زملاء في الكلية ٬ وأنه لذلك سيجهد لكي يبقيني في المستشفى لاستكمال العلاج . . إذا تمكن . ولما كتب ذلك في تقريري ومضى به إلى مدير المستشفى وافق عليه شريطة موافقة الجهات الأمنية . . وبكل طيب وحسن خلق تقبل الخبر الشرطي الذي كان مكلفا بمرافقتي ٬ وطلب مني الإنتظار على باب المستشفى مع أخي ريثما
يمضي فيحضر الموافقة من سجن القلعة .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-05-20, 02:26:24
وسط كلّ هذا الركام وهذا العذاب وكلّ هذه المحن تغدو الحاجة ملحّة لإشارة أمل وقبس نور مهما كان ضعيفاً : " نحن محكومون بالأمل ( سعد الله ونّوس )...
تصفّحت معكم الجزء الثالث ( طبعا هاي مرة إضافية ) و حديث " سجن قطنا " و " اللمحات الإنسانية " لبعض مسؤوليه ... يعني الخير لا ينعدم والحمدلله.
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-06-03, 18:42:00
يبدو أن سجن القلعة بعيد جدا عن مستشفى المواساة ... أو أن ذاك الشرطي الطيّب أراد أن يبقى شقيق هبة معها أطول فترة ممكنة... لا بأس إذن أن انتظرنا معهم منذ  19/ 5 أي منذ نصف شهر :-)
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-06-03, 18:45:12
يبدو أن سجن القلعة بعيد جدا عن مستشفى المواساة ... أو أن ذاك الشرطي الطيّب أراد أن يبقى شقيق هبة معها أطول فترة ممكنة... لا بأس إذن أن انتظرنا معهم منذ  19/ 5 أي منذ نصف شهر :-)

نعم يا بسمة انشغلت جدا هذه الأيام بالكاد أطل على موضوع واحد (سقط الكمام)... لي بإذن الله عودة  emo (30):
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-06-03, 18:52:53
لا ولا يهمّك يا أسماء ( يعني : لا عليك ) ... هاي هيك " حركشة يعني " ... طبعاً، فالحداث الآنية مهمة جداً، وما يكتب هناك وما تنتقينه رائع بحقّ ويحتاج وقتا ليس في الاختيار والنقل فقط، بل في القراءة والتدبّر من قبلنا أيضاً.
لا تدرين كم أفادتني هذه المواضيع والشهادات والمقالات أنا شخصياً ... فبارك الله فيك يا أسماء :-)
أؤكّد لك أن لا تستعجلي فالمهم أن يتابع اكبر قدر ممكن من الناس ما ينشر ويعوه ويتحاوروا بشأنه فتتجدّر حالة الوعي.. وهي الأساس في التغيير.
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-06-03, 19:05:48
لا ولا يهمّك يا أسماء ( يعني : لا عليك ) ... هاي هيك " حركشة يعني " ... طبعاً، فالحداث الآنية مهمة جداً، وما يكتب هناك وما تنتقينه رائع بحقّ ويحتاج وقتا ليس في الاختيار والنقل فقط، بل في القراءة والتدبّر من قبلنا أيضاً.
لا تدرين كم أفادتني هذه المواضيع والشهادات والمقالات أنا شخصياً ... فبارك الله فيك يا أسماء :-)
أؤكّد لك أن لا تستعجلي فالمهم أن يتابع اكبر قدر ممكن من الناس ما ينشر ويعوه ويتحاوروا بشأنه فتتجدّر حالة الوعي.. وهي الأساس في التغيير.

وهذا ما أركز عليه فعلا يا بسمة في ظل شح الوقت، "الأولوية"، فأتخذه سبيلا لمتابعتي للمستجدات وللنشر لغيري ...."سقوط الكمام"، الحقيقة التي كانت حلما، أو ربما لم ترتقِ حتى لأن تكون حلما...
شكرا على تفهمك يا بسمة emo (30):

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 11:29:58
نعم يا بسمة رغم أن سجن قطنا أرحم بكثير من سجن كفرسوسة إلا أن هبة تلاقي الصدمة تلو الصدمة، فنبأ استشهاد والديها و إخوتها، 14سنة، 13سنة،18سنة،20سنة،5سنوات،4سنوات،7سنوات  !!!

رغم أنها تقلو أنها لم تحزن عليهم بالقدر الكبير، وكسا قلبها اليقين بحياتهم الهنيئة ورزقهم عند رب العالمين، إلا أنني شخصيا عشت مرا وعلقما من قصص استشهادهم، ولم يعد قلبي يحتمل، وأنا أقرأ ما لا يخطر على قلب بشر، يا إلهي ................!!!!  ابن 14 عاما، يستجيب لنداء مآذن حماة في أزمتها العظيمة 82، "حي على الجهاد" فيسارع ويتوضأ ليصلي ركعتي الشهادة، ويعهد بساعة يده  إلى جدته لتسلمها لوالدته فتذكره بها .........ويخرج للجهاد ......... فيجاهد مع المقاومين، ويجلب لهم الملبس والمأكل، ثم يستشهد هو ، ثم يدفن، ثم يستشهد دافنه !!!!!!!

والأب الذي لم يمنعه توحشهم وقمعهم من الخروج تباعا يبحث عما يقيت أولاده، فيُردوه شهيدا قد أذنب إذ طلب الأكل لفلذات كبده .........والأم .......!!! التي بقيت قوية إلى آخر رمق تخفي عن زوجها العييّ نبأ استشهاد ابن آخر لها في حلب، تبكيه خلسة عند جارتها، ثم تعود لتكابد مُرا غيره، وهي المؤمنة المتصدية للجند الداعية عليهم، حتى من الله عليها بالشهادة ..........!!!

ووووووو.................... لا تنفك هذه الأحداث ترن برأسي وأنا أرى حماة اليوم تهب عن بكرة أبيها، يلفني اليقين أن كل أسرة فيها استعادت آلام وذكريات السنين الخوالي، ووجدت اليوم سانحة للانتقام، وللصراخ، وللبكاء على شهدائهم الأشاوس ..........لك الله يا حماة، لله دركم يا أهلها الأشراف، يا أهل الشهداء ................

يارب انتقم لحماة يا منتقم ولأهلها يا رب .........انتقم من كل من عذبهم ذات عام من أعوام القهر والإذلال والإمعان في التركيع، وكتم أنفاس كل حي لن يموت .........!!

دقت ساعة الانتقام يا حماة الفداء والإباء ............دقت الساعة


الجزيرة| تقرير فاطمة التريكي حصاد يوم572011 (http://www.youtube.com/watch?v=r7m5ybby7HA#)


شام - حماه - أطول علم و أغنية جرثومة بجمعة أرحل 1-7 (http://www.youtube.com/watch?v=75k3k-xNU10#)
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-07-06, 16:59:46
وها قد عدتُ يا أسماء. في الواقع أنا لم أغادر !
ها نحن في " شعبان " فكيف سيكون " رمضان " ... اللهم فرجك في رمضان لعلّ العيد يكون عيدين ...
يارب...
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 19:52:23
وها قد عدتُ يا أسماء. في الواقع أنا لم أغادر !
ها نحن في " شعبان " فكيف سيكون " رمضان " ... اللهم فرجك في رمضان لعلّ العيد يكون عيدين ...
يارب...

يا رب
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 19:55:38
الفصل الثالث 2

فرصة ذهبية للهرب !

مضت سيارة الشرطة ووجدتني من شدة ضعفي لا أستطيع أن أرى الدرج أمامي وأصبت بالدوار ٬ فجرني أخي من يدي وأنزلني وكأنني عمياء ! وجلسنا في الخارج على كرسي للإنتظار وحيدين لا رقيب علينا ولا حسيب ٬ عندها سالني أخي : ما رأيك لو أهربك الآن ؟ قلت له وأنا لا أكاد أجد للحرية مع السقام والإعياء معنى : لا أريد . . سيلقطوننا من على الحدود ويرجعوننا فيزيد بلاؤنا بلاء . ولم تمض دقائق حتى عادت سيارة الشرطة وأطل العناصر من نافذتها يسالوننا إن كنا نفضل الذهاب معهم بدل الإنتظار الممل فوافقنا . . وجعلت السيارة تخترق أحياء دمشق متجهة نحو قلعتها التي تتوسط أحياءها القديمة ٬ ووجدت الناس كل في شغله بين بائع و مشتري ٬ وطالب وعامل ٬ وموظف وتاجر . . كلهم غارقون في دوامة الحياة يشغلهم تأمين احتياجاتهم الأولية عن ذاك الذي يجري بينهم دون أو يبصروه أو يسمعوه . . وترهقهم مشقة الحياة عن أن يلتفتوا ليتفكروا إلى أين تمضي قاطرة الظلم بالوطن ! فلما وصلنا سجن القلعة وهرع أحد عناصر الشرطة الذين يرافقوننا بيده الأوراق يأمل أن يجد لها توقيع الموافقة ارتد بعد هنيهة مكسور الخاطر وقد نال الطلب الرفض . . لكن نفسي التي اعتادت الإحباطات باتت تتقبلها بدون انفعال . . وقفلنا راجعين إلى سجن قطنا أكمل مع نزيلات المهجعين أيام الأسر والمعاناة . . وكثف الطبيب قريب زميلتنا زياراته محملا بالأدوية والعلاجات ٬ وبالمواظبة على تناولها تحسنت حالتي شيئا فشيئا ٬ وبعد مضي شهر كامل تمكنت من الخروج إلى الحمام أول مرة بدون مساعدة من أحد ٬ وبقيت سنتين تاليتين لا أشتغل أي شيء في الغرفة
مثلما يتوجب علي ٬ وظلت رفيقاتي يجزيهن الله الخير يحمنني خلال ذلك ويغسلن لي ملابسي . . ويستتفدن من أية فرصة متاحة ليحضرن لي االطعام الصحي والعصير والمقويات .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 19:59:13
الولد الضائع

كانت حياة السجن مزيجا من المعاناة والغرابات ٬ ففي هذا المجتمع الفريد تتوقع أي شيء في أي وقت ٬ وتقابل من أصناف المشاهد غير المعتادة ما لا يعد . . وتظل الأيام حبلى والمغيبات أسرار وألغاز حتى يحين الميعاد ! وعلى غيرميعاد وخارج كل التوقعات بدأت قصة ذلك الغلام الضائع الذي التقطه الشرطة من حي من أحياء دمشق . . وبما يفوق شتى التوقعات انتهت من غير ميعاد قصته الغريبة ! كان منظرا مؤذيا للشعور أن ترى غلاما لم يمد يبلغ السادسة من عمره سجينا على غير إرادة منه في غرفة المتهمات بالدعارة إ! لكن الشرطة الذين التقطوه تائها في دمشق وضعوه هناك انتظارا للعثور على أهله ٬غير أن شهورا خمسة انقضت دون أن يظهر له أهل أو أقارب ٬ وكان مما يزيد في الحسرات أن الفتى أخرس لا ينطق ولا يتكلم حتى باسمه . .

فصار الجميع ينادونه أحمد . وكأنما وجدت السجينات في أحمد هذا الخادم المطيع ٬ فكن يأمرنه وينتهرنه ويضربنه في بعض الأحيان . . وذات مرة وأنا جالسة بعد الإفطار في رمضان اكل بعض الحلوى على شباك المهجح وكانوا يفتحون كل المهاجع للتنفس بعد الإفطار وجدت أحمد يقترب مني محملقا في الصندوق وهو يمد يده ويقول : أعطيني واحدة . لم أصدق أذني في البدء .  . فطوال الشهور المنصرمة لم نسمع الولد ينطق ببنت شفة . . وها هو ذا الآن يتكلم ! فلم أتمالك نفسي ووحدتني أصيح : يابنات . . أحمد حكى . . .
فلما قلنا ذلك للشرطي تأثر وقال : اتركوه إذا عندكم . يبد و أن جو الغرفة هناك لم يعجبه. فلما التففنا حوله وجدناه يتكلم بشكل طبيعي ٬ وجاءت الحاجة فسالته أول ما سالته عن اسمه ٬ فقال : أحمد بدر الدين . سالته : من أين أنت أبوي ؟ قال : أنا من حماة . قالت وقد تعجبنا كلنا من الجواب : وماالذي أتى بك إلى الشام ؟ قال الفتى ومسحة انكسار جلي ترتسم على ملامحمه : أنا لموني مع الأولاد الذين لموهم في حماة بعد الأحدات وأتوا بي ووضعوني في الجامع الأموي ثم لم أعرف أين أذهب . سالته الحاجة : وأين أهلك ؟ فصاريبكي ثم قال لها : ماتوا . سالته : كيف ؟ قال : أرسلتني أمي عند أبي إلى الدكان فوجدت الحائط واقعا فوقه وهو ميت والدم طالع منه . . ذهبت إلىالبيت أبكى أريد أن أخبر أمي فوجدتها مقتولة أيضا ! والتفت  الفتى نحو الحاجة باضطراب وقال لها : لا تقولي لأحد . . إذا سمعت أحدا يذكر اسمي فهذا معناه أنك أنت التى تكلمت . . أرجوك لا تقولي لأحد 0 وتفهمنا جميعا حالة الطفل وتفطرت عليه القلوب . . وصارت له الحظوة والمنزلة بين البنات . . وذات يوم وبينما كنت أخيط مرة على ماكينة يدوية كان أهل رغداء قد تمكنوا من إدخالها الى السجن بعد جهد كبيروجدته يقول لي :منشان الله شيلي هالماكينه من وجهى لا أحب أن أرى أحدا يخيط . ". . قلت له : لماذا ؟ فبكى . . فجعلت الحاجة تسايره وتلح عليه حتى تكلم وقال : لأن أمي كانت خياطة ٬ وكانت لديها ماكينة تشبه هذه الماكينة التي مع هبة . .

وكانت أمي تضع غطاء صلاة مثلها أيضا وتجلس لتخيط وفي مرة ثانية وكنا ننادي عاثشة بعيشة فقال للحاجة :منشان الله لا تنادونها عيشة . قالت له : وماذا تريد أن نناديها ؟ قال : نادوها أم
النظارات . سالته : ولماذا ؟ قال : لأن أمي اسمها عائشة . قالت له : وأبوك . . ماذا يشتغل ؟ قال : عنده مكتبة قرآن بالحاضر . سالته :أين ؟ فوصف لها المحل وصفا دقيقا كأنه يراه فازددنا تأثرا عليه وتعاطفا معه . . وجلس أحمد معنا وهو يبدع يوما بعد يوم على غير كل الأولاد . . كان ولدا عبقريا بالفعل . . لا توجد طبخة ولا خياطة ولا شغلة إلا وتعلمها . . وكان يؤذن أجمل أذان ويتلو القران أحلى تلاوة . . واذا دعا بعد الصلاة يقول : اللهم أنزل قنبلة على سجن تدمر! وسمع المقدم موفق السمان مدير السجن بقصة الفتى ٬ فلما التقآه عطف عليه وصار يأخذه معه إلى البيت فيحممه ويدلله أيما دلال ٬ وكان للمقدم بنت وصبي متقاربان في العمر مع أحمد ٬ فصار يأخذه معهما إلى المسبح ٬ ووضع له سائقا خاصا ليتنقل به بين السجن والبيت ٬ وأخذه مرة إلى المحل الذي يشتري منه احتياجات بيته ٬ لكن الولد تعلم على المكان فصار يذهب إلى البائع وحده يقول له أعطني كذا وكذا على اسم العقيد ٬ ثم يضع هذه الأشياء بصندوق ويذهب إلى محطة القطار فيبيعهم فيه ويرجع إلى السجن عندنا ٬ فإذا حضر المقدم يسأل عليه رآه بيننا ٬ وإذا غاب عنا نظنه عند المقدم . . حتى إذا حان اخر الشهر وجد المسكين فاتورة كبيرة عليه لم يدر من أين  ٬ فلما استعلم أخبره البائع أن أحمد كان يشتري على اسمه . . فسكت !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أبو الوليد في 2011-07-06, 20:02:04
تابعت الفصل الأول وسأكون معكم بتتمة الأجزاء مع صمتي بما قرأت !!!
جزاك الله خيراً أختي الكريمة
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:04:34
تابعت الفصل الأول وسأكون معكم بتتمة الأجزاء مع صمتي بما قرأت !!!
جزاك الله خيراً أختي الكريمة


أهلا وسهلا بك أخي أبا الوليد ... نعم أعلم سر صمتك فما يقرأ هنا جَلل جَلل ...!!
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:17:15
شخصيتان . . وصفعتان !

وانتشر صيت أحمد وذاع حتى بين الأهالي ٬ فصاروا إذا حضروا لم يغب نصيبه من الهدايا ٬واذا انصرفوا تنافسوا من سيأخذه ليزور عنده . . وصار أحمد حكاية وتنعم إلى حد البطر . . وصار إذا قالت له واحدة منا : لم فعلت هذا؟ رعف بسرعة وأغمي عليه وأخذمع الأيام يحب أناسا ويكره اخرين ! ولا يتورع أن يرمي العداوة بين واحدة وأخرى وتكشفت له قدرات رهيبة في هذا السياق . وذات مرة لم يعجبه في عائشة شيئا ما فمضى إلى الشرطي وقال له : عيطت علي . فانفعل الشرطي حنوا على الولد وقال لها : إذا تكررت الحادثة مرة ثانية فسأمنع عنك الزيارات ! وكأن قلبها كان دليلها بالفعل ٬ فلقد قالت لنا مبكرا إن لهذا الولد شخصيتان . . وهو غير طبيعي . لكن الأمورلم تتكشف حتى ظهيرة يوم كان مقررا أن يذهب أحمد فيه ليزور أقارب للحاجة في حمص ٬ وبينما كانت الحاجة تلبسه البوط الجديد وقد أجلسته في حضنها وقف أحد الشرطة في الخارج ونادى : سمير جفان . فما وجدنا الولد إلا وقد تفجر الرعاف من أنفه وأغمي عليه . . فقالت له الحاجة مستغربة : على من كنت تصيح ؟ قال لها : ألم تري كيف وقع صاحبكم على الأرض ؟ قالت له : لماذا ؟ قال : هذا ليس اسمه أحمد . . هذا اسمه الحقيقي سمير جفان . . ألم تروا صورته قبل مدة في التلفزيون ؟ وتذكرنا وقتها أنهم أعلنوا بالفعل عن ولد ضائع وعرضوا صورته ورأيناها ٬ ولكن أحدا لم يخطر على باله وقتها أنه هو نفسه . . وتذكرنا كذلك أنه عندما رآها حينذاك أسرع فأطفأ التلفزيون وكأنه يلعب " وبين الحيرة والعجب جعلوا يغسلون له وجهه والدم يدلق من أنفه دلقا ٬ ثم لم نجد إلا رجلا كبيرا في السن يقف على الشبك وهو يبكي ويطرق رأسه عليه . . فعلمنا أنه أباه ! وهنا دخل الشرطي فأخذ الولد للمقدم ٬ فلما ساله : من علمك أن تقول أن اسمي كذا وتدعي بأن أهلك استشهدوا في الأ
حداث ؟ قال له : هبة . قال له : أكيد هبة ؟ قال له : نعم . . أنا ما الذي يدريني ؟ هي كانت تعلمني وتقول لي إحك كذا واعمل كذا . ولم أجد إلا وقد ناداني المقدم لمقابلته ٬ ومن غير أن أعي ما الذي يجري نزل بي بهدلة يقول : الله لا يعطيك العافية . . تريدي أن تسيئى إلى سمعة الدولة . . أنت حاقدة . . لئيمة . . أنا فكرتك غير ذلك . . فقالت له الحاجة مديحة التي تبعتني : طول بالك أبوي . . ماذا حدث ؟ فقال لها : هي تريد أن تنزع سمعة الدولة . . هذه حاقدة . . قلبها مليان . . سالته : لماذ ا ؟ قال لها : هي علمت الولد يقول كل هذا . . . قالت له الحاجة : تعال أقول لك . . كل البنات قربوا صوبه إلا هي لا سايرته ولا شيء .

فردني المقدم إلى مكاني وقد ازداد تعجبه وحيرته . . وعادت الحاجة معي تهدئ من روعي . . فلما قابلت الشرطي أثناء رجوعنا سالته أن يشرح لها ما الذي يجري . . فقال لها : هذا
الولد يخرب بيته . . عمال يلعب علينا كلنا كبيرنا وصغيرنا ويدعي اليتم وهو له أهل . . وأضاف : وهذه أمه وهذا أبوه المسكين يقولان الآن بأنه يعمل فيهم مثل هذا الفصل بين كل فترة وفترة . . فيهرب من البيت ويختلق القصص الغريبة ليخدع بها الناس !

وهنا اقتاد المقدم الولد إلى غرفة التحقيق وساله بحضورأبيه عمن علمه ذلك حقيقة ٬ فاعترف الولد أنها فعلته وحده وأنني لم أعلمه أي شيء ٬ فما تمالك المقدم نفسه وصفعه من الغيظ صفعتين على وجهه كادتا تقضيان عليه . . ومع ذلك فلم يغير الولد من تصرفاته أو يبدي ندما ولا اعتذارا . . ومضى مع أهله يقدم رجلا ويؤخر أخرى ونحن كلنا كأننا في مشهد من مشاهد الأفلام السينمائية بين مصدق ومكذب !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:19:34
إ فـــــــــــــــــــرا ج

كان عام 84 قد انتصف وانسلخت من العمر سنون وشهور ما عدنا نبالي حتى بعدها . . وكان يوما عاديا كمئات من أيام السجن المملة غيره يوم أن دخل أبو مطيع مدير السجن علينا فجأة وصاح على باب المهجع : إيمان ت .إيمان ق .عائشة ق . حليمة . . فلما التفتن إليه وتقدمن يستطلعن الخبر ألقى إليهن العبارة كالقنبلة وقال هيا . .جهزن أنفسكن . . إفراج ! لم تستوعب البنات العبارة بادئ الأمر . . وظن أن ثمة خطأ ما . . في النقل أو في التلقي . . فلما عاد وأكد ما قال احتبست الكلمات واختلجت في الصدور القلوب . . ولم تلبث أم شيماء وايمان أن ردتا دامعتي العينين : لا نخرج إلا مع كل السجينات . . وتقدمت إيمان فجثت عند رأسي وكنت لا أزال مريضة وقتها وصارت تبكي وتقول لهم : لن أخرج إلا أن تخرجوا هبة معي . فقال لها أبومطيع : بإمكانك أن تبقي هنا على الرحب والسعة لولا أن الأمر أتى بالإفراج ٬ لكن بإمكانك أن تخرجي وتجلسي تنتظرينها على باب السجن ماشاء الله ! قالت له : لا لن أخرج . . لن أخرج . .

ووقفت أم شيماء تبكي من جهتها وتقول لي : كيف سأخرج وأنت لا تزالين هنا ؟ وأخيرا لم يجد إلا أن يسحبهما سحبا وهما تحاولان التشبث بالشبك وبالقضبان ولا تكفا عن النحيب حتى خرجتا . . وعلمنا بعدها أنهم أخذوهن إلى أمن الدولة في البداية ثم أفرجوا عنهن من هناك وما عدت رأيتهن بعدها . لكن خروج هذه الدفعة ثم الإفراج عن سناء بعد أسابيع قليلة وبمناسبة الحركة التصحيحيئ فيما أذكر أحيا فينا الأمل ٬ وظننا بأن باب الفرج قد فتح وأن أيام خروجنا قد دنت أيضا . . غيرأن الأيام التالية كذبت ظنوننا . . فمات الأمل من جديد . . وعاد مزيد من السجينات يفدن علينا دفعة وراء دفعة ٬ فيحرك فينا الألم الراكد ٬ ويزيد فينا الشعور بأنها حياة ها هنا بين المهاجع والزنازين إلى الأبد !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:22:00
في السبعينات وأحرقوا لحيته !

كانت أم خالد أمية أ . وأم زهير أ . قد أمضيتا عاما كاملا في سجن التحقيق العسكري بدمشق قبل أن يأتوا بهما إلى قطنا أواخر عام ٬ 84 لكن كلتيهما كانتا قد فقدتا أحب الأحباب من  عائلتيهما وعانتا في سبيلهم الكثير . وأما أمية فهي ابنة عالم شهيرمن علماء دمشق هو الشيخ أحمد أ . الذي استشهد اثنان من أبنائه (علاء ومصطفى) واعتقل الثالث والأكبر (شهاب ) ويقال أنهم أعدموه بتدمر فيما بعد . . ولقد تم اعتقال أفراد العائلة كلهم مرتين أو ثلاث بما فيهم إحدى حفيدات الشيخ أحمد الطفلة شيماء وكان عمرها سنتين فقط ٬ فيما كان الشيخ أحمد في السبعينات من عمره ! ولا أزال أذكر كيف قال الرائد عبد العزيز ثلجة في التحقيق : انظري . . هذا الشيخ أحمد عامل حاله شيخ أنا أحرقت له لحيته بالنار ! وكانوا قد اعتقلوهم أول مرة ثم أطلقوا سراحهم ٬ فلما استشهد ولداه أعادوهم إلى الإعتقال ! وأما أمية فقد نالت نقمة مضاعفة مرة بسبب والدها وإخوتها والثانية بسبب زوجهاوهو طبيب من حلب اسمه صالح خ . اعتقل
قبل أن نعتقل نحن بعام كامل بتهمة التعامل مع الإخوان ومدهم بالمال ٬ وفي البداية اعتقلوا ابنهم معه وكان عمره 16 سنة فقط ثم أطلقوا سراحه لاحقا على أساس أن يتعامل معهم ٬ لكن أمه هربته إلى تركيا مباشرة لتنجو به ٬ فلما عادت تم اعتقالها ٬ وبقيت قرابة العام في سجن التحقيق العسكري قبل أن تنقل إلى قطنا . وفيما تم الإفراج عن أم خالد بعد بذل وساطات كبيرة
في العام التالي ٬ فإن زوجها لم يخرج إلا بعد خروجنا بأكثر من عام . ولا أزال أذكر أنها لما دخلت المهجع في قطنا ورأتني أمامها شهقت وهي تقول لي : أنت هنا ؟ ألم يرموك من الطائرة ؟
قلت وقد تملكني الدهشه . ماذا ماذا تقصدين : قالت : سمعنا والله أنهم رموك من الطائرة وبكينا عليك وقتها أشد البكاء إ! وأما أم زهير التي كانت في الأربعينات من عمرها فقد استشهد أخواها أيضا مع بدايات الأحداث في مواجهات مع المخابرات بدمشق ٬ وصارت لهما شهرة وصيت وقتذاك ٬ وكا نت أم زهير قد ذهبت لتأدية فريضة الحج بشكل عادي ٬ فلما عادت اعتقلوها أيضا من غير سبب واضح ٬ وأمضت قرابة السنة في سجن التحقيق . العسكري قبل أن ترافق أم خالد إلى قطنا وتخرج معها عام 85
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:22:51
سنوات عجاف

كانت ثلاثة أيام وحسب قد مضت على زواج السيدة ابتسام ع . من زوجها الطبيب الذي يؤدي خدمته الإلزامية في اللاذقية حينما تم اعتقاله وشقيقه لسبب لا تعرفه ابتسام إلى اليوم . . فبذلت المسكينة وعائلتها الكثير من النقود ووسطوا وهم من عائلة معروفة في اللاذقية الوساطات الكبيرة حتى تمكنت من زيارته في تدمر خمس دقائق فقط لم تكن كافية حتى لتلتقط أنفاسها وهي تراه بحالة من التعذيب والهوان مزرية . . وبعد أقل من شهر واحد على تلك الزيارة وجدت ابتسام نفسها مكبلة الأيدي ٬ يقتادها عناصر المخابرات العسكرية إلى فرع التحقيق العسكري في اللاذقية ثم إلى الفرع الرئيسي في دمشق . . لتمضي سبعة أو ثمانية أشهر من الضياع هناك قبل أن تحط بها الرحال بيننا بعد بضعة أسابيع وحسب من وصول مجموعة أمية ٬ فتمضي معنا من غير ما سبب تعرفه بضع سنوات عجاف ٬ وأما الزوج فظلت أخباره منقطعة عنها حتى بعدما خرجت من السجن ٬ وكان اخر ما بلغها من أنباء تسربت عن حالته المؤلمة أنه أصيب بالسل ٬ ونقل من مهجع كان فيه في سجن تدمرإلى مكان مجهول !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:23:58
شو الك بالقصر

لم تمض أسابيع قليلة من وصول ابتسام حتى أطلت ضيفة جديدة علينا هي أمل ل .قادمة من سجن الأمن السياسي بحماة . وكانت أمل قد خرجت أثناء الأحداث إلى الإمارات حيث يقيم إخوة لها هناك ٬ فلما عادت عام 85 لزيارة أهلها وبلدها ألقوا القبض عليها في المطار واقتادوها مباشرة إلى الأمن السياسي بحماة ٬ وتم تعذيبها هناك بشكل قاس لتعترف بعلاقاتها التنظيمية وبأحوال إخوتها الملاحقين ونشاطاتهم ٬ ولقد حدثني زوج عمتي وكان وقتها في السجن نفسه أنهم كانوا لا يستطيعون النوم عند سماع صوتها في التعذيب وبعد ذلك نقلت أمل إلى قطنا وظلت هناك حتى خرجت معنا بعد قرابة خمس سنوات . . ورغم ذلك وعندما انعقدت لجنة النظر في أمرنا في الفترة الأخيرة برئاسة حسن الخليل رمقها من عليائه بنظرة امتهان وقرف وهو يقول : شو إلك بالقصر . . مبارح العصر وجاية لتطلعي معهم !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:27:23
الطفلة العجوز !

وانقضت أسابيع قليلة أخر . . وحضر ضيوف جدد لينضموا إلينا في رحلة الشقاء . . وكأن هذا الوطن ضاق بالصالحات فما عاد يرى لهن مكانا فيه إلا هذين المهجعين المتكدسين ! كانت القادمتان هذه المرة أختين شقيقتين من حلب أولاهما رغيدة ق . وهي مدرسة تربية إسلامية والأخرى عائشة مدرسة لغة انجليزية . ولقد ابتدأت حكاية الأختين المنكوبتين حينما لوحق زوج رغيدة وهو مهندس ولها منه ولدان وبنت وانقطعت عنها أخباره ٬ ثم لم تلبث وأن بلغها نبأ استشهاده في دمشق ٬ فلم تجد من وسيلة لإعالة أسرتها إلا أن تذهب إلى السعودية  وتتعاقد هناك كمدرسة ٬ وذهبت معها أختها عائشة وزوجها ٬ وأمضوا هناك بضع سنين قبل أن يقرروا العودة لأول مرة وزيارة الأهل والبلد وحضور زفاف واحدة من بنات أخيها . . وحملت الأسرتان أفرادهما في سيارة جيمس مليئة بالهدايا والتحف النادرة وبجهاز كامل للعروس . . فلما وصلوا حدود درعا أوقفهم أمن الجمارك فهالهم ما معهم من متاع ثمين ٬ ولم يلبثوا أن غابوا عنهم لحظات ثم عادوا يخبرونهم بأنهم مطلوبون لمخابرات أمن الدولة . . فأخذوا السيارة بما فيها واقتادوا الأختين والزوج إلى سجن كفر سوسة ٬ وأرسلوا وراء أهلهم فسلموهم أولاد عائشة التسعة وابناء رغيدة الثلاثة ! وفي كفر سوسة لم يتورع المحققون هناك عن تعذيب الأختين رغم أن عائشة كانت حاملا في شهرها السادس أو السابع ٬ وكان من المضحكات المبكيات أنهم
أرادوا من رغيدة معلومات عن زوجها الذي استشهد قبل سنوات ! ثم لم يلبثوا وأن اتهموا كلا الأختين بالتنظيم . . وبعد شهرين من المعاناة والعذاب حولوهما إلى قطنا . .

فلما  وصلتا كانت عائشة في شهرها التاسع وقد سلم الله لها الحمل . . ولما دنا ميعاد الولادة رجونا المقدم مدير السجن أن يسمح لرغداء س . القابلة أن تأتي لتزور الليلة عندنا من
مهجعها الثاني . . فوافق دون أن يعلم السبب . . وظلت رغيدة تعاني ألم الطلق حتى ولدت مع تباشير الفجر بنتا سمتها تسنيم . . ولا أزال أذكر أنها كانت صباحية العيد الكبير . . فلما جاءت المولودة أحسست حينما نظرت إليها أن شعر رأسي قد وقف من كثرة ما كانت هزيلة مجعدة الجلد كعجوز في اخر العمر ! وبقيت رغيدة معنا إلى اخر فترة فيما خرجت عائشة قبل انتقالنا إلى دوما . . وأما زوجها فلم يخرج إلا بعدنا بشهور . .

وعندما طالبوا بالسيارة وما كان فيها ورغم وساطات وسطوها لذلك فإنهم لم يحصلوا حتى على جواب !
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:28:06
الشيوعية الغامضة !

وفي تلك الفترة وضمن النزيلات الجدد حضرت ذات يوم سيدة من التل اسمها هند قهوجي وهي ابنة عمة فاديا لاذقاني ومسؤولتها وزعيمة في التنظيم الشيوعي . وهند مهندسة متزوجة لم تكن قد بلغت الثلاثين بعد ٬وأغلب الظن أن زوجها كان معتقلا كذلك  ،لكننا لم نعرف كيف اعتقلت بالتحديد فقد كانت في المهجع الثاني وكانت غامضة وكتومة . وقد خرجت مع بقية الشيوعيات في دفعة واحدة بعد الإفراج عنا بعدة أشهر .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:28:46
نزيلات تدمر !

كان سجن تدمر حتى ذلك التاريخ كالقبر المقفل . . الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود ! فلما خرجت مجموعة من النساء منه وقدمن إلينا كانت حادثة أشبه بالمعجزات وسرعان ما بلغنا أن سبب إحضارهن هو انتشار السل والجرب هناك ٬ إضافة إلى الإنتهاء من بناء سجن جديد دشنوه لخدمة الوطن هو سجن "صيدنايا! ولهذه الأسباب قاموا أولا بتصفية المعتقلين لديهم ٬ فأعدموا الذين قرروا إعدامهم ٬ ونقلوا بقية من يريدون الإبقاء عليهم وجرى نقل النساء إلى قطنا ضمن هذا السياق وتجميعهن في نفس المكان . وضمن السياق نفسه وصلت خمس نسوة إلينا في دفعة واحدة فيما تم التصرف مع بقية النساء المعتقلات هناك بطرق مختلفة .
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-06, 20:31:34
مأساه "أم حسان"

كانت ثلاث من القادمات من أسرة واحدة : أم حسان خديجة س . التي كانت في الخمسينات من العمر ومعها ابنتاها سلوى ويسرى ح . وكان زوج أم حسان ووالد البنتين قد شارك في إيواء مجموعة من الملاحقين في بيتهم بحماة قبل الأحداث ثم قدم الأب ابنتيه عروسين لاثنين راقا له من هؤلاء الشباب ٬ فلما قامت الأحداث واجتيحت حماة خرجت العائلة إلى القرى المحيطة نجاة بأنفسهم مثلما فعل ألوف الناس وقتذاك لكن يسرى إحدى البنتين اثرت البقاء وزوجها في قاعدة ثانية مع مجموعة من الملاحقين  الآخرين ٬ غير أن أمرهما اكتشف وداهمت المخابرات المكان فقاومت المجموعة لفترة تمكن زوج يسرى خلالها من الهرب ٬ فيما قتل شاب كان معهم اسمه أبو خالد ٬ روت يسرى أنه كان مصابا بشلل نصفي من قبل ٬ وأصيبت في الإشتباك زوجته ليلى ب . وابنته التي لم يتجاوز عمرها  20 يوما ٬ وتم في النهاية اعتقال يسرى وليلى فيما لفظت الطفلة أنفاسها دون أن يعنى بأمرها أحد . وسرعان مما اضطرت يسرى أمام وحشية المحققين والجلادين أن تعترف على مكان أهلها في القرية وتدلهم عليها ٬ فاعتقلت أم حسان وسلوى وتمكن الأب وقتها من الفرار ٬ لكن أخت أم حسان وزوجها اعتقلا في نفس البيت ٬ وقيل بأن الأخت وزوجها قتلا نفسيهما بابتلاغ السم في الزنزانة قبل أن يبدأ التحقيق معهما ٬ وأما أم حسان فقد تمكن المخابرات من ادراكها واخراج حبة مماثلة من فمها قبل أن تبتلعها ٬ وجلست المسكينة في السجن موزعة البال بين حالها الرعيب وحال أختها وزوجها وأبنائهم السبعة في الخارج لا معيل لهم ٬ وأبنائها هي البقية فواز الذي لم يبلغ ثلاث سنوات بعد وأمل ونرجس وغزوان الذي دخل صفه السادس حينذاك . . ثم كانت مصيبتهم التالية حينما اعتقل الزوج عام 85 فاضطر غزوان إلى ترك الدراسة والعمل في محل تصليح سيارات
ليقيت نفسه وإخوته ولم يعبث الوالد أن أفرج عنه بعد تعذيب وحشي ليسلم أنفاسه بسبب ذلك بين أولاده بعد أيام ! وكثيرا ما كانت أم حسان وقد اجتمعت على كاهلها هذه الهموم تفقد أعصابها فتصيح في وجوهنا وتقذف ما يصل إلى يديها في كل اتجاه وأكثر ما كانت المسكينة تفعل ذلك يوم أن يأتي أولادها لزيارتها يجر بعضهم بعضا ويحمل واحدهم أخاه أو أخته بالتناوب ليقفوا على الشباك ويستطيعوا رؤية أمهم . .

فإذا ذهبوا ازدادت لوعتها وتفجرت الامها فتراها تلطم خديها وتمضي ساعات وأياما ربما في البكاء . وعندما أفرج عنا وخرجت أم حسان وابنتاها معنا وجدت المسكينة أنهم سرقوا لها الذهب الذي أخذوه منها في الأمانات ٬ وأنهم دمروا بيتهم فى حماة بحجة أنه كان قاعدة للمجاهدين ٬ فلم يجدوا بعد كل هذه الماسي إلا أن يسكنوا بيتا طينيا من غرفتين ضيقتين كان المطر
إذا نزل اخترق السقف الرث وفاض عليهم بلا استئذان !وأما أولاد أخت أم حسان السبعة فلم يجدوا من حظ الدنيا إلا أن يأخذهم بعض المشفقين إلى عمان ليقيموا مع الأسر السورية الملتجئة هناك ٬ ولم يلبث الولد الأصغر المعوق أن مات لانعدام العناية ٬ وأسرع من قام بالإشراف على هؤلاء المساكين فزوج البنتين الكبيرتين يوم أن بلغتا إحدى عشرسنة . . وحسب إ!
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أبو الوليد في 2011-07-06, 21:42:25
اقتباس
وإن شاء الله تقعد قعدتي وما بتصبر صبري . وسبحان الله لم يمر شهر أو شهران حتى قتل هذا الرجل كما بلغنا حادث سيارة . . ودخل المقود في بطنه . . وسمعت أمي بموته قبل أن تموت .

دعوة المظلوم ياظلام ليس بينها وبين الله حجاب ألا تفقهون ؟؟!!![/size]
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-27, 17:20:37
وكانت أيضا لي خمس دقائق أو يزيد عنها بقليل  يا بسمة .... وأي دقائق خمس كانت !!

أسمعتِني صوتها يا بسمة ...

نعم سمعت صوتك حقا حقا يا هبة .... لطالما خاطبتك على هذه الصفحات في سطور يا هبة عقب كل جزء كنت أقرأه ويقرأه معي الإخوة هنا، عقب كل عذاب كنت أتلوى من كلماته بينما تلويت من لسعاته ....

كنت أخاطبك وكأني أسمِعك كلماتي وكأنك تسمعينها مني ....ولكأن نفسي تهيئ لي أنّني أواسيك ...أنني أصرخ بك أنْ يا هبة أنا أسمعك، أنا أراك، أنا أحس بما تحسين ....أنا أتعذب لما تتعذبين ..... حتى سمعت صوتك حقا عبر بسمتين  emo (30): emo (30):... عبر "بسمة" وعبر بسمة الأمل في غد مشرق كانت تشقشق قرب شمسه في سماء كلمات تبادلناها أنا وأنت وبسمة .... emo (30):

بسمة كعادتها تقفز بمفاجآتها الحلوة الحية الناطقة ..... : أسماء .... لسَّاتكن ما حزرتو شو اللقاء ومع مين اللقاء يلي حكيتلكن عنه ؟ ::)smile:

أنا :آه صحيح والله عندنا حزيرة ولسة ما عرفنا حلها ....

بسمة لا تتأخر وتسارع بتمرير الخلوي إلى المفاجأة  ::)smile:

أنا :  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المفاجأة: وعليكم السلام ورحمة الله ، كيف حالك؟... بخير؟

أنا: الحمد لله ، من معي؟

المفاجأة: خمس دقائق وحسب ............!!


يا إلهي ...لقد فهمت، ولكنني لا أريد أن أفهم .... لا أصدق، كيف؟؟ فاستفهمت عن الاسم بعد العنوان لأتأكد أنني لا أهذي ولا أتخيل

فقالت: هبة الدباغ معك ....

وكانت المفاجأة حقا بعدما عرفت من تكون هذه السيدة الوقورة التي أكلمها، التي شاء الله تعالى أن أسمع صوتها .... emo (30):


لطالما خاطبتك يا هبة، بعد كل عذابات كانت وكأنها تقتلع مني اللحم والعظم والجلد مع ما يُقتلع منك، كانت تقطّع قلبي مع تقطع قلبك، كانت تحرقني وتقتلني ألف مرة، وأنا أضع يدي على قلبي وكأني أسنده، أحرس فيه شيئا مما بقي فيه، أدعو الله سبحانه ألا أقرأ من عذاباتك ما هو أكبر من الذي قرأت .... ومن عذابات كل أخت رمزتِ لها بالحرفين الأولين من اسمها .........

أنت معي يا هبة ؟ أأسمع صوتك حقا ؟!! وكيف أنت مع بسمة ؟!!

أنا : خمس دقائق يا هبة ؟؟ أية حمس دقائق هذه ؟ لقد كانت عمرا ....

هبة (بما معناه): سيدنا يوسف خرج في نزهة ساعة فإذا هي السنوات والسنوات ...


يا الله .......... سبحان الله يا هبة كانت تلك كلمات سطرتِِها في كتاب فعلت بنا ما فعلتْ .... فكيف بك أنت التي عشتِ تلك العذابات كلها بكل تفاصيلها ؟؟ أمك القوية المؤمنة كم أحببتها..... كانت أمي ....أبوك  إخوتك الذين قضوا على أيدي الوحوش كانوا إخوتي .... ألمك كان ألمي يا هبة

هبة : الحمد لله ... الحمد لله أسأل الله أن نلتقي بالجنة .......

أنا : لقد أنعم الله عليك .......لقد أنعم عليك حقا، وقريبا بإذنه سبحانه ستقرين عينا بتحرر سوريا
هبة: سوريا واليمن وليبيا وكل بلاد الإسلام يا رب

أنا: نعم يا هبة .... نعم  بعودة خلافة إسلامية قريبة تظل كل بلادنا الحبيبة ....... emo (30):
-------------------------------

ولم أكد أعبر بكلمات قليلة عن فرحتي بمكالمة إنسانة عرفت معنى العذاب وكان لها كبير فضل أن عرفنا الكثير من حقائق ذلك النظام الفاسد القامع الوحشي  ما كان أقرب للخيال منه للحقيقة ..... لم أكد أخرج من فرحتي بسماع صوت تلك التي أودعت السجون تسع سنوات متتاليات استفتحتهنّ بدعوة لخمس دقائق وحسب لا تزيد عنها المدة، فإذا هي السنوات التسع العِجاف من الإنسانية، السِّمان بالتجربة الثقيلة العظيمة التي تعطي منها هبة وتمد وتلهم بها وتعلّم .........

وهكذا وأنا في غمرة فرحتي بسماع صوت هبة التي رافقتنا كلماتها عبر هذه الصفحات أخبرتني بسمة أن بمعيتهما أيضا أم اليمان تلك التي كانت لها مع نظام البعث أيضا حكاية ورواية .......... فأجبتها من توي : أنت إذن قريبا مدرسة ثورية يا بسمة .........

يا الله ... ما أجمله من جمع، ما أنفسه من جمع يلهم الدرس والعبرة والعظة ويعطي لمن يعيش الحياة معاني لم يعشها، ويعلمه أشياء لم يتعلمها في كل المدارس التي تقلّب فيها، ويعطيه من الحكمة ما قد كانت لهم فيه دُربة فتقلبوا مع تقلبات الحياة وآلامها  حتى فازوا أخيرا بالزبدة منها وألقوا بعيدا بالزَّبَد .....

هبة الدباغ، أم اليمان .... أم (........)  (نسيت الكنية يا بسمة).... أنتن مدرسة بحق .....
كم أنت قوية يا هبة.... كم ألهمتِني قوة بكلمات كتبتها من لذع السوط، ومن هزّ أسلاك الكهرباء، ومن تخشّب لوحة التعذيب، ومن وقع فاجعتك في أقرب أقربيك وأنت السجينة المعذبة الملوّعة .....

كم وكم ............ كم سعدتُ بسماع صوتك يا هبة  emo (30):

فجزيت خيرا يا بسمة  emo (30):




العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: Al-Muslim في 2011-07-28, 09:58:08
عندما علمت بالخبر بالأمس، حقاً لم أصدق! يا سبحان الله.. هنيئاً لك يا أسماء.. أكرمك الله بالحديث معها، بعد أن اجتهدت في نقل فصول روايتها ومعاناتها بإحساس عميق وانطباعات وصلتنا صادقة مؤثرة، تضيف مزيداً من الشحن العاطفي للمشهد الذي عشنا فيه مع كلمات تلك الأخت العظيمة الصابرة المحتسبة أياماً ما أحسسناها إلا تسع سنوات قضيناها في غياهب الظلم والقهر والبغي والفساد، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

بانتظار من قضت معها 45 دقيقة لتدخل وتحكي لنا ما دار بينهما (عيني عليكي باردة يا بسمة).
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: بسمة ذياب في 2011-07-28, 11:13:37
يا سلاااام :-) والله يا جماعة الخير مفلوزة ( يعني انني مصابة بالإنفلونزا ) منذ عدة أيام فلم أستطع الدخول هنا... وها قد وجدتكم :-)
طيّب " من الآخر " !
ولأن السلام أمانة : هبة الدباغ حمّلتني سلامها لهل الأيام الحلوة، وبالاسم ل " أسماء " الجزائرية و ل " هادية أم عبد الهادي "
و " المسلم " السوري :-) .... هذا ما قالته وهي تسلّم عليّ مغادرة المجلس.
أما المجلس فجمعني بها فقط لثلاثة أرباع الساعة أمس عصراً في بيت صديقة مشتركة ( ام اليمان ) وكانت هناك ضيفتان أخريان. أما الموضوع فيعود لحوالى ثلاثة أشهر حيث في أجواء المدرسة وفي خضمّ الأحداث أنقل لزميلاتي بعض حوارات المنتدى، وطبعا كان كتاب " خمس دقائق وحسب وهبة الدباغ " موضع حديث فإذ ب " أم اليمان " وهي متخصصة في التاريخ تقول بلهجتها الحموية ... إيه إيه بسمة هاي هبة صاحبتنا !!
لكم أن تتخيلوا وقع المفاجأة عليّ .... شو ؟! يعني متى آخر مرة شفتيها فيها وهي وين أصلاً ؟ وإذ بي اكتشف أنها مقيمة في عمّان فلم أصدّق الخبر!... وهكذا كان الاتفاق ان تتصل صديقتها بها وقد رجوتها توصيل عنواني الإلكتروني وهاتفي إليها وأن تخبرها بنشاط المنتدى وبأسماء الناطقة الإعلامية باسم الثورة السورية :-) وووووو وإن كان ممكناً ان تزودني بهاتفها. لكن مرت عدة أيام  قبل أن تعرف زميلتي أن هبة سافرت ولاتعلم متى ستعود ..... يااااه يا خسارة...
كنت قد حدّثتكم عن أم اليمان وكنت على وشك أن أقول أن انتظروا مفاجأة ... بس الصحيح منيح إني ما حكيت حتى ما يكون الموضوع مثل " الهنا قبل سنة "...
كنت متأكدة ان المسألة مجرد وقت ولكن قد يستغرق ذلك عدة شهور.
وقبل ثلاثة أيام فقط تصلني " المسج " من زميلتي بالخبر الجميل أن هبة في البلد ويمكن ترتيب لقاء. وهكذا كان أمس لقاؤنا.
دخلت لبيت زميلتي وكانت إحدى الضيفات التي تعرّفت إليها وبعد نصف ساعة إذ بضيفتين تدخلان وتسلمان على صاحبة البيت بحرارة، وقفت لهما لكن أيهما هبة ؟ فتسارع المضيفة للتعريف بي وما إن جلستا حتى تعرفت إليهما و ... ها أنت يا هبة تجلسين مقابلي...
احاديثنا سريعة ومنفعلة .... ومتداخلة ( بتحصل معي كتير :-) ! ) والمنتدى حاضر من البداية ...
طيّب خلوني أفهم ... شو حكايتكن إنتو .. ومين هدول المنتدى ؟ بهذا المعنى سألت هبة...
فعاد يا جماعة " سيرة وانفتحت " بس طبعا دعونا نبدأ من البداية ههههه فعدت معهن إلى الجذور منذ منتدى عمرو خالد وكيفية تعارف هذه الثلة التي توسعت وانضم إليها آخرون وتغيّب عنها آخرون.
وفي خضم الحديث وهي تتابع باهتمام استأذنتها في الاتصال ب أسماء للتحدث معها فرحّبت بالأمر، ويا الله محاولة الاتصال الأولى ما زبطت ... يا ربي تردّي يا أسماء ... وينك يا شيخة ... والله وإذ بأسماء تردّ...
طيب تفضّلي احكي ... ( فيما هبة تشير لي أن لا أخبر أسماء باسم الضيفة فقلت لها طبعا منّك إلها ) ... أسماء بدت مترقّبة بس يعني مش كتير!
نظرت إلى الأخريات وقلت لهنّ : الآن ستسمعن أسماء فصوتها لابد سيصل إليكنّ لفرط حماستها ... فتابعن المكالمة بمساعدة ردود فعل هبة وصوت أسماء المتحمس. دقائق وإذ بالاتصال ينقطع! آه أدركت أن الرصيد قد نفد! فقلت لهنّ والله ستتصل الان أسماء ولم أكد أكمل جملتي فإذ بها تفعل ... فوضعتها على " السبيكر " ليكون الحديث جماعياً ...
كم تأثرت هبة والموجودات بهذا اللقاء ولشعورهن بصدق الشعور الذي " لمّ الشامي عالمغربي "...
قضينا الدقائق التي مرت سريعا في استعراض اجواء الثورات، وبعض مشاهد أيام الاعتقال. واستذكرنا بعض المواقف الطريفة التي تنتزع الضحكة من قصص ايام المعتقل على مرارتها!
أخبرتها أن أسماء قد ألّفت كتاباً على كتابها وأن اهل المنتدى العرب متفاعلون وان الوعي موجود حتى قبل الأحداث لكن سخونة المجريات هي ما فتح الملفّات القابعة في الدهاليز.
عبّرت هبة عن مدى الإحساس بالمعتقل حتى ولو كان المرء خارج أسوار السجن، فالحذر والشك والريبة هو ما يطبع شعور الشعب... لكن الجميع أجمع على ان الصنم قد انكسر... وأن لا رجعة للخلف.
تنظر في ساعتها بعد أن تلقت مكالمة فعليها التزامات وزوجها ينتظرها... نهضت وهي تعتذر لقصر اللقاء واتفقنا أن لابد من لقاء آخر على رواء قريبا إن شاء الله :-)
أبلغتني تحياتها للمنتدى ولأهله اللي استغبناهم  فسلمت على ثلاثتكم بالاسم.
خرجت الضيفتان وبقيت مع زميلتي لحوالى ساعة ... فالحديث ذو شجون ... ويا الله على مشوار الترويحة كم كان مشحونا بأجواء اللقاء ... وكم كان ليل أمس جميلاً وأنا أستعيد صورة هبة التي بدت في صحة نفسية جيدة. ذكريات حزينة لكن الأمل موجود والحياة تستمرّ، وكما قلت لها : بالتاكيد مرت عليكنّ اوقات كنتن تتخيلن ان معاودة الحياة بأمان والاجتماع بالأحبة ربما تكون خيالاً، ولكن كان لابد من المحنة كما قدرها رب العالمين ليكون الخطاب ذا مصداقية وتكنّ حاملات لرسالة...فمهما كنا نحن الآخرين متفاعلين ومهما كان الناس يتحدثون وينشرون ويدعون فلا مقارنة مع صاحب التجربة الذي عايش بنفسه المحنة...
جلسة أمس أثارت المل وأحيت الهمة ... فالحمد لله رب العالمين.  

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2011-07-28, 14:28:05

يا الله

يا لها من مفاجأة سارة

بعد غياب طويل قد يتكرر لبعض الوقت أردت أن يكون أول رد هنا

يا بختك يا بسمة ويا أسماء بلقاء هذا المجاهدة الصابرة القوية العزيزة

ياه يا أسماء شكرا على المسج الذي جعلني أدخل وأقرأ هذه الكلمات

والآن صار عنا متحدثة الثورة السورية أسماء

ومدرسة الثورة بسمة :) سلامتك يا حبيبتي شفاك الله وعفاك


أقر الله أعيننا بنصر قريب
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-07-28, 15:02:45
مسلم وبسمة وسيفتاب ... سعدت جدا بكلماتكم جميعا ... emo (30): أدام الله علينا نعمة الأخوة فيه، وأغدق علينا من خيرها وبركاتها

سيفتاب افتقدتك، ونورت المنتدى بعودتك  emo (30):

ياااه يا بسمة .... الحمد لله أن وضعتِ ما وضعت فأجبت به عن الكثير الذي تمنيت لو أنني سألته هبة، تمنيت لو أعرف حالتها النفسية، لو أعرف شعورها ومعنوياتها إزاء ما يحدث .... تمنيت لو سمعت منها أكثر، فقط أسمع لا أتكلم وإنما فقط أتعلم منها ....تمنيت أيضا أن أعرف تفاصيل وصولك إليها بعدما كانت هبة كلمات نقرأها في كتاب  emo (30): .... سبحان الله كيف وصل الأمر إلى أن سمعنا الصوت !هي نعم الله ومشيئته وقدره، لا شيء في الحياة صدفة، بل كل شيء عنده سبحانه بقدر .... وما أجمل تتبّع خطوات القدر من الأصل وحتى الحصول .......التتبع أيضا نعمة من نعم الله تعالى ..... emo (30):
هنيئا لك يا بسمة تلك الجلسة...

تحدثت مع شقيقي (أبو بكر يا بسمة emo (30):) عن هبة ليلة البارحة، وعن مكالمتها، -وطبعا سبق وأن حدثته عن كتابها هذا- فقلت له في معرض حديثنا :لو أننا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم كنا نعرف من نجلّ ومن نقدر ومن نرفع مقاما لكان حالنا خير حال، لو عرفنا أن من يستحق التبجيل والتقدير هم علماء أمتنا، وعظماؤها من مجاهدين صابرين من أمثال هبة وأخواتها وإخوتها الكُثر الذين غُمط حقهم الدنيوي مرتين، مرة وهُم في غياهب السجون والطليق الحر لا يدري عن عذاباتهم شيّا،ولا يبحث عن أسرار لهم سربها من سربها من أمثال هبة بكتاباتها، ومرة حينما أطلق سراحهم فبقوا في الظل، ولم نخرجهم ولم نأخذ بأيديهم ونعرّف الشباب بهم، وبسيرتهم ليكونوا نبراسا وقدوة ومَعينا يلهم قوة وثباتا وشجاعة .....

لم يبقَ لنا بعد الآن، وبعد ربيع ثورات سقوط الأكمة أن نتجاهل أمثال هؤلاء أو أن نغمطهم حقهم، ونغمط الأمة حقها فيهم وفي خيرهم وعلمهم ودروسهم .....

فعلا الحياة مدرسة، وأي مدرسة !!   لا يكفينا أن نعتدّ بشهادة جامعة عالية، بل يلزمنا أن نتعدّى فنبحث عن شهادات منثورة على أديم الحياة تنتظر من يلقفها فيكون صاحبها ....


العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: إيمان يحيى في 2011-07-29, 21:00:36

هو عاجل بشرى المؤمن ورحمة بقلوبكم وتثبيت

هنيئاً لمن جالس هبة ولمن سمع صوتها ولمن ذكرته تحييه
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2011-09-30, 16:42:12
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يا إلهي.. كيف غابت عني هذه البشريات العظيمة... لماذا لم تخبريني بكل هذا يا أسماء؟
هذه أول مرة أدخل هذا الموضوع منذ انقطاعي عن النت في منتصف شعبان
كنت دوما أقرأ اسمه بين قائمة المواضيع التي لم تقرأ بعد، وأتهيب الدخول اليه.. فقلبي لم يعد يحتمل المزيد من الجراحات ومن العذابات
واليوم .. قدرا.. وقد بلغ بي التأثر لموت النقيب احمد خلف وتشييع الاهالي له كل مبلغ.. ثم بعد الاستماع لمحاضرة الشيخ العريفي عن سوريا، والتي فجرت بركان الحزن المخزون لدي... وجدت أنني يمكن ان أقرأ آخر ما خطته أسماء في هذا الموضوع، فلن يكون أكثر مما كان... على أنني نويت الا أقرأ فقرات القصة، وانما فقط مناقشاتكم حولها كما اعتدت.. (وأنا حتى الان لم أقرأ اي فصل من القصة، ولم أفهم بعد سر العنوان) وإذا بي أفاجأ بهذا الخبر الجميل...
وسلام خاص لي أيضا... ما أجملها من امرأة وما أروعها من بطلة صامدة
ترى هل لك من لقاء آخر معها يا بسمة؟
بالله ان التقيت بها مجددا فقولي لها أنني تشرفت بسلامها الذي أرسلته.. وأنني وددت لو كنت حقا قد قدمت شيئا لبلدي لأستحق مثل هذا السلام...
نسأل الله ان يزيح الغمة ويفرج عن الأمة ويهلك الظالمين، ويعجل بنهايتهم...

العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2011-09-30, 17:09:39
 emo (30):

ياه يا هادية وهل أستطيع كتم شيء عنك أنت بالذات ؟وأي شيء هو  emo (30):

في فترة انقطاعك تلك، كتبت لك ملخصا عن الخبر في رسالة عبر الموبايل وتعلمين محمولي الجديد لم يعد يكتب العربية فأضطر للكتابة بالحروف الأجنبية
العنوان: رد: تسع سنوات في سجون سورية...
أرسل بواسطة: أم يوسـف في 2011-09-30, 17:47:28
ما شاء الله

كيف فاتني كل هذا

تنبهت للتاريخ فوجدت أن هذه الاخبار السارة عندما كنت في الأسكندرية مقطوعة عن النت و هي الفترة التي لم استطع حتى الآن متابعة ما فاتني فيها

بسمة و أسماء هنيئا لكما الحديث مع هذه البطلة

يا رب فرج ونصر قريب يسعد قلب هذه المجاهدة و يشفي غليل صدرها وصدورنا