الحمد لله الذي جعل بيته الحرام للناس أمناً ومثابة ، وزاده سبحانه تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله ، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والنجابة ، ومن سار على نهجه والتزم سنته واهتدى بهديه على طريق الحق والإصابة
أما بعد
فأسأل الله تبارك وتعالى ألا يحرمنا من زيارة بيته الحرام ، ومسجد نبيه عليه الصلاة والسلام ؛ فإن زيارتهما تنزل على القلب كنزول الماء البارد على الظما .. كما أسأله تبارك وتعالى أن يقر أعين المسلمين برد المسجد الأقصى إلى أخويه وأن يرزقنا صلاةً فيه عاجلاً غير آجل
تأخرتُ كثيراً عن هذه الزيارة لأسبابٍ خارجةٍ عني ، إلا أنني عدتُ منها (بالإضافة إلى فيوضات الرحمن على زائريه) بثلاث فرحات وألم مُتعلق بفرحةٍ منهم أسأل الله أن يزول سببه سريعاً ، وأحببتُ أن أشارككم إياها هنا مُستأثراً إياكم بها !!
أما الفرحة الأخيرة : فكانت بعد سماع خطبة الجمعة ؛ حيث خطب الشيخ القاضي "صالح آل طالب" (حفظه الله) عن "فضل المسجد الأقصى ومكانته في الإسلام" ، وقال كلاماً ما كنتُ أظنه يُقال من منبرٍ رسمي ولو كان هذا المنبر هو منبر أحد الحرمين الشريفين !! وهذا له دلالته التي لا تخطئها عين المُراقب .. والله تعالى أسأل أن يوفق العاملين لدينه فيما يأتي ، وأن يُكلل جهود أهل الإيمان العاملين للدين بالنصر المؤزر .. وهاكم رابط الخطبة لتحميلها مسموعة ومكتوبة
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?CFID=1061294&CFTOKEN=16893069&do=cms.AudioDetails&audioid=39596&audiotype=khutbah&browseby=khateebaudio
أما الفرحة الأولى : فكانت خلو بيت الله الحرام من التواجد المكثف للشيعة الذي لم يكن يخلو منه وقت ، حيث كانوا يطوفون في جماعاتٍ صياحاً بأورادهم واستغاثاتهم بأئمتهم وبالحسين وبالمهدي ، فيشغبون بذلك على زائري البيت العتيق ، وقد كُنتُ أبتلى بآياتهم من أصحاب العمامات السوداء حولي وأتأذي بأدعيتهم الشركية أيما أذى ، وكان من أكثر دعائي في مناسك الحج والعمرة والزيارة أن يطهر الله الحرمين منهم ، وها قد أقر الله عيني بتطهير بيته الحرام منهم ، وأسأله تبارك وتعالى أن يديم هذه النعمة
أما الفرحة الثانية : فكانت التواجد الكثيف جداً وغير الطبيعي للوفود التركية ، صحيح أن أكثرهم كان من كبار السن ، إلا أن هؤلاء الكبار هم الذين قضوا زهرة شبابهم تحت نير الحكم العلماني الوقح ورأوا بأعين رؤوسهم اضطهاد الإسلاميين والحرب الصريحة على الإسلام وعلى كل ما هو إسلامي ، ولهذا التواجد الكثيف أيضاً دلالاته التي لا تخطئها عين المُراقب .. وقد قدر الله لي أن أحدهم كأنه توسم فيَّ خيراً فسألني عن بلدي ، وعندما علم أنني مصري : شدَّ على يدي وقال لي : ((أنت مجاهد ، ونحن مثلكم ومعكم)) !!!! غفر الله له
أما الألم : فهو متعلق بهذه الفرحة الثانية ، وذلك أن هؤلاء الأتراك لا يتكلمون العربية ولا يعرفون منها تقريباً سوى ما يحفظونه من القرآن ، وربما يستطيع بعضهم قراءة القرآن من المصاحف لكن لا يفهم معناه ولا يفهم غيره من كلام العرب ، حتى صغار السن منهم من الشباب والفتية بعضهم يتكلم الإنجليزية دون العربية ، وإن كانت الظاهرة العامة أن الكثرة الكاثرة لا تجيد إلا اللغة التركية .. وهذا وإن كان طبيعياً بالنسبة للأهوال التي عاشوها تحت نير الحرب العلمانية القذرة على الإسلام في تركيا : إلا أنه يُحَمِّل أبناء الصحوة في بلاد الإسلام عامة وفي تركيا خاصة مهمة العمل الجاد على إعادة تقويم اللسان التركي ليصير عربياً ؛ نصرةً للدين وإحياءً للاعتزاز بلغة القرآن والسنة
واللهِ حقاً وصدقاً : نحن أمة تمرض ، لكنها أبداً لا تموت
فاللهم رُدَّ المسلمين إلى دينك رداً جميلاً ، ومَكِّن لكتابك وسنة نبيك في الأرض
والله المستعان