الفاتيكان وندوة الحوار ..
بقلم الكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية
إنعقدت ندوة الحوار المسيحى الإسلامى فى الفاتيكان من4 الى 6 نوفمبر الحالى(2008). ولفهم حقيقة ما يدور فى المؤسسة الفاتيكانية لا بد من نظرة سريعة لما سبقها من أحداث.. ففى السابع والعشرين من شهر أكتوبر 2008 نشرت مواقع الفاتيكان بيانا ، بعناوين مختلفة حتى لا يبدو انه مقصود النشر، حول اللقاء المغلق الذى سيدور فى الفاتيكان تحت عنوان "ندوة الحوار الإسلامى-المسيحى" ، موضحا أن برنامج ذلك اللقاء قد تم وضعه فى شهر مارس الماضى، أثناء أحد اللقاءات التى تتم دوريا. والمعروف انها تتم بين مجموعة من المسلمين الموالين للفاتيكان، فهو الذى ينتقيهم، وأخرى من العاملين به..
........
وكان آخر هذه الإجتماعات ما تم إنعقاده يومى 24 و 25 اكتوبر الماضى ، فى تركيا، بين المعهد البابوى للدراسات العربية والإسلامية وجامعة مرمرة، تحت عنوان "العلاقات بين العقل والإيمان فى الإسلام والمسيحية". وإجتماع آخر فى مطلع الإسبوع، فى مدينة بروكسل، بمبادرة من مجمع الكنائس الأوروبى ومجلس المجامع الأسقفية الأوروبية، وكان بين الحاضرين الكاردينال جان-بيير ريكار (J.P.Ricard) الذى راح يكرر مطلب بنديكت 16 بعد تلقيه خطاب ال138 مسلما، من أنه يتعيّن على المسلمين أن يسلكوا نفس الطريق الذى سلكه الفاتيكان فى القرنين الماضيين وتطبيق مطالب عصر التنوير، وخاصة ما يتعلق منها بحقوق الإنسان وحرية العقيدة وممارستها علناً!..
والمعروف ان خروج الفاتيكان عن تعاليم دينه وتبرأة اليهود من دم المسيح وإستبعاد المسلمين من نسل سيدنا إبراهيم وفرض تنصير العالم بل والإعتراف بأن الكتاب المقدس من صياغة بشر وليس من عند الله، هى من اهم قرارات مجمع الفاتيكان الثانى الذى كان من توابع عصر التنوير، وكل ذلك مكتوب ومنشور فى وثيقة "فى زماننا هذا" منذ عام 1965 والتى كرر الكاردينال جان لوى توران أكثر من مرة قائلا: "أنها ستكون حجر الأساس للحوار بين الفاتيكان والمسلمين"، وهو القائل قبل ذلك " انه لا يمكن إيجاد حوار مع المسلمين طالما يعتقدون ان القرآن منزّل من عند الله! " ، والتعليق تم نشره آنذاك فى كل الصحف.. فهل سيقوم المسلمون بالخروج عن دينهم وتبديل آيات القرآن الكريم واستبعاد بعضها مرضاة للفاتيكان أو تمشيا مع سياسته الرامية اإلى إقتلاع الإسلام بأيدى المسلمين ؟؟. إن الخطاب الذى وقّعوا عليه يقولون فيه: "قل هو الله أحد الله الصمد" مستبعدين بقية السورة القائلة "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" ، وهى إدانة صريحة من الله عز وجل لفرية تأليه السيد المسيح وبدعة الثالوث إدانة بلا مواربة.
كما أوضح ريكار أن "حرية العقيدة تعنى حرية الإنتقال من ديانة إلى أخرى أو ترك الديانة دون أن يترتب على ذلك أية ردود أفعال"، والمقصود بها حد الردة، وهو كما قال: "موضوع حساس بالنسبة لكثير من المسلمين، لكننى أعتقد أن الإندماج الكامل فى المجتمعات الأوروبية يتضمن هذه الحرية، كما ان مبدأ الحرية الدينية يجب ان تكون له قيمة متبادلة، أى ان توجد فى أوروبا وفى البلدان الإسلامية " ! وهو ما يكشف حقيقة ما يحاك للوجود الإسلامى فى الغرب وكيف ان الإندماج فى تلك المجتمعات يعنى، فى نظر الفاتيكان، الا يتشرب المسلمون عادات المسيحيين وتقاليدهم فحسب وإنما ان يتشرّبوا عقيدتهم أيضا؛ كما يتضمن الإصرار على بناء كنائس فى ارض المملكة السعودية وهو ما يحاول الفاتيكان فرضة عن طريق الدهاليز الدبلوماسية.
......
وفيما بين الثانى والثالث من نوفمبر وقبل بداية ذلك الحوار المغلق نشرت الصحف والإذاعات الفرنسية العامة والمسيحية حوارات وموضوعات تشترك جميعها فى عرض الموضوع وكيف أنه بدأ بالخطاب الذى القاه البابا فى راتسبون وفُهم منه "خطأ" انه سب الإسلام والمسلمين ، فأُصيب المسلمون بالهلع، فتقدم 138 من كبار العلماء بخطاب يناشدون فيه البابا قائلين "تعال الى كلمة سواء ، ولنبحث عن المشترك بيننا" – فيبدو الأمر وكأن المسلمين قد خافوا من ان يتمادى البابا فى كشف "مساوىء" الإسلام فقرروا لمّ الموضوع وترك الخلافات، التى أوضحها الله عز وجل فى كتابه الكريم، ليبحثوا مع الفاتيكان عن المشترك بين الديانتين – ويا للعار !..
ومن المؤسف ان يكون هذا موقف تلك المؤسسة الدينية وتعاملها بوجهين، إن لم يكن بعدة أوجه، فالحقيقة التى تكشفت آنذاك فى مواقعها ونصوصها هى: ان البابا قد قلق من رد فعل المسلمين وطالب الكاردينال جان لوى توران أن يتصرف لمحاصرة الموقف!.. فبدأ باللجوء إلى من يراهم من الموالين له من المسلمين وتمخضت اللعبة عن ذلك الخطاب الفضيحة الذى يقول فيه المسلمون أنهم يعبدون نفس الإله مع المسيحيين ، متناسين أننا نعبد الله الذى ليس كمثله شىء ، خالق الكون بكل ما به، بينما يعبد المسيحيون "ربنا يسوع المسيح الذى تجسد بشرا وعُذب وصُلب وقُبر ونزل فى الجحيم ثلاثة أيام ثم صعد وجلس عن يمين الآب الذى هو نفسه" !. وهو ما يقوله بنديكت 16 فى كافة خطبه واحاديثه، مؤكدا انه لا خلاص لكافة البشر إلا بيسوع المسيح، بل وذلك ما قاله احد اعضاء الفاتيكان فى اول جلسة إفتتاحية لذلك الحوار المنعقد من 4 الى 6 نوفمبر، ولا نملك إلا أن نتساءل هل يعبد المسلمون مثل هذه الفريات المختلقة عبر المجامع على مر العصور والتى لا يقبلها عقل ولا منطق ؟!.
وفى الكلمة التى القاها البابا بنديكت 16 باللغة الإنجليزية، صباح يوم الخميس 6 نوفمبر الحالى، أمام أعضاء الوفدين فى تلك الندوة المغلقة، ونشرتها جريدة "لا كروا" نقلا عن الفاتيكان ، قال بنديكت 16 فى تعريفه للإله الذى يعبده هو وأتباعه قائلا:
" يُعلن التراث المسيحى ان الله محبة (يوحنا 4:16) ومن منطلق الحب خلق الكون بأسره، وبحبه أصبح موجوداً فى التاريخ الإنسانى. ولقد أصبح حب الله مرئيا، متجلّياً كاملا ونهائيا فى يسوع المسيح. وهكذا نزل ليقابل الإنسان، وبينما ظل بكونه الله، إتخذ شكل طبيعتنا. وأعطى نفسه لكى يستعيد الكرامة الكاملة لكل شخص ويجلب لنا الخلاص" ، إذ يقول النص بكل وضوح :
"The christian tradition proclaims that God is Love (1 Jn 4:16). It was out of love that he created the whole universe, and by his love becomes present in human history. He thus came down to meet man and, while remaining God, took on our nature. He gave himself in order to restore full dignity to each person and to bring us salvation"
فهل ذلك هو مفهوم الله عند المسلمين حتى يسكت الحاضرون ويبصمون ؟!..
ولا أقول شيئا عن باقى المطالب التى جاهر بها البابا، من قبيل التأكيد على نسيان سوء الفهم وإجتياز كل الخلافات و حماية الحقوق الأساسية للإنسان كحرية المعتقد وحرية العقيدة والعنف الذى يلاقيه رجال الدين او العنف باسم الدين، فهى بحاجة الى مقال على حدة، فأقل ما كان يجب ان يقال له : إن كان هناك ثمة عنف بإسم الدين من جانب المسلمين فهو يقينا كرد فعل ضد عمليات التبشير والتنصير التى تقودها الكنيسة بهيستريا عبر العالم الإسلامى !
......
ومن مهازل افراد هؤلاء المسلمين، ان يدلى الدكتور مصطفى شريف، الجزائرى، بحديث لإذاعة الفاتيكان تم نشره يوم 6/11 فى موقع الإذاعة يقول فيه بكل مغالطة: "بكل اسف، يعانى المسيحيون على ارض الواقع فى البلدان الإسلامية وخاصة فى العراق" !. وكان الأكرم له أن يتهم ذلك الإحتلال الغاشم السياسى-الدينى، الذى راح ضحيته اكثر من مليون شهيد ومشرّد عراقى، وان يطالب بحماية الفلسطينيين من طغيان الصهاينة الذين عاون الفاتيكان على تأسيس دولة لهم مغتصبة على ارض فلسطين وان يطالب بفك الحصار المميت عن سكان غزة وغيرها، او ان يطالب بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، او أضعف الإيمان ان يذكر ويدين عمليات التنصير الدائرة على ارض الجزائر ذات المليون شهيد !!
ولا يسعنى إلا ان اقول لتلك الحفنة المفرّطة فى دينها جهلا او عن عمد، ان تتقى الله، وأن تقرأ نصوص الفاتيكان الخاصة بالحوار وغيره، لتدرك الهاوية التى يسوقون إليها انفسهم أولا، قبل أن يسوقوا الإسلام والمسلمين،....................
وتختنق العبارات فى الحلق حزناً وألماً على عمليات التفريط والتطبيع التى تُفرض على المسلمين، بأيدى قيادات مسلمة فى شتى المجالات، هان عليها دينها وبلدانها فى زحمة وزخم زحفها لمراضاة الغرب المسيحى المتعصب ومطالبه الظالمة، من أجل حفنة وعود زائلة ..
7/11/2008