(http://farm4.static.flickr.com/3256/3163580248_ba46fec7c3.jpg?v=0)
كانت اللحظات الأولي في بيتي، جلست على مكتبي البيضاوي لأتأكد أني لم أنس كيفية الجلوس إلي أوراقي، فأمسكت بقلمي أتسمع به صوت حفيفه بالورق الذي أيقظ في روحي شعور أني ما زلت “حي” بعد أن تركت الدنيا لشهور في غيبوبة إثر عملية جراحية تلاها مرحلة علاج طبيعي وتكاد الحالة تستقر الآن….. وشعرت بشعور غريب وكأني وليد خرج من ظملة بطن أمه ويفتح عينيه بصعوبة ليرى الأشياء للمرة الأولى ويختبر صلاحية عيناه، ويتسمع الأصوات ببدائية شعور لم تلوثه الضوضاء، وتتسارع أنفاسه بين ذهاب وإياب..بين حضور وغياب… بين موت وحياة… بين وجود وفناء….
حضرني هذا الشعور البكر (قبل أن تتلوث بالشهوات)، الشعور الذي لا تعرفه غير النفوس الراضية والقلوب البيضاء، الشعور بحقارة الدنيا وما تحوي وضآلة ما نتعلق به وحقارة ما نتصارع عليه، حتى أني خفت وشعرت أن مراجعة كل ما جرى ضرورية فمن يدري أن الشهيق الداخل سيخرج وأن الأعمال المكتوبة والكلمات الملفوظة والأشياء المدسوسة في طيات صفحات أعمالي كلها تشهد معي وليست ضدي،، قلت في نفسي لعل يقظتي بعد موتي هي استراحة محارب لا تأتي في العمر كثيراً لنتوقف ونتفهم ونعرف أن الحق والحقيقة مهما بلغ ضعف صوتهما فهما أبقى وأدوم من صخب هذا الهراء وتلك الملذات المحرمة، وأنصع من بياض المتسترين على سوداوية نفوسهم المريضة بالشهوة والممتلئة بحب التسلط والرغبة في الوصول لدرجات أعلى ولو على أكتاف وجثث أبرياء…
وكأن ما مضى حلم فيه ما فيه، وله ما له، وعليه ما عليه، لم أشتاق سوى أن أقرأ (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وأن أتمعن في قراءات الإصلاح، وأن أزيد عقلي مساحات من الفائدة لا مساحات من الفراغ… فالدود سيأكل من الجسد ما سيفني ولكنه لن يستطيع الاقتراب مما جمعناه بقلوب التقوى وعقول البناء وأقلام التنوير وصفحات النور….
وبالطبع لا أنسى فضل أعدائي قبل أصدقائي، فأصدقائي صادقوني الزمان والمكان والكلام، وساندوني الفعل والحركة والمهام، وعلموني ووعوني أشياء لا تدركها غير عيون محبة خالصة، فحقاً الصديق مرآة صديقه، أما أعدائي فلهم شكر خاص فأنت تعرف قيمة نفسك من عدد أعدائك ومن دناوة ما يقومون به، وأما الأسوأ هو ما نحسبه أول الأمر صديقا فيسمع منك وتخرج له ما في قلبك، ثم يكتم عنك في صدره، ثم يأتي في يوم الصدام يستخدم ما سمعه منك عن حقيقة نفسك كقاذفات يقاتلك بها ليرديك صريعا، ويشهر بلحظة ضعف أو عجز صارحته فيها كرصاص يوجهه نحو صدرك يرديك كحيوان ضال إن استطاع…..