بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
((مـــــدمـــن))
يسير بخطوات واهنة..ويلملم بتواضع أطراف ثوبه المرقع.. .يجر قدميه من شدة التعب وتبدو على وجهه علامات الإرهاق
لم يرتكب ذنبا إلا أنه صار مدمنا
كان السبب الوحيد لخروجه في هذا الوقت والشمس قد بدأت تأكل جسده الملتهب بحرارتها القاسية هو أن يبيع ما صنعه بيده التي لا يعلم كيف رفعها وحمل بها هذا الثقل الرهيب
وصل أخيرا إلى التاجر الذي إعتاد أن يبيعه بضاعته ..وفتح فمه بصعوبة وطلب منه الثمن
رفع التاجر رأسه بتكبر ونظرإليه بشراسة وزفر في وجهه بأنفاسه الكريهة وتحدث بغضب حتى بدت أسنانه القذرة كمخالب لوحش كاسر ينهش في وجه من أمامه بها بضاوة ونهم وأخبره أنه لن يعطيه المال إلا بشرط واحد
كان أي شرط هينا في نظره...طالما أنه سيحصل على المال..وكاد أن يهز رأسه موافقا ألا أنه عندما سمع التاجر القبيح يخبره أنه يريده أن يتوقف عن الإدمان سارع بإدارة رأسه وعاد بلا مال...وبلا بضاعة أيضا..لأن الظالم قد سلبه إياها.
إقترب وهو يقدم ساقا ويؤخر أخرى خوفا من أمه التي يحبها وقد صارت قاسية عليه بسبب هذا الإدمان الذي تكرهه...ولا زالت آثار تعذيبها له في جسده تؤلمه...وطرق الباب بأصابعه الواهنة ووقف ينتظرها أن تفتح له الباب وقد هربت منه الكلمات
تسارعت دقات قلبه وتخشب لسانه...فوقت الجرعة قد آن لكنه لا يستطيع الحصول على مبتغاه الآن
فتحت باب عرينها...وبصقت في وجهه فور أن رأته ويداه خاليتان من المال ومن البضاعة وجرته من شعر رأسه وقيدته وأشعلت النار...وبدأت تكويه في جسده مرات ومرات...وهو يبكي بصمت وقد سدت أنفه رائحة اللحم المحترق والدماء الساخنة...وأخيرا وعندما تيأس وقد أطفأ الدهن السائل من جسده وهج الجمرات تركته وأنصرفت وهي تسبه وتلعنه
لم يكرهها...ولم يؤذها...حتى عندما مرضت وأضطر أن يكوي رأسها بالنار
حياك الله يا حبيب رسول الله
حياك الله يا خباب
سنوات مرت على وفاتك ولا زالت نسائم الصبر والثبات على الحق تهب علينا كلما ذكرناك....أي شاب كنت...ومن أي الرجال تألقت رجولتك..وكيف صبرت على النار!!
أدمنت حب القرآن وإتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم وعشقت ترتيله وأحببت حروفه وبحثت عن ورقاته في الخفاء
لم تردك النار...ولم يمنعك الألم...ولم تنفرك رائحة اللحم المحروق وأطراف الجلد الملتهبة عن تعلمه
يا لك من مدمن...ويا لها من جبارة ((أم أنمار))
لم يلبس أغلى الملابس...ولم يركب أفخر أنواع السيارات...ولم نراه يقفز على مسرح ليفتن قلوب العذارى...ولم يتغنى بالكلمات
كل النجوم الآن صدأت عندما ذكرناه...فهو فقط يتألق...نعم يتألق
نزل خباب في الكوفة وبنى لنفسه بيتا متواضعًا عاش فيه حياة زاهدة، وبالرغم من هذه الحياة البسيطة، كان يعتقد أنه أخذ من الدنيا الكثير، فكان يبكى على بسط الدنيا له، وكان يضع ماله كله في مكان معروف في داره لكي يأخذ منه كل محتاج من أصحابه الذين يدخلون عليه، وفي مرضه الذي مات فيه دخل عليه بعض الصحابة، فقالوا له: أبشر يا أبا عبد الله، ترد على محمد الحوض، فأشار خباب إلى أعلى بيته وأسفله قائلاً: كيف بهذا؟! وقد قال رسول الله : (أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب)
أليس نجما
ليتنا نقتدي به ونتحمل من أجل إتباع سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم بعض المشقة...وبعض الألم....
أم أننا أدمنا الغفلة وأدمنا الراحة...
كان خباب مدمنا
نعم
مدمنا لحب القرآن لدرجة أنه لم يتمكن من التوقف عن تعاطيه وترتيله وحفظ حروفه في قلبه وعقله..بل وعلمه لمن حوله
بحق الله أخبرني
لأي شيء أدمنت أنت؟؟؟
الفقيرة إلى الله
أم البنين
[/color]